بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
فـلسـطيني في الدائرة القـُطبـيـة الشـَّمالية بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
فـلسـطيني في الدائرة القـُطبـيـة الشـَّمالية بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
فـلسـطيني في الدائرة القـُطبـيـة الشـَّمالية
المكان : لوليو ، الدائرة القطبية الشـمالية
الزمان : 31 كانون الأول (ديسـمبر) 2010
تخرج من الوطن فلا منفى يَسَـعك ،
وتهجر الحبيبـة فلا وصْل يُرضيك . وحين يتحـد هذا النزوح بذاك الهجر فأنت مطارد...كل زوايا الأرض تلفظك ، وكل المَسَـرات باطل الأباطيل.
من مطار الى محطة قطارات ،
ومن محطة قطارات الى مرفأ ،
ومن مرفأ الى مركز حـدود...
ولكن أبداً لا وصول .
تَشـتَد عليك حُمى الرحيل فلا ينقذك تفاؤل ، ولا يَرُدُ عزيمتك اليك أمل . الخسـارة كانت أكبر بكثير مما كنت تظن...كانت تقديراتك خاطئة منذ البداية...
عزاؤك الوحيد أنك لسـت أول من رأى السـراب فخـاله ماء .
فجأة تدرك أن المنفى آخـذ في الإتسـاع ؛ وأنت لا حول لك ولا قوة .
تخلـدُ الى النوم في غرفـة ضيقـة ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشـمالية...
تتصـبب عرقاً ، وتزداد نبضـات قلبك ، ثم تتحول الى طرقات تنذرك بابتعاد الفجر، وتشـتد عليك حُمى الغربة والإغتراب .
تدرك عجزك عن النوم فتخرج...
تتمشـى قرب المرفأ...
تُذَكرُك ضخامة السـفن الراسـية ، كوحوش الأسـاطير في الميثولوجيا الإسـكندنافية ، بحجم أزمتك الراكدة . تنظر الى البحر فتدعوك حركتـه الى الإقلاع ، ولكن الى أين؟
هـذه سـفينة عملاقة تمخر عبابَ المحيط وأنت راسٍ ،
وهـذا بحر يمتـد عبر الأفق ، وأنت مُقتَـلع .
يبزُغ القمرُ من خلف السُـحُب الكثيفة ، فتعود بك الذاكرة الى تلك الليالي المُقمرة في فلسـطين .
يُصبح القمرُ وطنـاً ؛ وعندما يأخذنا السـهر في ليالي البيدر نغني مع الفلاحين :
"يا ظريف الطول ، وقف تا قولك !
رايح ع الغربة ، وبلادك أحسـن لك".
تنتقل الى أزقة المدينة الصغيرة تجول فيها....
تنسـلُ الى حانة صغيرة ، وتجلس الى طاولة وتشعر بانك ، حقا ، مهزوم .
حولك فتية وفتيات يرطنون ، يهمسون ، يضحكون ، واحيانا يبتسمون لك ؛ وانت حزينٌ مُكبلٌ بضياع وطن ( او ما تبقى منه) والبحث عن منفى .
تَصرخ : النجدة !! ، ولا يسمعك احد ...
لا يشعر بوجودك احد ، وتتذكر المثل الشعبي الفلسطيني المعروف :
" على بال مين يللي بترقص في العتمة!" .
ينضم الى طاولتك شبان وشابات... ينظرون اليك بعطف ، وانت تراقب غرقك في لجج مظلمة . يتحدثون اليك في مواضيع شتى ؛ يحاولون ان ينتشلوك ، وانت تمعن في المغيب . وتنتفض كمن لدغه ثعبان ، وتلهبك دمعة حَرَّى ، فتتمنى لو لم تكن ... ، لا ، بل تتمنى لو كنت نَسـياً منسيا . وتخرج ، بعد ان ضاقت بك الأرض بما رحُبَت ، تذرع ازقة المدينة الصغيرة ، عائداً الى الفندق .
هنا ، في هذه الأصقاع الشمالية المتجمدة تَدُبُ في شرايينك حرارة تهب من جحيم دائم الغليان، يَسـتعر كلما تذكرت احباءك ، او خطر ببالك اصدقاء ورفاق غابوا في ظلام دامس ، وآخرين غيَّبهم الموت ، وآخرين ما زالوا في غياهب السجون والمعتقلات العربية ، وغيرهم انتفوا- طوعاَ او قسراً - في اصقاع الدنيا ، بعد ان ضاقت بهم ارض العرب بما رحبت .
وتشعر بان هذه الصحراء الجليدية اكثر دفئا وحنانا ، واكثر انسانية من أولئك الذين خُـيِّل اليك انك تشاركهم اللغة ، والثقافة ، والدين ، والتاريخ ، والنضال ، والمسير، والمصير المشترك .
تنظر الى اسراب الطيور المهاجرة ، وتبحث عن نفسك فلا تجدها...
تحترق اصابعك اذا مَسَّـتها ، تقتربُ من النار ولا تدانيها...
وتدرك انها بعيدة عنك بُعدك عن الله !!
تَشحذُ ذاكرتك ، وتفتش فيها ، فلا تجد الا صورة شاعر ، وبيت غزل ، وقصيدة حُرَّة صمدت .
تعيد النظر، وحساباتك ، فتقول : ربما الشـعر يبقى العزاء الوحيد .
ولكن اي شعر ؟ انه ما كان موسيقاه ليس سوى خفقات تدقُ في قلبك ، وقشعريرة تسري في بدنك ، وانه ما كان مضمونه ليس سوى الروح في تملمها وانتفاضتها ، وان شـكله ليس سوى دلالة تخفي ثورة في الثورة على تركيب اللغة ، وان الموسيقى ، والمضمون ، والشكل ، مجتمعة ليست سوى انقلاب جذري يُلغي المانوس ويُحَطم المالوف ويتمرد على الانظمة المتوارثة التي ما عادت تتسع لطموح الروح وجنوح الأمل.
تنظر من خلال زجاج النافذة الى ليل حالك الظلمة ؛
ثلجٌ غزيرٌ يتساقط؛ يَشُـدُّك الرحيل فتخرج ثانية الى أزقة المدينة الصغيرة ... ويمر الوقت فلا تشـعر ؛ وعند مفترق الزمان- المكان تسـمع دقات الساعة . تنظر اليها وانت تسير على غير هدى .
الساعة مضاءة ، وعقاربها تتحرك .
تتذكر كنيسة نوتردام في حي المصرارة في القدس .
لقد توقفت عقارب الساعة في برج تلك الكنيسة التاريخية في الساعة الثانية عشرة ودقيقة واحدة في الخامس عشر من أيار (مايو) عام 1948...
ترى هل هي مجرد صدفة ان تتوقف عقارب الساعة التاريخية بعد دقيقة واحدة من اعلان دافيد بن غوريون قيام " دولة الشعب اليهودي في ارض اسرائيل " [!!]؟ .
تتذكر ، تنظر الى عقارب الساعة ، تطيل النظر .
وتتذكر كنيسة نوتردام ... ، وتعود بك الذاكرة الى الوطن ؛
فتدرك أن مأسـاة شـعبك (ومأسـاتك) بدأت عندما توقفت عقارب السـاعة في سـاحة المدينة المقدسـة ، زهرة المدائن ، على بعد خطوات من باب العامود .
هل من المعقول أن تكون تلك الحادثة البسـيطة بداية مأسـاة انهيار الوطن؟
أحداث التاريخ لا تدعم رأيك ؛
وتفسـيرات العقائديين وفلاسـفة المذاهب (أين هم الآن؟!) تنفي حُجَّتَـك...
لكنك تتشـبث برأيك : إن البرهان السـاطع على بدء المأسـاة هو توقف عقارب السـاعة التاريخية في أكبر سـاحات المدينة المقدسـة في الوطن...
وفي سـاعة المنفى دعم لحُجَّتك :
عقارب تتمطى وأنت تحسـب أنها تدور .
هنا ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية ، تتضاعف ماساتك .
تلتجا الى الحالة ثانية ، تنظر من خلال زجاج النافذة فترى في آخر الزقاق ساعة كبيرة مضاءة على جدار كنيسة صغيرة .
عقارب تتمطى ولا تدور .
تتذكر وطنك فتهزم مرتين:
مرة هنا واخرى هناك.
في المنفى تنظر من خلال زجاج حانة صغيرة ، في زقاق ضيق ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية : المنفى حانة والوطن زقاق ، ويفصلهما لوح من الزجاج .
هل يتصل الوطن بالمنفى ، ام ان كليهما واحد ؟
عقارب الساعة تدعم حُجتك :
ليس ثمة وطن...
ليس ثمة منفى ...
كل ما في الامر ان هنالك عقارب ساعة تدور او لا تدور!!
ما أبسـط الامور ...
وما أبسـط ان تجد نفسك كيف انتهيت ، بعد كل هذه الانقلابات ، و " الثورات " و " الحركات التصحيحية"
، في حانة صغيرة ، في زقاق ضيق، في مدينة صغيرة ، في اقصى شمال الكرة الارضية !! .
في المنفى تفقد الاشياء دلالتها وتفقد طعمها ؛ يصبح الريق مراً، والهواء مُشـبعا بالمرارة .
وحين تشـتد المرارة تتصلب عضلات اليد على مقبض الحقيبة خوفاً من ان يهرب الوطن المعبأ في الحقائب والمسافر عبر المرافئ والمطارات .
يهرب معك الوطن ... ويسافر ، ثم تطعنك الهوية :
" ما اكبر الجرح .. ما اصغر الارض ! " .
في المنفى تُميتك اشياء الوطن آلاف المرات ؛
ويصبح لليمونة فلسـطينية شكل القمر وسعة الكون ؛
ويصبح بيت الشَعَر سفينة فضاء تعبر بك كل الاجواء ، وتوصلك الى خارج حدود الجاذبية ؛ فتشدو مع فلاحي الجليل بالعتابا والميجانا :
"عتابا يا سهول ويا روابي
تميد الارض او تحمل عذابي !!"
ما ابسط الامر ! هكذا التاريخ : حركة بسيطة تزهق روحك ، دورة خفيفة تغتالك !
أهكذا النهاية ؟
في حانة صغيرة في زقاق ضيق ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية ؟ .
ما أبسط الامر!
وما ابعد الوطن !
يا الهي، كيف تحول الوطن الى مقصلة!؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فـلسطيني مـقـيـم في السـويد.
المكان : لوليو ، الدائرة القطبية الشـمالية
الزمان : 31 كانون الأول (ديسـمبر) 2010
تخرج من الوطن فلا منفى يَسَـعك ،
وتهجر الحبيبـة فلا وصْل يُرضيك . وحين يتحـد هذا النزوح بذاك الهجر فأنت مطارد...كل زوايا الأرض تلفظك ، وكل المَسَـرات باطل الأباطيل.
من مطار الى محطة قطارات ،
ومن محطة قطارات الى مرفأ ،
ومن مرفأ الى مركز حـدود...
ولكن أبداً لا وصول .
تَشـتَد عليك حُمى الرحيل فلا ينقذك تفاؤل ، ولا يَرُدُ عزيمتك اليك أمل . الخسـارة كانت أكبر بكثير مما كنت تظن...كانت تقديراتك خاطئة منذ البداية...
عزاؤك الوحيد أنك لسـت أول من رأى السـراب فخـاله ماء .
فجأة تدرك أن المنفى آخـذ في الإتسـاع ؛ وأنت لا حول لك ولا قوة .
تخلـدُ الى النوم في غرفـة ضيقـة ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشـمالية...
تتصـبب عرقاً ، وتزداد نبضـات قلبك ، ثم تتحول الى طرقات تنذرك بابتعاد الفجر، وتشـتد عليك حُمى الغربة والإغتراب .
تدرك عجزك عن النوم فتخرج...
تتمشـى قرب المرفأ...
تُذَكرُك ضخامة السـفن الراسـية ، كوحوش الأسـاطير في الميثولوجيا الإسـكندنافية ، بحجم أزمتك الراكدة . تنظر الى البحر فتدعوك حركتـه الى الإقلاع ، ولكن الى أين؟
هـذه سـفينة عملاقة تمخر عبابَ المحيط وأنت راسٍ ،
وهـذا بحر يمتـد عبر الأفق ، وأنت مُقتَـلع .
يبزُغ القمرُ من خلف السُـحُب الكثيفة ، فتعود بك الذاكرة الى تلك الليالي المُقمرة في فلسـطين .
يُصبح القمرُ وطنـاً ؛ وعندما يأخذنا السـهر في ليالي البيدر نغني مع الفلاحين :
"يا ظريف الطول ، وقف تا قولك !
رايح ع الغربة ، وبلادك أحسـن لك".
تنتقل الى أزقة المدينة الصغيرة تجول فيها....
تنسـلُ الى حانة صغيرة ، وتجلس الى طاولة وتشعر بانك ، حقا ، مهزوم .
حولك فتية وفتيات يرطنون ، يهمسون ، يضحكون ، واحيانا يبتسمون لك ؛ وانت حزينٌ مُكبلٌ بضياع وطن ( او ما تبقى منه) والبحث عن منفى .
تَصرخ : النجدة !! ، ولا يسمعك احد ...
لا يشعر بوجودك احد ، وتتذكر المثل الشعبي الفلسطيني المعروف :
" على بال مين يللي بترقص في العتمة!" .
ينضم الى طاولتك شبان وشابات... ينظرون اليك بعطف ، وانت تراقب غرقك في لجج مظلمة . يتحدثون اليك في مواضيع شتى ؛ يحاولون ان ينتشلوك ، وانت تمعن في المغيب . وتنتفض كمن لدغه ثعبان ، وتلهبك دمعة حَرَّى ، فتتمنى لو لم تكن ... ، لا ، بل تتمنى لو كنت نَسـياً منسيا . وتخرج ، بعد ان ضاقت بك الأرض بما رحُبَت ، تذرع ازقة المدينة الصغيرة ، عائداً الى الفندق .
هنا ، في هذه الأصقاع الشمالية المتجمدة تَدُبُ في شرايينك حرارة تهب من جحيم دائم الغليان، يَسـتعر كلما تذكرت احباءك ، او خطر ببالك اصدقاء ورفاق غابوا في ظلام دامس ، وآخرين غيَّبهم الموت ، وآخرين ما زالوا في غياهب السجون والمعتقلات العربية ، وغيرهم انتفوا- طوعاَ او قسراً - في اصقاع الدنيا ، بعد ان ضاقت بهم ارض العرب بما رحبت .
وتشعر بان هذه الصحراء الجليدية اكثر دفئا وحنانا ، واكثر انسانية من أولئك الذين خُـيِّل اليك انك تشاركهم اللغة ، والثقافة ، والدين ، والتاريخ ، والنضال ، والمسير، والمصير المشترك .
تنظر الى اسراب الطيور المهاجرة ، وتبحث عن نفسك فلا تجدها...
تحترق اصابعك اذا مَسَّـتها ، تقتربُ من النار ولا تدانيها...
وتدرك انها بعيدة عنك بُعدك عن الله !!
تَشحذُ ذاكرتك ، وتفتش فيها ، فلا تجد الا صورة شاعر ، وبيت غزل ، وقصيدة حُرَّة صمدت .
تعيد النظر، وحساباتك ، فتقول : ربما الشـعر يبقى العزاء الوحيد .
ولكن اي شعر ؟ انه ما كان موسيقاه ليس سوى خفقات تدقُ في قلبك ، وقشعريرة تسري في بدنك ، وانه ما كان مضمونه ليس سوى الروح في تملمها وانتفاضتها ، وان شـكله ليس سوى دلالة تخفي ثورة في الثورة على تركيب اللغة ، وان الموسيقى ، والمضمون ، والشكل ، مجتمعة ليست سوى انقلاب جذري يُلغي المانوس ويُحَطم المالوف ويتمرد على الانظمة المتوارثة التي ما عادت تتسع لطموح الروح وجنوح الأمل.
تنظر من خلال زجاج النافذة الى ليل حالك الظلمة ؛
ثلجٌ غزيرٌ يتساقط؛ يَشُـدُّك الرحيل فتخرج ثانية الى أزقة المدينة الصغيرة ... ويمر الوقت فلا تشـعر ؛ وعند مفترق الزمان- المكان تسـمع دقات الساعة . تنظر اليها وانت تسير على غير هدى .
الساعة مضاءة ، وعقاربها تتحرك .
تتذكر كنيسة نوتردام في حي المصرارة في القدس .
لقد توقفت عقارب الساعة في برج تلك الكنيسة التاريخية في الساعة الثانية عشرة ودقيقة واحدة في الخامس عشر من أيار (مايو) عام 1948...
ترى هل هي مجرد صدفة ان تتوقف عقارب الساعة التاريخية بعد دقيقة واحدة من اعلان دافيد بن غوريون قيام " دولة الشعب اليهودي في ارض اسرائيل " [!!]؟ .
تتذكر ، تنظر الى عقارب الساعة ، تطيل النظر .
وتتذكر كنيسة نوتردام ... ، وتعود بك الذاكرة الى الوطن ؛
فتدرك أن مأسـاة شـعبك (ومأسـاتك) بدأت عندما توقفت عقارب السـاعة في سـاحة المدينة المقدسـة ، زهرة المدائن ، على بعد خطوات من باب العامود .
هل من المعقول أن تكون تلك الحادثة البسـيطة بداية مأسـاة انهيار الوطن؟
أحداث التاريخ لا تدعم رأيك ؛
وتفسـيرات العقائديين وفلاسـفة المذاهب (أين هم الآن؟!) تنفي حُجَّتَـك...
لكنك تتشـبث برأيك : إن البرهان السـاطع على بدء المأسـاة هو توقف عقارب السـاعة التاريخية في أكبر سـاحات المدينة المقدسـة في الوطن...
وفي سـاعة المنفى دعم لحُجَّتك :
عقارب تتمطى وأنت تحسـب أنها تدور .
هنا ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية ، تتضاعف ماساتك .
تلتجا الى الحالة ثانية ، تنظر من خلال زجاج النافذة فترى في آخر الزقاق ساعة كبيرة مضاءة على جدار كنيسة صغيرة .
عقارب تتمطى ولا تدور .
تتذكر وطنك فتهزم مرتين:
مرة هنا واخرى هناك.
في المنفى تنظر من خلال زجاج حانة صغيرة ، في زقاق ضيق ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية : المنفى حانة والوطن زقاق ، ويفصلهما لوح من الزجاج .
هل يتصل الوطن بالمنفى ، ام ان كليهما واحد ؟
عقارب الساعة تدعم حُجتك :
ليس ثمة وطن...
ليس ثمة منفى ...
كل ما في الامر ان هنالك عقارب ساعة تدور او لا تدور!!
ما أبسـط الامور ...
وما أبسـط ان تجد نفسك كيف انتهيت ، بعد كل هذه الانقلابات ، و " الثورات " و " الحركات التصحيحية"
، في حانة صغيرة ، في زقاق ضيق، في مدينة صغيرة ، في اقصى شمال الكرة الارضية !! .
في المنفى تفقد الاشياء دلالتها وتفقد طعمها ؛ يصبح الريق مراً، والهواء مُشـبعا بالمرارة .
وحين تشـتد المرارة تتصلب عضلات اليد على مقبض الحقيبة خوفاً من ان يهرب الوطن المعبأ في الحقائب والمسافر عبر المرافئ والمطارات .
يهرب معك الوطن ... ويسافر ، ثم تطعنك الهوية :
" ما اكبر الجرح .. ما اصغر الارض ! " .
في المنفى تُميتك اشياء الوطن آلاف المرات ؛
ويصبح لليمونة فلسـطينية شكل القمر وسعة الكون ؛
ويصبح بيت الشَعَر سفينة فضاء تعبر بك كل الاجواء ، وتوصلك الى خارج حدود الجاذبية ؛ فتشدو مع فلاحي الجليل بالعتابا والميجانا :
"عتابا يا سهول ويا روابي
تميد الارض او تحمل عذابي !!"
ما ابسط الامر ! هكذا التاريخ : حركة بسيطة تزهق روحك ، دورة خفيفة تغتالك !
أهكذا النهاية ؟
في حانة صغيرة في زقاق ضيق ، في مدينة صغيرة ، في الدائرة القطبية الشمالية ؟ .
ما أبسط الامر!
وما ابعد الوطن !
يا الهي، كيف تحول الوطن الى مقصلة!؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فـلسطيني مـقـيـم في السـويد.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: فـلسـطيني في الدائرة القـُطبـيـة الشـَّمالية بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
كنت أود القراءة بصمت ودون ترك أي أثر .. لكن كيف وقد تفتقت الجراح على مصراعيها ووجدت من يغزل التاريخ بأبجدية كنت أظنها خرساء أو أصابها العطب وإذا هي تشدو لكن شدوها شجن وحزن وألم بدأ وللآن لم ينتهِ ..
أستاذي عبد القادر أنحني أمام كلمات عبرت عني حين عجزت عن التعبير .. دمت وسلمت من كل سوء .
أستاذي عبد القادر أنحني أمام كلمات عبرت عني حين عجزت عن التعبير .. دمت وسلمت من كل سوء .
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
مواضيع مماثلة
» رسائل من فلسطين (3) بقلم : د. عبد القادر حسين ياسين
» ثلاثة أشياء بقلم : د. عبد القادر حسين ياسين
» الـصـنـاعـة الـوطـنـيـة ...!! بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» وجهٌ من ذلك الزمن الفلسطيني..!! بقلم : د. عبد القادر حسين ياسين
» ثلاثة أشياء بقلم : د. عبد القادر حسين ياسين
» الـصـنـاعـة الـوطـنـيـة ...!! بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» وجهٌ من ذلك الزمن الفلسطيني..!! بقلم : د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 11:30 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة