بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
كـيف يتـم نـَهـب الشــٌّـعـوب بإسم المعـونات الإنسانية؟/ الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
كـيف يتـم نـَهـب الشــٌّـعـوب بإسم المعـونات الإنسانية؟/ الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
كـيف يتـم نـَهـب الشــٌّـعـوب بإسم المعـونات الإنسانية؟/ الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
سبتمبر 27, 2017 في 10:56 م
في الشهر الماضي أصدرت دار South End Press، إحدى كبريات دور النشر في الولايات المتحدة الأمـريكية ، الطـبـعـة الثالثـة من كـتـاب “سـادة الـفـقـر” للدكتور غـراهام هانكـوك.
يثير عـنوان الكتاب الكثير من الأسئلة… فقد ظلت كلمة “السادة” تطلق على الأغنياء لأمد طويل، وإذا بهانكوك يطلقها على ظاهرة الفـقـر التي ينوء تحت ثقلها الملايين من البشر في كافة أنحاء العالم. وعندما نقرأ الكتاب نفاجأ بأرقام ووثائق هائلة يصعب علينا أن نصدق كل ما ورد فيها، وذلك بسبب غرابتها وبشاعة صورتها ، وتداخلها في شؤون عـديدة .
إلا أن الخبرة الصحفية الطويلة التي امتلكها غـراهام هانكـوك ،وعمله في وكالات الإغـاثـة الـدوليـة، ووجوده في تماس مباشر مع الناس في دول العالم الثالث، إلى جانب عمله في الوكالات الإنسانية، جعلتنا نصدق ما ذهب إليه من حقائق وأرقام وأحداث ووثائق.. بحيث أصبح الكشف عنها مثار تساؤلات ملحة..!
يقول هانكوك: “هذا الكتاب موجه ضد مجموعة البيروقراطية الغنية التي اختطفت من قـلوبنا الرحمة، والبيروقراطية التي أعـني هي أولئك الذين يديرون المعونة الغربية ثم يرسلونها إلى فقراء العالم الثالث بطريقة وصفها بوب غيلدوف مرة: “تشويه لفعل الكرم الإنساني”. ولهذا السبب ـ يوضح هانكوك ـ كان “هجومي منصباً بصورة مبدئية على منظمات العون الرسمية”.
وحين نتواصل مع الكتاب ، نتبين كم كنا في حالة غـياب تام عن العالم المحيط بنا، وكم استغفلتنا المنظمات الإنسانية، وكم كانت لا إنسانية في تعاملها مع البشر في كافة أنحاء العالم.. وكم كان مفهوم “الدعم” و”المساعـدة” التي يُعلن عنها.. كاذبة!! كذلك نتبين حجم الخسائر التي تدفعها البشرية من الأرواح والدماء والثروات والتضحيات، وكم يغدق على نفر محدود من الأموال باسم فقراء العالم.. حتى يكونوا هم السادة على الفقراء ـ العبيد! ولا يـمـلـك الـقـارئ إلا أن يتساءل عن الأسباب التي تكمن وراء الصمت عن ما ورد في هذا الكتاب من حقائق..
يقول هانكوك: “إن الغذاء المقدم من المجموعة الأوروبية كهدية، عادة ما تصحبه كثير من الشكاوى من المنتفعين ، بناء على قول عضو البرلمان الأوروبي رتشارد بالف: ” إنه من غير المقبول تماماً أن نقوم بتصدير غذاء لا نأكله نحن أنفسنا”.
وفي أعقاب انتشار الإشعاع الصادر عن حادث شرنوبل في روسيا عام 1986 تحولت كميات من الأغذية الملوثة التي تعتبر غير قانونية في أوروبا إلى شحنات “إعانة” .
ويكشف المؤلف عن المساعدات التي قدمتها إحدى المنظمات التطوعية الأمريكية الخاصة إلى كمبوديا إبان المجاعة الكبرى هناك في عام 1980 حيث تبين أن: “الغذاء كان قـديماً لدرجة أن أصحاب حدائق الحيوان رفضوا إعطاءه لحيواناتهم في سان فرانسيسكو، كما أن فعالية الأدوية قد انتهـت قبل خمسة عشر سنة”.
ويشـيـر المؤلف إلى أن منظمات الإغاثة قـامـت بشحن 800 حقيبة من أغذية الأطفال الفاسدة لأحد معسكرات اللاجئين في هـندوراس” ، و “تسلمت بتـشـوانا 500 طن من الألبان المجففة التي لم تضف إليها الفيتامينات، الأمر الذي يعتبر مخالفاً لأبسط القواعد البديهية”… وشحنت المجموعة الأوروبية 20 ألف طن من الذرة إلى مناطق موزامبيق المتأثرة بالمجاعة و “عـند وصول تلك الشحنة تـبـيـن أنها قديمة ، ومليئة بالحبوب المكسرة والأوساخ والطين ، وبذلك أصبحت غير صالحة للاستهلاك البشري، وشحنة أخرى من 30 ألف طن من الذرة أرسلت كمساعدة غـذائية لشعب النيجر، تبين عـند فحصها بواسطة المراجعين أنها لا يمكن أن تكون مقبولة حتى كغذاء للحيوانات” . و فيعام 1983 أوقفت المغرب استخدام 240 طناً من الشحوم لصناعة الصابون ، تبين أن الزيت يحتوي على أربعة أضعاف لأعلى معدل جرثومي مسموح به من قبل النظم الأوروبية، وأتلفت تونس 345 طناً من زيت الشحوم أكثر خطورة لاحتوائه على نسبة عالية من البروكسيد وتلوثه بالديدان” .
وعن الامتيازات التي يتمتع بها موظفو الأمم المتحدة يقول المؤلف: “إعفاءات جمركية في الكحول وغيرها.. ومرتبات عالية تبلغ في المتوسط 60 ألف دولار سنوياً، وبالمقابل فإن وزراء الحكومة الصوماليين الذين يتقاضون أعلى المرتبات، عليهم أن يعملوا ستين عاماً ليحصلوا على المبلغ نفسه”.
وعن ديون العالم الثالث يقول:
“إن إعادة دفع الأرباح وأصول الدين تكلف البرازيل مثلاً 5.5 مجموع العائد من صادراتها السنوية، وهو مبلغ يعادل الحد الأدنى لأجور 17 مليون عامل..” ويصل إلى حقيقة مفادها: “أن العالم الثالث هو نتيجة للمعونة الأجنبية، ومن دون معونة أجنبية ليس هناك عالم ثالث”. ويـنـسـب الـمـؤلف إلى الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشـارد نـيـكسـون قـولـه : “دعونا نتذكر بأن الهدف الرئيسي من المعونة ليس هو مساعدة الأمم الأخرى بل مساعـدة أنفسنا أيضاً.”.
وعن عمل الأمم المتحدة يوضح غراهام هانكوك: “إن العمل في الأمم المتحدة، في أي وظيفة قيادية يعني الانضمام للأرستقراطية المتميزة ، المنعزلة بصورة كامـلـة عن متاعب الحياة اليومية، ففي “منظـمـة الأغـذيـة والزراعـة” في روما هناك 800 فرداً تتراوح مرتباتهم بين ثمانين ومئة وعشرين ألف دولار في العام ً. إن رئيس جامعة الأمم المتحدة يتقاضى ما يعادل ثلاثة أضعاف مرتب رئيس وزراء النرويج، وكثير من موظفي الأمم المتحدة ، خاصة العدد المتزايد في الدرجات الممتازة، يتقاضون رواتب أكثر من أي موظف عام أمريكي عـدا رئيس الجمهورية.
مع كل هذه الأموال الضخمة… ماذا فعل هؤلاء أمام “420 مليون طفل في العالم الثالث لا يستطيعون الذهاب لأي مدرسة.. إنهم فقراء جداً لدرجة أنهم لا يستطيعون أن يأكلوا و 280 ألف منهم يموتون في كل أسبوع بسبب الظروف المصاحبة لسوء التغذية”.
ونجد في وصف البروفيسور بول سترتين من جامعة بوسطن ومستشار البنك الدولي من الدقة والموضوعية بحيث يمكن أن يوجز لنا الحقيقة حيث يقول:
“إن المرتبات العالية ومستوى المعيشة العالي الذي يعيش فيه هؤلاء الخبراء، يجعلهم بعيدين عن المجتمعات التي يعملون فيها. إنهم كالزهور التي ليست لها جذور سرعان ما تذبل”.وهكذا يتم إنشاء “مشاريع لا قيمة لها، بل هي أحياناً مؤذية لأولئك الذين يفترض أن يستفيدوا منها” …إنها “مشاريع تلبي حاجة بيروقراطيي الوكالات أنفسهم، وإشباع رغبات العاملين النفسية والمهنية والحاجات التجارية للمتعهدين ، الذين تشتري منهم المعدات والخدمات.. إنها ريح مريضة تلك التي لا تجلب لأحد خيراً”.
ويكشف المؤلف بالأرقام حجم الفوائد التي تجنيها الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وسواهما من برامج المعونة و تقديم الخبرات، ويبدو الحصاد مذهلاً!!
وفي الفيلبيين تم دفع (100) مليون دولار “للمجموعة الفنية التي استخدمتها ملكة الجمال السابقة اميلدا ماركوس، في تجميل حيطان منازلها المفضلة..” بينما كان حجم الدين الأجنبي الذي تعاني منه الفيلبيين قد بلغ 28 بليون دولار “.
وأنفق جان بيدل بوكاسا ، رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى ، على نفسه مبلغ: 22 مليون دولار كان من مجموع معونة ذلك العام من أموال دافعي الضرائب...وكان وضع التاج قد كلف 3 ملايين دولار.. والذي زينت قمته ماسة عظيمة، وقد برر بوكاسا كل هذه النفقات بقوله: “لا يمكن للمرء أن يصنع تاريخاً عظيماً بدون تضحيات… وهذه تضحية يتقبلها الشعب بكل طيبة خاطر”.
وفي زائير ـ البلد الأكثر فقراً- أصـبـح موبوتو أغنى رجل في العالم ، وعـنـد وفـاتـه قـدرت ممتلكاته بأربعـة بلايين دولار.. وفي هاييتي، قدم صندوق النقـد الدولي قرضاً بمبلغ (22) مليون دولار.. “وبعد يومين اكتشف فريق من الخبراء أن الرئيس جان كلود دوفالييه قد قام بسحب (20) مليون من هذا المال لاستخدامه الشخصي “.
هل يمكن المضي إلى ما لا نهاية مع هذا الكتاب ـ الوثيقة، والذي يكشف عن الأساليب التي تمارسها الولايات الـمـتـحـدة الأمريكيـة من خلال منظمة دولية، يفترض أن تكون معبرة عن آمال وطموحات الدول التي منحتها الثقة، فإذا بها تعبر عن سياسة أحادية لأمريكا وخدمة عملائها ، ودأبها أن يسود الفقر في العالم، حتى يكون الامتياز لمنظمة ترعى مصالح أمريكا بكل السبل..؟
وبـعــد ؛
هذا كتاب.. لابد أن يقرأ من قبل كل إنسان يبحث عن حقيقة ما يجري، حقيقة السلب والنهب والاستغلال التي تمارس ضد الشعوب في الـعـالـم الثـالـث.. لقد قدم لنا الدكتورغـراهام هانكـوك في هذا الكتاب أحد تجارب إيقاظ الوعي . إن رحلة القارئ بين صفحات هذا الكتاب ، الغنّي بمعلوماته، وأصالة تأويلاته، الغزير بمصطلحاته الجديدة أو المبتكرة ، ستكون دون شك مليئة بالإثارة والفائدة مـن خـلال الإطـلاع على إبداعات وكتابات وحقول معرفـية كثيرة قامت الامبريالية بتوظيفها واستغلالها، خدمة لأهدافٍ سياسية واقتصادية واستراتيجية واسعة النطاق .
سبتمبر 27, 2017 في 10:56 م
في الشهر الماضي أصدرت دار South End Press، إحدى كبريات دور النشر في الولايات المتحدة الأمـريكية ، الطـبـعـة الثالثـة من كـتـاب “سـادة الـفـقـر” للدكتور غـراهام هانكـوك.
يثير عـنوان الكتاب الكثير من الأسئلة… فقد ظلت كلمة “السادة” تطلق على الأغنياء لأمد طويل، وإذا بهانكوك يطلقها على ظاهرة الفـقـر التي ينوء تحت ثقلها الملايين من البشر في كافة أنحاء العالم. وعندما نقرأ الكتاب نفاجأ بأرقام ووثائق هائلة يصعب علينا أن نصدق كل ما ورد فيها، وذلك بسبب غرابتها وبشاعة صورتها ، وتداخلها في شؤون عـديدة .
إلا أن الخبرة الصحفية الطويلة التي امتلكها غـراهام هانكـوك ،وعمله في وكالات الإغـاثـة الـدوليـة، ووجوده في تماس مباشر مع الناس في دول العالم الثالث، إلى جانب عمله في الوكالات الإنسانية، جعلتنا نصدق ما ذهب إليه من حقائق وأرقام وأحداث ووثائق.. بحيث أصبح الكشف عنها مثار تساؤلات ملحة..!
يقول هانكوك: “هذا الكتاب موجه ضد مجموعة البيروقراطية الغنية التي اختطفت من قـلوبنا الرحمة، والبيروقراطية التي أعـني هي أولئك الذين يديرون المعونة الغربية ثم يرسلونها إلى فقراء العالم الثالث بطريقة وصفها بوب غيلدوف مرة: “تشويه لفعل الكرم الإنساني”. ولهذا السبب ـ يوضح هانكوك ـ كان “هجومي منصباً بصورة مبدئية على منظمات العون الرسمية”.
وحين نتواصل مع الكتاب ، نتبين كم كنا في حالة غـياب تام عن العالم المحيط بنا، وكم استغفلتنا المنظمات الإنسانية، وكم كانت لا إنسانية في تعاملها مع البشر في كافة أنحاء العالم.. وكم كان مفهوم “الدعم” و”المساعـدة” التي يُعلن عنها.. كاذبة!! كذلك نتبين حجم الخسائر التي تدفعها البشرية من الأرواح والدماء والثروات والتضحيات، وكم يغدق على نفر محدود من الأموال باسم فقراء العالم.. حتى يكونوا هم السادة على الفقراء ـ العبيد! ولا يـمـلـك الـقـارئ إلا أن يتساءل عن الأسباب التي تكمن وراء الصمت عن ما ورد في هذا الكتاب من حقائق..
يقول هانكوك: “إن الغذاء المقدم من المجموعة الأوروبية كهدية، عادة ما تصحبه كثير من الشكاوى من المنتفعين ، بناء على قول عضو البرلمان الأوروبي رتشارد بالف: ” إنه من غير المقبول تماماً أن نقوم بتصدير غذاء لا نأكله نحن أنفسنا”.
وفي أعقاب انتشار الإشعاع الصادر عن حادث شرنوبل في روسيا عام 1986 تحولت كميات من الأغذية الملوثة التي تعتبر غير قانونية في أوروبا إلى شحنات “إعانة” .
ويكشف المؤلف عن المساعدات التي قدمتها إحدى المنظمات التطوعية الأمريكية الخاصة إلى كمبوديا إبان المجاعة الكبرى هناك في عام 1980 حيث تبين أن: “الغذاء كان قـديماً لدرجة أن أصحاب حدائق الحيوان رفضوا إعطاءه لحيواناتهم في سان فرانسيسكو، كما أن فعالية الأدوية قد انتهـت قبل خمسة عشر سنة”.
ويشـيـر المؤلف إلى أن منظمات الإغاثة قـامـت بشحن 800 حقيبة من أغذية الأطفال الفاسدة لأحد معسكرات اللاجئين في هـندوراس” ، و “تسلمت بتـشـوانا 500 طن من الألبان المجففة التي لم تضف إليها الفيتامينات، الأمر الذي يعتبر مخالفاً لأبسط القواعد البديهية”… وشحنت المجموعة الأوروبية 20 ألف طن من الذرة إلى مناطق موزامبيق المتأثرة بالمجاعة و “عـند وصول تلك الشحنة تـبـيـن أنها قديمة ، ومليئة بالحبوب المكسرة والأوساخ والطين ، وبذلك أصبحت غير صالحة للاستهلاك البشري، وشحنة أخرى من 30 ألف طن من الذرة أرسلت كمساعدة غـذائية لشعب النيجر، تبين عـند فحصها بواسطة المراجعين أنها لا يمكن أن تكون مقبولة حتى كغذاء للحيوانات” . و فيعام 1983 أوقفت المغرب استخدام 240 طناً من الشحوم لصناعة الصابون ، تبين أن الزيت يحتوي على أربعة أضعاف لأعلى معدل جرثومي مسموح به من قبل النظم الأوروبية، وأتلفت تونس 345 طناً من زيت الشحوم أكثر خطورة لاحتوائه على نسبة عالية من البروكسيد وتلوثه بالديدان” .
وعن الامتيازات التي يتمتع بها موظفو الأمم المتحدة يقول المؤلف: “إعفاءات جمركية في الكحول وغيرها.. ومرتبات عالية تبلغ في المتوسط 60 ألف دولار سنوياً، وبالمقابل فإن وزراء الحكومة الصوماليين الذين يتقاضون أعلى المرتبات، عليهم أن يعملوا ستين عاماً ليحصلوا على المبلغ نفسه”.
وعن ديون العالم الثالث يقول:
“إن إعادة دفع الأرباح وأصول الدين تكلف البرازيل مثلاً 5.5 مجموع العائد من صادراتها السنوية، وهو مبلغ يعادل الحد الأدنى لأجور 17 مليون عامل..” ويصل إلى حقيقة مفادها: “أن العالم الثالث هو نتيجة للمعونة الأجنبية، ومن دون معونة أجنبية ليس هناك عالم ثالث”. ويـنـسـب الـمـؤلف إلى الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشـارد نـيـكسـون قـولـه : “دعونا نتذكر بأن الهدف الرئيسي من المعونة ليس هو مساعدة الأمم الأخرى بل مساعـدة أنفسنا أيضاً.”.
وعن عمل الأمم المتحدة يوضح غراهام هانكوك: “إن العمل في الأمم المتحدة، في أي وظيفة قيادية يعني الانضمام للأرستقراطية المتميزة ، المنعزلة بصورة كامـلـة عن متاعب الحياة اليومية، ففي “منظـمـة الأغـذيـة والزراعـة” في روما هناك 800 فرداً تتراوح مرتباتهم بين ثمانين ومئة وعشرين ألف دولار في العام ً. إن رئيس جامعة الأمم المتحدة يتقاضى ما يعادل ثلاثة أضعاف مرتب رئيس وزراء النرويج، وكثير من موظفي الأمم المتحدة ، خاصة العدد المتزايد في الدرجات الممتازة، يتقاضون رواتب أكثر من أي موظف عام أمريكي عـدا رئيس الجمهورية.
مع كل هذه الأموال الضخمة… ماذا فعل هؤلاء أمام “420 مليون طفل في العالم الثالث لا يستطيعون الذهاب لأي مدرسة.. إنهم فقراء جداً لدرجة أنهم لا يستطيعون أن يأكلوا و 280 ألف منهم يموتون في كل أسبوع بسبب الظروف المصاحبة لسوء التغذية”.
ونجد في وصف البروفيسور بول سترتين من جامعة بوسطن ومستشار البنك الدولي من الدقة والموضوعية بحيث يمكن أن يوجز لنا الحقيقة حيث يقول:
“إن المرتبات العالية ومستوى المعيشة العالي الذي يعيش فيه هؤلاء الخبراء، يجعلهم بعيدين عن المجتمعات التي يعملون فيها. إنهم كالزهور التي ليست لها جذور سرعان ما تذبل”.وهكذا يتم إنشاء “مشاريع لا قيمة لها، بل هي أحياناً مؤذية لأولئك الذين يفترض أن يستفيدوا منها” …إنها “مشاريع تلبي حاجة بيروقراطيي الوكالات أنفسهم، وإشباع رغبات العاملين النفسية والمهنية والحاجات التجارية للمتعهدين ، الذين تشتري منهم المعدات والخدمات.. إنها ريح مريضة تلك التي لا تجلب لأحد خيراً”.
ويكشف المؤلف بالأرقام حجم الفوائد التي تجنيها الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا وسواهما من برامج المعونة و تقديم الخبرات، ويبدو الحصاد مذهلاً!!
وفي الفيلبيين تم دفع (100) مليون دولار “للمجموعة الفنية التي استخدمتها ملكة الجمال السابقة اميلدا ماركوس، في تجميل حيطان منازلها المفضلة..” بينما كان حجم الدين الأجنبي الذي تعاني منه الفيلبيين قد بلغ 28 بليون دولار “.
وأنفق جان بيدل بوكاسا ، رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى ، على نفسه مبلغ: 22 مليون دولار كان من مجموع معونة ذلك العام من أموال دافعي الضرائب...وكان وضع التاج قد كلف 3 ملايين دولار.. والذي زينت قمته ماسة عظيمة، وقد برر بوكاسا كل هذه النفقات بقوله: “لا يمكن للمرء أن يصنع تاريخاً عظيماً بدون تضحيات… وهذه تضحية يتقبلها الشعب بكل طيبة خاطر”.
وفي زائير ـ البلد الأكثر فقراً- أصـبـح موبوتو أغنى رجل في العالم ، وعـنـد وفـاتـه قـدرت ممتلكاته بأربعـة بلايين دولار.. وفي هاييتي، قدم صندوق النقـد الدولي قرضاً بمبلغ (22) مليون دولار.. “وبعد يومين اكتشف فريق من الخبراء أن الرئيس جان كلود دوفالييه قد قام بسحب (20) مليون من هذا المال لاستخدامه الشخصي “.
هل يمكن المضي إلى ما لا نهاية مع هذا الكتاب ـ الوثيقة، والذي يكشف عن الأساليب التي تمارسها الولايات الـمـتـحـدة الأمريكيـة من خلال منظمة دولية، يفترض أن تكون معبرة عن آمال وطموحات الدول التي منحتها الثقة، فإذا بها تعبر عن سياسة أحادية لأمريكا وخدمة عملائها ، ودأبها أن يسود الفقر في العالم، حتى يكون الامتياز لمنظمة ترعى مصالح أمريكا بكل السبل..؟
وبـعــد ؛
هذا كتاب.. لابد أن يقرأ من قبل كل إنسان يبحث عن حقيقة ما يجري، حقيقة السلب والنهب والاستغلال التي تمارس ضد الشعوب في الـعـالـم الثـالـث.. لقد قدم لنا الدكتورغـراهام هانكـوك في هذا الكتاب أحد تجارب إيقاظ الوعي . إن رحلة القارئ بين صفحات هذا الكتاب ، الغنّي بمعلوماته، وأصالة تأويلاته، الغزير بمصطلحاته الجديدة أو المبتكرة ، ستكون دون شك مليئة بالإثارة والفائدة مـن خـلال الإطـلاع على إبداعات وكتابات وحقول معرفـية كثيرة قامت الامبريالية بتوظيفها واستغلالها، خدمة لأهدافٍ سياسية واقتصادية واستراتيجية واسعة النطاق .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف! /// الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف!/ الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» ذاكـرة لـجـيـل كـامـل الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» الـمَـعِـيـن الـذي لا يـنـضـَب الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» رَحـمـَة بالـقـُـرَّاء..! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» صـنـاعـة الـتـخـلـّـف!/ الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» ذاكـرة لـجـيـل كـامـل الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» الـمَـعِـيـن الـذي لا يـنـضـَب الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ميساء البشيتي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» قبر واحد يكفي لكل العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:18 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج
» جربت تنام بخيمة؟ بقلم اسماعيل حسين
الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 11:00 من طرف خيمة العودة
» يسألني الياسمين ... ؟
الأحد 25 فبراير 2024 - 11:19 من طرف سلامة حسين عبد النبي