اسـتـبـاحة الـكـيـانـيـة الـفـلـسطـيـنـيـة بـرمَّـتـهـا..!! الدكتور عـبدالقادر حسـيـن ياسين
ديسمبر 18, 2017 في 9:20 ص
لكل شعب من الشعوب رموزه الوطنية ممن صنعوا أو ساهموا،
بصنع تراثه الحضاري والثقافي والوطني .
ويحفل التاريخ وتختزن ذاكرتنا بأسماء بارزة عديدة،
على مر العصور ساهمت في صناعة أوطانها.
وفي حالة الشعب الفلسطيني لم يعد الفرد يمثل أسطورة،
أو نموذجاً متفرداً، بالرغم من حالات البطولة الفردية المذهلة،
التي برزت من خلال ملحمة الجهاد والنضال الفلسطينية،
المتواصلة منذ أكثر من قرن من الزمان….
فالفرد هنا أصبح نموذجاً لظاهرة عامة، نموذجاً متوحداً في ذاته،
مع مجموع السكان في مواجهة الغاصب…
والتحدي الحضاري ،والثقافي والنضالي الفلسطيني،
أصبح النقيض للمشروع الإسرائيلي الصهيوني بمجموعه،
فالبطل في مواجهة عصابة القتلة،
والشعب الفلسطيني هـنا هو البطل الجماعي.
لا نسوق هذا الحديث من موقع العصبية الشوفينية،
بل من واقع المعاناة اليومية بكل جزئياتها للإنسان الفلسطيني حيثما وجد..
في المنافي والشتات، أوعلى امتداد مساحة الوطن الفلسطيني ،
أو ما تبقى من هذا الوطن في ظل هذه الهجمة الصهيونية ضد كل ما هو فلسطيني..!!
فالجسد الفلسطيني الطاهر يلقى بظلاله الآن،
على كامل مساحة العالم العربي،
وشلال الدم الفلسطيني لا يزال يتدفق على تراب هذا الوطن،
لينبت شقائق النعـمان الفـلسطينية..!!
ففي رام الله، وخان يونس، وجنين، ورفح، وبلاطة، وجباليا، والخليل،
ودير البلح، وبيت لحم، وبيت لاهيا، ونابلس، والقرارة، والقدس،
وغزة كما في طولكرم وقلقيلية وكل قرى فلسطين، كذلك في كل المخيمات،
نموذج حضاري واحد لشعب يقاوم أعتى هجمة تطهير عرقي،
لم يعرف لها التاريخ الحديث مثيلا..!
هكذا يتحول الفلسطيني في الوطن المحتل إلى صخرة صلدة،
صلبة منزرع في أرضه بوجه آلة الدمار والحرب الصهيونية.
ففي مخيمات البطولة والصمود على أرض الوطن،
حيث تسقط الشمس كل يوم من عليائها فوق الأزقة الضيقة،
وأسطح البراكيات، وبيارات الليمون، تنبت معها مئات السواعد،
التي تقاوم هذه الهجمة الصهيونية الشرسة…
ولم تعـد الهموم الذاتية هي الهاجس، فقد توحدت الهموم الذاتية مع الهم الأكبر،
والمهمة الأعظم وهي التصدي للعدوان الصهيوني وطرد الاحتلال،
فلا حلول للمشاكل الذاتية بصورة جذرية،
ما دامت المسائل الوطنية لازالت عصية عن الحل، والفرد ملتحم مع الكل.
لقد انتصب الفلسطيني كماردٍ عملاق، وانتصبت المخيمات الفلسطينية ،
وتحولت البراكيات إلى متاريس من المقاومة التي لا تهزم،
ودبت الحياة في زنود الكهولة، وعـقـصت صبايا المخيم جدائل شعرهن،
واحتللن بجانب الرجال مواقع البطولة والفـداء.
إن شعبنا الفلسـطيني يقاتل بالزجاجات الحارقة والطلقة والسكين ،
لقد أصبحت أسماء المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية،
أسماء لأبطال ساهموا بصنع الملحمة الفلسطينية.
لقد حولت السواعـد الفلسطينية حجارة المخيمات إلى عنوان كبير للنصر،
وأثبتت بالملموس، أن شعباً صغيراً، وبأسلحة متواضعة،
إذا ما توفرت له الإرادة الصلبة، والقيادة الحكيمة، قادر على إلحاق الهزيمة بالعدو.
أسوق هذا الكلام، كمقدمة لعرض نماذج وطنية حية،
لمواطنين فلسطينيين عاديين جداً، انتماؤهم لفلسطين،
ساهموا مع آخرين مجهولين، ولا زالوا، بصنع هذا التاريخ المشرق،
لشعب أجاد حمل السلاح فكراً وعملا،
مستلهمين من روح الأجداد محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي،
وعز الدين القسام، وعبدالرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة وعبدالقادر الحسيني،
قوة الشكيمة، ومن الثورة الفلسطينية، عنـفـوانها وصلابتها،
ومن “الـيـرغـول” أنشودة البقـاء.
ما أعظم هذا الشعـب الذي يتبارى فيه الطفل مع الشباب،
الشيخ مع الصبية على الشهادة، وتقديم فريضة الجهاد والتضحية،
من أجل الوطن في معركة الاستقلال الفلسطيني الأخيرة،
والذي عـبـَّر شلال الدم النازف عن هذا القـرار المصيري.
ففي كل يوم تزدان الصورة، ويكبر العطاء في أسطورة أبدية،
من أجل فلسطين الوطن، فلسطين الأرض والماء والهواء والسماء ،
وصوت عصافير الانتفاضة تدق باب كل قـلب،
أعمته الدعاية الصهيونية الأمريكية، وضللت قـلبه أكاذيب برانت،
الذي وصف دفاع الفلسطينيين عن أرضهم وعـرضهم وحقهم في الحياة بالإرهاب..!!
إن العدوان الهمجي والحاقد، وحرب الإبادة المنهجية ،
التي تقوم بها قوات العدو الصهيوني بحقـد عـنصري لا حدود له،
من إعـدامات عـشوائية واعـتقالات جماعية، وعمليات تدمير لكل مظاهر الحياة،
وتدمير البنية الفلسطينية البشرية والتحتية،
أهم ما يتميز به الإرهاب الإسرائيلي،… أنه “إرهاب منظم”،
فهو يتم بتخطيط وتنفيذ أجهزة ودوائر الدولة الرسمية،
إن الهدف الرئيسي للارهاب الإسرائيلي هو القضاء على أكبر عدد من الفلسطينيين،
ودب الرعب في نفوس من يبقى حياً لاجباره على ترك وطنه،
الذي يعتبره الصهاينة دولة لليهود فـقط.
في كتابه ” الســلام البـعـيد الـمنال” يقول الكاتب البريطاني آلن هارت،
أنه في الرابع والعشرين من  آب 1982 استدعى أرييل شارون،
المبعوث الأمريكي فيليب حبيب وبدا الجنرال في غاية الهياج،
وضرب على الطاولة وقال:
من هم هؤلاء الفـلسطينيون، إنهم ليسوا كالعـرب …
ولا يهربون من الحرب، لقد قصفـتهم بكل شيء…
فـقـل لعـرفات إنه لم يتبق لدي سوى قـنـبـلـتي النووية”.
إنه نفس القاتل في قـبية والسموع وصبرا وشاتيلا وقـطاع غزة….
إن العدوان الإسرائيلي الحالي ليس لاستباحة الدم الفلسطيني فحسب،
بل إن العدو الصهيوني يحاول استباحة الكيانية الفلسطينية برمتها،
ومحاولة إسقاطها من المعادلة السياسية.
فـلـنـلـقـن هذا العـدو درساً آخر من دروس التضحية والجهاد والاستشهاد،
ولنلاحقه بقلوبنا المليئة بالإيمان بعـدالة قضيتنا،
وبأيدينا العارية إلا من نبض الكرامة والإباء،
لتبقى الحقيقة كبيرة بحجم الشهداء والتضحيات،
ولنردد معاً ونحن نخوض هذه الحرب تحت شعار “نكون أو لا نكون”:
قـد أقـبـلـوا… فـلا مـُسـاومة…
الـمـجـد لـلـمـقاومـة…!