بحـث
من أنا ؟
![](https://i.servimg.com/u/f97/14/42/89/14/ao_210.jpg)
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
الدكتور عبد القادر حسين ياسين: بائع الثـقـافـة
2011-01-13
بائع الثـقـافـة
الدكتور عبد القادر حسين ياسين
كان موعدي معه صباح كل يوم على ناصية شارع الهاشمي ، قرب محطة الباصات المركزية في عمان. هو يفترش الأرض بالصحف والمجلات العربية والأجنبية ، وينتهز فرصة ظهور اشارة المرور الحمراء المجاورة له ، وعندها تتوقف السيارات بكل أنواعها. ويبدأ في تسويق صحف الصباح لسائقي السيارات الخاصة وركاب سيارات الأجرة حتى تضيء الاشارة الخضراء ، ويعود الى صحفه ومجلاته وكتبه على الرصيف ليبيع الثقافة للناس .
تعرفت الى إبراهيم (وهذا هو اسمه) منذ حوالي عشرين عاما ، مع بداية مشواري اليومي من ماركا الشمالية الى الشميساني. في أول الأمر ذهبت اليه لشراء بعض كتب الأطفال لابنتي ابتسـام . ولاحظ الرجل أنني أمر عليه صباح كل يوم لشراء الصحف المحلية...
وبعد ذلك ، تعودت أن أقضي نصف ساعة كل صباح أتصفح فيها الصحف والمجلات العربية والكتب الجديدة ، وأنتقي منها ما أريد ، وفي النهاية أقوم بحسـاب ثمنها ، وأدفع له الثمن وأنصرف . ولم يكن لديه متسع من الوقت ليناقشني في ما أدفع ، فهو - كما قال لي فيما بعد – "يعرف الزبون الجاد من وجهه" و "يثق في المثقفين ثقة عمياء" .
وعندما أصبحت "زبونا دائما" عنده ، بدأ الرجل يجرُّ معي أطراف الحديث في موضوعات شتى... كنت أطلب اليه أن يحضر لي بعض الصحف والمجلات الأجنبية ( "التايمز" ، "الغارديان" ، "لوموند" ، "ديرشبيغل" وغيرها) . ولم يخطر لي قط على بال لماذا كان يطلب اليّ أن أكتب أسماء الصحف والمجلات الأجنبية التي أريدها لكي يحضرها في اليوم التالي .
كنت أعتقد أنه ربما كان مشغولا مع الزبائن الآخرين ، أو ربما كانت الذاكرة تخونه ، مع أنه لم يتجاوز العقد الثالث من عمره...
وتمر أشهر عـديدة قبل أن أكتشف فيه الحقيقة المرة : إن "بائع الثقافـة" ، صديقي الصدوق ، أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة .
وأعترف بأنني صُعـقـت ، ولم أصدق ما قاله لي... يا لها من مفارقة صارخـة : بائع الثقافة للناس لا يذوقها ولا يتذوقها...
كيف؟!
لا أدري...
ومع إقراري بحقيقة حجم الأمية في العالم العربي (تشير " المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة " (اليكسو) التابعة لجامعة الدول العربية ، في تقريرها السنوي ، الى أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عاما، ارتفع عموما من 50 مليونا [73%] في 1970 الى 61 مليونا في 1990 [48.7%] ، وتوقعت أن يصل الى 70 مليونا أمّي فقـط!! [35.6%] هذا العام...) فانني لا أتخيل ، بأي شكل من الأشـكال ، أن يكون "بائع الثقافـة" أمّـيـا..!!
إن جهل هـذا الرجل بالقراءة والكتابة يمثل - بحق - قاع الأمية العميق جـدا في العالم العربي.
غني عن البيان أن مسـؤولية محو أميـة ابراهيم هي مسؤوليته أولاً... ولكنها ، في الوقت نفسـه ، مسؤولية كل نظـام عربي . ومما يحزُّ في النفس أنه ليس ثمة مؤسسـة عربية واحـدة ، بما في ذلك جامعة الدول العربية (أطـال اللـه بقـاءهـا!!) ومنظمـاتها المتخصصـة استطاعت أن تقيم الـدليل على أنهـا مؤهـلة لمواجهـة هـذا الواقع العربي المحزن .
فاذا كان يحق للعرب أن يختلفـوا في الشؤون السياسية ، فبأي حق يخـتلفون على محـو الأميـة ؟!
الاسـتثمار العربي ، هنا ، هو الأفضل ؛ لأنـه الأقل كلفـة والأوفر مردوداً... انـه اسـتثمار يحول قـنـديل الزيت الشـاحب الى مصـباح مشـع...
وما الذي يحـول دون تجنيـد جامعة الدول العربية أو المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة لـهـذه المهمـة ما دامت التجارب العربية في التنمية قـد منيت بالفشـل الذريع في معظمهـا ، وما دامت الجامعة العربية (بل أجهزتها) عاطلة عن العمل ؟! لمـاذا لا تتحمل الجامعة العربية عبء هـذا المشـروع العربي المتواضع ، رغم أنه - في تقديري - لا يليق كثيراً بهيبتهـا التاريخية !!
"جمعية الصداقة الباكستانية - السويدية" تتقاضى من العامل الباكستاني المهاجر الى السويد أربعـين كراونا سـويدياً (خمسة دولارات أمريكية) في الشهر لتعلمه[ا] القراءة والكتابة باللغتين الأوردو والسويدية.... أي أن تكلفة محو الأمية هنا لا تزيد عن ثمن فـنجـان قهوة (كي لا أقول كأس ويسـكي!!) في أي مقهى يرتاده السياح العرب في أوروبا . ولا أريد هنا أن أتحدث عن الأموال التي يبذرها بعض السـفهاء العرب في سهرات حمراء في حانات أوروبا ومواخيرها . ان هذا الأموال تكفي لمحو الأمية في العالم العربي في المشرق والمغرب . ان القـنديل الشـاحب ، الذي يصير مصباحا مشـعا ، لن يضيء نفسه فـقط ، وانما ينيـر ويسـتنير... الا اذا أصرَّ الزعمـاء العرب على أن حكم الأمـة العربية ، بملايينها الـ 300 أسـهل اذا كان عشرون بالمئة منهم أميين !!
الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
2011-01-13
بائع الثـقـافـة
الدكتور عبد القادر حسين ياسين
كان موعدي معه صباح كل يوم على ناصية شارع الهاشمي ، قرب محطة الباصات المركزية في عمان. هو يفترش الأرض بالصحف والمجلات العربية والأجنبية ، وينتهز فرصة ظهور اشارة المرور الحمراء المجاورة له ، وعندها تتوقف السيارات بكل أنواعها. ويبدأ في تسويق صحف الصباح لسائقي السيارات الخاصة وركاب سيارات الأجرة حتى تضيء الاشارة الخضراء ، ويعود الى صحفه ومجلاته وكتبه على الرصيف ليبيع الثقافة للناس .
تعرفت الى إبراهيم (وهذا هو اسمه) منذ حوالي عشرين عاما ، مع بداية مشواري اليومي من ماركا الشمالية الى الشميساني. في أول الأمر ذهبت اليه لشراء بعض كتب الأطفال لابنتي ابتسـام . ولاحظ الرجل أنني أمر عليه صباح كل يوم لشراء الصحف المحلية...
وبعد ذلك ، تعودت أن أقضي نصف ساعة كل صباح أتصفح فيها الصحف والمجلات العربية والكتب الجديدة ، وأنتقي منها ما أريد ، وفي النهاية أقوم بحسـاب ثمنها ، وأدفع له الثمن وأنصرف . ولم يكن لديه متسع من الوقت ليناقشني في ما أدفع ، فهو - كما قال لي فيما بعد – "يعرف الزبون الجاد من وجهه" و "يثق في المثقفين ثقة عمياء" .
وعندما أصبحت "زبونا دائما" عنده ، بدأ الرجل يجرُّ معي أطراف الحديث في موضوعات شتى... كنت أطلب اليه أن يحضر لي بعض الصحف والمجلات الأجنبية ( "التايمز" ، "الغارديان" ، "لوموند" ، "ديرشبيغل" وغيرها) . ولم يخطر لي قط على بال لماذا كان يطلب اليّ أن أكتب أسماء الصحف والمجلات الأجنبية التي أريدها لكي يحضرها في اليوم التالي .
كنت أعتقد أنه ربما كان مشغولا مع الزبائن الآخرين ، أو ربما كانت الذاكرة تخونه ، مع أنه لم يتجاوز العقد الثالث من عمره...
وتمر أشهر عـديدة قبل أن أكتشف فيه الحقيقة المرة : إن "بائع الثقافـة" ، صديقي الصدوق ، أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة .
وأعترف بأنني صُعـقـت ، ولم أصدق ما قاله لي... يا لها من مفارقة صارخـة : بائع الثقافة للناس لا يذوقها ولا يتذوقها...
كيف؟!
لا أدري...
ومع إقراري بحقيقة حجم الأمية في العالم العربي (تشير " المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة " (اليكسو) التابعة لجامعة الدول العربية ، في تقريرها السنوي ، الى أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عاما، ارتفع عموما من 50 مليونا [73%] في 1970 الى 61 مليونا في 1990 [48.7%] ، وتوقعت أن يصل الى 70 مليونا أمّي فقـط!! [35.6%] هذا العام...) فانني لا أتخيل ، بأي شكل من الأشـكال ، أن يكون "بائع الثقافـة" أمّـيـا..!!
إن جهل هـذا الرجل بالقراءة والكتابة يمثل - بحق - قاع الأمية العميق جـدا في العالم العربي.
غني عن البيان أن مسـؤولية محو أميـة ابراهيم هي مسؤوليته أولاً... ولكنها ، في الوقت نفسـه ، مسؤولية كل نظـام عربي . ومما يحزُّ في النفس أنه ليس ثمة مؤسسـة عربية واحـدة ، بما في ذلك جامعة الدول العربية (أطـال اللـه بقـاءهـا!!) ومنظمـاتها المتخصصـة استطاعت أن تقيم الـدليل على أنهـا مؤهـلة لمواجهـة هـذا الواقع العربي المحزن .
فاذا كان يحق للعرب أن يختلفـوا في الشؤون السياسية ، فبأي حق يخـتلفون على محـو الأميـة ؟!
الاسـتثمار العربي ، هنا ، هو الأفضل ؛ لأنـه الأقل كلفـة والأوفر مردوداً... انـه اسـتثمار يحول قـنـديل الزيت الشـاحب الى مصـباح مشـع...
وما الذي يحـول دون تجنيـد جامعة الدول العربية أو المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة لـهـذه المهمـة ما دامت التجارب العربية في التنمية قـد منيت بالفشـل الذريع في معظمهـا ، وما دامت الجامعة العربية (بل أجهزتها) عاطلة عن العمل ؟! لمـاذا لا تتحمل الجامعة العربية عبء هـذا المشـروع العربي المتواضع ، رغم أنه - في تقديري - لا يليق كثيراً بهيبتهـا التاريخية !!
"جمعية الصداقة الباكستانية - السويدية" تتقاضى من العامل الباكستاني المهاجر الى السويد أربعـين كراونا سـويدياً (خمسة دولارات أمريكية) في الشهر لتعلمه[ا] القراءة والكتابة باللغتين الأوردو والسويدية.... أي أن تكلفة محو الأمية هنا لا تزيد عن ثمن فـنجـان قهوة (كي لا أقول كأس ويسـكي!!) في أي مقهى يرتاده السياح العرب في أوروبا . ولا أريد هنا أن أتحدث عن الأموال التي يبذرها بعض السـفهاء العرب في سهرات حمراء في حانات أوروبا ومواخيرها . ان هذا الأموال تكفي لمحو الأمية في العالم العربي في المشرق والمغرب . ان القـنديل الشـاحب ، الذي يصير مصباحا مشـعا ، لن يضيء نفسه فـقط ، وانما ينيـر ويسـتنير... الا اذا أصرَّ الزعمـاء العرب على أن حكم الأمـة العربية ، بملايينها الـ 300 أسـهل اذا كان عشرون بالمئة منهم أميين !!
الدكتور عبدالقادر حسين ياسين
--------------------------------
![بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين Aooo_o11](https://i.servimg.com/u/f66/14/42/89/14/aooo_o11.jpg)
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
![-](https://2img.net/i/empty.gif)
» رسالة إلى صديق هناك بقلم الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» ماذا يـُمَـثـّل اليَهـودي في الـثـقـافة الـغـربـيـة المُـعـاصرة؟ بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» سيدتي بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» ماذا يـُمَـثـّل اليَهـودي في الـثـقـافة الـغـربـيـة المُـعـاصرة؟ بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» سيدتي بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
» ليلاي ومعتصمها
» غزلك حلو
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
» تحركوا أيها الدمى
» لوحة
» كنتَ مني وكنتُ منك !
» في مولد الهادي
» أحلم بالعيد
» فضل يوم عرفة
» من فصول الدهشة وعلامات الاستغراب بقلم فداء زياد
» حديث سري .. في الذكرى السادسة لرحيل أمي
» رباعيات عمر الخيام .
» مخيم جباليا ... أصل الحكاية بقلم سما حسن
» اعشق البحر
» ليل وعسكر .
» الغريب
» نزوح آخر بقلم نور السويركي
» عاتبني أيها القمر !
» امرأة من زمن الأحلام
» زوابع الياسمين
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي