بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
عـالـمٌ فــَقـَـدَ صـَوابـَه بقلم : الدكتور عبد القادر حـسـيـن ياسين
صفحة 1 من اصل 1
عـالـمٌ فــَقـَـدَ صـَوابـَه بقلم : الدكتور عبد القادر حـسـيـن ياسين
عـالـمٌ فــَقـَـدَ صـَوابـَه
الدكتور عبد القادر حـسـيـن ياسين
يبدو من قراءة التقرير السنوي للمعهد السويدي الدولي لأبحاث السـلام، أحد أشهر مراكز البحوث الاستراتيجية في العالم ، أن العالم بشطريه، الغني والفقير (أو الشمال والجنوب)، يسير بخطى متصاعـدة، وثابتة، نحو “العـسكرة” الشاملة . فمن الظواهر الملفتة للنظر أن “العسكرة” هي “الموضة” الرئيسية التي يزداد تألقها عاماً بعد عام. ومن المشكوك فيه أن تتراجع عن مركزها هذا في المستقبل المنظور.
وإذا ما سلمنا بأن “العسكرة” هي إعطاء الأولوية للنشاط العسكري، وما يستتبع ذلك في مختلف المجالات، لوجدنا أن ذلك ينسحب على العديد من المجالات الأخرى، فالموازنة العسكرية تمتص اليوم أكثر من 50 بالمائة من الموازنة العامة لأي بلد كان، بل وتصل في بعض دول العالم الثالث إلى 60 بالمائة.
فما الذي تضمنه هذا التقرير؟ “من السهولة بمكان أنه يقول المرء انه يحب أن يفعل كذا بدلاً من أن يفعله” . بهذه العبارة يستهل الـدكـتـور أولاف رنغبيرغ، مدير المعهد، التقرير السنوي حول الإنفاق العسكري للعام 2015، بالإشارة إلى أن فكرتي “التنمية” و”نزع السلاح” هما أهم ما يسيطر على عقول صانعي القرار في العالم. ومع ذلك، فإن الإحصاءات الحديثة تبين، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإنفاق العسكري مستمر، وأن الهوة بين الشمال والجنوب هي في اتساع.
ويرى رنغبيرغ أن أهم الحواجز التي تقف في وجه تحديد سباق التسلح تكمن في ذلك العدد الضخم من أساتذة الجامعات وعلماء الفيزياء والكيميائيين والمهندسين وغيرهم الذين يعملون في مجالات الأبحاث الممولة من الموازنات العسكرية للقوى العظمى. فـنصف عـلماء الفيزياء والمهندسين في العالم يعـمـلـون في حاجات الدفاع. والمبالغ التي يتقاضاها هؤلاء تزيد على 40 بليون دولار سنوياً. بالإضافة إلى ذلك يشكل هؤلاء (مع الإداريين والصناعيين المتعاونين معهم) قوة ضغط على الحكومات، لا للمحافظة على المستوى الذي وصل إليه الإنفاق العسكري في هذه الدولة العظمي أو تلك، بل لزيادة هذا الإنفاق باستمرار.
إن الإحصاءات الواردة في التقرير تؤكد ، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا عالم جُنَّ جـُنونه. إذ يتضمن التقرير معلومات عن عـدم التوازن في الأولويات في العالم، وعن الفجوة بين ما ينفق على الأسلحة وما يتم إنفاقه على رعاية الإنسان.
يعتبر الإنفاق على الأسلحة والحروب ظاهرة تتميز بها الدول الكبرى، فمع أن الولايات المتحدة وروسيا لا يشكلان أكثر من 11% من سكان العالم إلاَّ أن نفقاتهما العسكرية تزيد على 60% من إجمالي النفقات العالمية. في يوم من الأيام كانت النفقات العسكرية لهاتين القوتين العظميين لا تتعدى 25% من الإنفاق العالمي. ومن الواضح ـ كما تؤكد الإحصاءات- أن النظام العالمي قد أصبح أكثر اتجاهاً إلى التسلسل الهرمي. فالدولتان العظميان أكثر سيطرة من قبل، وأكثر تكريساً للحرب، والنزعة العسكرية أكثر من أي وقت مضى، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
نمط المعيشة في الدولتين يعاني من التوزيع غير السليم للموارد، فـروسـيـا تـتبوأ المركز الثاني في العالم من حيث الإنفاق على الأسلحة، ولكنها تأتي في المركز الخامس والعشرين من بين 170 بلداً من حيث نمط الحياة (بالنسبة للإنفاق على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية). أما الولايات المتحدة فـتـتـبوأ المركز الأول من حيث الإنفاق العسكري ، وهي تخصص ما يزيد على 360 بليوناً للأغراض الدفاعية.
ومع ذلك فإن 45% من الأمريكيين يخافون الخروج من منازلهم بمفردهم ليلاً حتى لمسافة ميل واحد فقط. إنهم آمنون في الخارج ، ولكن الخوف يسيطر عليهم في “بلد الله” ـ كما يحلو للأمريكيين أن يسموا بلادهم – وتلك هي سخرية مفهوم الأمن.
هذا بالنسبة للقوتين العظميين، أما الدول الصناعـية الأخرى ومنطقة الشرق الأوسط (التي يصفها التقرير بأنها “أكثر منـاطق العـالم سخونـة”) فـقـد أنـفـقـت نحو 450 دولار عن كل فرد، ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية 40 دولار عن كل فرد، والدول الآسيوية 30 دولاراً عن كل فرد.
إن قراءة متأنية لما جاء في هذا التقرير تجعلنا ندرك مدى ما ينفق على القوة العسكرية على حساب الاحتياجات الإنسانية، لأن الأخيرة في وضع أضعف ولا تعطي أية أهمية. فنفقات بناء غواصة نووية واحدة (2,4 بليون دولار) تكفي لتغذية 52 مليون طفل يعانون من المجاعة، وتعادل الميزانية التعليمية السنوية في 30 دولة من دول العالم الثالث التي تخصص للإنفاق على 167 مليون تلميذ. وفي كل دقيقة يموت أربـعـون طفلاً بسبب نقص الغذاء والأمصال الواقية من الأمراض في معظم دول العالم الثالث.
التجارة الدولية للأسلحة
إن مجموع الحروب التي انفجرت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 160 حرباً، وجميعها جرت في العالم الثالث. والأسلحة التي استخدمت في هذه الحروب جاءت عن طريق تجارة الأسلحة، هذه التجارة التي لا تخضع لأية رقابة. ومن هنا يأتي الخوف من أن أي حرب تندلع (بالصدفة) قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة لا تبقى ولا تذر. ويشير التقرير أيضاً إلى ظاهرة غريبة وهي أن “معظم الأسلحة الجديدة ظهرت واستخدمت في دول العالم الثالث خلال هذه الحروب قبل أن تظهر في بلد المنشأ”. أما أكبر الدول المستوردة للسلاح فهي: العراق وإسرائيل والسعودية وإيران وليبيا.
إن الإهمال الاجتماعي ، الذي يسير جنباً إلى جنب مع “عسكرة” الاقتصاد ، يعتبر بمثابة مأساة نواجهها يومياً. وفي ما يلي بعض المعطيات الاجتماعية المتعلقة بالاحتياجات اليومية:
♦ هـناك حوالي بليوني شخص يعيشون على مداخيل لا تتعدى 500 دولار سنوياً.
♦ هـناك شخص واحد على الأقل من بين خمسة أشخاص يعيش في “فـقـر مطلق” . يمكن القول أنه “تعبير مهذب” عن شكل من أشكال القتل الجماعي.
♦ هـناك 682 مليون شخص عاطلون عن العمل، كما أن هناك شخصاً من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم لا يجد عملاً بشكل منتظم.
♦ يموت 18 مليون طفل قبل عـيد ميلادهم الأول.
♦ يعاني 520 مليون شخص من الجوع وسوء التغذية.
♦ هـناك 165 مليون طفل بلا مدارس.
♦ هـناك بليون أُمي في سن المراهقة تتركز غالبيتهم في دول العالم الثالث.
وإذا ما نظرنا عن كثب إلى مثل هذه المعـطيات الاجتماعية ـ الإقـتصادية، تبرز أمامنا النتائج السلبية التالية:
النفقات العسكرية غير منتجة، كما أنها تستقطب الكثير من الموارد، فالأبحاث العسكرية تبلغ خمسة أضعاف الأبحاث المدنية.
تؤدي النفقات العسكرية في المدى البعيد (بما تستقطب من موارد وما ينتج عنها من عرقلة لتطور الطاقات التجديدية في الاقتصاد المدني) إلى تقليص فرص العمل ومنع نمو الوظائف الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، يساهم تطور الصناعات العسكرية في تطوير قطاعات أخرى لا توفر الكثير من فرص العمل.
يؤدي سباق التسلح أيضاً إلى انحراف مهم في وجهة استعمال المواد التي يمكن وضـعـها في خدمة التنمية. ففي الـعـقـدين الأخيرين زادت الإعـتمادات المخصصة للتطور العسكري 30 مرة على المساعدات المخصصة للتنمية في العالم الثالث.
ويخلص التقرير إلى القول أنه إذا ما تم تخصيص خمسة بالمئة فـقـط من النفقات العسكرية للتنمية الاجتماعية يمكن نقل ملايين الأشخاص في العالم الثالث (وحتى في “العالم الحر”) من مستنقع الفقر المدقع إلى الحياة العادية.
إن مبلغ الـ 890 بليون دولار الذي أتفق على التسلح في العام الماضي كان يكفي لبناء: مئة مليون شقة تضم 500 مليون شخص، أو 100 ألف مستشفى تضم 20 مليون سرير، أو 900 ألف مدرسة ل450 مليون طفل وطفلة.
أن “العالم الحر” يستطيع أن “يفخر” بإنجازاته “الحضارية”، بلغت القوة التدميرية للقنبلة التي أسقطت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية 15 ألف طن من مادةTNT، أما اليوم، فإن صاروخاً واحداً من طراز M-X فتبلغ قوته التدميرية خمسة ملايين طن من مادة TNT. ولا نغالي إذا قـلنا أن القطاع العسكري في الولايات المتحدة يتداخل بشكل طبيعي مع العديد من النواحي الحياتية المدنية. فقد أصبحت الجامعات معتمدة على البحث العسكري، كما أن أساتذة الجامعات أصبحوا مشاركين في النظام العسكري ، كذلك فإن علماء الاجتماع والخبراء الاستراتيجيين يلعبون دوراً رئيسياً في الإعداد للحرب، وحتى “الفلاسفة” و”علماء الأخلاق” يقومون بدور في هذا المجال. فعلماء الأخلاق يميزون بين الحرب “العادلة” والحرب “غير العادلة”.
فالحروب الأمريكية (مثل حرب الإبادة التي شنتها الولايات المتحدة ضد الشعب الفيتنامي، وإرهاب الدولة الذي تمارسه واشنطن في أمريكا اللاتينية) تعتبر عادلة. أما حروب الشـعوب الأخرى (في فلسطين والسلفادور ونيكاراغوا وغيرها) من أجل حريتها واستقلالها فتعتبر “غير عادلة”!!
إن أساتذة الجامعات والصحافيين في الولايات المتحدة يعتبرون اليـوم أكثر الناس نزعة للحرب وميلاً إلى بثّ الرعـب في نفوس الناس. فهم يحرضون على الحرب ومن ثم يحاولون تبريرها. إن السأم يمكن أن يكون قاتلاً كبيراً. فالناس المتعلمون الذين هم في منتصف أعمارهم وما بعدها، والذين يشعرون بالضجر بحاجة إلى الحرب كي تعطيهم نوعاً من الشعور بالثقة بالنفس.
ويبقى أن الأرقام والمعطيات التي يتضمنها التقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام تعكس إلى أي مدى فـقـد هذا العالم صوابه. ففي عالم بيروقراطي عـصري سوف تستمر اللعبة. ولا أحد يستطيع أن يعمل على إيقافها ولا أحد يعرف كيف. ففي “العالم الحر” تشارك النقابات العمالية في النظام العسكري، شأنها في ذلك شأن أصحاب الملايين. وكذلك الحال بالنسبة للجنود والفلاسفة. إن السرعة التي تتطور بها الـتكنولوجيا تلغي، عملياً، الجهود المبذولة لمراقبتها، ولهذا فإن كل ما بنته الإنسانية، منذ اكتشف الإنسان الآلة البخارية، يعتبر رهينة للآلة العسكرية التي هي من صنعها. كما أن العالم الحديث له طابع مميز من العرافـة والسحـر.
الدكتور عبد القادر حـسـيـن ياسين
يبدو من قراءة التقرير السنوي للمعهد السويدي الدولي لأبحاث السـلام، أحد أشهر مراكز البحوث الاستراتيجية في العالم ، أن العالم بشطريه، الغني والفقير (أو الشمال والجنوب)، يسير بخطى متصاعـدة، وثابتة، نحو “العـسكرة” الشاملة . فمن الظواهر الملفتة للنظر أن “العسكرة” هي “الموضة” الرئيسية التي يزداد تألقها عاماً بعد عام. ومن المشكوك فيه أن تتراجع عن مركزها هذا في المستقبل المنظور.
وإذا ما سلمنا بأن “العسكرة” هي إعطاء الأولوية للنشاط العسكري، وما يستتبع ذلك في مختلف المجالات، لوجدنا أن ذلك ينسحب على العديد من المجالات الأخرى، فالموازنة العسكرية تمتص اليوم أكثر من 50 بالمائة من الموازنة العامة لأي بلد كان، بل وتصل في بعض دول العالم الثالث إلى 60 بالمائة.
فما الذي تضمنه هذا التقرير؟ “من السهولة بمكان أنه يقول المرء انه يحب أن يفعل كذا بدلاً من أن يفعله” . بهذه العبارة يستهل الـدكـتـور أولاف رنغبيرغ، مدير المعهد، التقرير السنوي حول الإنفاق العسكري للعام 2015، بالإشارة إلى أن فكرتي “التنمية” و”نزع السلاح” هما أهم ما يسيطر على عقول صانعي القرار في العالم. ومع ذلك، فإن الإحصاءات الحديثة تبين، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإنفاق العسكري مستمر، وأن الهوة بين الشمال والجنوب هي في اتساع.
ويرى رنغبيرغ أن أهم الحواجز التي تقف في وجه تحديد سباق التسلح تكمن في ذلك العدد الضخم من أساتذة الجامعات وعلماء الفيزياء والكيميائيين والمهندسين وغيرهم الذين يعملون في مجالات الأبحاث الممولة من الموازنات العسكرية للقوى العظمى. فـنصف عـلماء الفيزياء والمهندسين في العالم يعـمـلـون في حاجات الدفاع. والمبالغ التي يتقاضاها هؤلاء تزيد على 40 بليون دولار سنوياً. بالإضافة إلى ذلك يشكل هؤلاء (مع الإداريين والصناعيين المتعاونين معهم) قوة ضغط على الحكومات، لا للمحافظة على المستوى الذي وصل إليه الإنفاق العسكري في هذه الدولة العظمي أو تلك، بل لزيادة هذا الإنفاق باستمرار.
إن الإحصاءات الواردة في التقرير تؤكد ، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا عالم جُنَّ جـُنونه. إذ يتضمن التقرير معلومات عن عـدم التوازن في الأولويات في العالم، وعن الفجوة بين ما ينفق على الأسلحة وما يتم إنفاقه على رعاية الإنسان.
يعتبر الإنفاق على الأسلحة والحروب ظاهرة تتميز بها الدول الكبرى، فمع أن الولايات المتحدة وروسيا لا يشكلان أكثر من 11% من سكان العالم إلاَّ أن نفقاتهما العسكرية تزيد على 60% من إجمالي النفقات العالمية. في يوم من الأيام كانت النفقات العسكرية لهاتين القوتين العظميين لا تتعدى 25% من الإنفاق العالمي. ومن الواضح ـ كما تؤكد الإحصاءات- أن النظام العالمي قد أصبح أكثر اتجاهاً إلى التسلسل الهرمي. فالدولتان العظميان أكثر سيطرة من قبل، وأكثر تكريساً للحرب، والنزعة العسكرية أكثر من أي وقت مضى، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
نمط المعيشة في الدولتين يعاني من التوزيع غير السليم للموارد، فـروسـيـا تـتبوأ المركز الثاني في العالم من حيث الإنفاق على الأسلحة، ولكنها تأتي في المركز الخامس والعشرين من بين 170 بلداً من حيث نمط الحياة (بالنسبة للإنفاق على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية). أما الولايات المتحدة فـتـتـبوأ المركز الأول من حيث الإنفاق العسكري ، وهي تخصص ما يزيد على 360 بليوناً للأغراض الدفاعية.
ومع ذلك فإن 45% من الأمريكيين يخافون الخروج من منازلهم بمفردهم ليلاً حتى لمسافة ميل واحد فقط. إنهم آمنون في الخارج ، ولكن الخوف يسيطر عليهم في “بلد الله” ـ كما يحلو للأمريكيين أن يسموا بلادهم – وتلك هي سخرية مفهوم الأمن.
هذا بالنسبة للقوتين العظميين، أما الدول الصناعـية الأخرى ومنطقة الشرق الأوسط (التي يصفها التقرير بأنها “أكثر منـاطق العـالم سخونـة”) فـقـد أنـفـقـت نحو 450 دولار عن كل فرد، ودول أفريقيا وأمريكا اللاتينية 40 دولار عن كل فرد، والدول الآسيوية 30 دولاراً عن كل فرد.
إن قراءة متأنية لما جاء في هذا التقرير تجعلنا ندرك مدى ما ينفق على القوة العسكرية على حساب الاحتياجات الإنسانية، لأن الأخيرة في وضع أضعف ولا تعطي أية أهمية. فنفقات بناء غواصة نووية واحدة (2,4 بليون دولار) تكفي لتغذية 52 مليون طفل يعانون من المجاعة، وتعادل الميزانية التعليمية السنوية في 30 دولة من دول العالم الثالث التي تخصص للإنفاق على 167 مليون تلميذ. وفي كل دقيقة يموت أربـعـون طفلاً بسبب نقص الغذاء والأمصال الواقية من الأمراض في معظم دول العالم الثالث.
التجارة الدولية للأسلحة
إن مجموع الحروب التي انفجرت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية بلغت 160 حرباً، وجميعها جرت في العالم الثالث. والأسلحة التي استخدمت في هذه الحروب جاءت عن طريق تجارة الأسلحة، هذه التجارة التي لا تخضع لأية رقابة. ومن هنا يأتي الخوف من أن أي حرب تندلع (بالصدفة) قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة لا تبقى ولا تذر. ويشير التقرير أيضاً إلى ظاهرة غريبة وهي أن “معظم الأسلحة الجديدة ظهرت واستخدمت في دول العالم الثالث خلال هذه الحروب قبل أن تظهر في بلد المنشأ”. أما أكبر الدول المستوردة للسلاح فهي: العراق وإسرائيل والسعودية وإيران وليبيا.
إن الإهمال الاجتماعي ، الذي يسير جنباً إلى جنب مع “عسكرة” الاقتصاد ، يعتبر بمثابة مأساة نواجهها يومياً. وفي ما يلي بعض المعطيات الاجتماعية المتعلقة بالاحتياجات اليومية:
♦ هـناك حوالي بليوني شخص يعيشون على مداخيل لا تتعدى 500 دولار سنوياً.
♦ هـناك شخص واحد على الأقل من بين خمسة أشخاص يعيش في “فـقـر مطلق” . يمكن القول أنه “تعبير مهذب” عن شكل من أشكال القتل الجماعي.
♦ هـناك 682 مليون شخص عاطلون عن العمل، كما أن هناك شخصاً من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم لا يجد عملاً بشكل منتظم.
♦ يموت 18 مليون طفل قبل عـيد ميلادهم الأول.
♦ يعاني 520 مليون شخص من الجوع وسوء التغذية.
♦ هـناك 165 مليون طفل بلا مدارس.
♦ هـناك بليون أُمي في سن المراهقة تتركز غالبيتهم في دول العالم الثالث.
وإذا ما نظرنا عن كثب إلى مثل هذه المعـطيات الاجتماعية ـ الإقـتصادية، تبرز أمامنا النتائج السلبية التالية:
النفقات العسكرية غير منتجة، كما أنها تستقطب الكثير من الموارد، فالأبحاث العسكرية تبلغ خمسة أضعاف الأبحاث المدنية.
تؤدي النفقات العسكرية في المدى البعيد (بما تستقطب من موارد وما ينتج عنها من عرقلة لتطور الطاقات التجديدية في الاقتصاد المدني) إلى تقليص فرص العمل ومنع نمو الوظائف الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، يساهم تطور الصناعات العسكرية في تطوير قطاعات أخرى لا توفر الكثير من فرص العمل.
يؤدي سباق التسلح أيضاً إلى انحراف مهم في وجهة استعمال المواد التي يمكن وضـعـها في خدمة التنمية. ففي الـعـقـدين الأخيرين زادت الإعـتمادات المخصصة للتطور العسكري 30 مرة على المساعدات المخصصة للتنمية في العالم الثالث.
ويخلص التقرير إلى القول أنه إذا ما تم تخصيص خمسة بالمئة فـقـط من النفقات العسكرية للتنمية الاجتماعية يمكن نقل ملايين الأشخاص في العالم الثالث (وحتى في “العالم الحر”) من مستنقع الفقر المدقع إلى الحياة العادية.
إن مبلغ الـ 890 بليون دولار الذي أتفق على التسلح في العام الماضي كان يكفي لبناء: مئة مليون شقة تضم 500 مليون شخص، أو 100 ألف مستشفى تضم 20 مليون سرير، أو 900 ألف مدرسة ل450 مليون طفل وطفلة.
أن “العالم الحر” يستطيع أن “يفخر” بإنجازاته “الحضارية”، بلغت القوة التدميرية للقنبلة التي أسقطت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية 15 ألف طن من مادةTNT، أما اليوم، فإن صاروخاً واحداً من طراز M-X فتبلغ قوته التدميرية خمسة ملايين طن من مادة TNT. ولا نغالي إذا قـلنا أن القطاع العسكري في الولايات المتحدة يتداخل بشكل طبيعي مع العديد من النواحي الحياتية المدنية. فقد أصبحت الجامعات معتمدة على البحث العسكري، كما أن أساتذة الجامعات أصبحوا مشاركين في النظام العسكري ، كذلك فإن علماء الاجتماع والخبراء الاستراتيجيين يلعبون دوراً رئيسياً في الإعداد للحرب، وحتى “الفلاسفة” و”علماء الأخلاق” يقومون بدور في هذا المجال. فعلماء الأخلاق يميزون بين الحرب “العادلة” والحرب “غير العادلة”.
فالحروب الأمريكية (مثل حرب الإبادة التي شنتها الولايات المتحدة ضد الشعب الفيتنامي، وإرهاب الدولة الذي تمارسه واشنطن في أمريكا اللاتينية) تعتبر عادلة. أما حروب الشـعوب الأخرى (في فلسطين والسلفادور ونيكاراغوا وغيرها) من أجل حريتها واستقلالها فتعتبر “غير عادلة”!!
إن أساتذة الجامعات والصحافيين في الولايات المتحدة يعتبرون اليـوم أكثر الناس نزعة للحرب وميلاً إلى بثّ الرعـب في نفوس الناس. فهم يحرضون على الحرب ومن ثم يحاولون تبريرها. إن السأم يمكن أن يكون قاتلاً كبيراً. فالناس المتعلمون الذين هم في منتصف أعمارهم وما بعدها، والذين يشعرون بالضجر بحاجة إلى الحرب كي تعطيهم نوعاً من الشعور بالثقة بالنفس.
ويبقى أن الأرقام والمعطيات التي يتضمنها التقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام تعكس إلى أي مدى فـقـد هذا العالم صوابه. ففي عالم بيروقراطي عـصري سوف تستمر اللعبة. ولا أحد يستطيع أن يعمل على إيقافها ولا أحد يعرف كيف. ففي “العالم الحر” تشارك النقابات العمالية في النظام العسكري، شأنها في ذلك شأن أصحاب الملايين. وكذلك الحال بالنسبة للجنود والفلاسفة. إن السرعة التي تتطور بها الـتكنولوجيا تلغي، عملياً، الجهود المبذولة لمراقبتها، ولهذا فإن كل ما بنته الإنسانية، منذ اكتشف الإنسان الآلة البخارية، يعتبر رهينة للآلة العسكرية التي هي من صنعها. كما أن العالم الحديث له طابع مميز من العرافـة والسحـر.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» راشـد حـسـيـن والـقـتـال بالـكـلـمـات بقلم د. عبد القادر حسين ياسين
» الـديكـتاتوريات باقـية والشُعـوب تـخـتـنـق بقلم : الدكتور عبدالقادر حـسـيـن ياسين
» سيدتي بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» فؤاد نصار بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» الـديكـتاتوريات باقـية والشُعـوب تـخـتـنـق بقلم : الدكتور عبدالقادر حـسـيـن ياسين
» سيدتي بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» فؤاد نصار بقلم الدكتور عبد القادر ياسين
» بائع الثـقـافـة .. بقلم : الدكتور عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال