بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
2 مشترك
منتدى عصفورة الشجن :: جميع المنتديات :: منتديات البوح :: همسات نورانية :: إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى وفاته
صفحة 1 من اصل 1
سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
سيد الصمت
إلى أبي في ذكرى رحيله
يا سيد الصمت، وأنا التي كنت دائمة الدهشة والاستغراب من هذا الصمت الذي كُنتَ تَغرق فيه وتُغرقنا معك، كنتُ دائمًا أتساءل في قرارة نفسي: كيف يستطيع من وُهب القدرة على ملء هذا الكون ضجيجًا وحديثًا وأصواتًا مسموعة وغير مسموعة أن يلتزم كل هذا الصمت؟
ولكنِّي سرعان ما كنتُ أجد الإجابة على شفة السؤال: هذا الصمت جينيٌّ، خُلق معه وبه! كما خُلِقتُ أنا من براكين الثرثرة، ولم أرث عنه هذا الصمت الجليل.
بعد أن رحلت يا أبي كبرتُ أنا فجأة، بدأت أفهم كل ما كان يستعصي عليَّ فهمه مما كنتَ تحاول أن تشرحه لي؛ فالحياة أكبر معلم، تلقنك من الدروس والعبر ما يفوق طاقة الفهم ويفيض.
اليوم أدركتُ أن صمتك لم يكن جينيًا كما كنتُ أظن! وأنك ربما كنت تهوى الكلام مثلي، ربما كنتَ تريد أن تصرخ في وجوههم: هذا الطريق خاطئ لا تسلكوه، لا تضعوا أياديكم في يد الشيطان، لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، لا تنحنوا عند أول هبَّة ريح، لا تثقوا بكل أنواع المطر، لا تقبِّلوا الأرض التي لا تعرفون ترابها، لا تزرعوا الزيتون إلا في أرضه، لا تغرِّبوا الياسمين عن أمه.
كنتَ تريد قول الكثير ولكنك آثرت الصمت؛ لأنك أدركتَ باكرًا أن الغربة: ليست أن تحمل حقائبك وتترك الوطن! بل أن تبقى أنتَ ويتركك الوطن، أن يذوب من بين يديك كفقاعات الصابون، يهاجر كأسراب الحمام، يختفي كسحابة صيف.
الوطن لم يعد يسمع صراخنا يا أبي ونحن نهتف باسمه وندعو له عند كل صلاة، وعندما ينهمر المطر، وينقشع الضباب. الوطن غادرنا عند أول خيانة، وارتقى إلى السماء! وما بقيَّ على هذه الأرض هو صورة باهتة للوطن، يتنافس عليها المتنافسون، يتراكض عليها الجميع، كلٌّ يحمل سكينًا تحت إبطه؛ يريد أن يقتطع منها قطعة يخبئها في جوفه قبل أن يلمحه أخوه فيرفع سكينه في وجه ويفقأ عينه ليكون الأسبق!
الوطن ارتفع إلى السماء، وأنت يا أبي أعلنت غربتك منذ زمن طويل حين كنا صغارًا لا نفقه أن هذه الحياة أصغر من كل الصراعات، وأنها تنتهي سريعًا، وتذوب كما يذوب الوطن، وترتفع إلى السماء، وما يتبقى منها على هذه الأرض هو صور الشياطين: توسوس في صدورنا فتنفجر، تذبح دمنا وتعلقه على أعواد المشانق، تنفي مآقينا وتتاجر بما تبقى من الدمع، تمزق الكتب القديمة وتُخرجُ من أرضنًا هياكل لا نعرفها ترسم إلينا هجرة جديدة نحوالمجهول.
أثقلت عليك يا أبي بثرثرتي، دع عنك كل هذا الحديث وأَرْقِدْ بسلام، ولا تأتِ إليهم في المنام،
"دَعْ كُل ما ينهارُ منهارًا، ولا تقرأ عليهم أيَّ شيءٍ من كتابكْ!"*
على روحك الطاهرة، وعلى روح هذا الوطن المغدور ألف سلام.
