أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي

أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة

الناس يبحثون عن مقتنيات يحبونها،يشعرون بامتلاكها أنها تمنحهم جانبا خفيا من الأمان والألفة، وكل شخص له أهواء تختلف عن الآخر .

نحن في غزة أيضا نحاول أن نعيش حياة طبيعية،تكون لنا مقتنيات،هوايات، نشاطات مختلفة، لكن الحرب تأتي دوما لتدمر أي آمال بالحصول على حياة طبيعية مثل باقي البشر.

كان والدي عاشقا للكتب،يجمع كتبا نادرة،موسوعات ، معاجم،قواميس ، وأنا مثله ورثت عنه هذه الهواية، كنت أجمع كتبا من كل الفئات، أسافر في أي عمل، وبدلا من إنفاق المال على الهدايا،كنت أشتري عددا كبيرا من الكتب، لدرجة أن ضباط الجمارك كانوا يظننوني تاجرا !.

ورثت مكتبة والدي ، خصصت غرفة في بيتي وجعلتها عالم الكتب الخاص بي، نسقتها كمن يبني بيت الأحلام، كانت تمنحني شعورا بأنني أملك قلعة على رأس جبل، فيها آلاف النوافذ, أطل منها حيث أريد.

هكذا كنت أرى العالم من خلال الكتب، أفتح نوافذي تجاه العالم ،أرى كل شيء، كان الوقت الذي أقضيه بين كتبي هو أفضل الأوقات .

أعوام طويلة قضيتها ، من بيت لآخر أصطحب كتبي كمن يحرص على ثروته، حتى استقر المقام في بيتي الأخير، والذي جهزت فيه غرفة المكتبة كما أحب، حتى أصبحت مع الوقت جزءا مني، وأصبحت أنا جزءا منها .

كنت أمسح الغبار عن الكتب، أدللها مثل طفل ، وأحرص أن تكون بأبهى صورة .

في ليلة السادس من أكتوبر ، سهرت حتى وقت متأخر في مكتبتي، كنت أقرأ كتابا عن الأساطير اليونانية .

ذهبت للنوم ، واستيقظت صباح السابع من أكتوبر لأجد غزة غارقة في الحرب دون أي مقدمات، اعتادت غزة أن تنام لتصحو على حرب، لم ينعم أهلها بالسلام والأمان ،يعيشون قلقين دوما من اندلاع الحرب، وهذا ما حدث، لكنه هذه المرة لم يكن أمرا معتادا ، إنه شيء أشبه بيوم القيامة، جاء اتصال أن علينا مغادرة الحي الذي نسكنه، أخذنا أقل الضروريات،كنت أعتقد أننا سنتمكن من العودة لبيوتنا خلال أيام، لم أكن أعرف أنني أودع بيتي ومكتبتي ولن أراهما ثانية.

استمر نزوحنا من مكان لآخر في ظروف خانقة غير آدمية، ولم أستطع معرفة ماذا حدث لبيتي ومكتبتي طوال أشهر،كان علي أن أعتاد حياة المشردين أنا وأسرتي، وأن أنسى الحياة الطبيعية، بعد ستة أشهر تمكن أخي المتبقي في شمال غزة، أن يذهب للمنطقة التي يقع فيها بيتي، كان الدمار يحيط بكل شيء، تعرض بيتي لأضرار هائلة ، وأرسل لي صورا لمكتبتي التي بنيتها طوال سنوات عمري، لم تعد هناك ، الكتب تناثرت وتمزقت، كل التفاصيل الجميلة أصبحت خرابا ، بكيت طويلا كمن فقد شخصا غاليا على قلبه ، ما زلت لا أصدق أن مكتبة والدي التي ورثتها ومكتبتي التي جمعتها طوال عمري قد أصبحت رمادا.

لم يعد لدي ما يثير الرغبة في الحياة، ولا أعرف هل ننجو أنا وأسرتي من الحرب، وحتى لو نجوت بات من المستحيل أن تعود المكتبة ،ثروة العمر الجميلة ، علي الاعتراف بأن الحرب قتلت كل شيء داخلنا ، لا أعرف هل يمكننا النهوض مجددا يوما ما !.

شجاع الصفدي

https://electronicintifada.net/.../some-things-we.../48506