بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
الـغـرق في لـُجـَّـة التخـلـف الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـيـن
صفحة 1 من اصل 1
الـغـرق في لـُجـَّـة التخـلـف الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـيـن
الـغـرق في لـُجـَّـة التخـلـف
الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـيـن
هناك الكثير من المؤلفات التي تنتقد العقل العربي (مـنـهـا واحـد لـكـاتـب هـذه السـطـور) والتي تحاول تشخيص أمراضه ووضع يدها على مواطن الضعف في طرائق تفكيره ومناحي سيره والتي تلعب دون شك الدور الرئيس في تخلف الأمـة العـربية عن باقي الأمم.
وقد حاول عـلـمـاء الإجـتـمـاع أن يلفتوا الأنظار إلى تلك الأمراض آملين في أن وضعها تحت دائرة الضوء سيقودنا إلى إدراك وجودها ، وبالتالي محاولة التخلص منها.
ثـمـة مـيـل واضح لـدى الكثير من الـعـرب إلى إحالة ما يواجهونه من إشكالات لها جذور وأسباب في واقع الحياة المحسوس إلى الغيبيات.. فالظواهر الطبيعية "انتقام من الله" سبحانه وتعالى، والمرض "عـين فتاكة" أصابت المريض، والمشاكل الزوجية "سحر"، والفشل في الامتحان "عـين قوية" أصابت صاحبها، أما السرطان فقد احـتار الأطباء في أسبابه ولم يجدوا له تفسيراً ...وهنا لابد أن تشهر "ورقة العين" المسؤولة دائماً وأبداً عن كل آفة أو بلاء يصيبنا.
والكارثة أن هذه التفسيرات لا تنطلق فقط من أفواه العامة أو غير المتعلمين ، بل يشدو بها كثير من المتعلمين الذين درسوا تخصصات علمية دقيقة ، ويستخدمون في أعمالهم تقنيات عالية تعتبر ثمرة من ثمار إبداعات العقـل الإنساني ، ويتمتعون في منازلهم بأحدث ما أنتجته الحضارة الإنسانية من وسائل الراحة والرفاهية...
وهنا لابد أن نندهش من هذه الازدواجية التي يغـرقون في غـياهـبها ، فهم يستخدمون العلم الحديث ووسائله العالية التقنية من جهة في تفاصيل حياتهم ثم يرفضون إحالة الإشكالات التي تواجههم إلى المنهج العلمي من جهة أخرى ، مؤثرين إحالة أسبابها إلى عالم المجهول.
ولا تستغرب لو أرجع أحد الأطباء الـعـرب الحاذقـين سبب مرض السرطان إلى "العين الحاسدة" أو شخّـص حالة اكتئاب تفاعلي على أنه "نتيجة لأعمال سحر وشعوذة"... ولا تستغرب أيضاً لو وجدت مجموعة من المعلمات المتنورات يتناقـشن في مشكلة زميلة لهن تعاني من إعراض زوجها عـنها ونفوره منها وهن يتهامسن فيما بينهن أن سبب ذلك النفور هو "عمل قامت به الخادمة الحاقدة " أو إحدى "الحاسدات من القريبات".
ولا تستغرب أيضاً حين تلاحقك أنت نفسك أمراض الثقافة المحيطة بك، فتنجرف معها وتتوجس خيفة من "عين حاسدة" أو قلب مريض، ناسياً محاولاتك الممضة لحقن وعـيك بـقـناعاتك الجديدة التي ترفض التماهي مع الخرافات، فقد شـقـَّـت تلك الترهات طريقها إلى لا وعـيك ، وغرست نفسها فيه وأصبح من الصعوبة بمكان إخراجها من مكان استقرت فيه طويلاً.
ولا تستغرب أيضاً لو كان سبب فتور العلاقة بينك وبين رئيسك وتـقـريـعـه الدائم لك هو "عـين حاسدة" أصابتك بقوة تأثيرها... لذلك ليس ثـمـة مبرر لأن تبحث عن الأسباب الحقيقية وراء فشلك أو عـدم قـدرتك على إنجاز عمل ما ، أو مرضك فالأسباب كلها معروفة ومن الممكن استخلاصها من ذلك العالم المجهول : عالم الغيبيات... وهذه هي الطريقة الأسهل التي من الممكن إحالة كل مشاكلنا عليها من غير أن نتكلف عناء البحث والتقصي، والتي تمنحـنا الحلول والإجابات لكل الإشكالات المستعـصية في حياتنا. ولو توسـَّمت في نفسك الشجاعة ، وكانت لـديك الـجـرأة للـتـعـبير عـن رأيك محرضاً عقول من حولك على البحث عن المسببات الحقيقية وراء مشكلاتنا ، وبالتالي محاولة إيجاد الحلول الناجعة لها ، فلا بد أن تتهم في إيمانك المتزعـزع ويقـينك المهتز... وكأن الإيمان يتصارع مع العلم ويتعارض مع البحث عن أسباب مشاكلنا في ثنايا عالم الشهادة...
حـاول ـ على سبيل المـثـال لا الـحـصـرـ أن تناقش وتقول إن سبب مشكلة قريبك مع أخيه يرجع إلى خلل في العلاقات الاجتماعية ، أو أن زميلك طلق زوجته لأن المشكلة لها أبعاد ضاربة في جذور علاقتهما، أو أن سبب كثرة ضحايا الزلازل في الدول النامية هي عـدم وجود الاستعدادات اللازمة عند حدوث هذه الحالات ، أو الآليات المحذرة من إمكانية حدوث كارثة طبيعية، لتكال لك التهم وتتقاذف عليك ذات اليمين وذات اليسار، فتبتلع كلماتك في جوفـك مؤثراً السلامة ومتجـنباً الصدام والجدل العقيم في أمور لن تحصد من ورائها إلا العـداء الشخصي أو الاتهامات في دينك وعقيدتك ، وذلك على الرغم من أن الإسلام شدد على أهمية التفكر والتدبر والنظر في سنن الله في الآفاق ومحاولة الاستفادة من التراكم المعرفي من الحضارات السابقة ، ومن تعاليمه تشكلت أساسيات المنهج العلمي التجريبي الذي أسلمنا رايته لغيرنا ورحنا نغط في سـبات عميق يـحـسـدنا عـليـه أهـل الـكـهـف ، تظللنا تهويمات الخرافات والدجل والسحر والشعوذة.
دارت في ذهـني هذه الأفكار وأنا أقرأ تـقـريرا في صحيفة " الشرق الأوسط " السـعـودية الصـادرة في لـنـدن يـفـيد بأن المصريين ينفـقـون 10 بلايين جنيه (أجـل ، عـشـرة بـلايين جـنـيـه) سنوياً على الدجالين، وأن هناك 320 ألف دجال في مصر... ويـشـير الـتـقـرير إلى أن المتعلمين في مقدمة المترددين على هؤلاء الدجالين . وبـعـمـليـة حسـابية بسيطة يتبين لـنا أن هـناك دجالاً لكل 250 مواطناً،... وأكثر الخـرافـات التي تتحكم في عـقـول المصريين مشكلة تأخير سن الزواج ، وعدم القدرة على الإنجاب ، والمشكلات الجنسية المعـقـدة ، إضافة إلى الأمراض المستعـصية، كما أن 38% في المائة من مشاهير الفن والسياسة والرياضة والمثقفين هم من رواد السحرة والدجالين.
قبل سـتـين عـامـاً حـاول الفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود "تشـخيص" مشكلات العقـل العربي ... ولكنه كان "يـنفخ في قربة مخرومة" ـ كما يـقـول السـوريون ـ ذلك أن المشـكلات التي حاول تشخيصها ما زالت تراوح مكانها ، بل يمكن القول إنها زادت استفحالاً واستشراساً في الوقت الحالي ، فطرائق التفكير واحدة وبالتالي المشكلات واحدة.
هل هناك وجود للـعـقـل الـعـربي؟!
أم أننا شيـعـناه ودفـناه وأهـلـنـا عـليه التراب منذ أن استسلمنا للدعة والخمول ، وآثرنا الـغـرق في لـُجـَّـة التخلف...؟!
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» الـبـُنـيـَة الـداخـلـيـة لـثـقــافـة الخَــوف الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين يـاسـين
» الحُـزن في الغـُربة... وأشـياء أخـرى!! الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين يـاسـين
» النمطيات الغـربية عـن الاسلام والمسلمين / الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـين
» بأي معـيار يـتـم اخـتـيـار الـفـائـزيـن بـجائزة نوبل ؟! الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـين
» غـابـريـيـل غـارسـيا ماركـيـز : أعـظـم الأدباء في الـقـرن العـشرين الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسين
» الحُـزن في الغـُربة... وأشـياء أخـرى!! الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين يـاسـين
» النمطيات الغـربية عـن الاسلام والمسلمين / الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـين
» بأي معـيار يـتـم اخـتـيـار الـفـائـزيـن بـجائزة نوبل ؟! الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسـين
» غـابـريـيـل غـارسـيا ماركـيـز : أعـظـم الأدباء في الـقـرن العـشرين الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حـسـين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
اليوم في 15:40 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج
» جربت تنام بخيمة؟ بقلم اسماعيل حسين
الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 11:00 من طرف خيمة العودة
» يسألني الياسمين ... ؟
الأحد 25 فبراير 2024 - 11:19 من طرف سلامة حسين عبد النبي