بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
حتى لا نـنـسـى : كـفـر قـاسـم : “قرية تـَحـلم بالقـَمح وأزهـار البـنـفـسج” / الدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حتى لا نـنـسـى : كـفـر قـاسـم : “قرية تـَحـلم بالقـَمح وأزهـار البـنـفـسج” / الدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
تـحـل الـيـوم الـذكرى السـتـّـون لـمـذبـحـة كـفـر قـاسم التي ارتكبها سفاح صهيوني يدعى العميد يششخار شدمي ضد قرية كفر قاسم الفلسطينية في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1956 ، والتي راح ضحيتها تسعة وأربعون شهيداً من الأطفال والشيوخ والنساء في طريق عودتهم من يوم عمل شاق في حقول القرية ، ليس لذنب اقـترفوه، بل لأن العـدو الصهيوني لم يحتمل بقاء فـلسطينيين في وطنهم.
وعندما شعرت رئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية بفظاعة ما ارتكبته في كفر قاسم فرضت رقابة صارمة على أخبار المذبحة البشعة ، إلى أن نشرت صحيفة ” دافار” الصهيونية ، الناطقة بلسـان “الاتحـاد العـام لنقـابات العـمال” (الـهـستدروت) ، في السابع من كانون أول عام 1956 قصيدة للشاعـرالاسرائيلي نافان الترمان يـنـفـس فيها عن بعض الشعور بالقلق والخزي الذي اختلج في صدور من عـرفوا الأبعاد الحقيقية لهـذه المذبحة الرهـيبة :
” بعـد أن تبينت لك رويداً
تفاصيل هذا العمل الرهيب…
بعـد أن تكشفـت لك الحقيقة والدوافع،
وانتصبت عارية أمام ناظريك…
هل راعـتك تلك الهـوة السحـيقة
التي تفصل بين الحقـيقة والصدى…؟
بعـد أن تبينت لك تفاصيل هذا العمل الوحشي اللاأخلاقي
الذي يعجز القلم عن كتابة تفاصيله ،
ليس بسبب الرقابة المفروضة فحسب…
أيقنت أنه لا يجوز لي أن أكتب عن شيء آخر غير هذا العمل الدنيء…
فلا يمكن أن يقوم مجتمع إنساني حدث فيه كل هذه النذالة والوحشية
دون أن تثور في أرجائه رعـشة غـضب وخزي،
غـضب يحمل كل نوازع السخط الإنساني والفردي…
سخط النساء لاغـتيال النساء،
وسخط الأطفال لاغـتيال الأطفال دون مبرر…
إنَّ من ارتكب هذه الجريمة لم يكن يخضع لقاموس أو عرف ليلة منع التجول في إسرائيل…
لقد قـيل أن رئاسة الأركان قـد اهـتزت،
وأن أكثر من وزير أمسك رأسه بكلتا يديه فـزعـاً…
ولكنهم، في الوقت نفسه، يسلبوننا الحق في تقصي الحقائق،
ذلك أنه منذ الليلة الأولى التي ارتكبت فيها الجريمة حتى الآن،
والأمر ما زال ” قـيـد البحـث”…
بينما دم الأبرياء في كفـر قاسم يشق الوادي ،
ويضيع في شقـوق الأرض الموحـلة…
وبدلا من محاسبة المجرم،
يفرض الصمت الرهـيب على كل شيء…
وهكذا يصبح الإسرائيلي، من رجل الشارع حتى أعـضاء الحكومة ،
شركاء في مسؤولية المحافظة على عمل دموي حتى لا يتردد له صدى”.
“كيف حدث ما حدث ؟…..
بل كيف كان ممكناً أن يحدث ؟…
وماذا يجب علينا عمله حتى لا يتكرر نفس الشيء غـداً ؟…
هل يمكن أن يقوم مجتمع إنساني لا يـفـزع من مثل هذا الكابوس المزري ؟…
صحيح أن الجريمة ارتكبت عـشـية الحرب [ يقصد العـدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول عام 1956] وعلى حافة المسرح وقعـت أحداثها…
لكنها وقعـت في الطرف الآخر من ساحة المعركة…
على الناحية الأخرى من جبل المناجاة.. جبل الوصايا العـشرة”…
وبأبيات هذه القصيدة بدأت خيوط الجريمة البشعة تتسرب إلى الصحافة العالمية، فما هي حقيقة مذبحة كفر قاسم… وما هي تفاصيل الجريمة التي خططت لها رئاسة هيئة الأركان العامة، ونفـذتها بكل برودة أعصاب؟
في ذلك اليوم، التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956، بدأ العميد يششخار شدمي يضع التعليمات التي أصدرها له العميد تسفي تسور، قائد المنطقة العسكرية الوسطى في إسرائيل ، موضع التنفيذ.
لقد أخبره العميد تسور صباح هذا اليوم بأهداف “حملة قـادش” أي “العملية المقدسة”، وهي الاسم الإسرائيلي للحرب ضد مصر. وطلب إليه اتخاذ كل الترتيبات التي تضمن دعـم العـدوان الإسرائيلي ضد مصر، والمحافظة على الأمن والهدوء في منطقة الحدود المجاورة…
وطلب العميد شدمي أن “تـُطـلـق يده، ويعطي كل الصلاحيات لفرض نظام منع التجول ليلا في قرى الأقـليات في المنطقة””. واقتنع العميد تسور بذلك ، فـمنح شدمي كل ما طلبه من صلاحيات. وعـند الظهيرة طلب العميد شدمي إلى الرائد شموئيل ملينكي الحضور الى مقـر قـيادته. وكلفه بالمهام المطلوبة منه، وشـدَّد على ضرورة فـرض منع التجول ، وبقاء السكان داخل البيوت في كفر قاسم ، من الساعة الخامسة بعد الظهر حتى الساعة السادسة صباحاً.
ثم أكد شدمي أن منع التجول يجب أن يكون “حازماً جداً”، وأن يفرض “بيد من حـديد”، ليس فقط لمنع انتقال المخالفين من العرب ، بل و”إطلاق النار عليهم”. وأضاف مبتسماً : “من الأفضل أن نقـتل بعض العـرب من أن نزج بهم في معسكرات الاعـتقال، فـنزيد، بذلك ، نفقات التحفظ عليهم. إن المجهود الحربي بحاجة إلى كل مليم “.
“فــلـيـرحـمـهـم الله أو تـتـخـطـفـهـم الـشياطين…!”
وتساءل الرائد ملينكي عن مصير اؤلئك الفلاحين الذين قد يعـودون من عملهم خارج القـرية وهم لا يعلمون بأمر منع التجول هذا… فأجاب شدمي : “فـلـيرحمهم الله أو تـــتـخـطـفـهـم الـشـياطين… إنني لا أريد عـواطف إنسانية أو قيمًا أخلاقية… احتفظ بها لنفسك”.
وعاد ملينكي إلى مركز قيادته ، وجمع ضباطه وانهمك معهم في وضع أمر عمليات ضد أهالي تلك القرية الفلسطينية الوادعة. ونصَّ أمر العمليات على أن “كل عـربي يخالف أمر منع التجول تـُطلق عليه النار لـيـُـقـتـل في مكانه… “
كما نصَّ أيضاً على عـدم القيام بأي اعتقالات “توفيراً للنفقات المالية” ، كما أوضح أمر العمليات الأسلوب الذي سيتم به إبـلاغ السكان بهذا الأمر، فـنـصَّ على أن يتم إبلاغ مخاتير القرى بأوامر منع التجول في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ليعـلنوها بدورهم على الأهالي بعد ذلك “.
“الموت خير دواء “
وتساءل أحد الجنود: ” وماذا نفعل بالمصابين العرب” ؟
فأجابه ملينكي: ” لا تهتم بذلك… من الأفضل أن لا يكون هناك جرحى، فالموت خير دواء لهم “…
وتساءل جندي آخر: ” وماذا نفعـل بالنساء والأطفال” ؟
فأجاب ملينكي ثانية: ” لا تهتم بهم أيضاً… أن حكمهم كحكم الرجال… وليرحمهم الله جميعاً “..
ووقـَّع ملينكي أمر العمليات. ثم خرج الجنود إلى القرى لإبلاغ المخاتير . وكانت عقارب الساعة قد تجاوزت الرابعة والنصف من بعد ظهر الاثنين، التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956.
وما أن وصل الملازم دهان إلى قريـة كفر قاسم حتى حاصر القرية بجنوده ، وأبلغهم أن وظيفـتهم هي أن ” يطلقـوا النار على أي عـربي يخالف منع التجول، رجلا كان أو امرأة أو طفلا “.
وقـسـَّم دهان مجموعـته إلى عـدة أقسام ضمَّ كل قسم منها 3 ـ 4 جنود، زوَّدهم بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية. وتمركز كل قسم فوق ربوة تشرف على القرية ومداخلها.
وجاء رجل من أقصى المدينة يجري نحو الملازم دهان، وتبين أنه مختار القرية السيد وديع صرصور ، وكان في الرابعـة والسبعين من عمره آنذاك ، ووقف يلهث وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه ليلفت نظر دهان إلى الكارثة التي تتجمع سـُحـُـبها فوق القرية الوادعة : “أيها الملازم، ثمة 400 عامل من أبناء القرية يعملون في الحقول والمصانع في عـسفيا وبتاح تكفا ويافا وغيرها. والساعة الآن تشير إلى الخامسة إلا الثلث… وليس من سبيل إلى إبلاغهم بأمر منع التجول ، ويجب أن يـُسمح لهم بالمرور إلى بيوتهم “.
وابتسم دهان ابتسامة صفراء… ثم وعـد المختار بأنه “سـيـهـتـم شخصـيـاً بالأمر” ، وأن الفلاحين “سيمرون”. وانصرف المختار إلى بيته والشك يكاد يقتله. وأشارت عقارب الساعة الى الخامسة. فـبدأت طلائع الفلاحين والعمال تظهر في كفر قاسم. ولم يكن هناك ما يشغل ذهنهم سوى دفء البيت وحنان الاسرة التي تنتظر. ودغـدغـتهم مشاعر الألفة ، ودفء الجلوس إلى الأهـل وقضاء أمسية هـنية معهم، إلى أن انتبهوا على صوت وابل من الرصاص ينهار عليهم فيحصدهم حصداً .
كانت وحدات حرس الحدود منتشرة على مداخل القرية، وبشكل خاص على المدخل الرئيس وهو المدخل الغربي للقرية ، حيث أقيم فيما بعد النصب التذكاري لشهداء المـذبحـة . وخلال ساعة واحدة أوقف رجال الأمن كل عائد للقرية ، بعد يوم عمل مجهد… “أوقفوا كل عائد يسير على قدميه ، كل راكب دراجة ، كل راكب حمـار ، كل راكب عـربـة ، وكل سيارة”.
تأكدوا من هوياتهم بأنهم من سكان كفر قاسم، وأمروهم ـ جماعة بعـد الأخرى ـ بالاصطفاف على حافة الطريق ، وأطلقوا النار عليهم تنـفـيـذاً لأمر قـائـدهم : أحصـُدوهـم”
وفي أقل من ساعة (بين الخامسة والسادسة من مساء ذلك اليوم المشؤوم) قـتلت القـوات الاسرائيلية 49 شهيداً فلسطينياً. ونفـَّذ دهان أمر العمليات ضد كفـر قاسم بحذافيره ، واستحق بذلك ثناء ملينكي وشدمي ، بل وتقـريظ موشيه دايان نفسه .
كان بين التسعة والأربعين شهيدا ثلاثة وأربعـون اغـتالهم دهان وعصابته عند مدخل القرية الغربي… سبعة أولاد وتسع صبايا في عمر الزهور ، وأربعة عشر شيخاً يتجاوز خمسة منهم السادسة والستين من العمر. لقد كانت جريمتهم أنهم خرجوا لطلب الرزق في الصباح الباكر، ولن يعودوا إلى بيوتهم قبل أن يفرض موشيه دايان منع التجول في المساء. أما المـزاعم الاسرائيلية ـ حسب الرواية الرسمية ـ بأن أحداً “لم يخبر هؤلاء الضحايا بأمر منع التجول” ، فهذه سفسطة لا مجال لها….. “فما الضرر من سفك دماء العرب ؟!”
تميز سلوك الحكومة الإسرائيلية ، وخاصـة رئيس الوزراء دافـيد بن غوريون ، منذ أن ارتكبت الجريمة البشعة ، وكافة الأجهزة الأمنيـة والإعلامية ، بإسدال ستار التعـتيم على الجريمة البشعة. فـقـد منعـت السلطة الخروج من والدخول إلى كفر قاسم. . وفـرضت الرقابة العسكرية صمًتاً مطبًقا ، ومنعت نشر أي اشارة إلى الجريمة ، ومن عرف بالجريمة خلال الأيام الأولى فقد بلع الحدث وأطبق عليه ، بين غير مصدق وبين ملتزم بالصمت.
وعلى أثر وصول النبأ إلى النائب توفيق طوبي قامت الكتلة الشيوعـية في الكنيست بطلب إدراج الموضوع على جدول الاعمال ، إلا إن رئاسة الكنيست عطلت كل مبادرة في هذا المجال . وكانت أول إشارة الى الجريمة البشعة صدور بيان مـُلفـَّق ومـُشـوَّه من قبل مكتب رئيس الحكومة جاء فيه :
“في 29 تشرين الأول 1956 ، وعلى أثر تصاعـد نشاط الفـدائيين، فـُـرض نظام منع التجول في عـدد من القرى القائمة على الحدود الشرقية ، وذلك للمحافظة على حياة الناس … وقـد أنيطت هـذه المـهـمـة بوحدة من وحدات حرس الحدود .تـقـيـَّـد أهالي القرى بنظام منع التجول ، الذي فرض من الساعة الخامسـة مساء حتى الساعة السـادسـة صـبـاحـا. وفي بعض القرى عاد السكان إلى بيوتهم بعـد البدء بساعات منع التجول. فأصيبوا على أيدي حراس الحدود”.
واستمر الإغلاق والتعتيم ومنعت الرقابة العسكرية نشر أية معلومات. قام عضوا الكنيست ماير فلنر وتوفيق طوبي من الكتـلـة الشيوعـية بالتسلل عبر الطوق الذي كان وما زال مفروضا على البلدة المكلومة لاستـقـصاء الحقائق مباشرة من شهود الـمـذبحـة والمصابين. وكانت الزيارة وكأنها “زيارة إلى مقبرة لا حياة فيها”. فأهل القرية حتى ذلك اليوم كانوا لا يزالوا متسترين في بيوتهم ، لا أحد في الشوارع الا المتنقـل من بيت إلى آخر على عجالة . وأول من التقى بهما عضوا الكنيست كان صبيان تخوًفا في البداية من الكلام حتى اطمئنا.
مسرحـيـة هـزلـيـة
وفي السابع من كانون الأول عام 1956 نشرت قصيدة الشاعر نافان الـترمـان الآنفة الذكر في صحيفة “دافار” ، وعلم الرأي العام العالمي بالمذبحة الرهيبة .
وتوالت ردود الفعل تطالب بالقصاص العادل من السفاحين. وتحت ضغط الرأي العام أرغمت حكومة العـدو على تقديم المجرمين إلى المحكمة. وكانت المحاكمة أقـرب ما تكون إلى مسرحية هزلية استمر عرضها عامين كاملين، حتى وجدت المحكمة الرائد ملينكي والملازم دهان مذنبين بـقـتـل 49 عربياً فحكمت على الأول بالسجن 17 عاماً وعلى الثاني 15 عاماً.
وبرأت المحكمة ساحة الـقـتـلة الآخـرين . وعلى الرغم من كل ما صاحب هذا الحكم المخفف من استنكار، فقد وجدت فيه محكمة الاستئناف “قـسوة يجب تخـفـيـفـها”. فـعـدَّلت الحكم الصادر ضد ملينكي الى 14 عاماً، وضد دهان الى عشر سنوات، ثم جاء دور رئيس هيئـة الأركان موشيه دايان فخفض حكم محكمة الاستئناف إلى عشر سنوات لملينكي وثماني سنوات لدهان .
وأدلى الرئيس الاسرائيلي بدلوه في القضية ، وانتهز الفرصة ليسهم بنصيبه في التخفيف والتعديل ، فجعل جزاء السجن خمس سنوات فقط لكل من السفاحين . ولم تقف هذه المسرحية الهزلية عـند هـذا الحد، بل وجدت في “لجنة مراجعة الأحكام” شرذمة أخرى من ذوي البراعة في فـنون تخفيف الأحكام ، إذ أمرت اللجنة بتعديل الحكم على ملينكي ودهان ليصبح “قرشاً واحداً” فقط غرامة ، مع وقف التنفيذ …
وهكذا، أسدل الستار على مذبحة كفر قاسم، وسجل التاريخ دم الشهداء الفلسطينيين الذي “روى الوادي ثم ضاع في شقوق الأرض”.
ولم ينسى الفلسطينيون المقيمون في الجليل والمثـلث والنـقـب هذه المجزرة الرهيبة ، فهم يخلدون ذكرى شهداء كفر قاسم كل عام بالاجتماعات والإضرابات والمظاهرات والإعلان عن الحداد في كثير من القرى الفلسطينية.
وقد أدت هذه الأعمال دائما إلى مصادمات مع رجال الشرطة وتقديم المشتركين فيها إلى المحاكم العسكرية، حتى أضطر العـدو الصهيوني أخيرا إلى أن يغلق مداخل القرية في يوم الذكرى لمنع القرى الفلسطينية الأخرى من الدخول إليها ، للاشتراك في إحياء الذكرى السنوية التي تقام في مقبرة الشهـداء .
وقد استثارت مجزرة كفر قاسم عواطف الشعـراء الفـلسطينيين ، فـنظموا فيها القصائد، من ذلك قـصيدة لسالم جبران ، وقـصيدتان لسميح القاسم. ولكن أفضل ما نظم فيها قصيدة لمحمود درويش بعـنوان ” أزهار الدم ” ، وهي طويلة، وقد جعـلها في ستة أناشيد هي : معـنى الدم، حوار تشرين، الموت مجانا، القــتـيل رقم 18، الـقـتـيل رقم 48، وعـيون الموتى على الأبواب.
يصف الشاعـر القرية الحالمة الوادعة ، ثم كيف حصدت بنادق القـوات الإسرائيلية الشهداء، ويصف ألمه ويدعـو إلى الحـقـد على القتلة والى المقاومة :
كفر قاسم ،
قـرية تحلم بالقـمح وأزهار البنفسج،
وبأعـراس الحمائم
كفـر قاسم ،
إنني عـدت من الموت لأحيـا، لأغـني ،
فـدعـيـني أستـعـر صوتي من جـرح توهـَّج
وأعـيـنـيـني عـلى الحـقـد الذي يزرع في قـلـبي عـوسج
إنني مندوب جـرح لا يـُساوم
عـلـمـتـني ضربة الجلاد أن أمـشي على جرحي
وأمـشي… ثم أمـشي…. وأقاوم
* * * * * * * * * *
يا كـفـر قاسم !
لا تدفـني موتاك !!
خـلـيـهم كأعـمدة الضـياء
خـلي دمي المسفـوك لافـتة الطغاة إلى السماء
يا كفـر قاسم !
إن أنصاب القـبـور يد تشد
وتـشـد للأعـماق أغـراسي …
وأغـراس اليتامى اذ تمد
باقون… يا يدك النبيلة،
عـلمينا كيف نـشدو
يا كفـر قاسم!
إن أنـصاب الـقـبور يـد تـشـد
يا كـفـر قاسم!
لن ننام وفـيك مقـبرة وليل
ووصية الـدم لا تساوم
ووصية الدم تـسـتـغـيـث بأن نـقـاوم،
أن نقاوم !!”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتب وأكـاديمي فلسطيني مـقـيم في السـويد .
وعندما شعرت رئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية بفظاعة ما ارتكبته في كفر قاسم فرضت رقابة صارمة على أخبار المذبحة البشعة ، إلى أن نشرت صحيفة ” دافار” الصهيونية ، الناطقة بلسـان “الاتحـاد العـام لنقـابات العـمال” (الـهـستدروت) ، في السابع من كانون أول عام 1956 قصيدة للشاعـرالاسرائيلي نافان الترمان يـنـفـس فيها عن بعض الشعور بالقلق والخزي الذي اختلج في صدور من عـرفوا الأبعاد الحقيقية لهـذه المذبحة الرهـيبة :
” بعـد أن تبينت لك رويداً
تفاصيل هذا العمل الرهيب…
بعـد أن تكشفـت لك الحقيقة والدوافع،
وانتصبت عارية أمام ناظريك…
هل راعـتك تلك الهـوة السحـيقة
التي تفصل بين الحقـيقة والصدى…؟
بعـد أن تبينت لك تفاصيل هذا العمل الوحشي اللاأخلاقي
الذي يعجز القلم عن كتابة تفاصيله ،
ليس بسبب الرقابة المفروضة فحسب…
أيقنت أنه لا يجوز لي أن أكتب عن شيء آخر غير هذا العمل الدنيء…
فلا يمكن أن يقوم مجتمع إنساني حدث فيه كل هذه النذالة والوحشية
دون أن تثور في أرجائه رعـشة غـضب وخزي،
غـضب يحمل كل نوازع السخط الإنساني والفردي…
سخط النساء لاغـتيال النساء،
وسخط الأطفال لاغـتيال الأطفال دون مبرر…
إنَّ من ارتكب هذه الجريمة لم يكن يخضع لقاموس أو عرف ليلة منع التجول في إسرائيل…
لقد قـيل أن رئاسة الأركان قـد اهـتزت،
وأن أكثر من وزير أمسك رأسه بكلتا يديه فـزعـاً…
ولكنهم، في الوقت نفسه، يسلبوننا الحق في تقصي الحقائق،
ذلك أنه منذ الليلة الأولى التي ارتكبت فيها الجريمة حتى الآن،
والأمر ما زال ” قـيـد البحـث”…
بينما دم الأبرياء في كفـر قاسم يشق الوادي ،
ويضيع في شقـوق الأرض الموحـلة…
وبدلا من محاسبة المجرم،
يفرض الصمت الرهـيب على كل شيء…
وهكذا يصبح الإسرائيلي، من رجل الشارع حتى أعـضاء الحكومة ،
شركاء في مسؤولية المحافظة على عمل دموي حتى لا يتردد له صدى”.
“كيف حدث ما حدث ؟…..
بل كيف كان ممكناً أن يحدث ؟…
وماذا يجب علينا عمله حتى لا يتكرر نفس الشيء غـداً ؟…
هل يمكن أن يقوم مجتمع إنساني لا يـفـزع من مثل هذا الكابوس المزري ؟…
صحيح أن الجريمة ارتكبت عـشـية الحرب [ يقصد العـدوان الثلاثي على مصر في تشرين الأول عام 1956] وعلى حافة المسرح وقعـت أحداثها…
لكنها وقعـت في الطرف الآخر من ساحة المعركة…
على الناحية الأخرى من جبل المناجاة.. جبل الوصايا العـشرة”…
وبأبيات هذه القصيدة بدأت خيوط الجريمة البشعة تتسرب إلى الصحافة العالمية، فما هي حقيقة مذبحة كفر قاسم… وما هي تفاصيل الجريمة التي خططت لها رئاسة هيئة الأركان العامة، ونفـذتها بكل برودة أعصاب؟
في ذلك اليوم، التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956، بدأ العميد يششخار شدمي يضع التعليمات التي أصدرها له العميد تسفي تسور، قائد المنطقة العسكرية الوسطى في إسرائيل ، موضع التنفيذ.
لقد أخبره العميد تسور صباح هذا اليوم بأهداف “حملة قـادش” أي “العملية المقدسة”، وهي الاسم الإسرائيلي للحرب ضد مصر. وطلب إليه اتخاذ كل الترتيبات التي تضمن دعـم العـدوان الإسرائيلي ضد مصر، والمحافظة على الأمن والهدوء في منطقة الحدود المجاورة…
وطلب العميد شدمي أن “تـُطـلـق يده، ويعطي كل الصلاحيات لفرض نظام منع التجول ليلا في قرى الأقـليات في المنطقة””. واقتنع العميد تسور بذلك ، فـمنح شدمي كل ما طلبه من صلاحيات. وعـند الظهيرة طلب العميد شدمي إلى الرائد شموئيل ملينكي الحضور الى مقـر قـيادته. وكلفه بالمهام المطلوبة منه، وشـدَّد على ضرورة فـرض منع التجول ، وبقاء السكان داخل البيوت في كفر قاسم ، من الساعة الخامسة بعد الظهر حتى الساعة السادسة صباحاً.
ثم أكد شدمي أن منع التجول يجب أن يكون “حازماً جداً”، وأن يفرض “بيد من حـديد”، ليس فقط لمنع انتقال المخالفين من العرب ، بل و”إطلاق النار عليهم”. وأضاف مبتسماً : “من الأفضل أن نقـتل بعض العـرب من أن نزج بهم في معسكرات الاعـتقال، فـنزيد، بذلك ، نفقات التحفظ عليهم. إن المجهود الحربي بحاجة إلى كل مليم “.
“فــلـيـرحـمـهـم الله أو تـتـخـطـفـهـم الـشياطين…!”
وتساءل الرائد ملينكي عن مصير اؤلئك الفلاحين الذين قد يعـودون من عملهم خارج القـرية وهم لا يعلمون بأمر منع التجول هذا… فأجاب شدمي : “فـلـيرحمهم الله أو تـــتـخـطـفـهـم الـشـياطين… إنني لا أريد عـواطف إنسانية أو قيمًا أخلاقية… احتفظ بها لنفسك”.
وعاد ملينكي إلى مركز قيادته ، وجمع ضباطه وانهمك معهم في وضع أمر عمليات ضد أهالي تلك القرية الفلسطينية الوادعة. ونصَّ أمر العمليات على أن “كل عـربي يخالف أمر منع التجول تـُطلق عليه النار لـيـُـقـتـل في مكانه… “
كما نصَّ أيضاً على عـدم القيام بأي اعتقالات “توفيراً للنفقات المالية” ، كما أوضح أمر العمليات الأسلوب الذي سيتم به إبـلاغ السكان بهذا الأمر، فـنـصَّ على أن يتم إبلاغ مخاتير القرى بأوامر منع التجول في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ليعـلنوها بدورهم على الأهالي بعد ذلك “.
“الموت خير دواء “
وتساءل أحد الجنود: ” وماذا نفعل بالمصابين العرب” ؟
فأجابه ملينكي: ” لا تهتم بذلك… من الأفضل أن لا يكون هناك جرحى، فالموت خير دواء لهم “…
وتساءل جندي آخر: ” وماذا نفعـل بالنساء والأطفال” ؟
فأجاب ملينكي ثانية: ” لا تهتم بهم أيضاً… أن حكمهم كحكم الرجال… وليرحمهم الله جميعاً “..
ووقـَّع ملينكي أمر العمليات. ثم خرج الجنود إلى القرى لإبلاغ المخاتير . وكانت عقارب الساعة قد تجاوزت الرابعة والنصف من بعد ظهر الاثنين، التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956.
وما أن وصل الملازم دهان إلى قريـة كفر قاسم حتى حاصر القرية بجنوده ، وأبلغهم أن وظيفـتهم هي أن ” يطلقـوا النار على أي عـربي يخالف منع التجول، رجلا كان أو امرأة أو طفلا “.
وقـسـَّم دهان مجموعـته إلى عـدة أقسام ضمَّ كل قسم منها 3 ـ 4 جنود، زوَّدهم بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية. وتمركز كل قسم فوق ربوة تشرف على القرية ومداخلها.
وجاء رجل من أقصى المدينة يجري نحو الملازم دهان، وتبين أنه مختار القرية السيد وديع صرصور ، وكان في الرابعـة والسبعين من عمره آنذاك ، ووقف يلهث وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه ليلفت نظر دهان إلى الكارثة التي تتجمع سـُحـُـبها فوق القرية الوادعة : “أيها الملازم، ثمة 400 عامل من أبناء القرية يعملون في الحقول والمصانع في عـسفيا وبتاح تكفا ويافا وغيرها. والساعة الآن تشير إلى الخامسة إلا الثلث… وليس من سبيل إلى إبلاغهم بأمر منع التجول ، ويجب أن يـُسمح لهم بالمرور إلى بيوتهم “.
وابتسم دهان ابتسامة صفراء… ثم وعـد المختار بأنه “سـيـهـتـم شخصـيـاً بالأمر” ، وأن الفلاحين “سيمرون”. وانصرف المختار إلى بيته والشك يكاد يقتله. وأشارت عقارب الساعة الى الخامسة. فـبدأت طلائع الفلاحين والعمال تظهر في كفر قاسم. ولم يكن هناك ما يشغل ذهنهم سوى دفء البيت وحنان الاسرة التي تنتظر. ودغـدغـتهم مشاعر الألفة ، ودفء الجلوس إلى الأهـل وقضاء أمسية هـنية معهم، إلى أن انتبهوا على صوت وابل من الرصاص ينهار عليهم فيحصدهم حصداً .
كانت وحدات حرس الحدود منتشرة على مداخل القرية، وبشكل خاص على المدخل الرئيس وهو المدخل الغربي للقرية ، حيث أقيم فيما بعد النصب التذكاري لشهداء المـذبحـة . وخلال ساعة واحدة أوقف رجال الأمن كل عائد للقرية ، بعد يوم عمل مجهد… “أوقفوا كل عائد يسير على قدميه ، كل راكب دراجة ، كل راكب حمـار ، كل راكب عـربـة ، وكل سيارة”.
تأكدوا من هوياتهم بأنهم من سكان كفر قاسم، وأمروهم ـ جماعة بعـد الأخرى ـ بالاصطفاف على حافة الطريق ، وأطلقوا النار عليهم تنـفـيـذاً لأمر قـائـدهم : أحصـُدوهـم”
وفي أقل من ساعة (بين الخامسة والسادسة من مساء ذلك اليوم المشؤوم) قـتلت القـوات الاسرائيلية 49 شهيداً فلسطينياً. ونفـَّذ دهان أمر العمليات ضد كفـر قاسم بحذافيره ، واستحق بذلك ثناء ملينكي وشدمي ، بل وتقـريظ موشيه دايان نفسه .
كان بين التسعة والأربعين شهيدا ثلاثة وأربعـون اغـتالهم دهان وعصابته عند مدخل القرية الغربي… سبعة أولاد وتسع صبايا في عمر الزهور ، وأربعة عشر شيخاً يتجاوز خمسة منهم السادسة والستين من العمر. لقد كانت جريمتهم أنهم خرجوا لطلب الرزق في الصباح الباكر، ولن يعودوا إلى بيوتهم قبل أن يفرض موشيه دايان منع التجول في المساء. أما المـزاعم الاسرائيلية ـ حسب الرواية الرسمية ـ بأن أحداً “لم يخبر هؤلاء الضحايا بأمر منع التجول” ، فهذه سفسطة لا مجال لها….. “فما الضرر من سفك دماء العرب ؟!”
تميز سلوك الحكومة الإسرائيلية ، وخاصـة رئيس الوزراء دافـيد بن غوريون ، منذ أن ارتكبت الجريمة البشعة ، وكافة الأجهزة الأمنيـة والإعلامية ، بإسدال ستار التعـتيم على الجريمة البشعة. فـقـد منعـت السلطة الخروج من والدخول إلى كفر قاسم. . وفـرضت الرقابة العسكرية صمًتاً مطبًقا ، ومنعت نشر أي اشارة إلى الجريمة ، ومن عرف بالجريمة خلال الأيام الأولى فقد بلع الحدث وأطبق عليه ، بين غير مصدق وبين ملتزم بالصمت.
وعلى أثر وصول النبأ إلى النائب توفيق طوبي قامت الكتلة الشيوعـية في الكنيست بطلب إدراج الموضوع على جدول الاعمال ، إلا إن رئاسة الكنيست عطلت كل مبادرة في هذا المجال . وكانت أول إشارة الى الجريمة البشعة صدور بيان مـُلفـَّق ومـُشـوَّه من قبل مكتب رئيس الحكومة جاء فيه :
“في 29 تشرين الأول 1956 ، وعلى أثر تصاعـد نشاط الفـدائيين، فـُـرض نظام منع التجول في عـدد من القرى القائمة على الحدود الشرقية ، وذلك للمحافظة على حياة الناس … وقـد أنيطت هـذه المـهـمـة بوحدة من وحدات حرس الحدود .تـقـيـَّـد أهالي القرى بنظام منع التجول ، الذي فرض من الساعة الخامسـة مساء حتى الساعة السـادسـة صـبـاحـا. وفي بعض القرى عاد السكان إلى بيوتهم بعـد البدء بساعات منع التجول. فأصيبوا على أيدي حراس الحدود”.
واستمر الإغلاق والتعتيم ومنعت الرقابة العسكرية نشر أية معلومات. قام عضوا الكنيست ماير فلنر وتوفيق طوبي من الكتـلـة الشيوعـية بالتسلل عبر الطوق الذي كان وما زال مفروضا على البلدة المكلومة لاستـقـصاء الحقائق مباشرة من شهود الـمـذبحـة والمصابين. وكانت الزيارة وكأنها “زيارة إلى مقبرة لا حياة فيها”. فأهل القرية حتى ذلك اليوم كانوا لا يزالوا متسترين في بيوتهم ، لا أحد في الشوارع الا المتنقـل من بيت إلى آخر على عجالة . وأول من التقى بهما عضوا الكنيست كان صبيان تخوًفا في البداية من الكلام حتى اطمئنا.
مسرحـيـة هـزلـيـة
وفي السابع من كانون الأول عام 1956 نشرت قصيدة الشاعر نافان الـترمـان الآنفة الذكر في صحيفة “دافار” ، وعلم الرأي العام العالمي بالمذبحة الرهيبة .
وتوالت ردود الفعل تطالب بالقصاص العادل من السفاحين. وتحت ضغط الرأي العام أرغمت حكومة العـدو على تقديم المجرمين إلى المحكمة. وكانت المحاكمة أقـرب ما تكون إلى مسرحية هزلية استمر عرضها عامين كاملين، حتى وجدت المحكمة الرائد ملينكي والملازم دهان مذنبين بـقـتـل 49 عربياً فحكمت على الأول بالسجن 17 عاماً وعلى الثاني 15 عاماً.
وبرأت المحكمة ساحة الـقـتـلة الآخـرين . وعلى الرغم من كل ما صاحب هذا الحكم المخفف من استنكار، فقد وجدت فيه محكمة الاستئناف “قـسوة يجب تخـفـيـفـها”. فـعـدَّلت الحكم الصادر ضد ملينكي الى 14 عاماً، وضد دهان الى عشر سنوات، ثم جاء دور رئيس هيئـة الأركان موشيه دايان فخفض حكم محكمة الاستئناف إلى عشر سنوات لملينكي وثماني سنوات لدهان .
وأدلى الرئيس الاسرائيلي بدلوه في القضية ، وانتهز الفرصة ليسهم بنصيبه في التخفيف والتعديل ، فجعل جزاء السجن خمس سنوات فقط لكل من السفاحين . ولم تقف هذه المسرحية الهزلية عـند هـذا الحد، بل وجدت في “لجنة مراجعة الأحكام” شرذمة أخرى من ذوي البراعة في فـنون تخفيف الأحكام ، إذ أمرت اللجنة بتعديل الحكم على ملينكي ودهان ليصبح “قرشاً واحداً” فقط غرامة ، مع وقف التنفيذ …
وهكذا، أسدل الستار على مذبحة كفر قاسم، وسجل التاريخ دم الشهداء الفلسطينيين الذي “روى الوادي ثم ضاع في شقوق الأرض”.
ولم ينسى الفلسطينيون المقيمون في الجليل والمثـلث والنـقـب هذه المجزرة الرهيبة ، فهم يخلدون ذكرى شهداء كفر قاسم كل عام بالاجتماعات والإضرابات والمظاهرات والإعلان عن الحداد في كثير من القرى الفلسطينية.
وقد أدت هذه الأعمال دائما إلى مصادمات مع رجال الشرطة وتقديم المشتركين فيها إلى المحاكم العسكرية، حتى أضطر العـدو الصهيوني أخيرا إلى أن يغلق مداخل القرية في يوم الذكرى لمنع القرى الفلسطينية الأخرى من الدخول إليها ، للاشتراك في إحياء الذكرى السنوية التي تقام في مقبرة الشهـداء .
وقد استثارت مجزرة كفر قاسم عواطف الشعـراء الفـلسطينيين ، فـنظموا فيها القصائد، من ذلك قـصيدة لسالم جبران ، وقـصيدتان لسميح القاسم. ولكن أفضل ما نظم فيها قصيدة لمحمود درويش بعـنوان ” أزهار الدم ” ، وهي طويلة، وقد جعـلها في ستة أناشيد هي : معـنى الدم، حوار تشرين، الموت مجانا، القــتـيل رقم 18، الـقـتـيل رقم 48، وعـيون الموتى على الأبواب.
يصف الشاعـر القرية الحالمة الوادعة ، ثم كيف حصدت بنادق القـوات الإسرائيلية الشهداء، ويصف ألمه ويدعـو إلى الحـقـد على القتلة والى المقاومة :
كفر قاسم ،
قـرية تحلم بالقـمح وأزهار البنفسج،
وبأعـراس الحمائم
كفـر قاسم ،
إنني عـدت من الموت لأحيـا، لأغـني ،
فـدعـيـني أستـعـر صوتي من جـرح توهـَّج
وأعـيـنـيـني عـلى الحـقـد الذي يزرع في قـلـبي عـوسج
إنني مندوب جـرح لا يـُساوم
عـلـمـتـني ضربة الجلاد أن أمـشي على جرحي
وأمـشي… ثم أمـشي…. وأقاوم
* * * * * * * * * *
يا كـفـر قاسم !
لا تدفـني موتاك !!
خـلـيـهم كأعـمدة الضـياء
خـلي دمي المسفـوك لافـتة الطغاة إلى السماء
يا كفـر قاسم !
إن أنصاب القـبـور يد تشد
وتـشـد للأعـماق أغـراسي …
وأغـراس اليتامى اذ تمد
باقون… يا يدك النبيلة،
عـلمينا كيف نـشدو
يا كفـر قاسم!
إن أنـصاب الـقـبور يـد تـشـد
يا كـفـر قاسم!
لن ننام وفـيك مقـبرة وليل
ووصية الـدم لا تساوم
ووصية الدم تـسـتـغـيـث بأن نـقـاوم،
أن نقاوم !!”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتب وأكـاديمي فلسطيني مـقـيم في السـويد .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
رد: حتى لا نـنـسـى : كـفـر قـاسـم : “قرية تـَحـلم بالقـَمح وأزهـار البـنـفـسج” / الدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
“فــلـيـرحـمـهـم الله أو تـتـخـطـفـهـم الـشياطين…!”
هذا هو شعارهم
هذا هو شعارهم
حاتم أبو زيد- عضو متميز
- عدد المساهمات : 447
تاريخ التسجيل : 29/04/2010
مواضيع مماثلة
» دَعـارة فـكـريـة بـإمـتـيـاز...!! الدكـتور عـبـدالقـادر حسين ياسين
» البـابـا فـرانـسـيـس و "كـنـيـســة الـفـقـراء" بمناسبة زيارته الى الأراضي المقدسة .. االدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين*
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» العِـلـمو نـُورنْ...!! الدكتور عـبـدالقادر حسين ياسين
» البـابـا فـرانـسـيـس و "كـنـيـســة الـفـقـراء" بمناسبة زيارته الى الأراضي المقدسة .. االدكتور عـبـدالقـادر حسين ياسين*
» مـَـرَضْ أكـابـِـر…!!” الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» الخيانة الجميلة! الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» العِـلـمو نـُورنْ...!! الدكتور عـبـدالقادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 11:30 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة