بحـث
من أنا ؟
![](https://i.servimg.com/u/f97/14/42/89/14/ao_210.jpg)
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
على شرفات الذبول
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
على شرفات الذبول
على شرفات الذبول
تمرُّ الأعوام إثر الأعوام , خالية من علامات الربيع , يقفز فيها القحط , والجدب , فيحتل كل العناوين !
وأنا وردة ذابلة في أصيص , تراود عينيِّها المثقلتين بالنعاس , أن ترفع رأسها قليلاً , نحو السماء الحبلى بالأشعار , وأناشيد الفرج , والأمل البعيد .
أفتح الحروف , أحاول أن أستنشق منها هواءً نقياً , أحاول أن أعبرَّ دهاليزها , أن أصل قلب الذكريات , أعود إلى حيث تركت مرابع الطفولة قبل ألف عام , أبحث عن ورقة قديمة تركت فيها عنواني للريح , أبحث عن قلمي المكسور , هل هو مع صديقتي في الدرج المقابل ؟
أفتح خزنتي وما تحتويه من أسرار , أجد لعبة قديمة جداً كنتُ أتسلى بها في أوقات الصبا , كان اسمها يتردد دائماً على طرف لساني , أما الآن فلم أعد أذكره , فالنسيان قد يزحف مبكراً على أوراق الورد , فيكسوها برذاذ الندى , ليصبح الماضي ليس بعيداً , لكنه ليس صافياً كالمرآة !
أمدُّ رأسي قدر المستطاع في بئر الماء , هل ما يزال يحتفظ لنا ببعض الماء , أم أنه قد جف ماؤه بعد أن هاجمه صيف قائظ , وحط رحاله عند الباب , فهربت العصافير التي كانت تتعلم فنَّ مغازلة عيون النهار ؟
وأشجار الورد , كم قالوا أنها لا تنفك تسألهم عني , لا يزال يتفتح وردها كل يوم بألوان الزهو , يبحث عني في حديقة البيت , يسأل ورد الجوار , وأنا أسافر في غربة طويلة , أقضي فيها نهاري مع الملل , ألمع أصيصاً فارغاً , وأصيصاً آخر يحوي نبتة ذابلة , وزهرة برية تراود نفسها على الانتحار !
هل يكفي أن أمنحهم بعض أنفاسي كي يبقوا على قيد الحياة , ولمن يعيش الورد , ولمن يبقى يرفرف على الغصون ؟
اقتلعته بأنانية مفرطة من الجذور , أخذته من أحضان تربته , أنزلته عن أكتاف أمه , وحملته معي , كي يؤنسني في غربتي , فذبلَّ معي , ولم نعد أنا وهو قادرين على الغناء من جديد .
قدمت له قهوة الصباح , فرفضها بأدبٍ خجول , قال الورد , لا أشرب القهوة , أعيش فقط على قطرات الحب , فهل لديك منها المزيد ؟
حتى العصافير في الخارج أصبحت شرسة , ربما لأنها تستمع إلى نشرات الأخبار المتسربة من مذياعي العتيق , لم أشأ أن أمنعها , فهذا السرُّ لم يعد خافياً على أحد !
وما أخفيه اليوم من أخبار الوطن , تفضحه إذاعات الجوار , وتفشيه بين الأحبة , والأعداء , وقطاع الطريق .
وأنا وردة ذابلة في أصيص , أراود نفسي الممتلئة بالهزائم , والمثخنة بالانكسارات , على فرصة أخيرة في البقاء , فأبحث في عيون الغد , عن بصيص أمل أكمل فيه الطريق .
أنظر في عيون الأطفال , فأراها مبهمة , غير مقروءة , فأدرك أن الحليب كان مغشوشاً , وأن الطفولة ضاعت بين جشع التجار , وفقر ذات الحال .
شوك الصبار نبت , وتنامى على الشرفات , أقطف منه كل صباح , وأقرأ عليه تعويذات حارة , وأدعو له بطول البقاء , فالورد في الأصيص ذابل , وعلى الشرفات يتأرجح بين الجفاف , وبين الذبول .
ونشرة الأخبار تجذبُ إليها العصافير الغِرّةّ , فتصبح غريبة , شرسة , تدقُّ بمناقير الغلِّ زجاج الأيام , أخشى أن أفتح لها النوافذ , فتكون هي الأخرى قد أصبحت من رفاق السوء , لا تنعق إلا بالخراب , ولا تأتي إلا بالدمار الأكيد !
فأعود , وأحتضن الصبَّار بين ذراعيَّ , وأدعوه كي يبقى إلى جانبي , إلى أن أتجاوز هذا الذبول , وألج ربيعاً آخر ليس فيه إلا الورد والبلابل ورفاق الدحنون .
--------------------------------
![على شرفات الذبول Aooo_o11](https://i.servimg.com/u/f66/14/42/89/14/aooo_o11.jpg)
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: على شرفات الذبول
صدقيني أستاذة قرأت هذا النص أكثر من مرة للغته الآسرة
جعل الله أيامك ربيعا ووردا
انتظري أستاذة فالربيع قادم إن شاء الله
دام قلمك المبدع
جعل الله أيامك ربيعا ووردا
انتظري أستاذة فالربيع قادم إن شاء الله
دام قلمك المبدع
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014الموقع : فلسطين
رد: على شرفات الذبول
سلاماتك يا عصفورة الشجن
خاطرة مؤثرة فعلا
لعن الله الغربة يا صديقتي
تحلي بالصبر والشجاعة وتذكري أن تبقى على أمل وتفاؤل
رائعة يا عصفورتنا
خاطرة مؤثرة فعلا
لعن الله الغربة يا صديقتي
تحلي بالصبر والشجاعة وتذكري أن تبقى على أمل وتفاؤل
رائعة يا عصفورتنا
حاتم أبو زيد- عضو متميز
- عدد المساهمات : 444
تاريخ التسجيل : 29/04/2010
رد: على شرفات الذبول
ستظلين وردة بصباغ الأمل
مهما طال الخريف وتنامى شوك الصبار
رائعة دائماً
مهما طال الخريف وتنامى شوك الصبار
رائعة دائماً
غادة البشاري- عضو متميز
- عدد المساهمات : 210
تاريخ التسجيل : 05/02/2010
رد: على شرفات الذبول
كلنا معك غاليتي أ. ميساء
كلنا الآن على شرفات الذبول
ولكن الربيع الحقيقي قادم
بارك الله فيك
كلنا الآن على شرفات الذبول
ولكن الربيع الحقيقي قادم
بارك الله فيك
فاطمة شكري- عضو متميز
-
الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 779
تاريخ الميلاد : 01/12/1979
تاريخ التسجيل : 09/08/2010
العمر : 44
رد: على شرفات الذبول
على شرفات الذبول
تمرُّ الأعوام إثر الأعوام خالية من علامات الربيع، يقفز فيها القحط والجدب فيحتل كل العناوين! وأنا وردة ذابلة في أصيص تراود عينيِّها المثقلتين بالنعاس: أن ترفع رأسها قليلًا نحو السماء الحبلى بالأشعار، وأناشيد الفرج، والأمل البعيد.
أفتح الحروف؛ أحاول أن أستنشق منها هواءً نقيًا، أحاول أن أعبرَّ دهاليزها، أن أصل قلب الذكريات...أعود إلى حيث تركت مرابع الطفولة قبل ألف عام، أبحث عن ورقة قديمة تركت فيها عنواني للريح، أبحث عن قلمي المكسور... هل هو مع صديقتي في الدرج المقابل؟!
أفتح خزنتي وما تحتويه من أسرار فأجد لعبة قديمة جدًا كنتُ أتسلى بها في أوقات الصبا... كان اسمها يتردد دائماً على طرف لساني... أما الآن فلم أعد أذكره؛ فالنسيان قد يزحف مبكرًا على أوراق الورد فيكسوها برذاذ الندى ليصبح الماضي ليس بعيدًا... لكنه ليس صافيًا كالمرآة!
أمدُّ رأسي قدر المستطاع في بئر الماء: هل ما يزال يحتفظ لنا ببعض الماء؟ أم أنه قد جف ماؤه بعد أن هاجمه صيف قائظ وحط رحاله عند الباب؛ فهربت العصافير التي كانت تتعلم فنَّ مغازلة عيون النهار.
وأشجار الورد، كم قالوا أنها لا تنفك تسألهم عني، ولا يزال يتفتح وردها كل يوم بألوان الزهو، يبحث عني في حديقة البيت، يسأل ورد الجوار... وأنا أسافر في غربة طويلة: أقضي فيها نهاري مع الملل، ألمع أصيصًا فارغًا، وآخر يحوي نبتة ذابلة وزهرة برية تراود نفسها على الانتحار!
هل يكفي أن أمنحهم بعض أنفاسي كي يبقوا على قيد الحياة؟ ولمن يعيش الورد؟ لمن يبقى يرفرف على الغصون؟
اقتلعته بأنانية مفرطة من الجذور، أخذته من أحضان تربته ، أنزلته عن أكتاف أمه وحملته معي؛ كي يؤنسني في غربتي؛ فذبلَّ معي... ولم نعد أنا وهو قادرين على الغناء من جديد.
قدمت له قهوة الصباح فرفضها بأدبٍ خجول؛ قال الورد: لا أشرب القهوة... أعيش فقط على قطرات الحب، فهل لديك منها المزيد؟
حتى العصافير في الخارج أصبحت شرسة؛ ربما لأنها تستمع إلى نشرات الأخبار المتسربة من مذياعي العتيق، لم أشأ أن أمنعها؛ فهذا السرُّ لم يعد خافيًا على أحد! وما أخفيه اليوم من أخبار الوطن تفضحه إذاعات الجوار، وتفشيه بين الأحبة، والأعداء، وقطاع الطريق.
وأنا وردة ذابلة في أصيص أراود نفسي الممتلئة بالهزائم، والمثخنة بالانكسارات، على فرصة أخيرة في البقاء؛ فأبحث في عيون الغد عن بصيص أمل أكمل فيه الطريق، أنظر في عيون الأطفال فأراها مبهمة، غير مقروءة؛ فأدرك أن الحليب كان مغشوشًا، وأن الطفولة ضاعت بين جشع التجار وفقر ذات الحال.
شوك الصبار نبت وتنامى على الشرفات، أقطف منه كل صباح، أقرأ عليه تعويذات حارة، أدعو له بطول البقاء؛ فالورد في الأصيص ذابل، وعلى الشرفات يتأرجح بين الجفاف وبين الذبول.
ونشرة الأخبار تجذبُ إليها العصافير الغِرّةّ فتصبح غريبة، شرسة، تدقُّ بمناقير الغلِّ زجاج الأيام؛ أخشى أن أفتح إليها النوافذ فتكون هي الأخرى قد أصبحت من رفاق السوء... لا تنعق إلا بالخراب، ولا تأتي إلا بالدمار؛ فأعود وأحتضن الصبَّار بين ذراعيَّ وأدعوه كي يبقى إلى جانبي إلى أن أتجاوز هذا الذبول، وألج ربيعًا آخر ليس فيه إلا الورد، والبلابل، ورفاق الدحنون.
--------------------------------
![على شرفات الذبول Aooo_o11](https://i.servimg.com/u/f66/14/42/89/14/aooo_o11.jpg)
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
» ليلاي ومعتصمها
» غزلك حلو
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
» تحركوا أيها الدمى
» لوحة
» كنتَ مني وكنتُ منك !
» في مولد الهادي
» أحلم بالعيد
» فضل يوم عرفة
» من فصول الدهشة وعلامات الاستغراب بقلم فداء زياد
» حديث سري .. في الذكرى السادسة لرحيل أمي
» رباعيات عمر الخيام .
» مخيم جباليا ... أصل الحكاية بقلم سما حسن
» اعشق البحر
» ليل وعسكر .
» الغريب
» نزوح آخر بقلم نور السويركي
» عاتبني أيها القمر !
» امرأة من زمن الأحلام
» زوابع الياسمين
» قناع بلون السماء ... باسم خندقجي