بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
الدكتورنـَصـيـرعـاروري : رَحـيـل الـمـثـقـف الـعـضـوي .. بقلم : د. عبد القادر حسـين ياسـين
صفحة 1 من اصل 1
الدكتورنـَصـيـرعـاروري : رَحـيـل الـمـثـقـف الـعـضـوي .. بقلم : د. عبد القادر حسـين ياسـين
الدكتورنـَصـيـرعـاروري : رَحـيـل الـمـثـقـف الـعـضـوي د. عبد القادر حسـين ياسـين
"لـعَـمْـرُكَ ما الـرزّيـة فـقـدُ مال
ولا فـرسٌ تــمُـوتُ ولا بـعــيـرُ
ولـكّـنَّ الـرزيّـَـةَ فــقــدُ حـــــرِّ
يـمُـوتُ بـمَـوتـه خَـلْـقٌ كـثـيـرُ ...!"
الـحـطـيـئـة
أحياناً يهربُ منك النص، تـفـرُّ الفـكرة.
ماذا تكتب حين يكونُ عـليك أن تكتب؟
غـيـَّـبَ الموت في الأسـبـوع المـاضي المفكر الفلسطيني البارز الدكتور نصير عاروري، فأخرجه فَحسْبْ، من صفِّ الأحياء بامتيازْ، حيثُ أمضى عُمُراً قاربَ الواحـد والـثـمـانـيـن عاماً، إلى صفِّ الخالدين، حيث العُمْرُ يتواصلُ بلا نهاية .وبرحيله فـقـدت فلسطين أكاديميـاً وباحـثاً مرموقـاً، يحظى بالإحترام على المستويين العالمي والعربي، ووطني فلسطيني تقدمي عـنيد ، قضى جـلَّ عـمره وسخـَّر مـهـنـتـه في خدمة قضية شـعـبـه.
ولد الدكتور نـصـيـر عـاروري في القدس في عام ١٩٣٤ ، وحصل على شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة ماساتشوستس ـ أمهرست . وطـوال نـصـف قـرن كـان كاتباً غـزيرالإنـتـاج ، ومحاضراً نشطاً ، وصاحب ظهور إعلامي متميز.
عـمل الدكتور عـاروري كأستاذ للـعـلـوم الـسـيـاسـيـة في جامعة ماساتشوستس ـ دارتموث من عام 1965 إلى عـام 1988. وتـرافـقـت هذه الحياة الحافلة بالإنجازات والتفوق الأكاديمي مع تاريخ طويل من النضال من أجل القضية الفلسطينية. فالدكتور عاروري كان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وكان يحظى بالتقدير والإحترام من قـبل الفلسطينيين في كل مكان لإلمامه ومعرفـته الـمـوسـوعـيـة بالقـضـية الفلسطينية ولتكريسه حياته لخدمتها ولأمانته وصدقـه في تـمـثـيـلـها.
كـرَّس الراحل الـكـثـيـر من وقـته وجـهـده لبناء وتـعـزيـز المؤسسات الـفـلـسطـيـنـية والعـربية في الولايات المتحدة الأمـريـكـيـة ، فكان ، مع الأكـاديمي الـفـلـسـطـيـنـي الراحـل الـدكـتـور إدوارد سـعـيـد ، أحـد مؤسـسي "رابطة الخريجـيـين العرب ـ الأميركيين" في عام 1968، أول مؤسسة عربية في أميركا الشمالية للأكاديمين العـرب. وفي عام 1998 شارك في تأسيس "معهد الدراسات العربية " في بوسطن. وفي مجال حقوق الإنسان ، كان الدكتور عاروري عضواً في "الهيئة الـفـلـسطـيـنية المسـتـقـلة لحماية حقوق المواطن" في رام الله منذ تأسيسها عام 1994، وعضوا في مجلس إدارة منظمة "Human Rights Watch بين عامي 1990 و 1992، وعضوا في مجلس إدارةِ Amnesty International ، مـنـظـمـة العـفـو الدولية " لثلاث دورات .
وفي سياق نضاله من أجل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي سخـَّر لهما حياته كلها، دأب الدكتور عاروري على الدعـوة لحل الدولة الديمـوقـراطية الواحدة على كامل التـراب الفـلسطيني حـيـث يتمتع جميع سكانها بالحرية والعدالة بغـض النظر عن الدين والإثنية.
لكن الحديث عن نـصـيـر عـاروري لا ينصف وحده الرجل الذي وهب حياته من أجل قضية فلسطين ، فهو ايضا مناضل صلب ذو موقف جريء لا يهادن فيما يعـتبره حقاً ولا يساوم في ما يعـتبره من ثوابت شعـبه .
ولـم تـمـنـعـه إنشغالاته الفـكـرية يوما من اعلان مواقفه السياسية المبدئية، بل كان يسارع للتحرك كلما احس بانحرافات تهدد المسار الوطني لشـعـبه .لم يكن نـصـيـر عـاروري يـومـا من مـثـقـفـي الصـالونات ... وعـلى الرغـم من ثـقـافـتـه الموسوعـية ، كان يـنـأى بنـفـسـه عن "الشـلـّـة" التي تـعـتـبر نفـسـها "نـخـبـة النـخـبـةCrème de la crème... ...كـان الجميع ، مـن كل ألـوان الطيف ، يحيط به، ولم يكن مجلسه نخبوياً عاجـياً مقيتاً...
كان نـصـيـر عـاروري دائم الحركة في تفكيره وفي قراءاته للأحداث وفي استنتاجاته حولها. وهي شهادة له. وإذ يـرحـل بعد هذا العمر المديد، الحافل بالعطاء في "الفلـسـطينيات" وفي النضال، فإنه ترك لنا تراثاً كبيراً ومجيداً سيظل يتحدث عنه، ويذكر به، وسيظل يبقيه حياً دائم الحضور بيننا...
لم يأبه نـصـيـر عـاروري ـ من موقع قوة الحق، وثـقـتـه بما يملك من حق ، وبـبـراعـته وموهـبـتـه وقوة المنطق والحجة ـ بالموقع الجغرافي الذي يعيش فيه، ولم يأبه بسطوة إعلام المنطق المعوجّ وسيادته شبه المطلقة، فانطلق من مـعـقـل سيطرة اللوبي الصهيوني وميدان فاعليته ليوضح بمقالاته وكتبه وأبحاثه حقيقة الحركة الصهيونية، وأن احتلالها لفلسطين لا يختلف أبداً عن مخططات الغزو الاستعماري للعديد من دول العالم، ويبين من ثَمَّ أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين متساوٍ في المبدأ والممارسة وحَتى الغاية مع الدول الاستعمارية.
ولذلك يؤكد نـصـيـر عـاروري أنـهُ لا يجوز النظر إلى الحركة الصهيونية على أنها "حركة تحرر وطني يهودية"، كما هو شائع في أوروبا وأمريكا، وإنَّما يجب النظر إليها بوصفها أيديولوجيا غازية واحتلالية بحثت عن مستعمرة لها في الشرق كما بحثت الدول الاستعمارية عن مستعمرات لها. ويزيد إدوارد سعيد بأن هذه الأيديولوجيا تختلف عن غيرها من الأيديولوجيات الأوروبية الغازية بأَنَّها عنصرية استثنائية متصلبة.
تابعت نـصـيـر عـاروري ، وأزعم أنني قرأت كل كتبـه ومقـالاته ، وأشهد أنه أستاذ جامعي مـقـتـدر في مادته، وهي الـعـلـوم السـيـاسـيـة، ولديه كفاءة تتسابق الجامعات الأميركية الى طلبها .
وقد أضاف الى هيبة الاستاذ الجامعي والباحث المرموق قيمة المثقف ورؤيته وقدرته على الفعل، ثم تجلت شخصيته حين استطاع ان يحقق لنفسه ذلك التوازن الضروري لمن يريد أن يخاطب العالم والعصر فعلا، بحيث يقرأ له أو يصغي اليه كلاهما باحترام واهتمام، وذلك التوازن ـ على بساطته ـ معضلة بين العرب، ولعل شرطه الغائب عن بعضهم، معظم الوقت : أن يكون الكاتب أو المتحدث متعـمـقـاً في موضوعـه بما يجعله مُصدَّقـا ومقبولا لـدى الآخر... وهكذا كتب نـصـيـر عـاروري، وهكذا تكلم وحـاضر وناقش، واستمع اليه الأمـريكـيـون باهتمام كبير واحترام فـائق.
لكن لا يمكن فهم موقف نـصـيـر عـاروري الا باستيعاب نقيضه، أعـني أولئك الذين استقروا مثله في الولايات المتحدة، وأصبحوا أساتذة في جامعات كبرى، لكنهم وظفوا ثقافتهم للدور النقيض، لتبرير السياسات الأميركية، ولتحقير العرب والثقافة العربية، أصبحوا جزءا من الآلة الأميركية المعادية للعرب، وللثقافة العـربية، رغم انتماءاتهم الأصلية. ,اذكر منهم ، على سبيل المثال لا الحصر ، اللبناني فؤاد عجمي، والعراقي سمير خليل ، والسوري نبيل الصايغ ... وفي مواجهة هؤلاء وقف نـصـيـر عـاروري كمثقف انساني عظيم، يفكك رؤية الغرب الى الشرق العربي، ويحلل مكوناتها.
عندما وصلني نبأ رحيله ، ظللت للحظات صامتا في مكاني... لم تصدر عني حركة، حتى الأنفاس أحسستها متجمدة. النبأ وحده أكبر من صمتي... جلست تغمرني وحدة عميقة وشعور بالـكآبـة لا يوصـف، أستعيد لقاءاتي به ، وبرحيلـه أشعر وكأن جزءا حـمـيـما مني قـد إنـدثر!!
لـقـد تعلمت منـه كيف أطرح السـؤال عن الانتقال من زمني الى زمني ، وكيف أبقى مخلصـا لما تعلمت منه...على الرغم من أن كل ما يحيط بنا في هذا العالم العربي الممتـد من طنجة الى أم الـقـيـويـن يقدم الخيبة تلو الأخرى ، والنكسـة تلو الأخرى ، حتى نكاد ننـدم على ما تعلمنـاه... وما كنت فعلت .
نـصـيـر عـاروري؛ سـلامـا وتحيـة ، ففي التحيـة الحياة... التحية هي المحافظة على وديعتك التي أودعتـهـا لدى كل من لا يزال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ، وبأن الوعي النقـدي هو الطريق. كتاباتك علمت الكثيرين ممن لا نعرفهم ؛ لأنهم اليوم في كافة أرجاء العالم... انهم قليلون ، معزولون ، وهم ـ مع ذلك ـ بفكرك ومواقفك في الثبات على المـبـدأ ، يواصلون طريق المقاومة : أبجدية من أعطوا للبشـرية ، عبر تاريخها الحضاري الطويل الذي يمـتـد عبر آلاف السنين ، ما تستحق به الاقـامة على الأرض .
نـصـيـر عـاروري ؛ أيـهـا المقـدسي الفلسـطيني الكبير، ســلامـا...!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث وأكاديمي فلسطيني مـقـيـم في السـويد
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـمـنـاضـل الـفـلـسـطيـني جـاك خـزمـو: رَحـيـل الـمـثـقـف الـعـضـوي الـدكتـور عـبـد القـادر حسين ياسين
» "إن المـوتَ في الغـُربَـةِ كـافرْ" بقلم : د.عبد القادر حسـين ياسـين
» "إذا فـَهـمْـتَ نــَصاً قـَتـَلـتـَه .بقلم : د.عبد القادر حسـين ياسـين
» صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسـين ياسـين
» رَحـيـل آخـِر الـعــَمـالـقـة بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
» "إن المـوتَ في الغـُربَـةِ كـافرْ" بقلم : د.عبد القادر حسـين ياسـين
» "إذا فـَهـمْـتَ نــَصاً قـَتـَلـتـَه .بقلم : د.عبد القادر حسـين ياسـين
» صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسـين ياسـين
» رَحـيـل آخـِر الـعــَمـالـقـة بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 11:35 من طرف ميساء البشيتي
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي
السبت 4 مايو 2024 - 11:41 من طرف حاتم أبو زيد
» هدية العصفورة إليك .
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج