بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
طـلاسـم في طـلاسـم الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
طـلاسـم في طـلاسـم الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
طـلاسـم في طـلاسـم
الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
دُعيت بإلحاح إلى سهرة ثقافية في منزل صديقي،
في الواقع أردتُ أن أتملص من الدعوة ،
لسبب خجلت أن أبوح به، وهو إنشدادي المذهـل ،
لرواية “خـبـر إخـتـطاف” لـغـابرئـيـل غـارسـيـا ماركيز،
تلك القصة البوليسية التي حوّلها روائي مبدع ،
إلى عمل أدبي رفيع المستوى،
يتـمغـنط القارئ ما إن يقرأ السطور الأولى للرواية.
كنتُ أعرف أن صديقـي سـيـوبخني على هذا العـذر،
وسـيـقـول: يمكنك قراءة هذه الرواية الساحرة فيما بعد.
شربتُ القهوة كي أنشّط خلايا دماغي لتستوعب كلام المثـقـفـين ،
وحين ولجتُ باب بيت صديقـي أدهشني تعبير الذبول والقنوط ،
المرتسمين على وجهي وأنا ألمح صورتي في مرآة الحائط.
عــنـَّــّـفـتُ نفسي: عـيـب عـلـيـك،
الناس يتمنون حضور سهرات ثقافية ، فما بك هكذا ذابل؟!
كان الحديث محتدماً بين ديكيـن ثقافيين،
لاحظتُ بوضوح أن كلاً منهما يحـتـقـر بشدة آراء الآخر ،
لأنها تختلف عن آرائهِ…
ولم يتركا مجالاً لأحد من الحاضرين ، وهم عـشرة،
بالتدخل والقول بأن خلاف الآراء علامة إيجابية ،
على حيوية الحوار، وبأنه من غير المعـقـول أن يتشارك كل الناس ،
في نفس الرأي ، ونفس الإحساس حول أي موضوع!!..
ضباب السجائر ورائحة الكحول الواخزة،
أدخلاني في حالة خدر، وأخذتُ أذناي تطنان ،
من ارتفاع صوت المثـقـفـين المتناحرين ،
حتى أحسستُ أن كلاً منهما يتأهـب للانقضاض على عـنـق الآخر.
نجح أحد الحاضرين في تحويل مسـار الشجار ،أقصد النقاش،
واقترح على المـثـقـفـيـن أن يُسمعا الحضور ، آخر ما كتباه من شعر.
أسرع المـثـقـف الأول يلقي قـصيدته العبقـرية ،
مُستغلاً انشغال خصمه في إشعال سيجارة.
ابتدأ الكلام الممطوط غير الموزون يتدفـق من فـمه…
يا للهول! لم أفهم شيئاً… طلاسم في طلاسم.
كانت أنظار الحضور مطفأة، ميتة، متعلقة به،
كنتُ واثقـاً بأنّه هو نفسه لا يفهم هـذيانه،
إلى أن ختم قصيدته الضبابية بعبارة:
“كل مساء آوي إلى فراشي ،
وأنا أسمع صوت السـيـفـون يشطـف…”.
تـقـلـصـت معـدتي بشدة، شعرتُ بغـثيان مفاجئ،
وانـتـفـضتُ واقـفـاً ، لم يعد بإمكاني البقاء لحظة واحدة ،
لكن نظرات الحضور المؤنبة سـمـّرتني في مكاني
وأمرتني أن أجلس، فأذعـنتُ.!
انـتـفـخ الشاعـر غـروراً ، وهو يسمع المجاملات المُنافـقة،
كانت أفكاري تـنـفـلـتُ مني ، وتحوم حول شخصيات رواية ماركيز ،
وبصعوبة لجمتُ عاصفة غـضب هـبـّت في نفـسي ،
وكادت تورطني بتحدي المثقف ، والطلب إليه أن يشرح هـذره البشع ،
الخالي من الموسيقى والمـعـنى والجمال…
الأدهى من ذلك أن يـُـسمى هـذا الهـذر شعـراً!!…
دبّت الحماسة في المثقف الثاني، فانبرى يقرأ أحدث قصيدة له؛
وكالعادة لم أفهم شيئاً من رذاذ كلماته المتناثرة في كل اتجاه ،
والتي أحسستُها تصطدم بي كحصى صغيرة ،
أو كسرب من الذباب يهاجمني ، ولا أعرف كيف أبعده عني.
وكانت كلمة “مجنونتي” تـتـردد في شعره أكثر من عشرين مرة!
ولم أعرف من هـذه المجنونة، أهي حبيبته ، أم إنسانة مصابة حقاً بالجنون؟
الله أعلم ما المعنى الذي يقصده شاعرنا إن كان فعلاً يقصد شيئاً؟..
لدهشتي سمعتُ صوتي يشق حبال حنجرتي المُسالمة ،
ويهزّها بعنف ، ليطلق كلمات مفهومة صريحة،
سألتُ المـثـقـفـَـين:
في الواقع أنا لم أفهم شيئاً من شعركما،
فهل تفضلتما بشرحه؟
تـعـلـّقـت بي الأنظار.
ردَّ الشاعر الأول ساخراً: إذا فهمتَ نصاً قتلته.
عجباً ، يا للجواب السريع، لكني سرعان ما تذكرتُ ،
أن هذه الجملة منقولة بحذافيرها عن طه حسين في إحدى مقالاته،
وكان يعالج موضوعاً مختلفاً تماماً عن هذا الهذيان الشعري، والمُسمى عـنـوة شعراً.
وانبرى الشاعـر الآخر يقول:
يبدو أنك قـليل الاطلاع على الشعر الحديث،
ألم تـقـرأ قـصيدة شوقي أبي شقـرا:
أسكب المطبخ على رأسي؟
غرقتُ في موجة حزن عميقة عميقة..
فهمتُ لماذا يهرب الناس من قراءة الشعر،
تابعتُ حلقات الدخان التي تتلاشى في العـدم ،
دون أن تترك أثراً ككلمات مثقفي السهرة…
يبدو أنني سهوتُ لفترة، لأن النقاش احتد مجدداً بين المـثـقـفـيـن،
وأقـسم أحـدهما أنه يعـرف عـشر لغات!!
حـدقـت به ، وودتُ لو أقـول له:
ما فائدة أن تعـرف العـديد من اللغات ،
إن كنتَ لا تملك أية حكمة أو إحساس جمالي في الرؤية؟
ما معـنى الشعـر إن لم يدخلنا في حالة من النشوة الروحية،
ويُطلق مشاعرنا الثقيلة من عـقالها ،
ويحوّلها إلى فراشات حرية ملونة.
وجدتـني أتـعـلـل بصداع مفاجئ،
وأنسحب من سهرة المـثـقـفـيـن …
أسرعتُ إلى بهاء عـزلتي،
اعـتـذرتُ من ماركيز لأنني تنكرتُ لعمله الرائع ،
الذي استغرق منه جهداً متواصلاً، على مدى أربع سنوات،
وخـنـتـه بحضور سهرة مع الـمـثـقـفـين.
الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
دُعيت بإلحاح إلى سهرة ثقافية في منزل صديقي،
في الواقع أردتُ أن أتملص من الدعوة ،
لسبب خجلت أن أبوح به، وهو إنشدادي المذهـل ،
لرواية “خـبـر إخـتـطاف” لـغـابرئـيـل غـارسـيـا ماركيز،
تلك القصة البوليسية التي حوّلها روائي مبدع ،
إلى عمل أدبي رفيع المستوى،
يتـمغـنط القارئ ما إن يقرأ السطور الأولى للرواية.
كنتُ أعرف أن صديقـي سـيـوبخني على هذا العـذر،
وسـيـقـول: يمكنك قراءة هذه الرواية الساحرة فيما بعد.
شربتُ القهوة كي أنشّط خلايا دماغي لتستوعب كلام المثـقـفـين ،
وحين ولجتُ باب بيت صديقـي أدهشني تعبير الذبول والقنوط ،
المرتسمين على وجهي وأنا ألمح صورتي في مرآة الحائط.
عــنـَّــّـفـتُ نفسي: عـيـب عـلـيـك،
الناس يتمنون حضور سهرات ثقافية ، فما بك هكذا ذابل؟!
كان الحديث محتدماً بين ديكيـن ثقافيين،
لاحظتُ بوضوح أن كلاً منهما يحـتـقـر بشدة آراء الآخر ،
لأنها تختلف عن آرائهِ…
ولم يتركا مجالاً لأحد من الحاضرين ، وهم عـشرة،
بالتدخل والقول بأن خلاف الآراء علامة إيجابية ،
على حيوية الحوار، وبأنه من غير المعـقـول أن يتشارك كل الناس ،
في نفس الرأي ، ونفس الإحساس حول أي موضوع!!..
ضباب السجائر ورائحة الكحول الواخزة،
أدخلاني في حالة خدر، وأخذتُ أذناي تطنان ،
من ارتفاع صوت المثـقـفـين المتناحرين ،
حتى أحسستُ أن كلاً منهما يتأهـب للانقضاض على عـنـق الآخر.
نجح أحد الحاضرين في تحويل مسـار الشجار ،أقصد النقاش،
واقترح على المـثـقـفـيـن أن يُسمعا الحضور ، آخر ما كتباه من شعر.
أسرع المـثـقـف الأول يلقي قـصيدته العبقـرية ،
مُستغلاً انشغال خصمه في إشعال سيجارة.
ابتدأ الكلام الممطوط غير الموزون يتدفـق من فـمه…
يا للهول! لم أفهم شيئاً… طلاسم في طلاسم.
كانت أنظار الحضور مطفأة، ميتة، متعلقة به،
كنتُ واثقـاً بأنّه هو نفسه لا يفهم هـذيانه،
إلى أن ختم قصيدته الضبابية بعبارة:
“كل مساء آوي إلى فراشي ،
وأنا أسمع صوت السـيـفـون يشطـف…”.
تـقـلـصـت معـدتي بشدة، شعرتُ بغـثيان مفاجئ،
وانـتـفـضتُ واقـفـاً ، لم يعد بإمكاني البقاء لحظة واحدة ،
لكن نظرات الحضور المؤنبة سـمـّرتني في مكاني
وأمرتني أن أجلس، فأذعـنتُ.!
انـتـفـخ الشاعـر غـروراً ، وهو يسمع المجاملات المُنافـقة،
كانت أفكاري تـنـفـلـتُ مني ، وتحوم حول شخصيات رواية ماركيز ،
وبصعوبة لجمتُ عاصفة غـضب هـبـّت في نفـسي ،
وكادت تورطني بتحدي المثقف ، والطلب إليه أن يشرح هـذره البشع ،
الخالي من الموسيقى والمـعـنى والجمال…
الأدهى من ذلك أن يـُـسمى هـذا الهـذر شعـراً!!…
دبّت الحماسة في المثقف الثاني، فانبرى يقرأ أحدث قصيدة له؛
وكالعادة لم أفهم شيئاً من رذاذ كلماته المتناثرة في كل اتجاه ،
والتي أحسستُها تصطدم بي كحصى صغيرة ،
أو كسرب من الذباب يهاجمني ، ولا أعرف كيف أبعده عني.
وكانت كلمة “مجنونتي” تـتـردد في شعره أكثر من عشرين مرة!
ولم أعرف من هـذه المجنونة، أهي حبيبته ، أم إنسانة مصابة حقاً بالجنون؟
الله أعلم ما المعنى الذي يقصده شاعرنا إن كان فعلاً يقصد شيئاً؟..
لدهشتي سمعتُ صوتي يشق حبال حنجرتي المُسالمة ،
ويهزّها بعنف ، ليطلق كلمات مفهومة صريحة،
سألتُ المـثـقـفـَـين:
في الواقع أنا لم أفهم شيئاً من شعركما،
فهل تفضلتما بشرحه؟
تـعـلـّقـت بي الأنظار.
ردَّ الشاعر الأول ساخراً: إذا فهمتَ نصاً قتلته.
عجباً ، يا للجواب السريع، لكني سرعان ما تذكرتُ ،
أن هذه الجملة منقولة بحذافيرها عن طه حسين في إحدى مقالاته،
وكان يعالج موضوعاً مختلفاً تماماً عن هذا الهذيان الشعري، والمُسمى عـنـوة شعراً.
وانبرى الشاعـر الآخر يقول:
يبدو أنك قـليل الاطلاع على الشعر الحديث،
ألم تـقـرأ قـصيدة شوقي أبي شقـرا:
أسكب المطبخ على رأسي؟
غرقتُ في موجة حزن عميقة عميقة..
فهمتُ لماذا يهرب الناس من قراءة الشعر،
تابعتُ حلقات الدخان التي تتلاشى في العـدم ،
دون أن تترك أثراً ككلمات مثقفي السهرة…
يبدو أنني سهوتُ لفترة، لأن النقاش احتد مجدداً بين المـثـقـفـيـن،
وأقـسم أحـدهما أنه يعـرف عـشر لغات!!
حـدقـت به ، وودتُ لو أقـول له:
ما فائدة أن تعـرف العـديد من اللغات ،
إن كنتَ لا تملك أية حكمة أو إحساس جمالي في الرؤية؟
ما معـنى الشعـر إن لم يدخلنا في حالة من النشوة الروحية،
ويُطلق مشاعرنا الثقيلة من عـقالها ،
ويحوّلها إلى فراشات حرية ملونة.
وجدتـني أتـعـلـل بصداع مفاجئ،
وأنسحب من سهرة المـثـقـفـيـن …
أسرعتُ إلى بهاء عـزلتي،
اعـتـذرتُ من ماركيز لأنني تنكرتُ لعمله الرائع ،
الذي استغرق منه جهداً متواصلاً، على مدى أربع سنوات،
وخـنـتـه بحضور سهرة مع الـمـثـقـفـين.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 478
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» حـُرية الـرأي والتعــبـيـر الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
» الكاتب الفرنسي جـان جـيـنـيـه: اللـص الذي تـحـول إلـى قـديـس الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
» الـديكـتاتوريات باقـية والشُعـوب تـخـتـنـق بقلم : الدكتور عبدالقادر حـسـيـن ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» الكاتب الفرنسي جـان جـيـنـيـه: اللـص الذي تـحـول إلـى قـديـس الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
» الـديكـتاتوريات باقـية والشُعـوب تـخـتـنـق بقلم : الدكتور عبدالقادر حـسـيـن ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 28 أبريل 2024 - 12:00 من طرف حاتم أبو زيد
» قبر واحد يكفي لكل العرب
السبت 27 أبريل 2024 - 15:45 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 27 أبريل 2024 - 15:40 من طرف ميساء البشيتي
» على حافة الوطن
الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ريما مجد الكيال
» الوطن كما يجب أن يكون
الإثنين 22 أبريل 2024 - 11:35 من طرف ورد العربي
» .لماذا لم يخبرنا بأنه محبطٌ؟ أحمد خالد توفيق
الأحد 21 أبريل 2024 - 12:20 من طرف خيمة العودة
» زهر اللوز هو عنوانك
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج
» جربت تنام بخيمة؟ بقلم اسماعيل حسين
الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 11:00 من طرف خيمة العودة