بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
شجرة التين بقلم نور دكرلي
صفحة 1 من اصل 1
شجرة التين بقلم نور دكرلي
شجرة التين بقلم نور دكرلي
حيث تفوح رائحة شجرة تين يتحول المكان إلى قرية. أسافر إلى مدينة أخرى من أجل شجرة تين شممت رائحتها مرة، شجر التين الحقيقي تصير معه كلّك حاسة شم على بعد أمتار.
اكتشفت تلك الشجرة البعيدة مصادفة مثلما اكتشفت السعادة مؤخراً، كان ينقصني تلك الرائحة لأفهم الشعور الغامض الجديد الذي راودني لأسابيع، إنها السعادة التي لزمني أربعة عقود على هذه الأرض لأتعرف عليها.
بينما أطفو على ظهري فوق ماء البحر، تاركاً للماء أن يؤرجحني كيفما شاء، وشمس الجنوب حانية على غير عادتها، أهمس لنفسي، سأزورك يا شجرة التين دائما، لا لكي أكل ثمارك ولا طمعاً بفيئك، فقد أكلت كثيرا، واختبأت من الشمس حتى أبيّض عظمي، لكني أريد أن تعطريني، دلوني على شجر التين الفواح هذا، وإينما كان سآتيه.
وأنا أطفو مثل جذع رطب، أحرّك أصابعي على وجه الماء الذي له ملمس العائلة، ما هو ملمس العائلة؟ ملمس ظهرها على أصابعي كل صباح، وملمس خديها الصغيرين الذي يؤكد لك أنك شجرة العائلة الصغيرة.
يخاف الكتّاب من (كان) يخاف الناس من (كان)، يخاف المرضى من (كان)، أمّا أنا رجل سعيد سأدعها تتساقط حولي" كما تطرح شجرة التين سقاطهَا إِذا هزتها ريح عظيمة..
كانت شجرة التين تظلل البركة، كانت شجرة التين كبيرة، وكانت قرانا صغيرة، وحيث وجدنا شجرة تين بنينا تحتها قرية، كنّا نتسلقها، كنّا نتنشف تحتها، كنّا نأكل نصف ثمرها ونقذف بعضنا بالنصف الآخر، لكننا لم ننتبه لرائحة شجر التين.
تذكرت الرجل الذي هرع من بيته ليحتمي بشجرة التين من القذائف، آمن بشجرة التين وسحرها، لكن غصن الشجرة انكسر وتدحرجت حباتها فوق دمه.
من أكثر هشاشة؟ شجرة التين التي كُسرت أغصانها بسبب القذيفة أم الرجل الذي آمن أنها ستحميه من الحديد والبارود.
طفت جثته إلى جانبي، ورغم ذلك ابتسمت، فأنا منذ الآن رجل سعيد.
كانت جدتي شجرة الحي المعمرة، كانت جدتي عابسة صامتة، يخافها الناس، وكأنها بعبائتها السوداء مَلَك للموت يتجول في الحي ويتوعد الناس، وكانت لا تخلع سوادها حتى عند النوم، لكنها تخلع عبوسها لأني أنام بجانبها، ولا أغفو إلا على ايقاع أنفاسها على جبيني. وحين ماتت لم أبكِ، ابتسمت.
طفت جدتي إلى جانبي، ولم ألتفت إليها، كنت ما زلت أتحسس سعادتي وألاعب اشعة الشمس برموش عينيّ.
كنّا أنا وصديقي نتمشى كل ليل وكان القناص مرة سهران، أخطأني وحمّر جبين صديقي، حدقت فيه يطفو فوق دمه، لم أبكِ، حملته على كتفي، كان خفيفا، مشيت به، حملته أينما رحلت.
حين كنت أسمع نحيب العالم طوال الوقت لم أبكِ، فما بالك الآن ولقد وجدت السعادة.
زممت قبضتي، فتحت عيني جيدا، واستنشقت ما بقي من رائحة التين في ذاكرتي.
لكِ رائحة شجر التين، ولجدتي كذلك، ولصديقي، ولكل الذين لا أنساهم، ولي رائحة شجر التين لعائلة صغيرة سأدعو إله الحديد من أجلها ألا يكسر أغصاني مبكراً.
في كفي قبضة من البحر ، وفي عيني شعاع طري من الشمس، قلت هذه هي السعادة أخيرا، وتناسيت حبوب السيبراليكس والزاناكس وسجائر الحشيش.
وتسرب الماء إلى عيني، قلت هذه ليست دموع العالم، إنها أمطار مبكّرة.
لكني بكيت، أبكتني السعادة.
نور دكرلي
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» نزوح آخر بقلم نور السويركي
» هذا البحر لي بقلم عماد أبو حطب
» مقطع من شرخ بقلم د. عزة رجب
» كل شئ بمذاقها ! بقلم: طلال أبو شاويش
» إلى روح أمي بقلم إيهاب أبو مصطفى
» هذا البحر لي بقلم عماد أبو حطب
» مقطع من شرخ بقلم د. عزة رجب
» كل شئ بمذاقها ! بقلم: طلال أبو شاويش
» إلى روح أمي بقلم إيهاب أبو مصطفى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي