أيـقـونة الـتـحــرّر الـفـلسطـيـني
د. عبد القادر حسين ياسين

في كتابها "لـيلى خالـد ــ أيقـونة التحـرر الـفـلسطـيـني" ،الصادرعن دار Pluto Press في لندن،  تـتـبـّعـت الكاتبة البريطانية سارة إرفـينغ تطوّر المسار الثوري لليلى خالد،منذ ترحيلها من فـلسطين عام 1948حتى اليوم.

نصف قرن من النضال على مختلف الجبهات ،من المقاومة المسلّحة ضد العـدو الاسرائيلي إلى النضال النسوي والسياسي في عمان.


سيرى القارئ أن حياة ليلى خالد لم تخضع يوماً للازدواجية، بين عملها النضالي وتجربتها اليومية.

في هـذا الكتاب تـعـيـدنا الكاتبة البريطانية إلى حيفا 1948 ،وعمليات التهجيرالقـسري الممنهجة التي طالت أبناءها.

في ذلك العام اختبأت ليلى خالد الطفلة تحت الدرج، حين كانت العائلة تهمّ بمغادرة فلسطين إلى مدينة صور.

أمّنت المؤلفة خلفية سياسية وتاريخية مهمّة للمناخ الذي نشأت فيه ليلى خالد، وانطلاقاً منه، ستدشّن حياتها النضالية.


عـزَّز مناخ الأسرة وعي ليلى السياسي والاجتماعي: تشدُّد أمها التي كانت تمنع عـنهم المشاركة في الأفراح خارج بلدهم، وانخراط والدها اللبناني في النضال في حيفا تزامناً مع النكبة، وأحاديث إخوتها وأخواتها المنتمين إلى "حركة القـوميين العرب".

أما طفولتها في صور، فـقـد شهدت أيضاً أحداثاً،عـززت لديها الوعي لحالة الفلسطينيين المعـدمة، خصوصاً بعدما وقعت خيمة على رأسهم عام 1952 ، كانت تشكّل مدرسة اللاجئين الفلسطينيين.



اعتادت ليلى الخروج في التظاهرات، وتوزيع المناشير، ونقـل الطعام إلى المقاتلين في الصفوف الأمامية.

وهذا ما سيمنحها لاحقاً عضويتها الكاملة في "حركة الـقـوميين العـرب" ،وهي في بداية مراهـقـتها أواخر الخمسينيات، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى صيدا لدراسة البكالوريا.



هناك، التـقـت بمعلمة أمريكية إفـريقـية، وإحدى تلميذات مارتن لوثر كينغ،  كانت مدخل هذه الطالبة إلى تعرّفها إلى التمييز العـنصري،  وفهمها الفرق بين اليهودية والصهيونية.

كان لهذا اللقاء أثر على تطوّر وعي ليلى تجاه الاحتلال،  وتحويله إلى وعي واسع وأشمل للظلم.


السيرة المفصّلة التي أعـدّتها إرفينغ عبر سبعة فصول، من خلال المراجع، ومقابلات مع ليلى خالد وآخرين،  تحاول الابتعاد عن التصنيفات التي ألصقها الإعلام وبعض الكتاب بليلى خالد،  سواء المؤلّـفـين والمناضلين العرب الذين يكتفـون بتقـديسها، كأيقونة من دون الإلمام بتاريخها، أو اللذين صـنـّفـوها كـ "إرهابية" في الإعلام الغربي.


تكشف إرفـينغ الـنـقـاب عن الوجه الثاني لعمل ليلى خالد النضالي، وتضعه على بساط البحث والتحليل الشامل بعد مرور هذه السنوات.

تمرّ بنا على أمكنة ليلى خالد من حيفا إلى صور ، مروراً ببيروت والكويت والأردن ولندن والاتحاد السوفـيـيـتي، ومخيم اليرموك، وأخيراًعـمـَّـان.



تـتوقّـف الكاتبة عـند مرحلة الستينيات التي أدّت إلى ولادة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، المنبثقة عن "حركة القوميين العـرب" عام 1967،  وانضمام ليلى خالد إلى فـرع "العمليات الخارجية" في الجبهة.

في ذلك الوقت، بدأت تتبلور رؤية الجبهة لخطف الطائرات، بوصفها وسيلة لإخراج الأسرى من السجون الإسرائيلية ،  ولفت أنظار العالم إلى القـضية الفـلسطينية.


كلّ هذه الأحداث والظروف أسّـست لشخصية وملامح المناضلة، التي شبّهها الإعلام الغربي بالممثلة البريطانية أودري هـيبورن،  حين انتشرت صورتها إثر عملية خطف طائرة TWA 840 .



منذ تلك اللحظة، تجمّدت ليلى خالد في صورتها الأيقـونية الشهيرة، مع الكلاشنيكوف والكوفـية الفـلسطينـية مصوّبةً نظراتها إلى الأسفـل.

إلا أنّ ليلى كانت أول من أراد الابتعاد عـن هذه الصورة.

فالشابة العشرينية هربت مراراً من وسائل الإعلام،  وبدأت بالخضوع لعمليات لتغيير شكلها ، كي تنخرط في عملية الخطف الثانية عام 1970 التي باءت بالفـشل.


لا تكـتـفي إرفينغ بوصف تفاصيل العملية الأولى ومراحل الإعداد لها، مع وديع حداد الذي كان يهتم بأدق التفاصيل.

نقـلت إلينا مشاعر ليلى الإنسانة وهواجسها على متن الطائرة.



فـشل العملية الثانية بعد مـقـتل شريكها النيكاراغـوي على الطائرة،  سيكون مدخلاً إلى الفصل الثالث (أيلول الأسود) في الكتاب.

تزامناً مع اعتقال ليلى خالد في لندن،  شنّ الجيش الأردني أقـسى الهجمات على فصائل المقاومة الفلسطينية ،  ما أدى إلى انتقال الجبهة إلى بيروت التي مثّلت انطلاق القسم الثاني ، من نضال ليلى خالد بعـدما خرجت من السجن،  ملتحقةً مجدداً بصفوف مقاتلي الجبهة على الأرض،  فكانت بيروت حضناً لمختلف الفصائل الفلسطينية.


لا شكّ في أنّ الفصائل الفلسطينية اليسارية عرفت مشاركات نسائية مقاومة وقيادية كبيرة،  تركت تأثيراً على موقع المرأة الفلسطينية.

وبالطبع، أسهمت في ترسيخ اسم ليلى خالد.

ورغم أنّ البعـض يرى أنّ انخراط المرأة في العمل العسكري، يصبّ في خدمة دورها في المجتمع، يرى آخرون أنه وسيلة للمقاتلات، للتخلّص من عبء المجتمع المحافظ والاحتلال معاً،  كما تقول إرفـينغ على لسان بعض الناشطات.



ربّما كان الأمر صحيحاً.

ففي حين حظيت بعض النساء بفرصة القتال،  عانت أخريات من ثقـل الموروث التقـليدي للمجتمع الفلسطيني.



في الفصل الخامس تجري إرفينغ مقارنة بين موقع المرأة الفلسطينية، ونضالها العسكري في صفوف الفصائل اليسارية في الماضي ، وبين تراجع دورها اليوم في المجتمع الفلسطيني.



بعدما قبلت ليلى على مضض تمثيل الجبهة في "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، نزولاً عند طلب الدكتورجورج حبش، شهدت حياتها مفترقاً جديداً، تمثّل في النضال الفعلي والمباشر لأجل المرأة وظروفها.

أسهمت في أنشطة الحركة النسائية الفلسطينية،  وقادت مع رفيقاتها حملة لتغيير مواقف الجبهة تجاه النساء فيها،  وهذا ما دفع الجبهة لاحقاً إلى إدراج القضايا النسائية ضمن برامجها التعليمية والتثقيفية،  وتسلّم مجموعة من النساء مناصب في اللجنة المركزية للجبهة.





اليوم، تواصل ليلى خالد  نضالها في عـَمـَّـان ، من خلال بعض المؤتمرات والعمل السياسي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

وحتى اليوم، لا تغيب صورتها الأيقـونية بالكلاشنيكوف، رسمها الشباب الفلسطيني على جدار الفـصل العـنصري.

د. عبد القادر حسين ياسين