بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
نيلسون مانديـلا : رجـل الإجـمـاع والـمـبـادئ…!! الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
نيلسون مانديـلا : رجـل الإجـمـاع والـمـبـادئ…!! الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
نيلسون مانديـلا : رجـل الإجـمـاع والـمـبـادئ…!! الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
يوليو 19, 2018 في 11:13 م
تحـتـفـل جـنـوب إفـريقـيـا والـعـديد من دول العـالـم اليـوم بـالذكرى الـمـئويـة لـمـيـلاد المناضل والزعـيـم الإفـريقي نيلسون مانديلا (1918-2013).
كان مانديلا واحداً من أعظم من أنجبت البشرية على مرّ العصور، وإليه يرجع الفضل للحفاظ على وحدة بلده جنوب إفريقيا لأنه وضع مصلحة بلده فوق رؤيته الشخصية الضيقة، بإعتباره زعـيم السود فى جنوب أفريقيا ، وأيضا وضع مصلحة وإستقـرار جنوب إفريقيا فوق رغـبة الإنتقام من عـنصرية البيض تجاهه شخصياً وتجاه أغلبية شعـبه من السود…
والبعض يضع مانديلا فى نفس مستوى الزعامة مع الزعـيم الهـنـدي الـمـهـاتـمـا غاندي، وكلاهما من عـظماء البشرية ، ولكن مانديلا يتميز بأنه رغم معاناته فى السجن خرج وقاوم أقـرانه الذين كانوا يريدون الإنتقام من ظلم الـبـيض .
وعلى الرغـم من أنـه سـًجن لـمـدة 27 عـامـاً ظلما، فـقـد فتح قلبه وعقله ويديه لزملاء الوطن والذين ظلموه من البيض، وأسس ما أسماه بـ “لجان الحقـيـقـة والتسامح”، وقال: ” يجب أن نعرف حقيقة ما حدث وبعد ذلك نـُسامح من ظلم.”
تميـَّز مانديلا عن غاندي بأن غاندي لم يتولَّ أي منصب سياسي ، ولكن مانديلا تولى سلطة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا ، وإختبر السلطة ولم تلف رأسه بل سلـَّم السلطة لمن بعده وهو فى قمة المجد، وكان فى إستطاعته أن يظل فى السلطة حتى اليوم… وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على تنظيم مباراة كأس العالم ، وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على وضعها فى إفريقيا والعالم، وبسبب نيلسون مانديلا لم تحدث حرب أهلية فى جنوب أفريقيا بين البيض والسود.
ولد مانديلا في 18 يوليو 1918 في منطقة ترانسكاي جنوب شرق جنوب إفريقيا في قبيلة ملكية وأطلق عليه والده اسم “روليهلاهلا” أي المشاكس الذي يجلب المشاكل.
وفي سن مبكرة بدا مانديلا فتى متمردًا، وأقصي من جامعة فورت هار للسود بسبب خلاف حول انتخاب ممثلي الطلاب. وفي جوهانسبرغ التحق المحامي الصاعد بحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” وأسس مع أشخاص آخرين رابطة الشباب في الحزب. وأمام السلطة التي تطبق نظام الفـصل العنصري في 1948 تولى مانديلا رئاسة الحزب. واعتقـل مراراً ، وحوكم مرة أولى بتهمة الخيانة قبل تبرئته في 1956. وصدر على مانديلا حكم بالسجن المؤبد، لكنه أعلن مبدأه بالقول “إن مثلي الأعلى كان مجتمعاً حراً وديمقراطياً يعيش فيه الجميع مع فرص متساوية، إنني مستعـدٌ لأن أضحي بحياتي في سبيل ذلك”.
