الـمـنـاضـل الـفـلـسـطيـني جـاك خـزمـو:
رَحـيـل الـمـثـقـف الـعـضـوي
الـدكتـور عـبـد القـادر حسين ياسين*


"لـعَـمْـرُكَ ما الـرزّيـة فـقـدُ مال
ولا فـرسٌ تــمُـوتُ ولا بـَـعــيـرُ
ولـكّـنَّ الـرزيّـَـةَ فـَــقــدُ حُـــــرِّ
يـمُـوتُ بـمَـوتـه خَـلْـقٌ كـَـثـيـرُ ...!"
الــحـُـطـيـئـة


أحياناً يهربُ منك النص، تـفـرُّ الفـكرة.
ماذا تكتب حين يكونُ عـليك أن تكتب؟
غـيـَّـبَ الموت  يـوم الـجـمـعـة المـاضي ،
المناضل والإعـلامي الفلسطيني البارز جـاك خـزمـو،
فأخرجه فَحسْبْ، من صفِّ الأحياء بامتيازْ،
حيثُ أمضى عُمُراً قاربَ الـسـبـعـين عاماً، إلى صفِّ الخالدين،
حيث العُمْرُ يتواصلُ بلا نهاية .
وبرحيله فـقـدت فلسطين إعـلامـيـاً وباحـثاً مرموقـاً،
يحظى بالإحترام على المستوى الـعـربي،
ووطني فلسطيني تقدمي عـنيد ،
قضى جـلَّ عـمره وسخـَّر مـهـنـتـه في خدمة قضية شـعـبـه.،


وطـوال نـصـف قـرن كـان  كاتباً غـزيرالإنـتـاج  ،
ومحاضراً نشطاً ، وصاحب ظهور إعلامي متميز.



لكن الحديث عن جـاك خـزمو لا ينصف وحده الرجل،
الذي وهب حياته من أجل قضية فلسطين ،
فهو ايضا مناضل صلب ذو موقف جريء ،
لا يهادن فيما يعـتبره حقاً ،
ولا يساوم في ما يعـتبره من ثوابت شعـبه .
.لم يكن جـاك خـزمو يـومـا من مـثـقـفـي الصـالونات ...
وعـلى الرغـم من ثـقـافـتـه الموسوعـية ،
كان يـنـأى بنـفـسـه عن "الشـلـّـة" التي تـعـتـبر نفـسـها ،
"نـخـبـة النـخـبـةCrème de la crème...  ...
كـان الجميع ، مـن كل ألـوان الطيف ،  يحيط به،
ولم يكن مجلسه نخبوياً عاجـياً مقيتاً...
كان جـاك خـزمو دائم الحركة في تفكيره ،
وفي قراءاته للأحداث وفي استنتاجاته حولها. وهي شهادة له.
وإذ يـرحـل  بعد هذا العـمر المديد، الحافل بالعطاء ،
فإنه ترك لنا تراثاً كبيراً ومجيداً سيظل يتحدث عنه، ويذكر به،
وسيظل يبقيه حياً دائم الحضور بيننا...
تابعت جـاك خـزمو، وأزعم أنني قرأت كل مقـالاته ،
وأشهد أنه إعـلامي مـقـتـدر في مادته...
عندما وصلني نبأ رحيله ، ظللت للحظات صامتا في مكاني...
لم تصدر عني حركة،  حتى الأنفاس أحسستها متجمدة.
النبأ وحده أكبر من صمتي...
جلست  تغمرني وحدة عميقة وشعور بالـكآبـة لا يوصـف،
أستعيد لقاءاتي به ، وبرحيلـه أشعر وكأن جزءا حـمـيـما مني قـد إنـدثر!!
جـاك خـزمو؛ سـلامـا وتحيـة ،
ففي التحيـة الحياة...
التحية هي المحافظة على وديعتك التي  أودعـتـهـا ،
لدى كل من لا يزال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ،
وبأن الوعي النقـدي هو الطريق.
كتاباتك علمت الكثيرين ممن لا نعرفهم ؛ وهم ـ مع ذلك ـ بفكرك
ومواقفك في الثبات على المـبـدأ ، يواصلون طريق المقاومة :
أبجدية من أعطوا للبشـرية ، عبر تاريخها الحضاري الطويل،
الذي يمـتـد عبر آلاف السنين ، ما تستحق به الاقـامة على الأرض .
جـاك خـزمو؛ أيـهـا المقـدسي الفلسـطيني الكبير، ســلامـا...!!