هنا عصفورة الشجن .

من "أكتوبر إلى" نوفمبر " يا قلب لا تحزن !
أنا بينهما قطعة من الحزن
كتلة متحركة أقدامها من الحزن
وأجنحتها من الضباب
لا أدري هل فاتتني ذكرى وفاة أبي
أم ستفوتني ذكرى وفاة أمي ؟
وأنا للآن لم أعتبرهما في عداد الموتى !
لا زلت أحادثهما وأجادلهما وأحاول جاهدة إقناعهما
بأنني مشغووووولة جداً ....
وأنني في نيتي في الأعوام العشرة القادمة توجيه بوصلتي
نحو تلك البلاد وتقبيل أياديهما الطاهرة ..
هل أحلم
أم أهرب
أم أن الضباب يحملني إليه
لكن أقدام الحزن تعلن أنني من هنا ..
يا رفيق الشتات هل تعيرني ما أقوله لهما فقد فقدت كلماتي
في معاركي الأخيرة مع الهواء ..
أعارني دون كيشوت طاقيته ذات مساء غابر
ومن حينها وأنا أحارب طواحين الهواء ..
هنا عصفورة من الضباب ..
هنا .. عصفورة الشجن .

وتظهر من وسط ركام هذا الخريف الهائل لتلوح لي بأنك ما زلت هنا .. على مشارف وجعي ..
الخريف يا رفيق  ليس فصلاً من فصول العمر يمشي ويتبختر من حولنا .. بل هو كائن يسكننا ..
ويسري في دمنا .. ويخرج مع كل نفس من أنفاسنا ..
ما أصعب أن تلتقي بمن يودع الحياة .. بمن يظن أنه يودع هذه الحياة ..
يشعرك بالعجز التام ..
يربك خطواتك ووقع أنفاسك .. هل هي شهيق أم زفير ..
يجعلك متسمراً أمام اللاشيء .. تنظر في الفراغ تبحث فيه عن الخلاص فلا تستطيع ..
لا تستطيع أن تولي وجهك وتمضي  .. ولا تحتمل أيضاً جدلية البقاء ..
الموت ليس نعشاً يزف فيه الميت تحت وطأة الحزن وأكاليل الدموع .. إلى مكان آخر وراء هذه الحياة ..
بل الموت سلوك وطبع يعيشه البعض .. لأنه لم يعد يرى الحياة ..
هذا الخريف هنا كان أصعب من كل خريف .. لأنه هبط على خريف أكبر منه .. وأوراقه أصلاً آيلة للسقوط ..
تمنيت لو أنك يا رفيق شاركتني صدمة هذا الخريف ..
من أعماق قلبي أتمنى لك كل الربيع ..
بعيداً عن ربيعنا مهما كان لونه وصفته وعدد أوراقه..
 بعيداً عن كل صفات الربيع التي لا تمت إليه بصله ..
كن ربيعاً دائماً ..
كن ربيعي يا رفيق .