*مديح الظل العالي محمود درويش
رد: سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
ميساء البشيتي كتب:سيد الصمتإلى أبي في ذكرى رحيلهيا سيد الصمت، وأنا التي كنت دائمة الدهشة والاستغراب من هذا الصمت الذي كُنتَ تَغرق فيه وتُغرقنا معك، كنتُ دائمًا أتساءل في قرارة نفسي: كيف يستطيع من وُهب القدرة على ملء هذا الكون ضجيجًا وحديثًا وأصواتًا مسموعة وغير مسموعة أن يلتزم كل هذا الصمت؟ولكنِّي سرعان ما كنتُ أجد الإجابة على شفة السؤال: هذا الصمت جينيٌّ، خُلق معه وبه! كما خُلِقتُ أنا من براكين الثرثرة، ولم أرث عنه هذا الصمت الجليل.بعد أن رحلت يا أبي كبرتُ أنا فجأة، بدأت أفهم كل ما كان يستعصي عليَّ فهمه مما كنتَ تحاول أن تشرحه لي؛ فالحياة أكبر معلم، تلقنك من الدروس والعبر ما يفوق طاقة الفهم ويفيض.اليوم أدركتُ أن صمتك لم يكن جينيًا كما كنتُ أظن! وأنك ربما كنت تهوى الكلام مثلي، ربما كنتَ تريد أن تصرخ في وجوههم: هذا الطريق خاطئ لا تسلكوه، لا تضعوا أياديكم في يد الشيطان، لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، لا تنحنوا عند أول هبَّة ريح، لا تثقوا بكل أنواع المطر، لا تقبِّلوا الأرض التي لا تعرفون ترابها، لا تزرعوا الزيتون إلا في أرضه، لا تغرِّبوا الياسمين عن أمه.كنتَ تريد قول الكثير ولكنك آثرت الصمت؛ لأنك أدركتَ باكرًا أن الغربة: ليست أن تحمل حقائبك وتترك الوطن! بل أن تبقى أنتَ ويتركك الوطن، أن يذوب من بين يديك كفقاعات الصابون، يهاجر كأسراب الحمام، يختفي كسحابة صيف.الوطن لم يعد يسمع صراخنا يا أبي ونحن نهتف باسمه وندعو له عند كل صلاة، وعندما ينهمر المطر، وينقشع الضباب. الوطن غادرنا عند أول خيانة، وارتقى إلى السماء! وما بقيَّ على هذه الأرض هو صورة باهتة للوطن، يتنافس عليها المتنافسون، يتراكض عليها الجميع، كلٌّ يحمل سكينًا تحت إبطه؛ يريد أن يقتطع منها قطعة يخبئها في جوفه قبل أن يلمحه أخوه فيرفع سكينه في وجه ويفقأ عينه ليكون الأسبق!الوطن ارتفع إلى السماء، وأنت يا أبي أعلنت غربتك منذ زمن طويل حين كنا صغارًا لا نفقه أن هذه الحياة أصغر من كل الصراعات، وأنها تنتهي سريعًا، وتذوب كما يذوب الوطن، وترتفع إلى السماء، وما يتبقى منها على هذه الأرض هو صور الشياطين: توسوس في صدورنا فتنفجر، تذبح دمنا وتعلقه على أعواد المشانق، تنفي مآقينا وتتاجر بما تبقى من الدمع، تمزق الكتب القديمة وتُخرجُ من أرضنًا هياكل لا نعرفها ترسم إلينا هجرة جديدة نحوالمجهول.أثقلت عليك يا أبي بثرثرتي، دع عنك كل هذا الحديث وأَرْقِدْ بسلام، ولا تأتِ إليهم في المنام،"دَعْ كُل ما ينهارُ منهارًا، ولا تقرأ عليهم أيَّ شيءٍ من كتابكْ!"*على روحك الطاهرة، وعلى روح هذا الوطن المغدور ألف سلام.*مديح الظل العالي محمود درويش
هبة الله فرغلي- عضو جديد
- عدد المساهمات : 63
تاريخ التسجيل : 28/06/2012
رد: سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
سيد الصمت (أبي)
يا سيد الصمت، وأنا التي كنت دائمة الدهشة والاستغراب من هذا الصمت الذي كُنتَ تَغرق فيه وتُغرقنا معك، كنتُ دائمًا أتساءل في قرارة نفسي: كيف يستطيع من وُهب القدرة على ملء هذا الكون ضجيجًا وحديثًا وأصواتًا مسموعة وغير مسموعة أن يلتزم كل هذا الصمت؟
ولكنِّي سرعان ما كنتُ أجد الإجابة على شفة السؤال: هذا الصمت جينيٌّ، خُلق معه وبه! كما خُلِقتُ أنا من براكين الثرثرة، ولم أرث عنه هذا الصمت الجليل.
بعد أن رحلت يا أبي كبرتُ أنا فجأة، بدأت أفهم كل ما كان يستعصي عليَّ فهمه مما كنتَ تحاول أن تشرحه لي؛ فالحياة أكبر معلم، تلقنك من الدروس والعبر ما يفوق طاقة الفهم ويفيض.
اليوم أدركتُ أن صمتك لم يكن جينيًا كما كنتُ أظن! وأنك ربما كنت تهوى الكلام مثلي، ربما كنتَ تريد أن تصرخ في وجوههم: هذا الطريق خاطئ لا تسلكوه، لا تضعوا أياديكم في يد الشيطان، لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، لا تنحنوا عند أول هبَّة ريح، لا تثقوا بكل أنواع المطر، لا تقبِّلوا الأرض التي لا تعرفون ترابها، لا تزرعوا الزيتون إلا في أرضه، لا تغرِّبوا الياسمين عن أمه.
كنتَ تريد قول الكثير ولكنك آثرت الصمت؛ لأنك أدركتَ باكرًا أن الغربة: ليست أن تحمل حقائبك وتترك الوطن! بل أن تبقى أنتَ ويتركك الوطن، أن يذوب من بين يديك كفقاعات الصابون، يهاجر كأسراب الحمام، يختفي كسحابة صيف.
الوطن لم يعد يسمع صراخنا يا أبي ونحن نهتف باسمه وندعو له عند كل صلاة، وعندما ينهمر المطر، وينقشع الضباب. الوطن غادرنا عند أول خيانة، وارتقى إلى السماء! وما بقيَّ على هذه الأرض هو صورة باهتة للوطن، يتنافس عليها المتنافسون، يتراكض عليها الجميع، كلٌّ يحمل سكينًا تحت إبطه؛ يريد أن يقتطع منها قطعة يخبئها في جوفه قبل أن يلمحه أخوه فيرفع سكينه في وجه ويفقأ عينه ليكون الأسبق!
الوطن ارتفع إلى السماء، وأنت يا أبي أعلنت غربتك منذ زمن طويل حين كنا صغارًا لا نفقه أن هذه الحياة أصغر من كل الصراعات، وأنها تنتهي سريعًا، وتذوب كما يذوب الوطن، وترتفع إلى السماء، وما يتبقى منها على هذه الأرض هو صور الشياطين: توسوس في صدورنا فتنفجر، تذبح دمنا وتعلقه على أعواد المشانق، تنفي مآقينا وتتاجر بما تبقى من الدمع، تمزق الكتب القديمة وتُخرجُ من أرضنًا هياكل لا نعرفها ترسم إلينا هجرة جديدة نحوالمجهول.
أثقلت عليك يا أبي بثرثرتي، دع عنك كل هذا الحديث وأَرْقِدْ بسلام، ولا تأتِ إليهم في المنام،
"دَعْ كُل ما ينهارُ منهارًا، ولا تقرأ عليهم أيَّ شيءٍ من كتابكْ!"*
على روحك الطاهرة، وعلى روح هذا الوطن المغدور ألف سلام.
*مديح الظل العالي محمود درويش
مواضيع مماثلة
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
» من يد الوطن ... إلى أبي في ذكرى رحيله السابعة
» حديث سري .. في الذكرى السادسة لرحيل أمي
» الصمت
» الطاقية السادسة بقلم: ي . كورانوف ترجمها من الروسية أ. د. حمد طاهر
» من يد الوطن ... إلى أبي في ذكرى رحيله السابعة
» حديث سري .. في الذكرى السادسة لرحيل أمي
» الصمت
» الطاقية السادسة بقلم: ي . كورانوف ترجمها من الروسية أ. د. حمد طاهر
منتدى عصفورة الشجن :: جميع المنتديات :: منتديات البوح :: همسات نورانية :: إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى وفاته
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال