بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
نهاية المجد وبدايته بقلم : د.عبد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
نهاية المجد وبدايته بقلم : د.عبد القادرحسين ياسين
نهاية المجد وبدايته
د.عبد القادرحسين ياسين*
يُروى عن الكاتب الأيرلندي الشهير "جورج بيرنارد شو" أن أحد اللوردات الإنجليز شاهده في إحدى الحفلات الساهرة دعت إليها أسرة عريقة من أسر بريطانيا، فنظر إليه من وراء "المونوكل" وسأله:
"مستر شو ، من أي الأُسر أنت؟"
أجابه بيرناردشو:"إنني لست من أسرة نبيلة كما أنت يا سيّدي اللورد... ولكن مجد أهلك يا سيدي اللورد ينتهي بك أما مجد أهلي فيبدأ بي.. "
ولم يكن بيرناردشو مغالياً فيما قال، لأن اللورد ذهب ربما تاركاً وراءه ثروة من المال لم يعد أحد يقدّر حجمه الآن، كما لم يعد أحد يذكر اسم صاحبه اللورد صاحب "المونوكل"، بينما بقي اسم بيرناردشو يتردّد إلى يومنا هذا بغض النظر عما كان يملكه من المال.
إن ما تركه الكاتب الايرلندي الأشهر بعد رحيله عن الدنيا لا يقدّر بثمن، وكان جوابه رداً عن سؤال اللورد دليل إدراكه لمكانة الأدب عبر تاريخ البشريّة التواقة إلى المعرفة، أكثر مما هي تواقة إلى ما يملأ الجيوب من دون نفع.
في تقديري أن حكاية كهذه الحكاية تصلح لكل مكان وزمان، وخصوصاً في زمان الادعاء بأن العالم ينتهي عند صاحب الشعور بأنه أكمل ما عليه من التزامات تجاه الأدب إذا كان أديباً، وتجاه العلم إن كان عالماً، وتجاه الغناء إذا كان مغنياً، وتجاه إحدى المهن إذا كان صاحب مهنة.
نرى في أيامنا هذه نماذج كثيرة من الكتاب والمثقفين الذين يصابون بالعقم لإقناعهم أنفسهم بأنهم أعطوا ما لديهم أو أفضل ما لديهم كأنه الكمال بعينه، بمعنى نهاية المطاف على درب الكتابة على غرار الادعاء في مجالات أخرى كالغناء أو الرسم أو التلحين.
إن يقيناً كهذا اليقين يعتقد به صاحبه لسبب أو لآخر، لابدّ أن يطوّق قدرته على إعطاء ما كان يمكن أن يعطيه لو أنه أفسح المجال لنفسه كي يمضي على درب الإبداع، وصولاً إلى غايته لمعرفة الأكثر مما يعرف والأرقى مما استطاع أن ينتجه.
وفي كتب الفن ما يجعل المرء يعيد النظر في مثل هذا اليقين الخادع، أو الاعتقاد المصطنع. فثمة حكاية أخرى تُروى عن الفنان الشهير مايكل آنجلو وهي أنه عندما أنهى نحت تمثاله المعروف "تمثال موسى"، خيّل إليه أنه لم يبق أمامه سوى أن ينطق التمثال، فصرخ في وجهه: تكلم، تكلّم. وحين لم يستجب التمثال، قذفه بالإزميل الذي كان بيده فهشّم أنفه.
إن عملاً كهذا، على ما فيه من "اعتداء" على فنّ رفيع قلّما عرف العالم مثيلاً له في زمانه، وفي الأزمنة التي تلته، وربّما إلى وقتنا الراهن، لابدّ أن يوحي لقارئ الحكاية بشيء مفيد كالقول إن الكمال لا يمكن أن يبلغه الإنسان حتى إذا بلغت عبقريته ما جسّده "مايكيل آنجلو" وآخرون من فناني عصر النهضة في أوروبا بعبقريتهم التي يشهد لها التاريخ في الأمكنة والأزمنة كافة.
كذلك هو حال الكتاب الذين وإن بلغت شهرتهم الآفاق الدولية متجاوزين حدود بلدانهم بما حققوه من إنجازات على صعيد التأليف وقطف الجوائز العالميّة، ما زالوا مستمرين بالكتابة، وذلك من نقطة الشعور بأن عليهم أن يكتبوا ما يعتقدون أنه الأفضل والأرقى.
تلك هي المعادلة التي يتخطى معانيها بعضُ من الكتاب والفنانين في زماننا هذا، وفي اعتقادهم أنهم بلغوا الكمال في ما أعطوه، وليس ثمة ما بقي كي يعطوه. ولا نغالي في قولنا هذا، عندما يحاول أحدنا أن يجري جرداً في جداول الأسماء التي اختفت منها ليس لأن أصحابها لم يكونوا جديرين بمواقع متقدمة بين من بقي منهم، ولكن فقط لشعورهم بأنهم أعطوا كلّ ما لديهم ولم يبق أمامهم سوى اجترار سمعة الأمس البعيد على غرار من ينجب ولداً واحداً ويعتقد أنه خير الناس أجمعين فيتغنّى به صباح مساء بين أقرانه، وهو لا يدري أنه قد يكون نهاية مجده وليس بدايته، ما دام الموت لا يفرّق بين صغير وكبير.
إن ما يساعد أبناء الجيل الحالي على تخطّي مخاطر مثل هذه الوقفات الناجمة عن مثل هذه القناعة، هو توافر الوسائل التي تمكّن الراغب في الاستمرار من مواصلة السير على درب الكتابة والرسم والتلحين وما إلى ذلك من المواهب الراقية، وبينها كما هو قائم وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، وكلّها مجالات تفسح المجال للمواهب الحقيقيّة كي تعلن عن نفسها إذا شاء أصحابها أن يختاروا مواقع مناسبة لأنفسهم فيها.
بقي على هؤلاء أن يقرّروا السير وألا يتوقفوا عند أول كلمة إطراء يسمعونها أو أول جائزة يحصلون عليها أو أول نجاح يعتقدون أنهم حققوه.
وأعيد التذكير بأن قلّة من الكتاب والفنانين الذين يستطيعون التأقلم مع هذه المعادلة، في زمن السرعة الذي تحياه البشريّة لاقتناص فرص الاستمتاع بالحياة، في زمن اللحظة وحدها، وهنا مقتل الأديب الناشئ، والفنان الناشئ، وكلّ من أمسك بالقلم أو الريشة صارخاً قبل الأوان: انظروا أنا هنا، بل أنا وحدي هنا.
* كاتب وأكاديمي من فلسطين مقيم في السويد.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـمَـنـفـى والـعـَودة الـمُـسـتـَحـيـلـة/ الدكتور عبد القادرحسين ياسين الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أيـُّـهـا الفـلسـطيني الكبير.... سـَـلامــاً!! الدكتورعـبد القادرحسين ياسين
» ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» عــُقـدة مـُركـَّـبة من الـنـقـص والاسـتـعـلاء الدكتـورعبد القادرحسين ياسين
» تأملات وإنـفـعـالات شـخــصـيـة جـداً // الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» أيـُّـهـا الفـلسـطيني الكبير.... سـَـلامــاً!! الدكتورعـبد القادرحسين ياسين
» ما هي الـصـورة الحـقـيـقـية لـلعـرب في العـالـم؟/الدكتور عبد القادرحسين ياسين
» عــُقـدة مـُركـَّـبة من الـنـقـص والاسـتـعـلاء الدكتـورعبد القادرحسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 9 مايو 2024 - 11:35 من طرف ميساء البشيتي
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي
السبت 4 مايو 2024 - 11:41 من طرف حاتم أبو زيد
» هدية العصفورة إليك .
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج