بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسين ياسين
صـقـيع الـمـنـفـى
د. عبد القادر حسين ياسين
عاملتني الحياة برفق أحيانا، وبقسوة أحيانا أخرى.
لكنني حين أقيس قسوتها إلى رفقها أرجح قسوتها على رفقها.
تـوفي والـدي وأنا في السادسة ؛ فـتجرعـتُ جرعة من قسوة الْيـُـتـْم،
لكن والـدتي - الحازمة الحنون - تقدمت فـوراً لجبر الصدع،
وحملت المسؤولية مادياً ومعنوياً،
فردتني بسرعة إلى طريق الأمان.
قضيت حياتي العـملية كلها في الدراسـة والبحث،
وأتاحت لي ظروف عملي السفر إلى العشرات من دول العالم ،
ولي في كل مرفأ من هذه المرافئ فـيـض من الذكريات...
ثمة جزء كبير من ذكرياتي يرقـد عـميقاً في المخيم.
وهذا الجزء أدخر له ركناً حميماً في قـلبي،
وأعمل على تخـليصه من شتى الشوائب التي كانت تعلق به،
وأستخدمه وسادة طرية أدفع بها قسوة الصخور الناتئة في حياتي .
وأما البلد الذي عشت فيه إنـتـصارات الروح وانكساراتها فهي السويد،
بـلـد الخضرة الغامرة، والمطر الذي يخلب لبّ إنسان مثلي،
تربى في بيئة معـدومة المطر، والنظام، والنظافة، والانضباط وهي كلها أمور تلائم طبعي،
ثم التميّز الذي كانت روحي ولا تزال تهـفـو إليه،
الحـنين إلى المعرفة، والمكتبات العامة التي قضيت فيها آلاف الساعـات،
من أصغـر مكتبة في الحيّ تعـجّ بالعجائز، إلى مكتبة الجامعة،
وهي خلية نحـل بشري للباحثين من كل جنس ولون ...
وعلى الرغم من أنني أميل بطبعي إلى الوحـدة،
إلا أنني أجد نعـيمي في صحـبة الآخـر،
وسأذكر من الأسماء ، تاركا نفسي على سجيتها،
ومؤديا بعـض الضريبة لأشـخـاص أحسنوا إليّ كل الإحسان،
ومنهم الذين عـلـَّموني ، وسهـَّلوا لي طريق المعرفة،
كما أن منهم أصدقاء جعلوا الحياة سائغة لي.
وأبدأ بوالدتي ـ تلك الفلاحـة الفلسطينية حتى الـنـخـاع - التي لا أحتاج إلى سياق أضعها فيه...
كما أذكر من طفولتي الشيخ محمـد البنـَّـا أول من عـلـَّـمني الحروف،
والشيخ علي) من حـفـظت على يده القـرآن كله)،
وابن المختار الحاج عـبـد الرحمن عـليـَّـان (محمد) ،
الذي تعهّدني في دروس الحساب دون مقابل ،
وقـدمني إلى أصناف من الطعام لم أشاهـدها أو أسمع عـنها في حياتي في المخيم...
كذلك أتذكر أستاذي في جامعة لندن - الصبور الحكيم الحليم الحازم - روبرت سارجنت .
رعاني بعطف لم أجد له نظيرا، وقـسا عليّ مرات "لأزدجر"، ورفـض في غـضب أن أتركه إلى جامعة أخرى - حين طلبتُ إليه ذلك في فترة من فترات اليأس - قائلا لي: "ليس بعد الجهد الذي بذلتَه أنت من أجل نفسك، والجهد الذي بذلتُه أنا من أجلك..."
جاء إلى بيروت بعـد سـنـوات،
فـدعـوته إلى عـشاء في مطعم فـلسطيني ،
وذهبت أحضره من فـندقه ، وحين رآني هـتف بدفء لم أعهده فيه من قبل (وهو الآيرلندي) :
"يا بنيّ العزيز، كأنك لم تتغير قـيد شعـرة"...
قالها على نحو وضعـني في جـو أبوي يشع عطفا ورحمة وحنانا.
وأخيرا - وليس آخرا كما يقولون - أتذكر الدكتور بيتر فيلونج ،
أستاذ التاريخ بجامعـة لـنـدن، الذي طوّق عـنقـي بجميل لـن أنـسـاه مـا حـيـيـت.
إنعـقـدت بيننا صداقة، وأمتعـنـي بأحاديثه الساحرة،
ونهلـت من معـينه الثقافي الذي لا ينضب.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
غـالـبـاً مـا أفكر في المـنـفـى ومـعـانـيـه،
ولكن لا أجد لهذه المسألة معـنى أكثر دقة من التطهير...
لماذا؟ يمكن القول إن المبدع، في بحثه عن الحرية الضرورية يجد نفسه دائما إزاء قوى خلقـت شروطا لإغلاق منافـذ الحرية، ومن الصعـوبـة بـمـكان أن يتخطاها هذا المبدع بدون أن يحاول تحقيق حرية مكتسبة، ما دامت الحرية في الوطن مـفـتـقـدة.
كم من مبدع عـربي هو اليوم بلا أرض؟.
ألا يستدعي هذا الأمر وقـفة حـقـيقـية ومسؤولية أعلى من مسؤولية الحياة اليومية المعـتادة؟
ألا يستدعى نوعا من تنسيق الجهد وإطلاق صيحة؟.
لم أجد إجابة شفافة وشافية في مصادر التاريخ التي أبحر فيها كثيرا عن الكيفية التي كان يسافر بها عـبـد الرحـمـن ابن خـلدون، أو محـيى الدين بن عـربي، أو ابن رشد...وآلاف غيرهم ، وكيـف كانوا يلتمسون رحلة تبدأ من بـغـداد وتنتهي فى طـنـجـة أو العكس، وكيف كانوا يعبرون الحدود؟.
لم أتعلم كلمة "منفى" إلا عندما صارت مرادفاتي أكثر ثراء،
فكلمة العودة هي الخبز اليومي للغتنا؛
عودة إلى المكان، عودة إلى الزمان،
عودة من المتنقل المتحرك إلى الثابت،
وعودة من الحاضر إلى الماضي والمستقبل في آن.
عودة من الاستثناء إلى القاعدة،
من خلية في سجن إلى بيت من حجر.
هكذا أصبحت فلسطين كل ما لم تكن؛
المسافة بين المنفى الداخلي والمنفى الخارجي لم تكن مرئية.
كانت جزءاً من الصورة عندما كان معنى الوطن أصغر من حجمه.
وفي المنفى الخارجي استوعبت كم كنت قريباً من البعيد، كم كان "هناك" "هنا".
لم أعد بعد، والطريق لما تنته بعد كي أعلن عن بداية الرحلة ....
د. عبد القادر حسين ياسين
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» صـقـيع الـمـنـفـى د. عبد القادر حسـين ياسـين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» الـجَـهـْـل الـمُـزدَوج د. عبد القادر حسين ياسين
» مــهــنـة الـريـاء د. عبد القادر حسين ياسين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» الـجَـهـْـل الـمُـزدَوج د. عبد القادر حسين ياسين
» مــهــنـة الـريـاء د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
أمس في 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
أمس في 15:40 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج
» جربت تنام بخيمة؟ بقلم اسماعيل حسين
الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 11:00 من طرف خيمة العودة