أصوات من غزة

أصوات من غزة

لا وقت لدي للمناكفة.. بالكاد أستطيع كتابة كلمات معدودة على الفيس بين وقت وآخر حين يتوفر النت.. أو يتوفر الوقت.. أو أتوفر على قيد الحياة.

لا وقت عندي للمناكفة.. فأنا مشغول بتوفير القليل من المياه الصالحة أو غير الصالحة للشرب.. ومشغول بتوفير الحطب أو الغاز لطهو الطعام الردئ.. أو البحث عن وجبة طعام تصلح للآدميين أو لا تصلح.. لا يوجد فرصة للاختيار.. فحياتنا أقل من عادية بدرجات ودرجات.

لا أستطيع اختيار البقاء على قيد الحياة أو الموت.. فهنا عندنا في غزة كل شيء بالإكراه والإجبار بما في ذلك الحياة والموت.. الجوع والعطش.. المرض والعلل.. الحزن والوجع.

لا وقت عندي للمناكفة.. هنا في غزة نعيش حياة لا حياة فيها سوى الشقاء والرعب والجوع والمرض والمآسي والكوارث من كل حدب وصوب.. والموت القادم بغتة في أي لحظة.

يا أيها المناكف.. أنت تعيش في باريس أو لندن أو مدريد أو روما حياة ناعمة مترفة مرفهة.. بإمكانك أن تكتب وتنشر على الفيس وتتفوق بإسلوب التعالي والأستذة والتكبر والنرجسية.. أما أمثالي الذين يعيشون وسط القصف والقذائف والجثث والأشلاء والركام والدمار لا يمكننا أن نكون مثلك.. فحياتنا ليست هي حياتك.. أمنياتنا ليست هي أمنياتك.. تطلعاتنا ليست هي تطلعاتك.. وقتنا ليس هو وقتك. أنت تقيس الوقت بالساعات والأيام وعدد السجائر الثمينة وعدد قوارير البيرة الفاخرة والنبيذ المعتق.. ونحن نقيس الوقت بعدد مرات الشهيق والزفير.. وعدد وجبات الطعام السيئة غير المشبعة.. وعدد جرعات المياه الملوثة.. وعدد الأطفال الذين يموتون من القصف والجوع والعطش والمرض. نحن لسنا مثلك وأنت لست مثلنا يا صاحب القلم البعيد المتعالي في نرجسيته الأبدية.

لهذا أقول: يا أيها المناكفون.. لا أقول ما تقولون.. ولا أنتم قائلون ما أقول.. لكم حياتكم ولي حياتي.. لكم وقتكم ولي وقتي.. لكم شهواتكم ولي حظي وقدري الذي يتأرجح ما بين الشقاء والفناء.. بين القهر والرجاء.. بين الشدة والجلد.. بين الركام والأمل. اسحبوا كلماتكم من وقتي كي أسحب كلماتي من أشلاء الموتى وركام البيوت المهدمة.

مجدي السماك