الأشجار تموت واقفة // الدكتور عبد القادر حسـين ياسـين

قبل ست وثلاثين عـامـاً، وفي مثل هـذا اليـوم ،  
وضعت أزمة قلبية مفاجئة حداً لحياة أحد أكبر القامات الشعرية الفارهة،
ولمناضل أساسي من مكونات النسيج الثوري الفلسطيني والعربي،
إنه الشاعر الفلسطيني مُـعـيـن بـسـيـسـو الذي توفي في لندن،
منهية بذلك غربة مـُـرَّة، وتنقلاً محموماً ،
شابه الكثير من المطاردات والاعتقالات والنفي ،
في أكثر من دولة عـربية.


ولـد مُـعـيـن بـسـيـسـو في مدينة غـزة ، في حي الشجاعـية،
في العاشر من تشرين الأول سنة 1928،


عـرفـته غـزَة التي أخرجته للعالم في طليعة الناس يتقدّم المظاهرات،
مرحباً بالموت، هاتفاً بشعـره ومن خلفه الجموع ،
رفـضاً لمشروع التوطين في سيناء مصر، والمطالبة بالسلاح.


لكنه حين غادرها ليلتحم بالمعركة التي استنسخ اسمها وضروراتها عنواناً لديوانه الأول،
خلجته النبوءة التي عـبـَّـر عنها بقوله:
"أخاف أن أموت تحت عـلم أجنبي"،
وربما هي من سخرية القدر أن يموت تحت علم الدولة التي جلبت الاحتلال،
بوعـدها المشؤوم على أرض فلسطين.


بين لحظتي الخروج والموت ثمة عـمر زاخر بخوض معارك الثورة،
وتأريخها شعـراً يكاد يشكل في فهم أبي توفيق لوظيفة الشعـر البنيوية ،
دعماً لوجستياً للمقاتلين، كالذخيرة والتموين، قـدَّمه على شكل دفقات ،
من الشعارات الهتافية التي ما زالت ترددها حناجر الثوار حتى اليوم ،
كــ "قـد اقبلوا فلا مساومة.. المجد للمقاومة"،
و"أنا أن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في السلاح"،
وبأسلوب وجداني يقوم على مبدأ السهل الممتنع؛
مما أكسب قـصيدته الأشبه بترتيلة حزن لحالة الفلسطيني المشرد،
والمحاصر، والمقاتل من أجل العـودة والعيش بحرية وكرامة مثل بقية شعوب العالم،
ونثره الذي تميز بالجمل القصيرة القاطعة الدالة، ومسرحياته الخالدة ،
جمالية وخطاباً فكرياً وشعبية ، أغـنـت الأدب الفلسطيني ،
بزخم هائل من القيم الإنسانية النضالية، في أعمال شعرية مثل:
"المعركة"، "المسافر"، "حينما تمطر الحجار"، "مارد من السنابل"،
"الأردن على الصليب"، "فلسطين في القلب"، "الأشجار تموت واقفة"،
"قصائد على زجاج النوافذ"، "جئت لأدعـوك باسمك"،
"آخر القراصنة من العصافير"، "الآن خذي جسدي كيساً من رمل"...


والأعمال النثرية: كـ "نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة"،
"يوميات غـزة ـ غـزة مقاومة دائمة"، "أدب الـقـفـز بالمظلات"،
"دفاتر فـلسطينية"، "مات الجبل، عاش الجبل"، "الاتحاد السوفيتي لي"،
"الشهيد البطل باجس أبو عطوان"،"88 يوماً خلف متاريس بيروت"...


تـلـقـى بسيسو علومه الابتدائية في مدارس غزة الحكومية.
التحق سنة 1948 بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بعد ما انهى دراسته في كلية غزة،
وتخرج عام 1952 من قسم الصحافة.


انخرط في العمل الوطني والديموقراطي مبكراً، وعمل في الصحافة والتدريس.
وفي 27 كانون الثاني 1952 نشر ديوانه الأول "المعركة".
سـُـجن في المعتقلات المصرية بين فترتين الأولى من 1955 إلى 1957 ،
والثانية من 1959 إلى 1963.


كان معين شـيوعـيًا فـلـسـطـيـنـيًا ، وصل إلى أن أصبح أمينًا عامًا ،
للحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة،
وفي عام 1988 عندما توحد الشيوعـيون الـفــلسطينيون في حزبهم الموحد،
أعلن بسيسو ذلك من على منبر المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد بالجزائر حينها ،
وظل معين عـضو اللجنة المركزية للحزب حتى وفاته.


مكانته الادبية
لقد اسند لمعين بسيسو مناصب ادبية مختلفة ومهمات نضالية كثيرة ،
فقد كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني،
وعضوا في الامانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
كما ربطته بكتاب الاتحاد السوفيتي (سابقا) علاقات حميمة، وقد تمثل ذلك في المشاركات المختلفة في اجتماعات اتحاد كتاب اسيا وافريقيا. ّ


حصل على جائزة اللوتس العالمية وكان نائب رئيس تحرير مجلة " اللوتس" ،
التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا.


وفاته
توفي إثر نوبة قلبية في أحد فنادق لندن يوم 23 كانون الثاني 1984.
ففي تلك الرحلة عاش معين بسيسو قمة العـطاء والتوهج ،
ولقد كتب قصيدة بعـنوان "السفـر" بهدف القاءها في امسية لندنية مشتركة ،
مع محمود درويش، وسميح القاسم.


في تلك الامسية كانت الانفاس الاخيرة لمعين بسيسو ...
فقد صابته ازمة قلبية حادة لم يستطع مقاومتها ، فـفـارق الحياة .


شكل موته هـزة كبيرة في وطنه فلسطين ،
ورثاه كثير من الشعراء والقادة، وكانت ابلغ كلمات الرثاء ،
تلك القصيدة التي رثاه فيها سميح القاسم ،
الذي لم يصدق ان معين بسيسو قد مات .


وعلى اي حال، فقد انتهت رحلة العمر، وعزائنا عن كل ما حدث له،
انه ترك ورائه أعـمالا ادبية ونضالية كثيرة.