من زمان تركتُ العيد طفلا يغفو على فرح الثياب الجديدة المعلقة فوق السرير ، ونفاذ صبر الحذاء اللماع قرب الوسادة بانتظار صباح العيد !
كبرتُ وتركت العيد طفلا لا يكبر ، يصحو مدهوشا على تكبيرات العيد ! يبدو كلما كبرنا صَغُر العيد !!
العيد فرح طفولي كان وما يزال له طعم " الهبل " الطفولي اللذيذ الذي يتطفل على جيوب الكبار من اجل الحصول على عيدية مجزية ، ينطلق بها الى اقرب ارجوحة ، او اقرب قاعة سينما يتفرج على فيلم " هرقل " او
فيلم كاوبوي لجوليانو جيما ، ليخرج من فيلم هرقل وفي يده سيف من بلاستيك ، ومن فيلم " الكاوبوي " وفي يده مسدس يرش الماء !!
ليعود الى البيت وقد انفق كل العيدية ليمارس من جديد " تهذيبه " قرب جيوب الكبار طالما ان عبارة " كل عام وانت وبخير" لقريب من العائلة كافية ان يمد يده الى جيبه لترن النقود المعدنية في عيدية جيدة !!
لاادري لماذا هذا الصباح ؟ صباح العيد اعود طفلا وانا في عمر الستين استعرض ذكريات العيد كالبوم صور بالابيض والاسود ، واضحك على حادثة طريفة حصلت لي يوم العيد في حمص سارويها لكم :
لم يكن على ايامنا كاميرات تصوير بالوان الديجتال ، مثل هذه الايام ولا تلفونات ذكية تلتقط الصور بلحظة ، جرت العادة في العيد ان نلتقط الصور عند مصور ارمني متجول يملك كاميرا ضخمة هي عبارة عن صندوق كبير لها مثل كم اسود اللون يدخل به المصور راسه لتحميض الصورة !
راق لي ان يلتقط لي صورة ! تأكدت ان نصف الليرة المعدنية في جيبي " ثمن الصورة " ، وجلست على الكرسي الخشبي امام الكاميرا الضخمة ، ومشط المصور لي شعري بمشط من عنده ، وبذل جهدا في "تزبيط " البوز المناسب ! والتقط الصورة ، وبعدها ادخل رأسه في الكم الاسود لتحميض الصورة ، في هذه الاثناء مددت يدي الى جيبي لاتأكد من النصف ليرة ثمن الصورة ، وكانت الكارثة لم اجدها في جيبي ! يا الهي ماذا افعل ؟ !والمصور المسكين راسه داخل الكم الاسود يحمض الصورة ، وانا بلا نقود واتخذت قراري ! و هربت راكضا ، وتركت المصور ورأسه في الكم الاسود !!!
المهم انا هربت وبقي المصور المسكين طيلة ايام العيد يعلق صورتي على صندوقه الخشبي ، يتفرس في وجوه الاطفال بحثا عني !!
لاادري لماذا اروي لكم هذه القصة اليوم ؟ ربما السبب هو حفيدي الذي يملك تلفون الاي افون بكاميرا ذكية يلتقط الصور بالوان الديجتال كما يشاء ، ووقت ما يشاء !!
وانا من زمان تركت العيد طفلا لا يكبر ابدا !!