إِلَى شمهروش

إِلَى شمهروش * :
إِيَّاكَ أَنْ تَنْسَ تِلْكَ الأنثى / الْقَصِيدَةَ التي أَتَتْكَ وَهِي تَحملُ الرّوحِ فِي آهاتها، تَمشي مَدفونةً فيهَا مُلتحفة بِزِيّ أَبيضٍ وَتطوقُ شَعْرَهَا بِرِدَاءٍ أَخضرَ كَمَا تُحِبّ فِي رَاهِبَاتِكَ، تُثَرْثِرُ عُيُونُهَا لِكُلّ تِلْكَ الْجِبَال التِي تَحْمِي شفافيتكَ مِنْ الْعَالِمِ عَنْ أنوتثها المقُبرّة، عَنْ شَهْوَةٍ يُطْفِئُهَا جِنّ يَسْكُنُهَا. تضمئ لِنَزَرٍ مِنْ الدِّفْءِ، تَمشي الْهُوَيْنَا فِي مَسَالِكِ حَضَرَتِكَ، تَخْشَى مِنْهَا، لَا تَعرفُهَا حِينَ تَتَلَوَّى بِالصراخِ بِصَوْتٍ ذُكورِيِ أَجْهَشَ ..
لَمْ تَتَحَرّر مِنْهَا لِتَحمّلَ إسماً، تُشَاغِبُ الذّاكِرَةَ تُرِيدُ أَنْ تَنسّاهَا لَكِن ذاكِرَةُ الْمَكَان لَا تَنْسَ الْعَابِرينَ دُونَ أَسمَاءِ. تَلِجُ ضَرِيحَكَ وَهِي متوجسة مِنْهَا: كَيْفَ ستكون بَعْدَ لحيظات ؟ أََيّ صَوْتِ سَيَنْدَلِقُ مِنْهَا حِينَهَا ؟ كَيْفَ سَتُشْفِقُ الْعُيُون عَلَيهَا وَكَيْفَ سَتُفْزعُ مِنْهَا ؟ نَدِيمَةٌ سَمْرَاء تُصَاحِبُهَا لِيَنَام الْخَوفُ فِيهَا لَكِن لَا يَنَامُ السُؤال فِي غَيْبُوبَتِهَا و صُراخِهَا :
لماذا أَنَا يا اللهَ ؟
يَبْدَأُ شُيُوخُكَ يا شمهروش فِي " الْحَضْرَةْ * " يُدَنْدِنُونَ و يُنْشِدُونَ فَتَبْدَأُ الأنثى فِي الصّراخِ و يَهِيجُ صَوْتُهَا ذكورياً، يَفْزَعُ الْجَالِسُونَ حَوْلَهَا، تَصيحُ بألــــــــــــــــــــمٍ قَدِيم تَتَوَسَّلُ لِهَذَا الألم أَنْ يُغَادِرَهَا فيَنْتَفِضُ جَسَدُهَا و يُزَمْجِرُ : لَيْسَ يُريد الرقْصَ، لَيْسَ يُطِيقُ وَجَعَ السؤَّال :
لماذا أَنَا يا اللهَ ؟
لَا يكثرت الشيُوخ لِصُراخِهَا و أَلَمهَا الدّفِين، لَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ الأناشيد، يَرفعُونَ إيقاعهم فَتَزِيدُ شُقُوقُ جَسَدِهَا. تَبْكِي طَوِيلَا فَيَبْكِي ضَوْءُ الشُمُوع و يَبْكِي بَيَاضُ زَهْرِ اللَّوْزِ و المَاءُ و النَغم الصُوفي، تَضْرِبُ برأسها جدار الضَّرِيحِ تُرِيدُ أَنْ تَجْرَحَ طِينَهَا الْمَصْلُوب، تُرِيدُ أن تُحدثَ شَرخَاً بَسيطَا لِتَتَفَتَّق مِنْه روحُهَا، لَقَدْ عَافَتْ سُؤَّالهَا :
لماذا أَنَا يا اللهَ ؟
فِي غَفلَةٍ تَلَفَّتَتْ لِدَمعِ أَُمهَا وَكَأَنَّهَا سَمِّعَتْ صَدَّاهُ، قَالَتْ فِي سِرِّهَا وَهِي تَئِنّ بِصَوْتِ ذُكورِيٍ جَهُور :
لماذا لَا يَكتبني طِينَي عَلَى الرّيحِ ؟
لماذا لَسُتُ نسيَا منسياً ؟
لماذا لَا يَتَشَقَّقُ هَذَا الصَّلْصَالُ لِأَرْتَكِبَ الرَّحِيل .. الرَّحِيل ؟
..
..
لماذا أَنَا يا اللهَ ؟
يَغْطِسُ أَنِيَنهَا الْعَنِيف فِي قُلُوبِكُمْ أَيُهَا الْحاضِرُون المُتأنقون فَيَفْزعُ بَعْضُكُمْ وَيَفِرُ بَعْضُكُمْ وَيُشْفِقُ أَغلبُكم .. وَحَدهُ دمعُ أَُمهَا يُمددُ نَزِيفَ السّؤال :
لماذا هِي يا اللهَ ؟
..
..
شمهروش أَسقطْ بَيَاضَكَ عَلَى حكاِيَّتِهَا، وامحو كُل ضمآها لِتَحمِلَ إسماً .. إسماً


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شمهروش : ضريح بجنوب المغرب ( يبعد سبعين كيلومتر على مدينة مراكش ) معروف بـ "سيدي شمهروش" وهو ملك ملوك الجن بحسب الموروث الشعبي المغربي، يبث في القضايا العالقة بين الإنس والجن.
* الحضرة : هي طقوس تقام بالضريح تدمج بين الأناشيد الدينية و الإيقاعات الصوفية.
* ( القصة أني زرت الضريح وصادفت فتاة مُصابة بالصرع تتردد على الضريح لأجل التبرك و الشفاء وقد آثرت فيّ بشكل عميق جداً فأحببتُ أن أكتب عنها.