بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
سلسلة حلقات جاهلية .
+4
رأفت العزي
عشتار
رشيد أحمد محسن
ميساء البشيتي
8 مشترك
صفحة 3 من اصل 3
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
رد: سلسلة حلقات جاهلية .
جاهلية 7
عيون الجاهلية
بكى قومي، بكوا كثيرًا كثيرًا، لا شيء يستطيع أن يوقف هذا البكاء فمذ وعيت على هذه الحياة وقمت بفتح عيني على كل ما هو حولي وأنا أسمع أصواتهم وهم يبكون! تعددت الأسباب والبكاء واحد، ومتواصل، منذ داحس والغبراء.
الجاهليون كما هم منذ ألف عام، لم يتغير فيهم شيء، منذ قرون تلت وهم يجيدون البكاء بل ويعشقونه، فهل البكاء سلاح الضعفاء؟!
لكنَّ قومي ليسوا بضعفاء حسب آخر إحصائيات النجوم وقراءة الطالع وعلم الفلك! وليسوا بأقوياء، إلا إن كنا نتكلم عن فرد العضلات!
القوة كما دُرِّست لنا في كتب التاريخ هي: التوازن التام بين حركة الذراع وحركة الدماغ. _هذا حسب فتاوى التاريخ_ وأن أي خلل في هذا التوازن سيؤدي إلى موت الدماغ وبطش الذراع، فهل ماتت أدمغة قومي؛ لأنَّ أذرعتهم طالت، بطشت، عربدت، تجبرت، ثم بكت كثيرًا كثيرًا؟
قومي يبكون منذ الأزل فهل بكاؤهم هو وليد الألم؟ أم أنه طوق النجاة لكل منافذ الألم؟!
أطفال بلادي لا يشفقون على هذا البكاء، لا يجزعون منه، لا يستهجنونه، بل ربما يشعرون بالغثيان عند كل موجة نحيب، فهم لا يبكون، لا يعرفون معنى البكاء، لم يرثوا عن قومي صفة البكاء، لذلك هم ليسوا ببكائين بل إنهم يقطعون عرض البحر، يقدمون أجسادهم كدروع نجاة، يسافرون إلى بلاد الموت، يعتلون ضفاف الشقاء، يحفرون على الجليد أسماؤهم قبل موعد الرحيل.
قومي يواصلون بكاءهم، لكنَّ أطفالهم لا يسمعون فهل أصابهم الصمم؟ أم ولدوا بداء الصمِّ؟ أم أنهم ولدوا وعلى جبينهم كتبت كل عناوين الشقاء، والترحال، والقفز بين أودية الموت لينعم قومي بلذة البكاء؟!
قومي يجيدون أمرًا آخرًا هو دفن الرأس في الرمل، وإن ظهر منهم الرأس فإنه يبقى مرتجفًا طوال الوقت، خائفًا من ظلال الشمس إن هبطت إلى الأرض أن تشي بقصصهم إلى عيون الليل، ولدرء هذه الشبهات يلقون بها في سلال الآخر، ومن يدٍ إلى يدِ حتى تقع في قبضة الشيطان فتدور الدوائر على من بُغيَّ عليه وظُلم، ثم يعود قومي للنحيب في جنازات لا حصر لها ولا عدد.
ومما أذيع سرَّه_ ولا أحب أن أُفشي الأسرار_ أن أحد أطفال قومي الصغار وهو يلهو مع لعبة الموت في ساحة الدار قبل أن يسقط أرضًا ويلقي تحية الوداع، رفع يده ملوحًا لقومي أنَّ هناك هوة عميقة عند باب الدار، خشيَّ أن تزل أقدامهم فيموتوا، لكنَّ قومي أسرعوا بإسدال التراب عليه قبل أن يلفظ الحياة، خافوا من يده التي تلوح في الهواء، ثم عادوا لمواصلة البكاء.
ظلَّ أطفال بلادي يتسلقون جبال الخوف، يبحثون عن هذا الملقب بالموت، يفتشون عنه في جزر الشمس والقمر، ظنًا مهم أن الموت رجلٌ فيطيحون برأسه، أو مجموعة من الرجال فينصبون إليهم شركًا يقعون فيه واحدًا تلو الآخر، أو قد يكون مدينة من الرجال فيحفرون حولها خندقًا كبيرًا ويتربصون بهم في ساعات المساء، لكنَّ صوت البكاء القادم من مدن الهلاك كان صفارة إنذار للشياطين فانطلقت لتحمي عرشها، وألقت كل ما في جوفها من نار وبارود فانهارت أسوار آخر المدن، وسقط جميع الأطفال مضرجين بالموت، وبقي عويل قومي يصدح إلى الآن.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: سلسلة حلقات جاهلية .
[rtl]الأديبة الرائعة الأخت ميساء .. ربما صرّحت مرة أو مرتين بصراحة بأني أعجز عن قراءة الكثير من الكُتب والمقال بسبب الضيق أو الملل مما يُقحم في تلك الكتب وأولئك المقال أو لنفل لأن مستوى فهمي واستيعابي أدنى من تلك وهذا فأقطع القراءة أو أجبر نفسي وتكون بلا متعة وغير ذي فائدة بالنسبة لي بشكل أو بآخر . ..
ولكن خذها مني مرة واحدة وأخيرة ، وبصراحة ، لا أعرف كيف انتهى ما بيدي عندما أقرأ شيئا من نتاجك وأقسم ، أن نفسي تطلب المزيد لجمال وحكمة وهدف وأدب ما تكتبين .. خذها مني مرة واحدة : أنت أستاذة للمستقبل . [/rtl]
حماك الله ورعاك وزادك حِكمة ونبوغ
[rtl]شكرا لك من القلب [/rtl]
ولكن خذها مني مرة واحدة وأخيرة ، وبصراحة ، لا أعرف كيف انتهى ما بيدي عندما أقرأ شيئا من نتاجك وأقسم ، أن نفسي تطلب المزيد لجمال وحكمة وهدف وأدب ما تكتبين .. خذها مني مرة واحدة : أنت أستاذة للمستقبل . [/rtl]
حماك الله ورعاك وزادك حِكمة ونبوغ
[rtl]شكرا لك من القلب [/rtl]
رأفت العزي- عضو نشيط
- عدد المساهمات : 185
تاريخ التسجيل : 18/06/2016
رد: سلسلة حلقات جاهلية .
عودة لقراءة طويلة وممتعة
مريومة- عضو جديد
- عدد المساهمات : 42
تاريخ التسجيل : 31/08/2014
رد: سلسلة حلقات جاهلية .
لي عودة لقراءة مطولة
ريما مجد الكيال- عضو جديد
- عدد المساهمات : 13
تاريخ التسجيل : 27/09/2022
رد: سلسلة حلقات جاهلية .
عيون الجاهلية
بكى قومي، بكوا كثيرًا كثيرًا، لا شيء يستطيع أن يوقف هذا البكاء فمذ وعيت على هذه الحياة وقمت بفتح عيني على كل ما هو حولي وأنا أسمع أصواتهم وهم يبكون! تعددت الأسباب والبكاء واحد، ومتواصل، منذ داحس والغبراء.
الجاهليون كما هم منذ ألف عام، لم يتغير فيهم شيء، منذ قرون تلت وهم يجيدون البكاء بل ويعشقونه، فهل البكاء سلاح الضعفاء؟!
لكنَّ قومي ليسوا بضعفاء حسب آخر إحصائيات النجوم وقراءة الطالع وعلم الفلك! وليسوا بأقوياء، إلا إن كنا نتكلم عن فرد العضلات!
القوة كما دُرِّست لنا في كتب التاريخ هي: التوازن التام بين حركة الذراع وحركة الدماغ. _هذا حسب فتاوى التاريخ_ وأن أي خلل في هذا التوازن سيؤدي إلى موت الدماغ وبطش الذراع، فهل ماتت أدمغة قومي؛ لأنَّ أذرعتهم طالت، بطشت، عربدت، تجبرت، ثم بكت كثيرًا كثيرًا؟
قومي يبكون منذ الأزل فهل بكاؤهم هو وليد الألم؟ أم أنه طوق النجاة لكل منافذ الألم؟!
أطفال بلادي لا يشفقون على هذا البكاء، لا يجزعون منه، لا يستهجنونه، بل ربما يشعرون بالغثيان عند كل موجة نحيب، فهم لا يبكون، لا يعرفون معنى البكاء، لم يرثوا عن قومي صفة البكاء، لذلك هم ليسوا ببكائين بل إنهم يقطعون عرض البحر، يقدمون أجسادهم كدروع نجاة، يسافرون إلى بلاد الموت، يعتلون ضفاف الشقاء، يحفرون على الجليد أسماؤهم قبل موعد الرحيل.
قومي يواصلون بكاءهم، لكنَّ أطفالهم لا يسمعون فهل أصابهم الصمم؟ أم ولدوا بداء الصمِّ؟ أم أنهم ولدوا وعلى جبينهم كتبت كل عناوين الشقاء، والترحال، والقفز بين أودية الموت لينعم قومي بلذة البكاء؟!
قومي يجيدون أمرًا آخرًا هو دفن الرأس في الرمل، وإن ظهر منهم الرأس فإنه يبقى مرتجفًا طوال الوقت، خائفًا من ظلال الشمس إن هبطت إلى الأرض أن تشي بقصصهم إلى عيون الليل، ولدرء هذه الشبهات يلقون بها في سلال الآخر، ومن يدٍ إلى يدِ حتى تقع في قبضة الشيطان فتدور الدوائر على من بُغيَّ عليه وظُلم، ثم يعود قومي للنحيب في جنازات لا حصر لها ولا عدد.
ومما أذيع سرَّه_ ولا أحب أن أُفشي الأسرار_ أن أحد أطفال قومي الصغار وهو يلهو مع لعبة الموت في ساحة الدار قبل أن يسقط أرضًا ويلقي تحية الوداع، رفع يده ملوحًا لقومي أنَّ هناك هوة عميقة عند باب الدار، خشيَّ أن تزل أقدامهم فيموتوا، لكنَّ قومي أسرعوا بإسدال التراب عليه قبل أن يلفظ الحياة، خافوا من يده التي تلوح في الهواء، ثم عادوا لمواصلة البكاء.
ظلَّ أطفال بلادي يتسلقون جبال الخوف، يبحثون عن هذا الملقب بالموت، يفتشون عنه في جزر الشمس والقمر، ظنًا مهم أن الموت رجلٌ فيطيحون برأسه، أو مجموعة من الرجال فينصبون إليهم شركًا يقعون فيه واحدًا تلو الآخر، أو قد يكون مدينة من الرجال فيحفرون حولها خندقًا كبيرًا ويتربصون بهم في ساعات المساء، لكنَّ صوت البكاء القادم من مدن الهلاك كان صفارة إنذار للشياطين فانطلقت لتحمي عرشها، وألقت كل ما في جوفها من نار وبارود فانهارت أسوار آخر المدن، وسقط جميع الأطفال مضرجين بالموت، وبقي عويل قومي يصدح إلى الآن.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» جاهلية
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 1
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 2
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 3
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 1
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 2
» سلسلة حافية القدمين والبحر جزء 3
صفحة 3 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 20 يناير 2025 - 12:02 من طرف خيمة العودة
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 ديسمبر 2024 - 11:31 من طرف ميساء البشيتي
» غزتي حبيبتي بقلم الأستاذ م. زهير الشاعر
الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 12:05 من طرف ميساء البشيتي
» لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 11:30 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي