رد: حديث النفس

في رثاء الشاعر الغالي طلعت سقيرق

عادة أنا أتخطى الموت والحياة ..
وأتعامل مع الجميع على أساس أنهم أحياء ..
لا أتذكر الموت .. ولا أربط به من انتقلوا إليه ..
ولكني في بعض الأحيان أضعف ..
حين أرى صورتك كما هي .. لم تتجدد على بوابة نور الأدب ..
يأكلني قلبي .. ويقول لي ..
إنه الموت ..
لكني سرعان ما أستبدل الفكرة .. بل أطردها من كياني ..
ويعود إليَّ الضعف مرة أخرى ..
حين أرى عالمنا ينهار شيئاً فشيئاً ..
وقومي يتبدلون كالثياب .. ويتلونون بكل ألوان الضياع ..
أنتظرك ساعتها أن تشرح لي ماذا يحدث بالخارج ..
ولماذا تمطر السماء غضباً ..
ومتى سيتفتح هذا الغضب زيتوناً ونخلاً وعنباً ..
وحين يتأخر الجواب ..وتشتد العاصفة أقول ..
إنه الموت ..
لكني لا أستطيع إلا أن أحمل قلبي ..وأحدثه بفنجان من القهوة على سفوح الكرمل ..
وأتذكر صوتك ..
وحديثك ..
ونكاتك .. التي كانت تداعب النسيم من حولنا .. فيرقص طرباً ..
لماذا رحلت ؟
لن تجيببني
لماذا انقلبت الدنيا بالخارج ؟
لن تجيبني ..
هل سنعود ؟
لن تجيبني ..
نحن ماذا ننتظر ؟
لن تجيبني ..
لقد اشتقنا يا شاعرنا الغالي ..
اشتقنا .. وأكلنا الاشتياق ..
وليس في المدى البعيد سوى ..
حفنة اشتياق ..
وحفنة ضياع ..
فأين أنت لتشرح لنا سرُّ هذا الضياع .

يحدثني
كما لو أنني أنا أنا
هولم يدرِ بعد
أنني لم أعد أنا أنا
أنا هالة كبيرة من الفراغ
ونظرة متقدمة جداً إلى اللاشيء
أنا بحر من الأوهام يزبد ويرغي على شواطىء من السراب
ويحدثني كما لو أنني أنا أنا
وأنا مفرغة من أنا
وطيف أنا يجرني إلى المرآة
لأترك بصمة عليها
أنني كنت هنا قبل أن يأخذوا مني أنا .

ليس إنكساراً
ليس ضعفاً
هم سرقوا أنا مني
وبقيَّ لي الإطار فقط
وضعت فيه صورة أنا
لكن أنا لا روح فيها
هي صورة أنا فقط
هم من سرقوا مني أنا .

كم قلت لا
لا
وألف لا
لكن أنا خذلتني
ولم تصمد في وجه الريح
وأسلمت الروح باكراً
وبقيت أنا أكتب حروف أنا على ورق
وأطيرها في الهواء
حزناً على أنا
وصمتاً
حتى لا يكتشف سرُّ أنا
فقد سرقو أنا من أنا
وبقيتُ أنا مفرغة من كل شيء
وأنتظر اللاشيء بفارغ الصبر
على مقاعد من جليد
وريح غادرة تعبث بجدائلي في كل حين
وتهمس في أذني
لأجلك سرقت أنا
لأجلك سرقت أنا .

يا قابيل ويا هابيل
قطعتما قلب امكما

هل يموت الورد من الوحدة ؟

قالوا لي كن إنساناً
فكنت
وحين وجدت الإنسان يموت
قلت لا أريد
أريد أن أكون ورداً
الورد لا يموت .

حبيبتي
مري بشفتيك على جدار قلبي
اطبعي عليه ما شئت
وما استطعت من القبلات
قالوا لي
قبلات الحبيبة تحيي من الموت .

أنا يا رفاق هنا
نجوت من البرق والرعد وقافلة المطر
وأتيتكم حافية القدمين
أحمل بين يدي قلبي وقلمي
وورق أصابه البلل
من قبلات المطر
اشتقت لكم

الصمت

الصمت يحتل كل العناوين

حين يكون كل ما حولنا يطبق على أفواهنا .. ويكتم على أنفاسنا .. فبالتأكيد سيكون الصمت هو عنواننا ..

نحاول أن نتكلم ..

لكن الكلام الخارج منا لا يشبهنا ..

ولا يشبه أي شيء ..

هو كالفقاعات ..

نفرح لجمال شكلها ..

ولأنها احتلت حيزاً في حياتنا ..

ولأنها خرجت منا ..

ولكن بمجرد أن تلمسها أية أصابع ..

لو كانت أصابع طفلة بريئة ..

تفقع ..

ويذهب كل شيء داخلها سدى ..

ونقول في استغراب ..

أين ذهب الكلام ..

وأين غاب المتكلمون ؟

ويجيب الصمت ..

أنا وحدي أجوب المكان .