الـدكـتـور عــصـام سـخـنـيـنـي: الـمـُـفـكـِّـر الذي فــَقـدنـاه الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حسـين ياسـين


"هـيهـات لا يأتي الـزمان بـمـثـلـه؛
إن الـزمان بـمـثـله ... لـبـخـــيـل!!"


خسرت فـلسطين عـلماً من أعلامها،  
في الأسبوع الماضي، غـيـَّـبَ الـمـوت  ،
الباحث والمـؤرخ والمـنـاضـل الفـلسطيني عـصـام سـخـنـيـنـي،
بعد أن صارع المـرض طيلة سنوات،
تكشفـت عن المزيد ـ النبيل والشجاع ـ ممّا كان يُعـرف عـنه ،
من طاقة مذهلة على تثمين الحياة، وإدمان المقاومة، واستنبات الأمل.


كانت حياة عـصـام بمثابة صراع مفتوح ،
من أجل طراز من البقاء لا تغـيب عنه سجايا النظافة،
واللقمة الشريفة،  والتحرّر من غـريزة الـقـطيع،
والتمسك بالعـقـل الجـدلي الذي يُحسن تـمـيـيـز الخاصّ عـن العامّ ،
وكيف ومتى يتوجب الـفــصل (أو الـوصـل)  بينهما.


ليس سهلاً أن تكتب صفحة عن قامة ثقافـية متعالية!!..
كيف بإمكانك أن تختزل عطاءً ثقافياً إشكالياً ،
استمر أكثر من خـمـسـين عاماً؟!


هو دارسً مـُدقـق...
مـُعـلـم رائع...
رجـل مـُجـَرب...
مـثـقـف مـتـفـتـح...
ومـُـفـكـر مـُـتـوازن...


لن ننسى ما أنتجه في الـفـلـسـطـيـنـيـات...
كتب في التـاريخ، والسيرة، والمقالة...
فكان موسوعـياً فـيها كـلـها...
فأهدى الدارسين حيث وجدوا عـلـماً غـزيراً ... ولغة حمـيـمـة..


سـيـبـقى عـصـام سـخـنـيـنـي في الثقافة الـفـلسـطينية ،
"زيتونة حيفاوية" تـمـتـد جـذورها عـمـيـقـاً ...
لـتـنـتـج الزيـت نوراً ودواء وغـذاء...
أو "دالـيـة خـلـيـلـيـة" تعـيش على ندرة الماء ،
لـتـخـصب العـنب بألوانه كلها..
أو "نخـلـة ريـحـاويـة" تجعل الصحـراء حياة آمنة...


لقد فـقـد شعبنا الفلسطيني برحيله، علما فكريا وثقافيا وعلميا ...

مات أحد أعز المكافحين، بنبل وحيوية،
صامتاً حيال أوجاع اللحظات الأخيرة.
ستظل آثاره، سراجاً يُشعل ضوءاً أبدياً، بينه وبين وطنه،
لا تُطفئه دموع الغيم، ولا أنواء البحر.


ما سمعـته يوماً يُسـَفـــه رأياً لصـديق ،
أو  ينال من وجهة نظر لم يـقـتـنـع بصوابها...
كان يتحدث عن القضايا المشتركة التي تجذب اهتمام الجميع ...
عن "الهـَمّ الفـلسطيني"، عن الإبداع ، عن اللغة ،
عن المشهد الثقافي ، عن الشؤون الخاصة..
كان في الوقت نفسه يبدي رأيه بصراحة ،  ينتقـد بإيجابية ، ويثني بإيجابية.‏


ذلك الفلسطيني الهائل، بانتمائه ، كان متواضعا جـداً.
اجتذب المثقفين والكتاب والمفكرين، وكان مؤمنا بتفاعل الفكر الإنساني،
لصالح الإنسان في مواجهة العنصرية والاحتلال،


مات أحد المناضلين الفلسطينيين المثابرين...
ذهـب الرجل على إيقاع الأيام المطفأة، عبر أنفاق السبات والذكرى...
لكن فـلسطين، ستبقى في انتظاره، في دُغـشـة الصباحات الشـاحـبـة،
وفي ليالي الوجد، كما في مواسم وأعـياد عاشقـيها.
وداعــاً ... أخي عـصـام،
سيبقى مكانك عابقاً بأريج المحبة والوفاء!!.‏
أيها المنـاضـل الـفـلـسطـيني حتى النخاع ،
لك الغـار والنـدى ...
فالأشجار تموت واقـفـة!
عـصـام سـخـنـيـنـي، أيها الأسـتاذ الكبير ،
والأخ العزيز والصديق الصدوق ،
هل أقول سـلامـا ، أم أقول وداعـا؟
عـصـام سـخـنـيـنـي؛ أنت أكبر من السـلام ، وأكبر من الوداع.


سـلامـا وتحيـة ، ففي التحيـة الحياة...
التحية هي المحافظة على وديعـتك التي أودعتـهـا ،
لدى كل من لا يزال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ،
وبأن الوعي النقـدي هو الطريق.