على رصيفٍ آخرَ

على أرصفة المدينة أمشي... بعد أن أعلنت الشّمسُ انقضاء ليلٍ لفَّه صمتٌ ثقيل...ضجيجُ الباعة وهم يفرشون الأرصفة بحلم الرزق... وقرقعةُ الحياةِ وهي تتسلَّلُ إلى جدران المدينة...وتنتشر أحاديثَ الأرصفةِ البريئةِ...أحاديث لم ترتبطْ بموعدٍ...على سجيّتها تخلو من زركشة الشّعراء.وتنميقِ المتلاعبينَ بفنون الكلام ...أحاديث بين أرواح تتصادم صدفة فتقفُ وتتآلفُ،تفتِّشُ في قاعِ ذاكرتها العتيقة عن ذكرى ترسُمُ ملامحَها على الوجوه..ويرتفع ضجيج الباعة ...وأسمع إلقاء السلام القادمِ من بعيد ...عيونٌ تحتضن العيونَ ...وكفّ تقبِّلُ كفا ...وأنا أتأمَّل كمنْ يستفيقُ من غفوةِ النّسيان ...وتبدأ موسيقى المطر تعزف لحنها على أوتارالرصيف تخالطها خُطى المارة على ظهر الأرصفة التي تعرّت من الدفء...فيطربني غناء الملاعق وهي تتراقص في أكواب القهوة الزجاجية ...حينها تزداد قطع السّكّرحلاوة حين تأخذ بالذوبان في أوردة العاشقين ...وسهام الباعة تطارد الجميلات ..فيجرين يدارين خجلهن وقلوبهن تتراقص فرحا بكلمة غزل عابرة ..وتعج الأرصفة بالعيون ...ولا أجد لي في زحام تلك القلوب أحدا...طرق تعجّ بأرواح العاشقين... وأصابع اليدين تطبع نبضها في أكفهم... وأتظاهر بابتسامة تداري خلفها بشاعة الحزن بداخلي...وأبحث عن وردة تغري الفراشة كي تمزقها حبا ...لم تفِ الحياة بوعدها لي...وأنا مللت الانتظار...أفترش رصيف البسطاء أنتظر بأمل مثقوب.أنتظر يدا تمتد لتستر عريي من الأمل ...ولكن هيهات هيهات أن تفي لي الحياة بوعدها..فهي لم تمنحني إلا مزيدا من الانتظار...وأنا بسذاجتي لا أتقن الحديث إلا على رصيف الذكريات...أحاول أن أستنير بنور القلب كي يلهمني إلى حبيب علمني فن الانتظار على قارعة العشق...وعود الأمل في قلبي بللته بنزف دموعي فلا يشتعل ليضيء لي الطريق...لعلني أهتدي إلى طبيب أو مشعوذ يخلصني من جنون الحب...وينسيني مسامرة الليل أحتسي معه قهوة مرة جدا ...فهل سأعثر على حبيب يسامرني في مقهى أقمته على رصيف عمري...رصيف المدينة تتوجه الأنوار... ويجمله حديث العاشقين... ورصيف قلبي يقبع في ظلمة بلا أنوار...بلا عشاق ... بلا حديث...حتى تلك الحجارة القديمة صامتة ... ليس فيها مشاعرلم يزرها سرّ الحياة منذ سنين ...وأنا أيتها الحجارة ... أيها الرصيف ... لا أريد العيش في عالم بلا مشاعر..ولا أحب الحروف التي لم تزينها النّقاط...ولا أحب أن أكتب نصا بدون فواصل ومسافات تستريح فيها روحي حين تنقطع أنفاسي وأنا ألهث بين مفردات المعاجم كي أرسمك بأحلى الكلمات...ولكنّ الجرح ليس جرحا إن لم يحرمني النوم...فليكن لسعك أيتها الدّنيا قاتلا ...إنها الدّنيا حين تعضُّ بأنيابها تؤلم وتوجع ...ها هي أضوار الرصيف تخفت رويدا رويدا .. توشك أن تنطفئ...وملت روحي الانتظار...سأغادر الرّصيف بأملي المثقوب ...وسأسدل السّتار على جرح الصّمت في وجهي...سأخنق شهقة موت الأمل بداخلي...وألملم شتات روحي .. وأجعل من مداد قلبي زيتا ...أشعل به الأنوار... لعلي أجدك على رصيف آخر...

على رصيف المدينة أمشي ...أتعلم يا نسيم كنت أنتظر من بدايات النص سردا قصصيا بامتياز .
لما تتميز به لغتك السردية من أناقة تألق وتداخل بين ماهو واقعي (موضوعي ) وما هو نفسي (ذاتي ) كما لم يخل الوصف عندك من هذه الازدواجية . عليك فقط أن تخرج من رصيف الحديث النفسي ( المونولوج ) إلى محاورة الآخر. وستجد نفسك فارسا للقصة بإمتياز .
أتمنى لك كل التوفيق يا نسيم .

شفيقة لوصيف كتب:على رصيف المدينة أمشي ...أتعلم يا نسيم كنت أنتظر من بدايات النص سردا قصصيا بامتياز .
لما تتميز به لغتك السردية من أناقة تألق وتداخل بين ماهو واقعي (موضوعي ) وما هو نفسي (ذاتي ) كما لم يخل الوصف عندك من هذه الازدواجية . عليك فقط أن تخرج من رصيف الحديث النفسي ( المونولوج ) إلى محاورة الآخر. وستجد نفسك فارسا للقصة بإمتياز .
أتمنى لك كل التوفيق يا نسيم .

كالعادة شفيقة مرورك له رونقه الخاص
وقراءة واعية متأنية للنص
ورأيك أعتز به جدا
فأنت صاحبة الكلمة الجميلة وكاتبة قصة بامتياز
شكرا لروعة مرورك
ودمتِ بكل خير

على رصيفٍ آخرَ

على رصيفٍ آخرَ

رد: على رصيفٍ آخرَ

رد: على رصيفٍ آخرَ