جَسَدٌ أَنَثْوِي مُغْتَرِبٌ

تَوَحَّدَ فِي اللَّوْحَةِ، إنسابت نَظَرَاتهُ عَلَى كُل شَبَقِيَّتِهَا :
لَوْنُ إطارها مضبب، وَرْدَةٌ تَدَفَّقَتْ ألوانها لِلْتَوِّ، جَسَدٌ أَنَثْوِي مُغْتَرِبٌ مُسجى، يَفْسَحُ لَبَعْضِ الشّفقِ أَنْ يَنْدَلِعَ بِالْمَشْهَدِ، عَيُونٌ مَسَائِيَّةٌ تَتَفَقَّدُ أُفُقاً يَصْعَدُ بِبُطْءٍ، نَظَرَاتٌ مُوحِشَةٌ بِالشَّكِّ وَالْغُرْبَةِ، تمدُ يدها الْيُسْرَى صَوْبَ السَّمَاءِ تُحَاوِلُ أَنْ تَكْتَشِفَ سِرَّ الصُّعُودِ، صَاحِيَةٌ يَدُهَا وَهِي تَذْهَبُ بَعيدَا فِي إسراءها. يَدُهَا الْيُمْنَى مُنْفَرِدَةٌ بِنَهْدِهَا الصَّغِير، نَسِيَّ ذَاكَ السِّرِّ المُسّرى نَهْدَهَا ربما !! حَلَمَةُ نَهْدِهَا الأيسر شَهِيَّةٌ ومنتفضة فِي خَجَلٍ كَأَنَّهَا عَلَى بُعْدَ شَفَتَا رَضيعٍ ..
اِقْتَرَفَ نَظِرَاتٍ لِكَائِنِهَا السُّفْلِيِّ، يَبْدُو مُتْعَبَا بِالسُّؤَّالِ، وَندياً بِالرَّحِيلِ لَكِنْ لَا يَسْتَطِيعْ، يَتَدَجَّجُ اللَّيْلُ مِنْ حَوْلَه، يُطْفِئُ الشَّهْوَةَ شَيئَا فَشَيئَا وَيُلْهِبُهَا فِي آن !! جَمَالُ ذَاكَ اللَّيْلُ فِي اِنْتِماءِهِ الطَّبِيعِيَّ وَفِي هُوِيَّتِهِ الْمُجَاوِرَةِ، عُنْفُوَانٌ يُشْعِلُ وَيُطْفِئُ، يُقزِزُ وَيُرغِبُ .. يَمْنَحُ الشَّهِيَّةَ لِلْمَسَافَةِ يُنْهِيهَا وَيُخْلِدُهَا، يُدْرِكُ أَنْ اللَّذَّةَ مَحْضُ عُبُورٍ ..
رِجْلَاهَا نَائِمَانِ، مُعْتَنِقَانِ، بَيْنَهُمَا نَغْمٌ قَدِيمٌ يُصوب اللُّغَةَ بَيْنَهُمَا، يَنْزِفَ مُذْ مِيلاَدِهِمَا الصَّابِئ، يَنْتَشِرُ حزينا ويتلوى قُولَاً وصمتً، فَخْذَانِ طَاعِنَانِ فِي الرّغبَةِ، نَضِرَانِ بِالصُّبْحِ، مُدَلَّلَانِ بِبَوحِ النَّغْمِ كَأَنَّهُمَا غَرِيبَيْنِ شَاعِرَانِ سَكَّنَا بَعْضَهُمَا لِلْتَوِّ، يُغَامِرَانِ فِي الإعتراف وَيَقْتَبِسَانِ حِوَارَا مَجْنُونَا بإحتمال الْفِرَاقِ، يَتَأَوَّهَانِ حِينَ الإجتياح وَيَتَنَافَسَانِ عَلَى مَاءِ الْبَشَرِيَّةِ، يتصّعدان حِينَ يَنْهَمِرُ الضَّوْءُ، مُضَرَّجَانِ بلغةٍ تَفْهُّمُهَا الْعُيُونْ، رِجْلُهَا الْيسرى عَلَى الْيُمْنَىَ : أَفضليَةٌ فِي الْمَقَامِ، الْيسرى يَدْنُو مِنْهَا الشّفقُ الرَّاهِبُ وَعَلَى بُعْدِ قَلْبٍ، عَلَى عُنُقِهَا أَسَرَابُ جروح تَقْتَبِسُ شَكْلَ الأيادي الْبَدَوِيَّةِ، تُغْمَدُ حِينَ تَصْمُتْ، وَيَتَحَمَّسُ شَكْلُهَا عَلَى الْوَرِيدِ حِينَ يَمْضِي في النِّدَاءِ .
تَتَجَمَّلُ مَلاَمِحُهَا وَكَأَنَّهَا تَنْتَشِي عِطرَا، وشفتيها الْمُبَلَّلَتَيْنِ بِالتَّمَنِّي مُكورتان تَمْنَحَانِ النِّدَاءَ زَفْرَةً تَتَّسِعُ لَهَا، أَهِي {الآهُ} أَمْ {اللهٌ} !!!! شَعْرُهَا لَا يَدُلُكَ عَلَى شَيْءِ، قَدْ يَبْدُو كَزِفافٍ فِي خَرِيفِ عَابِرِ، أَوْ كَمَرَايَا تَسَعُ كُلَّ الأشكال وَالرُّؤى، أَشقرٌ شَهِيدٌ يَنْدَفِعُ بِجُرمٍ إِلَى خَصَرِهَا، تُسْجَى عَلًّى أَرَضٍ رَمادِيَّةِ الإنتشار تُكَابِرُ عَلىَ الألوان وَالْعُشْبْ، تَذْبَحُ فِي عَجْرَفَةٍ كُلَّ زَغاريدِ الْجَمَالِ، سَبْعُ سَابِلٍ تُقَاوِمُ بإيمان الْوِلاَدَةِ، تُكَسِّرُ زَهْوَ الأرض :
أَرْبَعٌ مُغْتَرِبَاتٌ قُرْبَ رِجْلِهَا الْيُمْنَى، وَثَلاثٌ يَمْتَشِقْنَ آية الذَّنْبِ قُرْبَ خَصرِهَا، وَوَرْدَةٌ وَسطى ...
عَبَرَ كُلَّ تَفَاصِيلِ اللَّوْحَةِ لِيَخْتَصِرَ الذُّهُولَ وَاللَّهْفَةَ، تَوَغُّلَ هَاجِسٌ :
هُنَالِكَ شَيْءٌ مَنْسِيٌّ !!!
تعتقت نَظَرَاتهُ بِعُمْرِ اللَّوْحَةِ وَتَفَاصِيلِهَا فِي كُلِّ اِتِّجَاهٍ ... أُوبْسْ هُنَاكَ خَلْفَ الْجَسَدِ وَقُرْبَ مَثْوَى الشَّفَقِ تَلُوحُ كَنِيسَةٌ شَاحِبَةُ النُّورِ كَسرابٍ فُض وُجُودُهُ، مَنَعَهُ ذَاكَ الْجَسَدُ الرَّاهِبُ مِنْ الإكتشاف كَعَادَةِ الشُّعَرَاءِ {كَمْ تُشْبِهُ الْكَنَائِسُ الْحَيَضْ}
قَصْفَ أَلَمُ الضّرسِ سَفَرَهُ الذاهل فَأَسْرَعَ بِقَضْمِ قَرَنْفُلِ