بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
عــنـدمـا يـَـفـتـِـكُ بـنـا الـحَـنـيـن..! / الدكتور عبد القادر حسين ياسين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عــنـدمـا يـَـفـتـِـكُ بـنـا الـحَـنـيـن..! / الدكتور عبد القادر حسين ياسين
عــنـدمـا يـَـفـتـِـكُ بـنـا الـحَـنـيـن..! / الدكتور عبد القادر حسين ياسين
”طالَ الشـَّتـاتُ وعافـت خـطـونا المـُدُنُ
وأنـتَ تـُمـعـِنُ بـُعـداً أيـهـا الـوطـن
إرجع قـريـتـك إن قـبـراً وإن سـَكـَنـاً
فـدونـك الأرض … لا قـبـرٌ ولا سـكـنُ”
تـذكـرت هـذه الأبـيـات الموحـية والمـعـبـِّرة للشاعـر الفـلسطيني الكبير مريد الـبرغـوثي عـنـدمـا إلـتـقـيـت ـ بـعـد غـيـاب طـويل ـ بالـصـديق النـيـكـاراغـوي إرنـسـتـو رودريـغـيـس الذي يـُعـبـِّـر بـإمـتـيـازعـن حـالـة الـمـنـفي عن وطـنه …
ذات يوم أخذني صديق كـردي إلى مقهىسـانـديــنـوSandino (نسبة الى قائد الثورة الأولى في نـيكـاراغـوا أوغـستو سيزار سـاندينو [1895-1934] أحـد زعماء السكان الأصليين الذي قـاد ثورة مسلحة ضـد الولايات المتحـدة استمرت عشر سنوات [1924 ـ 1934] معتمـداً فقط على أبناء شعبه من الفلاحين وصيادي الأسماك البسطاء)، في هـِسـلـهـولـمـن. وعـنـدمـا عـرف إرنـسـتـو أننـي فـلـسـطـيـني عـانـقـني بـحـرارة ، وأصـرَّ عـلى أن يـدعـوني للـعـشـاء في بـيـتـه…. ومنذ ذلك اللقاء الأول نشأت بيننا صداقة سرعان ما توطدت أواصرها.
كنتُ حين أزوره مع بضعة الأصدقاء في مقهاه في هـِسـلـهـولـمـن ، يترك ما بين يديه ويبدأ في الرقـص، ويبدأ رواد المقهى في التصفـيق والصفـير والضحـك. كان رجلاً سـمحاً حـلو المعـشر وصاحب نكتة بـإمـتـيـاز، وخاصة حين يبدأ في تـقـلـيـد زبائنه من السـويـديـيـن، وبالـتـحـديدأبناء الطبقة العـمالية منهم.
قـبـل الإنـتـقـال إلى هـِسـلـهـولـمـن كنتُ شديد الولع بـالمنطقة ، وأحب زيارتها وخاصة في نـهـايـة الاسبوع، حيث يتحول سوقها الشعـبي إلى مهرجان يرتاده الـنـاس من كل الجـنسيات والأعـراق.
في تـلـك الأمـسـيـة انتقل بنا الحديث (و”الحديث ذو شجون”) من الوضع في أمريكا اللاتينية ، والأدب والشعـر والفلسـفـة وتاريخ الحضـارات ، الى الدور الذي تلعبه الكنيسة في النضال اليومي للجماهير في أمريكا اللاتينيـة . وأمـضـيـنـا الليـل بـطـولـه ونـحـن نـتـحـدث عـن الـمـنـفى وفـلـسطـيـن ونـيـكـاراغـوا ولاهـوت التـحـرير….
كان إرنـسـتـو رودريـغـس من ذلك النوع من البشر الذين لا مكان في دفاترهم للون الرمادي. إذا أحبوا شخصاً عـبدوه، وإذا كرهـوه بغـضوه. كان بسيطاً يحـب قراءة الشعـر، ويدمن الحديث في السياسة. جاء إلىالسـويد في وقت كانت فيه نـيـكـاراغـوا ترزح مخـتـنـقـة تحت قسوة وفظاظة الـطـغـمـة الـعـسـكرية الـمـدعـومـة من الولايات الـمـتـحـدة الأمريكيـة … وحين وصلها لاجئاً فـقـيراً وقع في غرامها، ولم يتركها إلى وطنه ثانية، حتى بعد أن انزاح عـنها الكابوس.
كان يقول لي أن هـسـلـهـولـمـن هي وطنه الذي ظل محروماً منه، وحلمه الذي كان يحمله في قـلبه خشية أن يراه رجال أنـاسـتـاسـيـو سـومـوزا. بدأ حياته فيها عاملاً في المقهى نفسه الذي صار يملكه فيما بعد. كان صاحب المقهىنـيـكـاراغـويـاً مثله، وبعـد سنوات من العمل معه تزوج بابنته، ثم حين وافت المنية العجوز صار المقهى ملكه وزوجته.
جاء وقت انقطعـت فيه عن زيارة إرنـسـتـو، واستمر غـيابي سنوات في غـوثـنـبـيـرغ، وعـنـدمـا عـدت إلى بـوروس، قـررت أن أزور إرنـسـتـو، وأرى ما طرأ عـليه من تغيير.
حين دخلت المقهى، رأيته في مكانه المعـتاد، واقـفـاً أمام آلة صنع القهوة. لم تبقَ في رأسه شعـرة سوداء، وعـلى عـيـنـيـه وضع نظارة طـبـيـة . حين وقـفـت أمامه، وجـاءت العـين في العـين، إبـتـسـم ورفع يديه ووجهه عالياً نحو السقـف ثم قال:
”إلهي ، يـا إلـهـي ؛ لماذا تفعـل بي هـذا…؟!”
ثم نظر إليَّ وقال: ”مرحـباً أيـهـا الـغـريب…!!”
غادر مكانه واتجه نحوي محـتـضـنـاً ومعانـقـاً. طلب من أحد الجرسونات أن يأخذ مكانه، وأخذني من يدي نحو أقـرب منضدة مـتاحة، وطلب لـنا فـنـجـانـيـن من الـقهوة.
سألني عن أحوالي ، وسألني عن بقية الأصدقاء، وأحوالهم.
ودخلنا في حديث طويل طال كل شيء، ثم قال لي:
”هل تعرف أنني بعد شـهـر سأغادر السـويـد إلى الأبد؟”
قلت له أنني غـير مصدق لما سمعت، لأنه ليس من السهل علىإرنـسـتـو أن يغادر حلمه وإلى الأبد. زفـر إرنـسـتـو بعمق، وقال أنه لم يكن يتوقع أن يكون في أي يوم من الأيام ”فريسة سهلة لـلـحـنـيـن”. قال أنه اكتشف خلال السنوات الأخيرة أن ثمة شيئاً قوياً نبت في قـلـبـه فجأة ، وبدأ كالنباتات المتسلقة يزداد ارتفاعاً، ويأخذ بمجامع قـلـبـه وعـقـلـه، وأنه في بادئ الأمر ظنَّ أن ذلك الاحساس مُجرد أمر عارض، سرعان ما يزول كالزكام. إلا أن ذلك لم يحـدث، بل ازداد شـدة وقوة، حتىشـعـر أنه يقوده نحو الجـنون.
قال لي وهـو يـداري دمـعـة :
” عـبـد الـقـادر ، السـويـد لـم تـَعـُد الـسـويـد…، وإرنـسـتـو لم يعد ذلك الـشـَّـاب المأخوذ بالغـرابة، المسحور بالغـربة. أريد أن أعـود إلى نـيـكـاراغـوا كي ألـمـلـم بقايا طفولتي المبعـثرة، وأفـتـش في حناياها عن جـذوتي. السـويـد لـم تـعـد متسامحة عطوفة على الغـربـاء واللاجـئـيـن من أمـثـالي وأمـثـالـك…ولـم تـعــُد وطـنـاًلـمـن لا يجد وطناً يؤويه. السـويـد اليوم غـير السـويـد التي عـرفت وأحببت وعشقـت وآوتني حينما جـئـتـها شاباً لاجئاً فقيراً. السـويـد هذه لا تراني إلا عـبر كاميرات الأمن المزروعـة في كل شارع ومقهى وحانة ومطعم ومتجر”
قلت له أنني لا أعـتـقـد ان السـويـد وما حـدث لها هي السـبب في الـقـرار الذي إتـخـذه بـالرحـيـل ، وأنني واثـق أن الحنين إلىنـيـكـاراغـوا هـو الذي جعله يقـرر أن يبيع المقهى والرحيل.
”لـقـد إعـتـراك الـتـعـب يـا إرنـسـتـو ، ومن حـقـك أن تـرتاح قـلـيـلاً، وتـُجـدد طفولتـك وصباك وشبابك…”.
نظر إليّ بعينين من خلف عـدستي نظارته، وأذكر أنني لمحـت الـدمـوع في عـيـنـيـه. لم أجد ما أقول، وسكتَ هو مدارياً عـيـنـيه في السقف.
طلب فـنـجـانـيـن من الـقـهـوة وسألني عـمـا إذا كنت قـد مررت يوماً بما يـشـعـر به هو الآن، إلا أنه لم يمـنحني الفـرصة للـرَّد. قال:
”أعترف أنني حـقـقـت في حياتي ما كنت أريد تحـقـيـقـه،
وأعـتـقـد ان عـودتي الآن إلىنـيـكـاراغـوا بمثابة اعتراف بأن ساعة فراقي لـهـذه الدنيا قد حانت،
ألا تذكر قول أوكـتـافـيـو بـاث:
”من تعـب من الـمكـسـيك فـقـد تعـب من الحياة..!” .
وبـعــد ؛
أعـلم أن إرنـسـتـو لم يتعـب من السـويـد بل، مثل غـيره من الغـرباء، فـتـك به الحـنـيـن. لكن من يقـنع إرنـسـتـو ان نيـكـاراغـوا التي يحـنّ للعـودة إليـهـا قد ابـتـلـعـهـا الزمن دون مـضغ ، كما ابتلع شبابه، ولم يعـد لـهـا وجـود إلا في قـلـبـه ومخيلته…؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وأكاديمي فلسطيني مـقيـم في السـويد .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
رد: عــنـدمـا يـَـفـتـِـكُ بـنـا الـحَـنـيـن..! / الدكتور عبد القادر حسين ياسين
عندما يفتك بنا الحنين .. ما أروع هذا الوصف ..
في أيام الشباب والصبا وكل مراحل العنفوان تكون كل الأمور سهلة
لأن الأمل يكون كبيراً
ولكن بعد أن نكبر نجد أن كل ما حققناه لا يسمن ولا يغني من جوع
وأن الفتى مهما نقل فؤاده يبقى الحنين للمنزل الأول
فكيف إن كان المنزل الأول هو الوطن ؟؟؟!!!
في أيام الشباب والصبا وكل مراحل العنفوان تكون كل الأمور سهلة
لأن الأمل يكون كبيراً
ولكن بعد أن نكبر نجد أن كل ما حققناه لا يسمن ولا يغني من جوع
وأن الفتى مهما نقل فؤاده يبقى الحنين للمنزل الأول
فكيف إن كان المنزل الأول هو الوطن ؟؟؟!!!
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
مواضيع مماثلة
» تـَجارب قـاسية تـغـور بـنـا حتى مـَكامن الـوَجـَع د. عبد القادر حسين ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أيـلـول الـفـلـسـطـيـنـي // الدكتور عــبـد القادر حسين ياسين
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أحــلام … وكـوابيس!/ الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» أيـلـول الـفـلـسـطـيـنـي // الدكتور عــبـد القادر حسين ياسين
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي