بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
آه .. من يرثي بركاناً؟ رثاء محمود درويش لغسان كنفاني
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
آه .. من يرثي بركاناً؟ رثاء محمود درويش لغسان كنفاني
آه ... من يرثي بركاناً ؟
رثاء محمود درويش لغسان كنفاني
اكتملت رؤياك ,ولن يكتمل جسدك تبقى شظايا منه ضائعة في الريح . وعلى سطوح منازل الجيران , وفي ملفات التحقيق . ولم يكتمل حضورنا نحن الأحياء, طبقا لكل الوثائق نحن الأحياء مجازاً. وأنت الميت , طبقا لكل الوثائق ,أنت الميت مجازاً , نحزن من أجلك ؟ لا , نبكي من أجلك ؟ لا .
أخرجتنا من صف المشاهدين دفعة واحدة وصرنا نتشوف الفعل , ولا نفعل.
أعطيتنا القدرة على الحزن وعلى الحقد وعلى الانتساب . وكنا نتعاطى الحزن بالأقراص , ونتعاطى الحقد بالحقن , ونتعاطى الانتساب بالوراثة .
مرة واحدة أعطيتنا القدرة على الاقتراب من أنفسنا , وعلى الغربة في الدخول إلى جلودنا التي خرجنا منها دون أن ندري , الآن ندري , حين خرجت منا . ومن أنت يا غسان كنفاني !
حملناك في كيس ووضعناك في جنازة بمصاحبة الأناشيد الرديئة, تماما كما حملنا الوطن في كيس , ووضعناه في جنازة لم تنته حتى الآن , وبمصاحبة الأناشيد الرديئة ... وكم يشبهك الوطن , وكم تشبه الوطن , والموت دائما رفيق الجمال , جميل أنت في الموت يا غسان .
بلغ جمالك الذروة حين يئس الموت منك وانتحر , لقد انتحر الموت فيك . انفجر الموت فيك لأنك تحمله منذ أكثر من عشرين سنة ولا تسمح له بالولادة . اكتمل الآن بك , واكتملت له . ونحن حملناكم . أنت والوطن والموت , حملناكم في كيس ووضعناكم في جنازة رديئة الأناشيد. ولم نعرف من نرثي منكم . فالكل قابل للرثاء , وكنا قد أسلمنا أنفسنا للموت الطبيعي.
أيها الفلسطينيون ... احذروا الموت الطبيعي هذه هي اللغة الوحيدة التي عثرنا عليها بين أشلاء غسان كنفاني .
ويا أيها الكتاب ... ارفعوا أقلامكم عن دمه المتعدد.. هذه هي الصيحة الوحيدة التي يقولها صمته الفاصل بين وداع المنفى ولقاء الوطن. لا يكون الفلسطيني فلسطينيا إلا في حضرة الموت .
قولوا للرجال المقيمين في الشمس أن يترجلوا ويعودوا من رحلتهم لأن غسانكنفاني يبعثر أشلاءه ويتكامل . لقد حقق التطابق النهائي بينه وبين الوطن.... أهكذا ؟ نعم هكذا .
حين تزول الفوارق بين الأجساد وبين الأوطان .. ويصير الكل في كيس واحد, تنزل العودة من الأناشيد الرديئة إلى البندقية الجيدة , ولا تكون الحياة مجازية . وهكذا . تكون الهجرة شكلا محورا للعودة .
أمجد موتك؟ لا .... ألعن حياتك ؟ لا... إني امجد السخرية التي كنت تواجه بها الحياة , نادر في تحايلك على الحياة , تنزفها لا حبا لها بل بحثا عنها . من خرج من عكا يوما ولم يعد , لا يعامل الحياة إلا بسخرية .
إني أمجد البسمة الكاذبة التي كنت تقابل بها الأشياء . وهي باطلة كلها . فمن عرف فلسطين تاب عن السعادة . وفلسطين التحمت بخلاياك , تبتسم لسواها كالعاشق المخدوع الذي يتحايل على الخيانة , ويحاول الهرب من قلبه .
لم تكن رجلا... كنت إنسانية . ولم تحمل صليبا , كمتظاهر يحمل لافتة وراية , صليبك لا يراه أحد , حتى أنت لا تراه . لأنه يأتيك من الداخل , لأنه يسكنك , كما يسكن البرق المفاجأة , وكما يسكن الكون الديمومة .
كان الصليب ينتسب إليك , وكان الوطن ينتسب إليك , وهما البديلان الوحيدان, ليس جمال الموت ما يجعلك جميلا , فبأي حق يستعيرك, ويتركنا بلا ندم .
ليس جمال الموت, لكنه حقيقة المأساة في لحم إنسان حقيقي وفنان حقيقي . الصدق اغتراب , فلماذا كنت مغتربا إلى هذا الحد, باعوا الضحية فاشتكت , فاجتمع الغزاة والطغاة على إخماد شكواها لأن سلامتهم واحدة . فلماذا ولدت في عكا , لماذا ارتكبت هذا الذنب ؟
جرب يا غسان واخرج من اسمها . ستخدعك الحياة من جديد, وتموت. تضيق بها ذرعا , ومن فرط العشق والغيرة تكرهها . ولكن ماذا تكون من دونها ! فلماذا ولدت في فلسطين ؟ لماذا ارتكبت هذا الذنب ؟
جرب يا غسان . جرب أن تذهب في هواها إلى آخر الشوط؟ ستخدعك الحياة من جديد . وتموت من جديد .
الابتعاد عنها قاتل ... والاقتراب منها قاتل , وبين الاقتراب منها والابتعاد عنها يتأرجح جسمك . الارتفاع يوازي الضياع . والنزول يحاذي الأفول .
وهذه هي المأساة . وهذه هي قدرية العشق الفلسطيني . لأن المعشوقة قاتلة بجمالها ونسيانها وقدرتها على الخيانة , تكتبها, ترسمها, تغنيها, تغمرها, وهي تنام بين أذرعة الآخرين . وحين تقول : تعبت , تحاصرك كالجلد . ولعلك كنت تهددها , ولعلك كنت تؤنبها , حين أنام فيها سأرميها في البحر كقشرة برتقالة . لا تعطيك هذه الفرصة , لا تعطيك , أكثر من عشرين عاما , وأنت تنتظر هذه الفرصة , لا تعطيك .
ويا غسان كنفاني للمناسبة , قل لي من أنت ؟
غامض , وعاجز عن الإجابة , لأنك فلسطيني حقيقي . كلما اشتد وضوحك اشتد غموضك . تنسى نفسك في البحث عن الوطن . وينساك الوطن في بحثك عن نفسك , ثم تلتقيان يومين في اليوم . في اليوم الواحد تلتقيان أمس وتلتقيان غدا. وما الفرق بينكما ... هو الفارق بين ظل الشجرة في الدم وبين ظل الشجرة في الماء .
فلسطيني حتى أطراف أصابعك , فلسطيني حتى الحماقة, وهذا هو مجدك إذا كان المجد يعنيك. تسلم على السائح, فتصيبه عدوى فلسطين . تقبل امرأة فتصير مريم المجدلية . تعانق طفلا, فيستكمل طفولته في إحدى قصصك . وهذا هو مجدك إذا كان المجد يعنيك . من أنت؟ غامض وعاجز عن الإجابة .
فكلما اشتد وضوحك اشتد غموضك , لم تمتشق قلما ... لم تمتشق بندقية .. لم تمتشق إلا دمك . كان دمك مكشوفا من قبل أن يسفك . ومن رآك رأى دمك . هو الوحيد الواضح. الوحيد الحقيقي والوحيد العربي .
دق سقف الهجرة وعاد كالمطر الذي يهطل فجأة من سماء النحاس على أرض القصدير . فهل سمعنا رنينه ؟
هل سمعنا صداه ؟ سمعنا يا غسان .
فكيف نثأر له ؟ وحين تقول فلسطيني , فماذا نعني ؟
هل فكرنا في هذا السؤال بمثل هذا الخجل من قبل؟ الآن نعرف :
أن تكون فلسطينيا معناه أن تعتاد الموت , أن تتعامل مع الموت.. أن تقدم طلب انتساب إلى دم غسان كنفاني .
ليست أشلاؤك قطعاً من اللحم المتطاير المحترق , هي عكا وحيفا والقدس وطبريا ويافا , طوبى للجسد الذي يتناثر مدناً. ولن يكون فلسطينيا من لا يضم لحمه من أجل التئام الأشلاء من الريح, وسطوح منازل الجيران وملفات التحقيق .
ماذا نفعل .... ماذا نفعل من أجلك يا غسان ؟
هكذا تساءلنا ونسينا أن نتساءل عما نفعل من أجل ما ومن تبقى منا. وكنا نرد: نحرق مكاتبنا ونمضي... نمضي إلى أين ؟
نمضي إليك.. إلى الثورة , نخرجها من رحم الفكرة والأحلام والأناشيد , لأن دمك قد خرج . الذاكرة والخارطة والأغاني لا تحول المنفى إلى وطن . ولم يبق لنا غير الانتماء إلى الثورة وأخطائها .
لا يكون العشق عشقا إلا إذا بلغ حد الخطأ. فلنذهب إل الخطأ جميعا, لأنه فاتحة الصواب , ولنملأ الأطر التي تركها غسان حتى لا يكون وحيدا ولا يتيما ولا حزينا .
لقد تحول من شكل إلى رؤيا . فلندخل مرحلة التحول.
وطوبى للقلب الذي لا توقفه رصاصة , لا تكفيه رصاصة .
نسفوك, كما ينسفون جبهة وقاعدة وجبلا وعاصمة , وحاربوك كما يحاربون جيشاً .
لأنك اكبر من جبهة وعاصمة .
ولأنك أعظم من جيش ..
لأنك رمز , وحضارة جرح ..
الرمز قاوم عشرين عاما ولم ينهزم, ولم نر جيشا من جيوشنا قاوم عشرين ساعة وما انهزم , ولماذا أنت .. لماذا أنت ؟
لأن الوطن فيك صيرورة مستمرة وتحول دائم, من سواد الخيمة حتى سواد النابالم , ومن التشرد حتى المقاومة .
حقيقي وشفاف ... وابتكار لأنها منحوتة مياهها من دماء مهاجرة . خريرها دائما محترق, يتمازج فيها ظل الزيتون الراحل بين الذاكرة والتراب .
لو وضعوك في الجنة أو جهنم , لأشغلت سكانها بقضية فلسطين, وجدان وعاطفة ووسامة , وعكا تنتمي إليك ولأن غيابك يحمل الوطن أبعد, فعندما ينسفونك , ينسفون خطى تتقدم . هكذا يسحبون .
ويا غسان , حدد شكلك من طول الرحيل سقطت ذنوبي , ومن بعد الوطناقتربت من الحقيقة , وشكلي ضائع فيكم , وما اسمك الآن .
لاشيء , لاشيء, تبعثر اسمي مع أشلائي , حين تعثرون عل أشلائي , تعثرون عل اسمي ولن تجدوها ما لم تجدوا وطني , وأين وطنه ؟
لا تقولوا أنه محتل , هو ضائع فينا... ضائع فينا.. فمن يخرج الوطن منا كي نراه ؟ منا نبدأ.
فكيف نبدأ ؟
ومت نبدأ؟
اسألوا هذا السؤال من جديد , واذهبوا إلى اسم غسان كنفاني واسرقوه , أطلقوا اسمه عل أي شيء وعل كل شيء .
أطلقوا اسمه عليكم لكي تصيروا ناسا يا عرب واقتربوا من أنفسكم , من حقيقتكم , تقتربوا من الوطن .
فاطمة شكري- عضو متميز
- الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 778
تاريخ الميلاد : 01/12/1979
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
العمر : 44
رد: آه .. من يرثي بركاناً؟ رثاء محمود درويش لغسان كنفاني
ضائع فينا… ضائع فينا… ضائع فينا. فمن يخرج الوطن منا كي نراه؟ منّا نبدأ، فكيف نبدأ، ومتى نبدأ؟ إسألوا هذا السؤال من جديد. واذهبوا إلى إسم غسان كنفاني واسرقوه، أطلقوا اسمه على أي شيء وعلى كل شيء. أطلقوا اسمه عليكم واقتربوا من أنفسكم، من حقيقتكم، تقتربوا من الوطن.
ها هم يتبارون في رثائك، كأنك شيء ذاهبٌ. ولم يعرفوا أنك مذ رحلتَ أتيت. قادمٌ… قادمٌ من الريحِ ومنزل الجيران، وملفات التحقيق، ومن الصمت واستمراء الهزيمة ومناقبها.
هاهم أولاء يتبارون في رثائك، كأنهم يرثون فردا.
آه… من يرثي بركاناً!.
هذه لحظتكَ. فلا تجمع أشلاءكَ ولا تَعُدْ… لا تَعُدْ. لا تنتظرنا في المَهاجر. كان يجب أن نراك… أن نعرفك… أن نسير معك قبل اليوم. ولكن الموت لم ينضج فينا.
نُعزي أهلك؟ لا.
نعزي أنفسنا؟ لا.
نذهب إلى جبل الكرمل ونعزيه.
نذهب إلى شاطئ عكا ونعزيه.
نذهب إلى فلسطين ونعزيها.
هي المفجوعةُ. هي الثَّكلى.
نعزيها أم نهنِّئها؟ لا أدري.
فهي التي سترتب عظامكَ، هي التي ستعيد تكوينك من جديد. ونحن هنا، سنموت كثيرا. كثيرا نموت، إلى أن نصبحَ فلسطينيين حقيقيين، وعربا حقيقيين. ولكني أستأذنك الآن في البكاء قليلاً، فهل تأذن لي بالبكاء؟ هل تغفر لي؟.
أما كنت تحبني يوم كنت هناك؟!
// محمود درويش //
رامز كنعان- عضو جديد
- عدد المساهمات : 53
تاريخ التسجيل : 01/07/2011
مواضيع مماثلة
» لديَّ ما يكفي من الماضي وينقُصُني غَدٌ - محمود درويش مقطع من الجدارية - محمود درويش
» مقتطفات من رسائل غادة السمان لغسان كنفاني
» سجل أنا عربي .. محمود درويش .
» فكر بغيرك " محمود درويش "
» رسالة إلى محمود درويش
» مقتطفات من رسائل غادة السمان لغسان كنفاني
» سجل أنا عربي .. محمود درويش .
» فكر بغيرك " محمود درويش "
» رسالة إلى محمود درويش
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 12:04 من طرف لانا زهدي
» الغريب
الأربعاء 15 مايو 2024 - 11:29 من طرف عشتار
» نزوح آخر بقلم نور السويركي
الإثنين 13 مايو 2024 - 11:28 من طرف خيمة العودة
» عاتبني أيها القمر !
الإثنين 13 مايو 2024 - 11:24 من طرف لبيبة الدسوقي
» امرأة من زمن الأحلام
الأحد 12 مايو 2024 - 11:11 من طرف ريما مجد الكيال
» زوابع الياسمين
الأحد 12 مايو 2024 - 11:09 من طرف ريما مجد الكيال
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الخميس 9 مايو 2024 - 11:35 من طرف ميساء البشيتي
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي
السبت 4 مايو 2024 - 11:41 من طرف حاتم أبو زيد
» هدية العصفورة إليك .
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين