بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
ولادة تحت المطر ...
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ولادة تحت المطر ...
وِلادةٌ تَحْتَ المَطَر
على المنضدة القديمة أمامه علبةُ سجائر فارغة ، وكومةُ أوراقٍ ، وأقلامٌ ، ومشعلُ نار في زاوية الغرفة ، ويهبط الظّلام ، وتستسلم الرؤوس للنوم ،إلا رأسه المتحفِّزَة،والسّماء حبلى بالغيوم ، لترتسم في رأس صابر خيوط قصة ينسجها في هدوء الليل ،كثيرة هي المشاعر السقيمة التي تجتاحه ، ويبحث لها عن علاج في قعر فنجان القهوة المركون على المنضدة منذ أمس ، أو يبحث عن مشعوذة تسكن ذاكرته تعرف قراءة الكف ، ويسكُت الليل في هدوء لا يكدّرُه سوى صوتُ السّاعة الكبيرة على الحائط أمامه بنبضات رتيبة ، وصوت رصاص بين الحين والآخر خلف أسوار المدينة ، ليجري مفزوعا نحو أمل،ابنته الصغيرة ، التي أكملت أعوامها الثمانية قبل أيام ، فيجد أمها قد ضمّتها ، وهي تقرأ تعويذاتها المعروفة ، فيبتسم ليبثّ فيهما طمأنينة عكرها صوت الرّصاص ،وينظر في عيون زوجته ويقول :
- لا تخافي ، أنه صوت من خلف أسوار المدينة . فتهز رأسها وتردد :
- اللهم حفظك يا رب ، اللهم سترك يا ستار .
ثم يعود يلهو بمشاعره ، يبعثرها ، يرتّبها ، يقلّبها ، والشّمعة التي أشعلها تذكّره كلما ذابت بعمره الذّي ينقضي ، كان صابر يكتب قصة شهيد ، وكلّما علا صوت الرّصاص شتت أفكاره وأفزعه ، فيروح ويجيء ، ثم يحاول تجميع أفكاره مرة أخرى ، والشّمعة يخفت منها الضوء ، تتآكل شيئا فشيئا ، ها هو يوشك أن ينهي أحداث قصته ، قصة شهيد اغتالت يد المحتلين أحلامه ، وضع رأسه على المنضدة ، يفكر في اسم الشهيد ، بطل القصة التي كاد أن ينتهي من تطريزها ، فغافله النّوم ، والريح المتسرب من ثقب النافذة يتلاعب بضوء الشمعة ، والرعد في كبد السماء يهز زجاج نوافذ الغرفة ،ينبئ بمخاض لولادة متعسرة ، وظلّ شخيره يعلو والشّمعة تذوب على أنغام الشّخير.ولم يصح إلا على أذان الفجر ، فشعر بالبرودة تجمّد أطرافه ، وهو يملأ البيت بتهليلات الصباح .
- وفية ، قولي لا أله إلا الله . فيبلغه صوتها الهادئ وهي تردد لا إله إلا الله
- أمل ، أفيقي يا ابنتي لنصلي الفجر.
صلوا كلهم جماعة ، وراحت الأم تصرُّ من خبز البيت لابنتها ، بينما تسأل أمل والدها عن سرِّ هذه الأوراق المبعثرة على المنضدة فيقول :
- لم أجد اسما مناسبا للشهيد بطل القصة يا ابنتي. فتبتسم وتقول:
- انتظر حتى يسقط شهيد في مدينتنا واجعله بطلا لقصتك .
يقبض على يد ابنته ، ويسمع تمتمات زوجته وهي تدعو الله أن يحفظهما من كل شرّ،
ويفتح باب البيت يمسك بيد ابنته ، الحجارة تملأ الشارع الذي يمر من أمام البيت ، والمتاريس كثيرة ، أقامها شبان المدينة ليعرقلوا تحركات العدو بعد أن يقذفوه بالحجارة .
وفجأة يعلو صوت الرصاص ، فتعلو تكبيرات الشبان المتمترسين خلف المتاريس،
ومع كل تكبيرة يزداد إطلاق الرصاص ، فصوت التكبيرات يستفزّ جنود العدو كما يعلم أهل الحيّ . ويبدأ الرصاص يتطاير في كل اتّجاه ، فيصاب هو في حيرة ، هل أعود ؟ هل أتابع المسر إلى المدرسة ؟ وتنحني أمل لتلتقط حجرا ، وتطيل في الانحناء ، ربما كانت تقرأ على الحجر آيات قبل أن تلتقطه بيدها الطاهرة ، كل شيء كان ينبئ بولادة السّماء لشيء ما ، ويعلو الصّراخ ، ويرتفع هدير التكبيرات ، فيشعر بيد ابنته ترتخي في قبضة يده .ولا يسمع لها صوتا ، كانت تدير وجهها ، فاعتقد أنها خائفة ، فناداها :
- هل أنت خائفة يا أمل ؟ ولكنها لم ترد، ورآها تنثني على الأرض ، وتفلت يدها من يده ، رفعها بسرعة عن الأرض ، كان الدم يملأ صدرها ، وحقيبتها المدرسية ، حملها بسرعة بين يديه ، كانت زوجته وفية تنظر من نافذة البيت ، لا تدرك ماذا يدور ، جرى بها إلى البيت ، فالشارع كلن مغلقا ، وقد سيطرت عليه قوات العدو بعد مطاردة لشبان الحي المسلحين بالحجارة ، وضعها على المنضدة ، وسارع يغلق جرحها ، بينما وقفت زوجته مذهولة ، وقد سمر المنظر أوصالها ، لا تبكي ، لا تصرخ ، لا تدرك أي شيء ، كانت أمل تهم بالكلام ، ولكنها لم تتمكن ، أزاحت رأسها المنهك ، ونظرت إلى القلم المكوّم بجانب الأوراق ، وألقت يدها عليه . وأسلمت روحها لخالقها ، ماتت أمل ، نعم ، ماتت وهي ترتدي مريولها المدرسي ، ماتت وهي تحلم بيوم التتويج لتفوقها في المدرسة . ماتت ويدها ما زالت تقبض على حجر ، كان المطر قد بدأ ينهمر بغزارة ، والتكبيرات تعلو من مآذن المدينة كعادتها تعلن سقوط شهيد . كلّ أهل الحي يتوافدون ، وصوت قراءة القرآن يرتفع ، والسماء تقصف بالرعد ، والمطر يشتدّ غزارة ، وهو واقف يتفرّس في وجه أمل البريء.وينظر صابر إلى الورقة التي خط عليها قصته ، سحبها وكانت مخضبة بدم أمل ، وتناول القلم من تحت يدها ، وراح يخط من دم ابنته بطلا لقصته .ويمشي نحو النافذة بخطوات هدها الوجع ، وراح يخرج يده من النافذة ، لتختلط دماء أمل بماء المطر ، ويلقي بقلمه من النافذة ، والتكبيرات تعلو من المساجد ، والأم تلقي بحباتٍ من القمح على وجه أمل الصافي ، وأصوات متداخلة :
- الله يلعنهم .
- الله ينتقم منهم .
- اللهم صبّر أهلها .
ويعلو صوت أهل الحي يرددون: لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله .
عدل سابقا من قبل نسيم الطبيعة في الإثنين 28 مارس 2016 - 19:32 عدل 2 مرات
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
الموقع : فلسطين
رد: ولادة تحت المطر ...
استاذ نسیم...لا ادری کیف اعبر عما اشعر به...احساس غریب....
یاریت کان بامکان قلمی توصیف ما اشعر به.........
لا اله الا الله ، الشهید حبیب الله...
دام قلمک الشریف...
یاریت کان بامکان قلمی توصیف ما اشعر به.........
لا اله الا الله ، الشهید حبیب الله...
دام قلمک الشریف...
ابتسام- عضو جديد
- عدد المساهمات : 94
تاريخ التسجيل : 03/02/2016
الموقع : ايران
رد: ولادة تحت المطر ...
لله درك يا نسيم الطبيعة ماذا فعلت بنا
أوجعت قلوبنا .. ليتها كانت محض الخيال .. ولم تكن من واقع تلك البلاد
إنها بلادي لها الله تودع قوافل الشهداء كل يوم بل كل ساعة
المبدع نسيم الطبيعة واصل في القصة فلقد أبدعت
أوجعت قلوبنا .. ليتها كانت محض الخيال .. ولم تكن من واقع تلك البلاد
إنها بلادي لها الله تودع قوافل الشهداء كل يوم بل كل ساعة
المبدع نسيم الطبيعة واصل في القصة فلقد أبدعت
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: ولادة تحت المطر ...
الأستاذة الغزيزة ابتسامابتسام كتب:استاذ نسیم...لا ادری کیف اعبر عما اشعر به...احساس غریب....
یاریت کان بامکان قلمی توصیف ما اشعر به.........
لا اله الا الله ، الشهید حبیب الله...
دام قلمک الشریف...
مرورك عبر عن الكثير مما لم تقوليه
ويكفيني شرفا وسعادة هذا المرور
دمتِ ودام شعورك النبيل
وتقبلي تحياتي
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
الموقع : فلسطين
رد: ولادة تحت المطر ...
أدمعت عيني و أحزنت قلبي
و اسكنتني أجواء بلدة أمل
و جعلتني أشعر في النهاية بالنخوة و الشرف
ملكني نصك يا نسيم
مزيدا من النجاحات ودمت أخا عزيزا .
و اسكنتني أجواء بلدة أمل
و جعلتني أشعر في النهاية بالنخوة و الشرف
ملكني نصك يا نسيم
مزيدا من النجاحات ودمت أخا عزيزا .
شفيقة لوصيف- عضو جديد
- عدد المساهمات : 141
تاريخ التسجيل : 24/12/2015
رد: ولادة تحت المطر ...
إنها بلادك الحبيبة وأنت ابنتهاميساء البشيتي كتب:لله درك يا نسيم الطبيعة ماذا فعلت بنا
أوجعت قلوبنا .. ليتها كانت محض الخيال .. ولم تكن من واقع تلك البلاد
إنها بلادي لها الله تودع قوافل الشهداء كل يوم بل كل ساعة
المبدع نسيم الطبيعة واصل في القصة فلقد أبدعت
وفلسطين تفخر بأديبة مبدعة مثلك أستاذة
مرورك وتشجيعك يزيدني رغبة في الكتابة
جعل الله كل أيامك سعادة
وتقبلي تحياتي
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
الموقع : فلسطين
رد: ولادة تحت المطر ...
مرورك شفيقة بنصي زادني فرحا وسروراشفيقة لوصيف كتب:أدمعت عيني و أحزنت قلبي
و اسكنتني أجواء بلدة أمل
و جعلتني أشعر في النهاية بالنخوة و الشرف
ملكني نصك يا نسيم
مزيدا من النجاحات ودمت أخا عزيزا .
شكري وتقديري لما خطه قلمك من حروف جميلة
دمتِ ودام التألق حليفك
وتقبلي ودي واحترامي
نسيم الطبيعة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 665
تاريخ التسجيل : 27/01/2014
الموقع : فلسطين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» حدائق اللوز
السبت 6 أبريل 2024 - 11:42 من طرف لبيبة الدسوقي
» أصوات من غزة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» دعاء ختم القرآن الكريم
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:59 من طرف دانة ربحي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:55 من طرف ميساء البشيتي
» وجوه عابرة
الجمعة 5 أبريل 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» العهد
الثلاثاء 2 أبريل 2024 - 21:58 من طرف راما البلبيسي
» صافحيني غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» على عيني يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:35 من طرف طارق نور الدين
» هولاكو في غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:33 من طرف طارق نور الدين
» من يخاطبكم يا ميتون
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:32 من طرف طارق نور الدين
» ثوري غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» أين المفر يا غزة
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:30 من طرف طارق نور الدين
» إعدام غزة !
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:28 من طرف طارق نور الدين
» تحركوا أيها الدمى
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:26 من طرف طارق نور الدين
» رسالة من طفل غزة إلى سلاطين العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:25 من طرف طارق نور الدين
» قبر واحد يكفي لكل العرب
الجمعة 29 مارس 2024 - 12:18 من طرف طارق نور الدين
» كم أنت بعيد يا أفصى
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:06 من طرف رمزية بنت الفرج
» يا زهرة المدائن ..يا قدس
الجمعة 22 مارس 2024 - 12:04 من طرف رمزية بنت الفرج
» من يكرمكن نساء غزة ؟
الجمعة 22 مارس 2024 - 11:55 من طرف رمزية بنت الفرج
» جربت تنام بخيمة؟ بقلم اسماعيل حسين
الثلاثاء 27 فبراير 2024 - 11:00 من طرف خيمة العودة
» يسألني الياسمين ... ؟
الأحد 25 فبراير 2024 - 11:19 من طرف سلامة حسين عبد النبي
» اسم في خيالي
الأربعاء 21 فبراير 2024 - 11:29 من طرف هند درويش
» قصيدة بعرض البحر
الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 11:44 من طرف ميساء البشيتي
» “من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة" مريد البرغوثي
الجمعة 16 فبراير 2024 - 12:04 من طرف خيمة العودة