بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
ما هي الصورة النمطية Stereotype للعـرب في الغـرب؟
خصصت مجـلة “Neue Politik” (السياسة الجديدة) الألمانية ،
عددها الأخير لاستعراض بعض الصور النمطية لشعوب العالم الثالث،
كما تبدو لقطاع كبير من الرأي العام الألماني.
وكما كان متوقعاً، فقد استأثر العرب بحصة الأسد من الانطباعات السلبية ،
التي تكرست على مدى العقود الأخيرة في أذهان الأوروبيين.
“يدخل العرب إلى الشيراتون أو الدورشستر بعد جولة هادئة في حدائق الهايدبارك…
وفي المساء لا بد من قضاء سهرة حمراء في نادي “Play Boy“…
يشترون القصور في الريف الانجليزي،
وملايين الأسهم في شركة krupp (أكبر المؤسسات الصناعية في ألمانيا) ،
وملايين السندات في “وول ستريت” Wall Street (حـيّ المال ورجال الأعمال ووسطاء البورصة في نيويورك)”.
“يطلبون آخر موديل من سيارات “المرسيدس” ،
مصممة لأذواقهم واحتياجاتهم الشخصية…
ولتجهيز قصورهم ومنتجعاتهم المنتشرة بين الريف الإنكليزي،
والريفيرا الفرنسية، والغابة السوداء الألمانية، تصنع لهم – خصيصاً-
الحمامات المذهبة في باريس، وتـنـتعـش- بسبب طلباتهم- فنون الحفر ،
على الخشب في إيطاليا وتزيين السقوف في بريطانيا”.
“يرتدون قمصاناً من الحرير ذات أزرار ذهبية،
وأحذية مفـصلة من جلود الأفاعي الإفريقية…
يمضون سحابة يومهم في يخوتهم الخاصة،
التي يقودها قباطنة يونانيون.. ويحولون ليلهم إلى ليلة من ألف ليلة وليلة،
معيدين بذلك أمجاد قومهم في غابر الزمان” [كـذا …!!].
هـل هـؤلاء، حـقاً، هـم العـرب؟
يبدو أن هيئة تحرير المجلة لم تسمع بعد أن ثمة ملايين من العـرب ،
ما زالوا يعيشون في بيوت مبنية بحجارة “الدبش” دون إسمنت،
وحيث لم يعرفوا بعد شيئاً سحرياً اسمه الكهرباء،
يموتون ويدفنون في حفرة صغيرة في حواكير التلال الجافة ،
تحت شجرة تين عـارية الأغـصان.
في “خـشـَّبـيـات” بيروت، كما في بيوت الطين المتناثرة في مكان ما ،
قرب طريق صحراوي، كما في خيام البدو الباحثين عن أعـشاب الربيع،
وبقاع الماء الراكد لقطعانهم التي يـقـتـلها الجفاف،
كما في بيوت عـمـَّان المتكدسة صاعدة التلال تنتشر فوقها أحبال الغسيل،
وكما في أزقة تونس المغـلـفة ببخار التاريخ ، والفقر اليومي الأسود،
ينتشر عـرب كثيرون، عشرات الملايين، لم يغادر أي منهم قريته منذ أن أبصر النور…
وثمة عـرب يـنـتـصبون بإباء دام 70 عاماً في مخيمـات الدهيشة ،
والعـرّوب والجـلزون وبلاطة وعـقـبة جبر وعين السلطان ،
والشاطئ والنصيرات وصبرا وشاتيلا واليرموك والوحـدات، إلى أن يذووا كأوراق جافة أو تتناثر أشلاؤهم في انفجارات الفجر.
هـناك عـربٌ، أيها السادة الأفاضل، في أطراف الصحراء ،
يخرجون إلى الشمس مُغمسين بالزيت اللألاء،
وثمة عـربٌ يدخلون مكتبة الجامعة في ستوكهولم أو غـوثـنـبـيـرغ ،
أو أكسفـورد أو السوربون أو هارفارد أو هـيدلبيرغ أو موسكو أو حتى طوكيو ،
يغـترفـون من الرفـوف عـصارة تاريخ المـعـرفة الإنسانية،
يلوكونه كما يلوكون الـقـات في مجالس صنعاء في اليمن السـَّعـيـد!!
وثمة عـربٌ، على درب قـروي غير معـبد،
يجهدون في تعب الصعـود وراء حمار لاهـث ،
يحمل ما قـطـفـته أصابع نسائهم من الزعـتـر والميرمية ،
والأعشاب البرية الأخرى يبيعونها في سوق البلدة،
يشترون بها قـوت اليوم، أو الدواء الأخير لأحد أطفالهم المختنق بالحمى.
وهؤلاء لم يشاهدوا يوماً سيدات “المجتمع المخملي” ،
وثيابهن الباذخة (التي تمتزج في تصميمها وإخراجها ،
أنامل بيير كاردان، وغي لاروش ونينا ريتشي وايف سان لوران) ،
في فـنـدق الشام أو الماريوت أو الشيراتون.
وثمة عـرب في مختبرات وكالة الفـضاء الأمريكية NASA في هيوستن،
يجلسون أمام الحاسب الآلي يراقـبـون ما أسهـمت في خـلـقـه أيديهم وعقولهم البارعة،
ينطلق في آخر مركبة فـضائية تنتجها أمريكا…
يبدو أن أجهزة الإعلام في “العالم الحـٌر” لم تسمع بأي من هذه العينات،
ذلك أنها لا ترى إلا “عـرب النـفـط” ،
وتصر على أن ترتبط شخصياتهم بالجـنـس والـقـصص المثيرة.
ما هي الصورة الحقيقية للعـرب في العالم؟
تغـيم في الرأس ضبابة كبيرة سوداء، ويمخره شـئ من الدوار،
وترتجـف الأهـداب وهي تواجه الصورة، المقـطعة، المتكـدسة،
المتناقـضة المنهـكة للعرب في البال ، وفي الدم وفي التاريخ الحديث.
أمس أغـرقـت العـربي بالمحبة، بالطموح إلى أن أراه يندفع في مواكب المعرفة،
في مسارب الحضارة، حراً كريماً أبياً، شامخ الرأس،
مليئاً بوهج تاريخ مشرق، وبوعـد بمستقبل أكثر إشراقاً مشبعاً،
معافى، مغموراً بالأمل.
لكنه فجأة تهاوى فوق إسـفـلت الطريق.
كانت قـدماه مـثـقـــلـتـيـن بالسلاسل التي يُجرجرها ،
من غياهـب الماضي إلى آخر قلاع الاعـتـقـال في العـواصم العـربية المشـعـشـعـة..
وفي قصور الولاية كان يهدر أسيراً لحمى الملك،
لشبه السلطة التي لا تعـرف غير نفسها صنماً تـعـبده،
حالماً بقمر كاليغـولا، بروما نيرون، بأرض تنـفـرش لخطواته المهيبة ،
ذهباً وزمرداً وبقايا عـظام.
في مقـصف الجامعة كان يـنـتـفـض في عـينيه كبت السنين الطوال،
ـيـغـلف جـسـد الصبية العابرة بغلالة ساخنة من الشبق،
ويـُعـريه ألف تـعـرية وهي تعبر بين الباب و”الدكة” الطويلة،
المرصوفة بأطباق اللحم والخضار، بالمنسف والدجاج واللبن،
وبأسماء أطباق العالم المتناقضة الأخرى،
ومن النافـذة العـربية يتدفق الصوت الرخيم، مسافراً عبر الفضاء اللازوردي ،
يدعو إلى صلاة الـعـصر.
أيـن يـقـف العــرب في الـعـالـم؟!
يـقـبـعـون في “الهامش”، خارج العالم …
يغـرفـون من الأرض عطاءها السمح، جهد ملايين السنين،
دون مقابل ، يهدونه إلى مصانع الغرب وسياراته ومختبراته ،
وفنادقه ودباباته و طائراته وصواريخه.
ويعود العطاء السمح جلوداً مصنعة، وسيارات وطائرات ،
ومدافع وقنابل وآلاف السلع الاستهلاكية البراقة اللامعة.
يغريهم البريق، يظنون أنهم أصبحوا سادة العالم ،
والتقدم الحضاري (أو على الأقل، أحد أسياده) لكنهم، هم القابعون في الأرض،
لا يصدرون ولا يتحولون: يظلون خاماً تفـرقه سفسطة العالم ،
ومعرفتهم الماكرة بنوازعه الدفينة، وبهواجسه وخبثه وثقافـتـه.
يـُصبحون هم موضوعاً للمعـرفة والتحـليل والدراسة والـتـفـسير والتأويل،
و كأنهم حشرة تحت المجهر، أو قـطعة لحم للتشريح،
أو كائناً بدائياً على شفا الانقـراض لا بد من أن يـُرصد ويُحلل، ويدون،
وتدخل تفاصيله ومواصفاته في ذاكرة الحاسب الآلي في مراكز الثقافة المهيمنة،
لكي لا تـفـقـد حـلـقة من حلقات المعرفة الثمينة بالتطور التاريخي ،
لدى باحثي الغرب وواضعي نظرياته العرقـية والانثروبولوجية ،
الثقافية العامة والبيولوجية، بل وتلك التي تهتم بهندسة البناء ،
وتطورها من الكوخ المصنوع من أغصان الشجر إلى الخيمة إلى ناطحات السحاب.
أما هـم (العـرب)، في لألأة الـفـتـات الذي يـفـيـض عليهم،
فإنهم يمتلئون بأنفسهم ويتعاظمون في أعـينهم حتى ليكادوا ينطحون السماء…
يتوهمون، في رونق مجدهم، أنهم قادرون على أن يشتروا الآلات بالنفط،
والشوارع المرصوفة المضاءة المزينة بالنفط،
والأرض المزروعة المحروثة المنتجة بالنفط،
وجبال الجليد من الدائرة القطبية الشمالية بالنفط،
وحمامات البيلسان الرخي بالنفط،
وآخر ما أنتجته مصانع العالم من مقاعد “التواليت” بالنفط،
والـعــقـل الخـلاق المـبـدع بالـنـفـط.
يشترون الورق والحبر وآلة الطباعة والتجليد والخرازة والقـطاعة بالنفط.
ويضعون كل هذه الأشياء في سلة ويحلمون بكتاب لهم.
لكن هذه الأشياء تظل جـثـة فلا تـنـتـج كـتـاباً.
ويشترون الأسمنت والأبنية الجاهزة والحديد والمختبرات ،
والمقاعـد وألواح الكتابة والطباشير والمخططات ،
ويكومونها في فـضـاء على مدى النظر.
يريدونها أن تكون “دار حكمة” تـعـيد أمجـاد المـأمون ،
وتـتـكـدس هذه الأشياء لكنها لا تصير جامعة.
فيشترون الكتاب والجامعة، ويحلمون بأن تكون لهم بعدهـما ،
معـرفة وعـلـم وتـقـنـيـة يستطيعون بها أن يوازوا العالم، بل أن يتجاوزوه.
لكن الحلم يبقى حلماً، وثرثرة في فراغ ،
يغـُـصّ بالآلات والأجهزة والعـقـول المستوردة ،
ويـنـقـصه، حتى الفـجـيـعة، الإنسان.
تغـيـم الصورة الفاجعة من جديد، ويمخـُر الرأس دوار أسود،
وتتقاطع أطراف العـرب وأعضاؤهم وثيابهم ،
ومطامحهم وإخفاقاتهم بألف صورة هاجمة من التاريخ،
من الداخل والخارج، من الأقمار الصناعـية التي ترعـب الفضاء بأسلحتها النووية،
والسـيـوف والخناجر المعـلـقة على خـصور العـرب في أزقة مدينة ما،
في مكان ما، من خريطة رمادية تتقاطع فيها الأشياء، ثم تدور في دوامة مدوخة.
وينبثق العرب من القلب، رغم كل شئ، منغمسين،
بحب حزين، بأمل منكسر، وبـوعـد بالمُـحـال.
ما هي الصورة النمطية Stereotype للعـرب في الغـرب؟
خصصت مجـلة “Neue Politik” (السياسة الجديدة) الألمانية ،
عددها الأخير لاستعراض بعض الصور النمطية لشعوب العالم الثالث،
كما تبدو لقطاع كبير من الرأي العام الألماني.
وكما كان متوقعاً، فقد استأثر العرب بحصة الأسد من الانطباعات السلبية ،
التي تكرست على مدى العقود الأخيرة في أذهان الأوروبيين.
“يدخل العرب إلى الشيراتون أو الدورشستر بعد جولة هادئة في حدائق الهايدبارك…
وفي المساء لا بد من قضاء سهرة حمراء في نادي “Play Boy“…
يشترون القصور في الريف الانجليزي،
وملايين الأسهم في شركة krupp (أكبر المؤسسات الصناعية في ألمانيا) ،
وملايين السندات في “وول ستريت” Wall Street (حـيّ المال ورجال الأعمال ووسطاء البورصة في نيويورك)”.
“يطلبون آخر موديل من سيارات “المرسيدس” ،
مصممة لأذواقهم واحتياجاتهم الشخصية…
ولتجهيز قصورهم ومنتجعاتهم المنتشرة بين الريف الإنكليزي،
والريفيرا الفرنسية، والغابة السوداء الألمانية، تصنع لهم – خصيصاً-
الحمامات المذهبة في باريس، وتـنـتعـش- بسبب طلباتهم- فنون الحفر ،
على الخشب في إيطاليا وتزيين السقوف في بريطانيا”.
“يرتدون قمصاناً من الحرير ذات أزرار ذهبية،
وأحذية مفـصلة من جلود الأفاعي الإفريقية…
يمضون سحابة يومهم في يخوتهم الخاصة،
التي يقودها قباطنة يونانيون.. ويحولون ليلهم إلى ليلة من ألف ليلة وليلة،
معيدين بذلك أمجاد قومهم في غابر الزمان” [كـذا …!!].
هـل هـؤلاء، حـقاً، هـم العـرب؟
يبدو أن هيئة تحرير المجلة لم تسمع بعد أن ثمة ملايين من العـرب ،
ما زالوا يعيشون في بيوت مبنية بحجارة “الدبش” دون إسمنت،
وحيث لم يعرفوا بعد شيئاً سحرياً اسمه الكهرباء،
يموتون ويدفنون في حفرة صغيرة في حواكير التلال الجافة ،
تحت شجرة تين عـارية الأغـصان.
في “خـشـَّبـيـات” بيروت، كما في بيوت الطين المتناثرة في مكان ما ،
قرب طريق صحراوي، كما في خيام البدو الباحثين عن أعـشاب الربيع،
وبقاع الماء الراكد لقطعانهم التي يـقـتـلها الجفاف،
كما في بيوت عـمـَّان المتكدسة صاعدة التلال تنتشر فوقها أحبال الغسيل،
وكما في أزقة تونس المغـلـفة ببخار التاريخ ، والفقر اليومي الأسود،
ينتشر عـرب كثيرون، عشرات الملايين، لم يغادر أي منهم قريته منذ أن أبصر النور…
وثمة عـرب يـنـتـصبون بإباء دام 70 عاماً في مخيمـات الدهيشة ،
والعـرّوب والجـلزون وبلاطة وعـقـبة جبر وعين السلطان ،
والشاطئ والنصيرات وصبرا وشاتيلا واليرموك والوحـدات، إلى أن يذووا كأوراق جافة أو تتناثر أشلاؤهم في انفجارات الفجر.
هـناك عـربٌ، أيها السادة الأفاضل، في أطراف الصحراء ،
يخرجون إلى الشمس مُغمسين بالزيت اللألاء،
وثمة عـربٌ يدخلون مكتبة الجامعة في ستوكهولم أو غـوثـنـبـيـرغ ،
أو أكسفـورد أو السوربون أو هارفارد أو هـيدلبيرغ أو موسكو أو حتى طوكيو ،
يغـترفـون من الرفـوف عـصارة تاريخ المـعـرفة الإنسانية،
يلوكونه كما يلوكون الـقـات في مجالس صنعاء في اليمن السـَّعـيـد!!
وثمة عـربٌ، على درب قـروي غير معـبد،
يجهدون في تعب الصعـود وراء حمار لاهـث ،
يحمل ما قـطـفـته أصابع نسائهم من الزعـتـر والميرمية ،
والأعشاب البرية الأخرى يبيعونها في سوق البلدة،
يشترون بها قـوت اليوم، أو الدواء الأخير لأحد أطفالهم المختنق بالحمى.
وهؤلاء لم يشاهدوا يوماً سيدات “المجتمع المخملي” ،
وثيابهن الباذخة (التي تمتزج في تصميمها وإخراجها ،
أنامل بيير كاردان، وغي لاروش ونينا ريتشي وايف سان لوران) ،
في فـنـدق الشام أو الماريوت أو الشيراتون.
وثمة عـرب في مختبرات وكالة الفـضاء الأمريكية NASA في هيوستن،
يجلسون أمام الحاسب الآلي يراقـبـون ما أسهـمت في خـلـقـه أيديهم وعقولهم البارعة،
ينطلق في آخر مركبة فـضائية تنتجها أمريكا…
يبدو أن أجهزة الإعلام في “العالم الحـٌر” لم تسمع بأي من هذه العينات،
ذلك أنها لا ترى إلا “عـرب النـفـط” ،
وتصر على أن ترتبط شخصياتهم بالجـنـس والـقـصص المثيرة.
ما هي الصورة الحقيقية للعـرب في العالم؟
تغـيم في الرأس ضبابة كبيرة سوداء، ويمخره شـئ من الدوار،
وترتجـف الأهـداب وهي تواجه الصورة، المقـطعة، المتكـدسة،
المتناقـضة المنهـكة للعرب في البال ، وفي الدم وفي التاريخ الحديث.
أمس أغـرقـت العـربي بالمحبة، بالطموح إلى أن أراه يندفع في مواكب المعرفة،
في مسارب الحضارة، حراً كريماً أبياً، شامخ الرأس،
مليئاً بوهج تاريخ مشرق، وبوعـد بمستقبل أكثر إشراقاً مشبعاً،
معافى، مغموراً بالأمل.
لكنه فجأة تهاوى فوق إسـفـلت الطريق.
كانت قـدماه مـثـقـــلـتـيـن بالسلاسل التي يُجرجرها ،
من غياهـب الماضي إلى آخر قلاع الاعـتـقـال في العـواصم العـربية المشـعـشـعـة..
وفي قصور الولاية كان يهدر أسيراً لحمى الملك،
لشبه السلطة التي لا تعـرف غير نفسها صنماً تـعـبده،
حالماً بقمر كاليغـولا، بروما نيرون، بأرض تنـفـرش لخطواته المهيبة ،
ذهباً وزمرداً وبقايا عـظام.
في مقـصف الجامعة كان يـنـتـفـض في عـينيه كبت السنين الطوال،
ـيـغـلف جـسـد الصبية العابرة بغلالة ساخنة من الشبق،
ويـُعـريه ألف تـعـرية وهي تعبر بين الباب و”الدكة” الطويلة،
المرصوفة بأطباق اللحم والخضار، بالمنسف والدجاج واللبن،
وبأسماء أطباق العالم المتناقضة الأخرى،
ومن النافـذة العـربية يتدفق الصوت الرخيم، مسافراً عبر الفضاء اللازوردي ،
يدعو إلى صلاة الـعـصر.
أيـن يـقـف العــرب في الـعـالـم؟!
يـقـبـعـون في “الهامش”، خارج العالم …
يغـرفـون من الأرض عطاءها السمح، جهد ملايين السنين،
دون مقابل ، يهدونه إلى مصانع الغرب وسياراته ومختبراته ،
وفنادقه ودباباته و طائراته وصواريخه.
ويعود العطاء السمح جلوداً مصنعة، وسيارات وطائرات ،
ومدافع وقنابل وآلاف السلع الاستهلاكية البراقة اللامعة.
يغريهم البريق، يظنون أنهم أصبحوا سادة العالم ،
والتقدم الحضاري (أو على الأقل، أحد أسياده) لكنهم، هم القابعون في الأرض،
لا يصدرون ولا يتحولون: يظلون خاماً تفـرقه سفسطة العالم ،
ومعرفتهم الماكرة بنوازعه الدفينة، وبهواجسه وخبثه وثقافـتـه.
يـُصبحون هم موضوعاً للمعـرفة والتحـليل والدراسة والـتـفـسير والتأويل،
و كأنهم حشرة تحت المجهر، أو قـطعة لحم للتشريح،
أو كائناً بدائياً على شفا الانقـراض لا بد من أن يـُرصد ويُحلل، ويدون،
وتدخل تفاصيله ومواصفاته في ذاكرة الحاسب الآلي في مراكز الثقافة المهيمنة،
لكي لا تـفـقـد حـلـقة من حلقات المعرفة الثمينة بالتطور التاريخي ،
لدى باحثي الغرب وواضعي نظرياته العرقـية والانثروبولوجية ،
الثقافية العامة والبيولوجية، بل وتلك التي تهتم بهندسة البناء ،
وتطورها من الكوخ المصنوع من أغصان الشجر إلى الخيمة إلى ناطحات السحاب.
أما هـم (العـرب)، في لألأة الـفـتـات الذي يـفـيـض عليهم،
فإنهم يمتلئون بأنفسهم ويتعاظمون في أعـينهم حتى ليكادوا ينطحون السماء…
يتوهمون، في رونق مجدهم، أنهم قادرون على أن يشتروا الآلات بالنفط،
والشوارع المرصوفة المضاءة المزينة بالنفط،
والأرض المزروعة المحروثة المنتجة بالنفط،
وجبال الجليد من الدائرة القطبية الشمالية بالنفط،
وحمامات البيلسان الرخي بالنفط،
وآخر ما أنتجته مصانع العالم من مقاعد “التواليت” بالنفط،
والـعــقـل الخـلاق المـبـدع بالـنـفـط.
يشترون الورق والحبر وآلة الطباعة والتجليد والخرازة والقـطاعة بالنفط.
ويضعون كل هذه الأشياء في سلة ويحلمون بكتاب لهم.
لكن هذه الأشياء تظل جـثـة فلا تـنـتـج كـتـاباً.
ويشترون الأسمنت والأبنية الجاهزة والحديد والمختبرات ،
والمقاعـد وألواح الكتابة والطباشير والمخططات ،
ويكومونها في فـضـاء على مدى النظر.
يريدونها أن تكون “دار حكمة” تـعـيد أمجـاد المـأمون ،
وتـتـكـدس هذه الأشياء لكنها لا تصير جامعة.
فيشترون الكتاب والجامعة، ويحلمون بأن تكون لهم بعدهـما ،
معـرفة وعـلـم وتـقـنـيـة يستطيعون بها أن يوازوا العالم، بل أن يتجاوزوه.
لكن الحلم يبقى حلماً، وثرثرة في فراغ ،
يغـُـصّ بالآلات والأجهزة والعـقـول المستوردة ،
ويـنـقـصه، حتى الفـجـيـعة، الإنسان.
تغـيـم الصورة الفاجعة من جديد، ويمخـُر الرأس دوار أسود،
وتتقاطع أطراف العـرب وأعضاؤهم وثيابهم ،
ومطامحهم وإخفاقاتهم بألف صورة هاجمة من التاريخ،
من الداخل والخارج، من الأقمار الصناعـية التي ترعـب الفضاء بأسلحتها النووية،
والسـيـوف والخناجر المعـلـقة على خـصور العـرب في أزقة مدينة ما،
في مكان ما، من خريطة رمادية تتقاطع فيها الأشياء، ثم تدور في دوامة مدوخة.
وينبثق العرب من القلب، رغم كل شئ، منغمسين،
بحب حزين، بأمل منكسر، وبـوعـد بالمُـحـال.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـمَـنـفـى والـعـَودة الـمُـسـتـَحـيـلـة/ الدكتور عبد القادرحسين ياسين الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» العـنصرية الأيـديولوجية الجديدة ورهـاب الإخـتـلاط / الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» ألـيـسـَت تـلـك أنـصـَع صورة لـتـخـلـفـنا... ؟!الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أول مفـرزة قـتالية يسارية في تاريخ الولايات المتحـدة الدكتور عـبـد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» العـنصرية الأيـديولوجية الجديدة ورهـاب الإخـتـلاط / الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» ألـيـسـَت تـلـك أنـصـَع صورة لـتـخـلـفـنا... ؟!الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أول مفـرزة قـتالية يسارية في تاريخ الولايات المتحـدة الدكتور عـبـد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 11:11 من طرف ريما مجد الكيال
» زوابع الياسمين
أمس في 11:09 من طرف ريما مجد الكيال
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الخميس 9 مايو 2024 - 11:35 من طرف ميساء البشيتي
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي
السبت 4 مايو 2024 - 11:41 من طرف حاتم أبو زيد
» هدية العصفورة إليك .
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج