غـيـابٌ في الغـيـاب...!
د. عبد القادر حسين ياسين
05/10/2017
لا أدري هل شعرت بالأسف أم بالخجل ،
وأنا أتجول في أروقة معرض غـوثـنـبـيـرغ الدولي للكتاب في الأسـبـوع الـمـاضي !
في الحقيقة كان خليطاً من الشعورين.
فـفي حين خُصصت مساحات واسعة للمنتجات الفكرية والأدبية،
لمعـظم دول العالم بغربه وشرقه، جنوبه وشماله،
لم أعـثر بينها إلا على زاويـة عـربـيـة
لم تتجاوز المساحة المخـصصة لها أربـعـة أمتار مربعـة .
 
كانت جميع الكتب المعروضة دينية،
تطل عـليك من خلف زجاج العرض ومن عـلى الرفوف ،
بأغلفـتها السميكة وخطها الكوفي ،
كأنما لتقـول أن الـثـقافـة العربية تقـتصر على الـدين ليس إلا:
لا أدب، لا فكر، لا عـلـم، لا فـلـسفـة، لا سياسة ...
لا شيء آخر.
 
لماذا العـرب ليسوا هـنا؟
لا أظن أن هذا السؤال تبادر إلى ذهـن أي زائر للمعـرض،
ليس لأن الكمّ الهائل المعروض من الكتب،
وتنوع الدول ودور النشر واللغات،
قادر على أن يـُنـسيه أي غائب وحسب،
وإنما أيضا لأن مسألة غـيابنا أو حضورنا لا تعـني هـذا الزائر ،
بالدرجة التي تجعـله يطرح فـيها هذا السؤال.
أما أنا فـقـد طرحـته :
لماذا نحـن لسنا هـنا؟
 
طرحته مع أنني أعرف الإجابة ،
وأظن أن القارئ يعـرفها أيضا ،
ويعرف أن أحـد الأسباب الرئيسية لهذا الغـياب ،
هو غـياب المشروع الثقافي والحضاري العـربي على الساحة الدولية.
 
نحن ، باختصار، غير مهمومين بـتـقـديم أنفسنا وإيصال صوتنا إلى الآخر،
هذا عـدا عـن أننا ما زلنا عاجزين عن التحرر من قوقعة الذات،
واكتشاف اللغة التي يجب أن نخاطب بها هـذا الآخـر.
نحن غائبون. أقول نحن ولست أدري من نحن...
 
في الحقيقة ليس هناك "نحن " متجانسة ومتكاتفة معـنية بهذا الهـَمّ...
لا على صعـيد السـُلطات ولا على صعـيـد النـُخـَـب الثقافـية،
فما بالكم بالشعـوب المقـمـوعة والجائعة...؟!
 
يبدو لي ـ وقد أكون واهمـاً ـ أنني أعي جوانب المشكلة،
لكنني مع ذلك بقيت ، وأنا أتجول في أروقة المعرض الدولي للكتاب، أتساءل:
لماذا نحن لـسـنا هـنا...؟!
 
طرحت هذا السؤال ليس بهـدف العـثور على إجابة،
لا سـيـما وأنه يبدو لي أنني أعـرفـها،
وإنما طرحـتـه بعـفـوية وتـلـقـائـيـة ،
عـكست إحساساً عـميقاً بالمرارة في داخلي.
وبدا لي وأنا أطرحه أننا لسنا هـنا ولـسـنا هـناك أيـضا.
إننا أمـَّـة غـاـئبة في كل مكان.
لقد أصبحـنا طيـف أمـَّـة، طيفاً ليس إلا.
 
قد يعارضني البعض قائلا أنني أضخـّم الأمر،
وأن هذا الغـياب يـقـتـصر على غـوثـنـبـيـرغ،
وأن الكتـب العـربية تشارك بحضور أكبر في معارض الكتب الأوروبـية.
ربما! لست أدري .
 
لكن هذا السؤال يفتح الباب عريضا أمام سؤال آخر:
لماذا نحـن غـير معـنـيـيـن بالسـويـد وبالقارئ الـسـويدي؟
لماذا ... ولماذا... ولماذا.؟...
كلها أسـئلـة مثيرة للأسف والخجل والمرارة....
 
لست أريد هـنا الحديث عن أهـمية السـويـد ،
والقارئ الـسـويـدي بالنسبة للعالم العـربي،
فلا أعـتـقـد أن ثمة خلافـاً حول هـذا الأمر.
ليس هـناك خلاف على الصعـيد النظري،
أما على الصعـيد العملي فعلى ما يبدو أن هـناك خلافا كبيرا...
وغـياب الكتاب العربي في معرض غـوثـنـبـيـرغ الدولي للكتاب يبرهـن على ذلك.
 
في هذا الصدد أود أن أشير إلى تجربة فـردية ريادية،
وفي غاية الأهـمية تحاول أن تمحو شيئا ، ولو ضئيلا ،
من رمادية هذا المشهد،
وهي دار Alhambra للنشر.
 
ومـنـذ تـأسـيـسـهـا قـامـت هـذه الـدار بـتـرجـمـة   ،
ونشر الـعـديـد من الكتب العـربية المعـنية بقضايا الإنسان العربي،
والقادرة على زعـزعـة تلك الصورة النمطية المشوهـة ،
لدى القارئ السـويـدي عن الإنسان العربي وثقافـتـه وعـدالة قضاياه.
 
إنها حقا تجربة ريادية ، وهي في الجوهر نبيلة وتعكس مشاعـر وطنية صادقة.
أقول ذلك لأنني أدرك مدى صعـوبة هذه الرسالة التي "ورَّط " هـشـام بـحـري نفسه بها ،
وأعرف إلى درجة ما حـيـثـيـات الواقع الـسـويـدي وتعـقـيداته.
 
كي ينجح هذا المشروع يجب أن يتبناه ليس فـرداً واحداً،
بل دولا ً ومؤسسات تحمل هذا الهـَـمّ الوطني.
 
ما أقـصد الإشارة إليه أن تجربة دار Alhambra للـنـشـر،
هذه التجربة الفردية والريادية المهمومة حقا ،
بتوصيل الصوت العربي إلى القارئ السـويدي،
هي مغامرة صعبة للغاية،
تتطلب خوض معارك وجهـد نفسي ومادي كبير.
لهذا يبدو لي أنه من الضروري جداً على المثـقـفـيـن العرب ومؤسساتهم ،
أن تساند هذا المشروع وتـتـعاون مع دار النشر هـذه وتدعـمها بكل ما تستطيع.
هذه التجارب الفـردية هي في النهاية قـطرات ماء عـذبة إنما في بحـر جاف،
بحر بحاجة إلى تدفـق الكثير من السيول ،
علّه يقوى على تغيير طعـم الملح في واقعـنا.
 
وبـعــد ؛
 
لست أدري إذا كنا قادرين على ذلك ونحن غارقـون في الغـياب.
غـيابٌ هناك ، ينتج غـياباً هـنا.


د. عبد القادر حسين ياسين