"النبوغ المغربي" ثورة في الادب العربي

ظلت صفحات تاريخ الادب المغربي مجهولة، فقد طالها الاهمال حتى ليخيل للواحد منا - كما قال العلامة المغربي عبد الله كنون- : " ان ليس لبلادي -المغرب- في هذا المجال -الادب- مشاركة" . و تجلى الامر واضحا في تجاهل الادب المغربي في كتب النقد و تاريخ الادب العربي، كما في قلة او انعدام معرفتنا بادباء المغرب و تجاربهم، في الوقت الذي ازدانت فيه ذاكراتنا بمعرفة ادباء المشرق العربي، بل حفظ اشعارهم.
و من هنا ، يمكننا ان ننبه الى ان الادب العربي قد اختزل، لقرون طويلة، فيما انتجه المشارقة لوحدهم و معهم ادباء الاندلس، في حين اهمل المغاربة كان لا يد لهم في الابداع الادبي. و لذلك نقول : ان هذا النزوع نحو "مشرقة" الادب العربي، قد جنى على تاريخ حافل و ارث زاخر بالعطاء كان المغرب منبته و حضنه.

و في هذا السياق العام، نشا عبد الله كنون الاديب و الناقد و المفكر المغربي، و هو من مواليد مدينة العلم و الادب "فاس" مطلع القرن الماضي.
و منذ نشاته الاولى راى" اهمال هذا الجزء من بلاد العروبة(المغرب) في كتب الادب و تاريخ الادب".، فانكب باحثا و منقبا ، فوجد "كنوزا عظيمة من ادب لا يقصر في مادته عن ادب اي قطر من الاقطار العربية الاخرى، و شخصيات علمية و ادبية لها في مجال الانتاج و التفكير مقام رفيع".

و هكذا جمع العلامة عبد الله كنون ما توصل اليه في كتابه المعنون :" النبوغ المغربي في الادب العربي" الذي صدرت طبعته الاولى سنة 1936 بتطوان (المطبعة المهدية).
و الكتاب في طبعته الثالثة الصادرة سنة 1975(مكتبة المدرسة و الكتاب اللبناني للطباعة و النشر ببيروت) مكون من ثلاثة اجزاء. فالاول منها خصص للدراسة النظرية، و فيه قدم الكاتب لمحة تاريخية عن المغرب منذ الفتح الاسلامي حتى عصر العلويين مرورا بعصور المرابطين فالموحدين ثم المرينيين و السعديين، كاشفا النقاب عن الحياة السياسية ، و ماسحا غبار النسيان و الجهل عن الحياة العلمية و الفكرية و الادبية معرفا بالمؤلفات التي انتجت و بالاعلام الذين نبغوا في كل عصر.
و في الجزاين الثاني و الثالث قدم المؤلف مختارات ادبية من الابداع المغربي، فالثاني اورد فيه المنتخبات النثرية مصنفا اياها وفق الاجناس المعروفة ( التحميد و الصلاة ، الخطب، المناظرات، الرسائل، المقامات،المحاظرات، والمقالات ).
و ساق في الجزء الثالث مختارات شعرية مبوبة حسب الاغراض الشعرية المعلومة (الحماسة و الفخر، الغزل و الشوق و النسيب، الوصف، الاداب و الوصايا و الحكم، المدح و التهنئة و الاستعطاف،الملح و الطرف، الرثاء و ذكر الموت و الموشحات و الازجال).
و تخللت الكتاب نصوص موازية هي مقدمات الكاتب الثلاث و تقاريظ (جنس من النصوص التي تعرف بالكتب و تبرز مناقبها، غالبا ما تكون قصائد منظومة) اعلام الادب و النقد في جيله التي عرفت بمناقب الكتاب و نوهت به.

يفصح عبد الله كنون عن مقصديته و رهانه في اخراج " النبوغ المغربي في الادب العربي" قائلا :" كان مقصودي الاهم من تاليفه هو بيان اللبنة التي وضعها المغرب في صرح الادب العربي الذي تعاونت على بنائه اقطار العروبة كلها، و ذكر الادباء المغاربة الذين لم يقصروا عن اخوانهم من المشارقة و مغاربة بقية اقطار المغرب العربي في العمل على ازدهار الادبيات العربية على العموم".
و لم يكن عبد الله كنون و هو يؤلف النبوغ المغربي مجرد ناقد ادبي او مؤرخ للادب دفعته الامانة العلمية الى رد الاعتبار للادب المغربي، بل ان كون هذا الادب ادب وطنه لهو من اهم البواعث التي انتجت لنا هذه التحفة الادبية. فالكاتب يصرح بهذا الدافع الوطني،اذ ان هاجسه هو ان يدفع الضيم عن بلاده، مثبتا مركزها في حظيرة العلم و الادب.
و هاته الوطنية التي يفوح عبقها من الكتاب ، و انت تتصفه، هي التي دفعت القوات الاستعمارية الفرنسية الى ان تمنع تداول الكتاب و تصادره، و هو ما علق عليه كنون قائلا :" و اذا كان لهذا القرار دلالة فهي تاكيده لكون الكتاب عملا وطنيا فوق كونه عملا ادبيا و لذلك استحق ان يحظى من الاستعمارالفرنسي الغاشم بهذا الجزاء الظالم"... (يتبع)

(نكتفي بهذا ، و سنتحدث في الجزء الثاني عن صدى "النبوغ المغربي" و ثورته، و عن منهجية العلامة "كنون" في التاليف والدراسة).

اهلا بك استاذ خالد المغربي
أين كل هذا الغياب ؟ عسك بخير أخي
ادراجك قيم يا خالد ومفيد ومهم جدا
ننتظر منك الجزء الآخر لهذا الإدراج الرائع
شكرا لهذه المساهمة الرائعة ودمت بألف خير

شكرا لك سيدتي ميساء على اهتمامك
انا و الحمد لله بخير، غير ان الغياب كان اضطرارا لاسباب لا داعي للتفصيل فيها، فليس المقام متسعا لذلك
انتظرك ان يتم الاطلاع على الجزء الاول و يثير ما اتطلع اليه من نقاش ، و انذاك سيكون الثاني بين ايديكم