العِـلـمو نـُورنْ...!!
الدكتور عـبـدالقادر حسين ياسين


لا أكتمكم سراً أنني ما زلت أحتاج إلى عـدة دورات في محو الأميّة،
فأنا ما أزال غير قادر على استخدام التكنولوجيا، تكنولوجيا الحواسيب...
وكلما التقيت بالدكتورة ماريانة أندرسون ،
أستاذ "المعـلوماتية" بجامعة غـوثـنـبـيـرغ،
كانت تـؤكـد لي أن "منْ لمْ تدخل تكنولوجيا الحاسوب ،
إلى صميم عـمله وإنتاجه وتـفــكيره ، وإبداعه أيضاً، ما زال أمياً ...
لأن خبراء التكنولوجيا هـم الذين يغـيرون العالم الآن... لا الفلاسفة"،
وأن التحدي المعـرفي التكنولوجي يدخل في عَرْضِ الظاهرة اللغـوية والأدبية ،
وأننا ما زلنا نحتاج إلى عـملية تثوير تكنولوجية جذريةٍ ،
دراسةً ونقـداً، تنظيراً وإبداعاً..
عندها أصاب بالإحباط، وأحسُّ أنني ما زلتُ أمـّياً.‏

أشعـر بالإحساس ذاته كلما زرت الصديق اليخندرو غـونزاليس في منزله ،
وأراه يجلس خلف حاسوبه مترجماً من الاسبانية الى السويدية،
فأدهـش للنص المُفَرَّعِ والمُرَفـلِ - كما يقول الراسخون في العـلم ،
"وما أوتيت من العلم إلا قليلا..!" ،
الذي تنتجه أصابعه العشرة وتعرضه شاشة حاسوبه.


أقول صراحة : إنني لا أحسّ حينها بأميتي فحسب،
بل أحسّ أيضاً بغيرة قاتلة، أحوِّلُها إلى حَسَدِ ،
وأنا آراه يـمـر برؤوس أصابعه على شاشة حاسوبه،
لينتج نصاً تـتـفـرع عـنه على أطراف الشاشة ،
حواشٍ وملاحظاتٍ وهوامش واحتمالات ممكنة أخرى،
وإشارات إلى حقول معـلوماتية قـد يحتاج إليها في إضاءة النص..


حينها لا أتذكرالدكتورة ماريانة أندرسون وحسب،
بل أتذكر أيضاً كتابها: "االنصوص الأدبية والتكنولوجيا" ،
وكيف حددت فيه الصلة الموضوعية الوثيقة القائمة ،
بين فن الشروح والحواشي ومفهوم النص المتفجر والمفتوح والمُفَرّع (Hyper Text) والمُرَفّل (Hyper Media) ، فأتأمل كيف يظهر هذا عملياً مجسداً أمامي على شاشة حاسوب الصديق اليخندرو غونزاليس ،
وأتمنى لو تسري عدوى التكنولوجيا هذه إليّ..


لكنني أميّ، أُميَّةً تصلني بأمّةٍ من 380 مليون تقـتصر همومها واهتماماتها ،
حول دخول المرحاض بالقـدم اليمنى أو اليسرى...
إذ لمّا يصل وعـيها المعـرفي بعد إلى مستوى ،
توظيف تكنولوجيا الحاسوب في تكوينها المعرفي،
فما زالت هذه التكنولوجيا عبئاً ثقيلاً عليها،
ولمّا يستوعـب عـقـلها بعـد هذه التكنولوجيا،
إذ ما زالت حداثتها هامشية، تجعل من الحاسوب لعـبة إلكترونية ،
لدى "نخبة" تملأ أوقات الفراغ بتكنولوجيا صارت بين يديها تقـليعةً وبدعةً..


وكلما دخلت إلى عيادة طبيب أسناني المتآكلة،
ووجدته جالساً أمام حاسوبه يخوض حرباً معـرفية ضروساً على شاشته،
يكف عنها عندما أدخل ، فـيـنـزع ذاك القرص الممغـنط CD-ROM ،
ليضع قرص "Titanic" متباهـياً بأن حاسوبه ،
يستطيع أن ينقل كل "جماليات" هذا الكون و"إبداعه"..
إنه توظيف للتكنولوجيا على الطريقة السويدية..


واذا كنتُ جاداً في محاولة فهم العالم من حولي ،
عليَّ أن أتعـلم لغة الحاسوب وبرمجيّاته.
أشعر فعلاً أنني "دَقّــَّة قـديمة"  ـ كما يقـول المصريون ـ ،
وأنني ما زلتُ أميّا... ثم أتذكر أنني واحد من هذه الملايين ،
من الأمة العـربية الواحـدة ، "ذات الرسالة الخالدة" ،
مع الاعـتـذار لروح القـائـد المؤسس الرفـيـق ميشيل عـفـلق.. ..


و يا أمــَّة "ضحكت من جهلهـا الأمـم..!!" .‏