وفي 12 حزيران 1964 أفـلت مانديلا ورفاقه من أحكام بالإعدام لكن حـُكم عليهم بالسجن مدى الحياة وأرسلوا الى سجن روبن آيلاند الواقع على جزيرة قبالة سواحل مدينة الكاب، إلى أن تم الإفراج عنه في 11 شباط 1990، وأصبح رئيساً للبلاد عام 1991، ومنح جائزة نوبل للسلام العام 1993، ثم انسحب لاحقاً من العمل السياسي، غير انه ظل رمزاً للمقاومة السلمية وحظي باحترام دولي واسع..
“كان النور وكان مشعل الحرية، والرجل الذي ضحى بحياته من أجل حرية شعبه في جنوب إفريقيا، رجل فوق الجميع” ، هكذا وصفته صحيفة “الغارديان” البريطانيـة… “رجل بنى الدولة الحديثة في جنوب إفريقيا في ملعب الرياضة وليس ساحة المعركة” كما قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيـة.
كان مانديلا رجل الإجماع والمبادىء، رجل التسامح الذي عفا عمن ظلموه، وأنشأ دولة بدون إسالة قطرة دم، قائداً بالفطرة، وسيظل موقعه في تاريخ بلده والعالم لا يوازيه أحد، في الماضي والحاضر، ولا حتى من قادة الحركات المدنية.
كان مانديلا في حياته وكفاحه مثال الرجل الوفي لأصدقائه ، ولم ينسَ من وقـفـوا معه أثناء سجنه الطويل في جزيرة روبن أيلاند… صهرته تجربة السجن الطويلة ، وعصرت من داخله كل نزعة للانتقام، وعندما خرج من السجن دعا جميع أبناء جلدته من السود ،غالبية السكان ، والأقـلية البيضاء لتناسي البغـضاء والحقـد وبداية حياة جديدة.
ومازال الجنوب إفريقيون ينظرون إلى زعيمهم الذي يعتبر الأشهر في العالم خلال العقود الأخيرة، على أنه أسطورة حية، ومسيرة كفاح منقطعة النظير، وعلى الرغم من أن تاريخه في شبابه يكاد يختفي من الذاكرة الجماعية، إلا أن صورة الشيخ ذي البشرة السمراء والشعر الأبيض والابتسامة الشاحبة ترسخت في أذهان الملايين بجنوب أفريقيا والعالم أيضا، فالرجل أنصفه أعداؤه قبل أن يتضاعـف عدد محبيه… وعندما يتحسس الجنوب إفريقيون أنهم يمرون بالفعل بأزمة خانقة، قد تهدد استقرار البلاد، وتعـيد إلى الأذهان شبح العنصرية والفوضى، يلوذون بـ “القـديس” مانديلا ربما لاستلهام معاني الصبر على المكاره، وأيضا للنهل من معين الحكمة.
وبموازاة كونه رجل مصالحة وحوار وتسامح، إلا أنه بالمقابل رجل عـنيد في حقه، ويعترف سجانوه من النظام العـنصري البائد أن مانديلا لم يقـدم أي تنازلات في سبيل كفاحه الطويل ضد التفرقة العنصرية سواء في بلاده أو خارجها، وقد نال على ذلك، إعجاب الجماهير في شتى أنحاء العالم من مختلف الألوان والجنسيات والأعمار والثقافات .
ومثلما كان نيلسون مانديلا عظيما في سجنه، كان أعظم عندما خرج منه وتحرر، ولم يخرج من السجن وهو الذي صـنـَّـفـته أمريكا ودول أوروبية أخرى على أنه “إرهابي”، لم يخرج ليعلن الثأر من البيض الذين أكلوا خيرات بلاده واستعبدوا أهلها، لم يطردههم ويصادر أراضيهم، بل كفل لهم حرية العيش والعمل وأعلن التسامح والعفو، فكان أكبر من يعـفـو عند المقدرة، حتى وقـفـت جنوب افريقـيا على قـدميها، وشهدت نماء اقتصادياً واستقراراً سياسياً لم يعرف من قبل، وتحققت أولى مبادئ العـدالة الاجتماعية، إذ زاد المهاجرون البيض انتاجهم، وعرف السود أن الوطن وطنهم وانهم لم يعودوا عبيداً مسخرين ، بل مواطنين منتجين، وبعدما كانت بلادهم مستنكرة لنظامها العـنصري في المحافل الدولية، اصبحت جنوب إفريقيا بعد تحرر مانديلا دولة من أكبر الـدول الداعية لتحرر الشعوب، وذلك بعد أن تحررت من ظلام حقبة الابارتهيد.
لم يكن نيلسون مانديلا ‘قـديساً’ لان الكلمة لها مدلولاتها الدينية وقد يتحول في مماته إلى كذلك ، لكنه في حياته كان إنساناً، حمل في داخله قـلباً يحب البشرية ويدافع عن الكرامة، وقـلباً قادراً على الصفـح والعفـو عمن أساء إليه وكان هذا ديدنه.
كان لي شرف التـعـرف الى هذا المناضل الفـذّ في ستوكهولم أثناء زيارته للسويد (وهي أول زيارة له لبلـد أجنبي بعـد الإفـراج عـنـه) لتقـديم الشكر للحزب الإشتراكي الديموقراطي على الدعم الذي قـدمه الحزب طوال سنوات النضال ضد نظام الفصل العنصري.
من الصعب الإحاطة بشخصية رجل مثل نيلسون مانديلا الذي جمع المجد من أطرافه ليستحق لقب “أبو الأمة”، فهو رجل أكثر من مخضرم شهدت حياته تحولات كانت أحياناً جذرية ومفصلية نقلته من مقاتل شرس يؤمن بالكفـاح المسلح وسيلة لتحرير بني قومه من ظلم العنصر الأبيض، الى إنسان رحيم لا يجد مضاضة في إحـتـسـاء الشاي مع زوجة ألد أعدائه من أجل أن يعمّ السلام وطنه. لعل نشأة مانديلا، في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت عاملاً أساسياً في أن يبدأ حياته السياسية قومياً إفريقياً يعمل على توحيد فصائل السود المضطهدين ضد البيض الحاكمين في البلاد.
لقد تشبّع مـانـديـلا بثقافات متنوعة، فـلم يكن عقائدياً بالمعنى المتحجر، ولا هو سار في سياق أيديولوجي يمنعه عـن استخدام عـقـله والعمل بما هو ملائم لكل مرحلة، بل منذ وصوله الى جوهانسبورغ في عام 1941 حين كان في الثانية والعشرين من عمره، كان يحلم بأن يلقي المستعمرين البيض في البحر، وانتهى به المطاف رئيساً للبلاد يدعو الى التعايش بين الأعراق.
لعل أجمل ما قيل في الرجل حين خروجه من السجن، جاء على لسان الأسقف الانغـليكاني ديسموند توتو، الحائز أيضاً جائزة نوبل للسلام، قائلاً “لقد خرج من السجن شخصاً أعظم بكثير مما كان لدى دخوله… شخصاً يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وكيف يكون أكثر سخاءً على الآخرين”.
ومن المحطات المهمة التي كرّست الرجل مناضلاً أممياً بامتياز، إعلان الأمم المتحدة يوم ميلاد مانديلا يوماً عالمياً، في العام 2009، وذلك في أول تكريم من نوعه لشخص. وكانت المنظمة الدولية نفسها قد اختارته سفيراً للنوايا الحسنة عام 2005.
مانديلا يتذكره كل شخص بطريقته، الساسة يرون فيه سياسياَ بارعاَ كان قادراَ على فهم الواقع ورمزية تصرفات السياسي وأقواله، والعامة يرون فيه إنساناً متواضعاً يبتسم للجميع ويتسع قلبه لهم، ورجال المقاومة يتذكروا الرجل الصلب القادر على الصمود، وفي السجن عندما اعتقل وحوكم عام 1962 حيث ألقى مرافعة في الجلسة الأخيرة استمرت ثلاث ساعات عـبـَّر فيها عن حلمه بجنوب أفريقيا تتسع للجميع وحرة. ويتذكره رفاق السجن بالصلب الذي كان دائم الكفاح حتى في داخل زنزانته في ‘روبن أيلاند’، ورفض في السبعينات والثمانينات عروضا من الطغمة العنصرية للإفراج عنه مقابل عـودته لقـريته وتخليه عن العنف، لكنه رفض وظل مصمماً على مواقفه الداعية للمساواة واحترام إرادة الغالبية.
وتنبع حكمة مانديلا من قدرته وفي مرحلة متقدمة لفهم حقيقة وتاريخ جنوب إفريقيا ‘فقد عرف أن الحرية حقيقة ولا يمكن وقفها، ولكن التاريخ وطريقة تحقيقها ليست محددة”. وترى مـجـلـة “در شبيغل” الألـمانيـة أنّ حكمة مـانديلا “نـابـعـة من السنوات الطويلـة التي أمضاهـا في السجن، فقد عاد للسياسة بفهم للحياة متجذر في أيديولوجية تغيرت وتشوشت أثناء سنوات السجن.”
عند خروجه من السجن يوم 11 شباط 1990 قال نيلسون مانديلا ما يلي: ‘أقف هنا أمامكم لا كرسول بل كخادم ذليل. أمامكم امام الشعب. إن تضحياتكم التاريخية هي التي جعلت من الممكن أن أقـف هنا اليوم. ولهذا أضع ما تبقى من سنوات عمري بين أيديكم”. وفي أول خطاب له كرئيس لجنوب افريقيا عام 1994 قال : “لـقـد حان الوقت لمداواة الجراح… حان وقت تخطي الهوَّة التي فرّقت بيننا. آن أوان البناء…” وفي مسيرته لتأسيس جنوب افريقيا لم يستنفر مانديلا أقرانه السود للانتقام من ثلاثة قرون ونصف من الظلم الذي عانوه بل بدأ يرسي أسس مجتمع عادل يحترم كرامة البشر ولا تسحق فيه الأكثرية الأقلية. مجتمع يقوم على تسوية تاريخية ومصالحة لأنه، كما قال، “لا يولد شخص وهو يكره شخصاً آخر”.
رحل الرجل الذي كان برمزيته وحضوره صديقاً لفلسطين، وكان الممثل الأخير لتلك السلسلة الممتدة على مدى القرن العشرين، من كوكبة نادرة وفريدة تضم رجالاً وقادة وأنبياء ومخلّصين، قادوا شعوبهم الى الخلاص في مواجهة الأقوياء…
في سيرته الذاتية Long Walk to Freedom”رحلتي الطويلة إلى الحرية” – التي كتب معظمها في زنزانته – يتذكر مانديلا مشاعر الوحدة والعزلة التي كانت تنتاب السجناء، وكتب يقول “كان سجن جزيرة روبن بلا شك أكثر المراكز قسوة وبطشا في نظام العقوبات في جنوب أفريقيا”. وأضاف أن “السفر إلى سجن جزيرة روبن كان مثل الذهاب إلى بلد آخر… كانت عزلته تجعله ليس مجرد سجن آخر بل عالم منفصل بذاته، بعيد كل البعد عن العالم الذي جئنا منه”.
مـانـديـلا ؛
سـلامـا وتحيـة ، فـفي التحيـة الحياة…
التحية هي المحافظة على وديعتك،
التي أودعـتـهـا لدى كل من لا يزال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ،
وبأن الوعي النقـدي هو الطريق.
فـلـسـفـتـك الراسـخـة في الثـبـات عـلى الـمـبـدأ ،
عـلـَّمت الكثيرين أن يواصلوا طريق المقاومة :
أبجدية من أعطوا للبشـرية ، عبر تاريخها الحضاري الطويل،
الذي يمـتـد عبر آلاف السنين ، ما تستحق به الاقـامة على الأرض .
يوليو 19, 2018 في 11:13 م
تحـتـفـل جـنـوب إفـريقـيـا والـعـديد من دول العـالـم اليـوم بـالذكرى الـمـئويـة لـمـيـلاد المناضل والزعـيـم الإفـريقي نيلسون مانديلا (1918-2013).
كان مانديلا واحداً من أعظم من أنجبت البشرية على مرّ العصور، وإليه يرجع الفضل للحفاظ على وحدة بلده جنوب إفريقيا لأنه وضع مصلحة بلده فوق رؤيته الشخصية الضيقة، بإعتباره زعـيم السود فى جنوب أفريقيا ، وأيضا وضع مصلحة وإستقـرار جنوب إفريقيا فوق رغـبة الإنتقام من عـنصرية البيض تجاهه شخصياً وتجاه أغلبية شعـبه من السود…
والبعض يضع مانديلا فى نفس مستوى الزعامة مع الزعـيم الهـنـدي الـمـهـاتـمـا غاندي، وكلاهما من عـظماء البشرية ، ولكن مانديلا يتميز بأنه رغم معاناته فى السجن خرج وقاوم أقـرانه الذين كانوا يريدون الإنتقام من ظلم الـبـيض .
وعلى الرغـم من أنـه سـًجن لـمـدة 27 عـامـاً ظلما، فـقـد فتح قلبه وعقله ويديه لزملاء الوطن والذين ظلموه من البيض، وأسس ما أسماه بـ “لجان الحقـيـقـة والتسامح”، وقال: ” يجب أن نعرف حقيقة ما حدث وبعد ذلك نـُسامح من ظلم.”
تميـَّز مانديلا عن غاندي بأن غاندي لم يتولَّ أي منصب سياسي ، ولكن مانديلا تولى سلطة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا ، وإختبر السلطة ولم تلف رأسه بل سلـَّم السلطة لمن بعده وهو فى قمة المجد، وكان فى إستطاعته أن يظل فى السلطة حتى اليوم… وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على تنظيم مباراة كأس العالم ، وبسبب مانديلا حصلت جنوب أفريقيا على وضعها فى إفريقيا والعالم، وبسبب نيلسون مانديلا لم تحدث حرب أهلية فى جنوب أفريقيا بين البيض والسود.
ولد مانديلا في 18 يوليو 1918 في منطقة ترانسكاي جنوب شرق جنوب إفريقيا في قبيلة ملكية وأطلق عليه والده اسم “روليهلاهلا” أي المشاكس الذي يجلب المشاكل.
وفي سن مبكرة بدا مانديلا فتى متمردًا، وأقصي من جامعة فورت هار للسود بسبب خلاف حول انتخاب ممثلي الطلاب. وفي جوهانسبرغ التحق المحامي الصاعد بحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” وأسس مع أشخاص آخرين رابطة الشباب في الحزب. وأمام السلطة التي تطبق نظام الفـصل العنصري في 1948 تولى مانديلا رئاسة الحزب. واعتقـل مراراً ، وحوكم مرة أولى بتهمة الخيانة قبل تبرئته في 1956. وصدر على مانديلا حكم بالسجن المؤبد، لكنه أعلن مبدأه بالقول “إن مثلي الأعلى كان مجتمعاً حراً وديمقراطياً يعيش فيه الجميع مع فرص متساوية، إنني مستعـدٌ لأن أضحي بحياتي في سبيل ذلك”.
وفي 12 حزيران 1964 أفـلت مانديلا ورفاقه من أحكام بالإعدام لكن حـُكم عليهم بالسجن مدى الحياة وأرسلوا الى سجن روبن آيلاند الواقع على جزيرة قبالة سواحل مدينة الكاب، إلى أن تم الإفراج عنه في 11 شباط 1990، وأصبح رئيساً للبلاد عام 1991، ومنح جائزة نوبل للسلام العام 1993، ثم انسحب لاحقاً من العمل السياسي، غير انه ظل رمزاً للمقاومة السلمية وحظي باحترام دولي واسع..
“كان النور وكان مشعل الحرية، والرجل الذي ضحى بحياته من أجل حرية شعبه في جنوب إفريقيا، رجل فوق الجميع” ، هكذا وصفته صحيفة “الغارديان” البريطانيـة… “رجل بنى الدولة الحديثة في جنوب إفريقيا في ملعب الرياضة وليس ساحة المعركة” كما قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيـة.
كان مانديلا رجل الإجماع والمبادىء، رجل التسامح الذي عفا عمن ظلموه، وأنشأ دولة بدون إسالة قطرة دم، قائداً بالفطرة، وسيظل موقعه في تاريخ بلده والعالم لا يوازيه أحد، في الماضي والحاضر، ولا حتى من قادة الحركات المدنية.
كان مانديلا في حياته وكفاحه مثال الرجل الوفي لأصدقائه ، ولم ينسَ من وقـفـوا معه أثناء سجنه الطويل في جزيرة روبن أيلاند… صهرته تجربة السجن الطويلة ، وعصرت من داخله كل نزعة للانتقام، وعندما خرج من السجن دعا جميع أبناء جلدته من السود ،غالبية السكان ، والأقـلية البيضاء لتناسي البغـضاء والحقـد وبداية حياة جديدة.
ومازال الجنوب إفريقيون ينظرون إلى زعيمهم الذي يعتبر الأشهر في العالم خلال العقود الأخيرة، على أنه أسطورة حية، ومسيرة كفاح منقطعة النظير، وعلى الرغم من أن تاريخه في شبابه يكاد يختفي من الذاكرة الجماعية، إلا أن صورة الشيخ ذي البشرة السمراء والشعر الأبيض والابتسامة الشاحبة ترسخت في أذهان الملايين بجنوب أفريقيا والعالم أيضا، فالرجل أنصفه أعداؤه قبل أن يتضاعـف عدد محبيه… وعندما يتحسس الجنوب إفريقيون أنهم يمرون بالفعل بأزمة خانقة، قد تهدد استقرار البلاد، وتعـيد إلى الأذهان شبح العنصرية والفوضى، يلوذون بـ “القـديس” مانديلا ربما لاستلهام معاني الصبر على المكاره، وأيضا للنهل من معين الحكمة.
وبموازاة كونه رجل مصالحة وحوار وتسامح، إلا أنه بالمقابل رجل عـنيد في حقه، ويعترف سجانوه من النظام العـنصري البائد أن مانديلا لم يقـدم أي تنازلات في سبيل كفاحه الطويل ضد التفرقة العنصرية سواء في بلاده أو خارجها، وقد نال على ذلك، إعجاب الجماهير في شتى أنحاء العالم من مختلف الألوان والجنسيات والأعمار والثقافات .
ومثلما كان نيلسون مانديلا عظيما في سجنه، كان أعظم عندما خرج منه وتحرر، ولم يخرج من السجن وهو الذي صـنـَّـفـته أمريكا ودول أوروبية أخرى على أنه “إرهابي”، لم يخرج ليعلن الثأر من البيض الذين أكلوا خيرات بلاده واستعبدوا أهلها، لم يطردههم ويصادر أراضيهم، بل كفل لهم حرية العيش والعمل وأعلن التسامح والعفو، فكان أكبر من يعـفـو عند المقدرة، حتى وقـفـت جنوب افريقـيا على قـدميها، وشهدت نماء اقتصادياً واستقراراً سياسياً لم يعرف من قبل، وتحققت أولى مبادئ العـدالة الاجتماعية، إذ زاد المهاجرون البيض انتاجهم، وعرف السود أن الوطن وطنهم وانهم لم يعودوا عبيداً مسخرين ، بل مواطنين منتجين، وبعدما كانت بلادهم مستنكرة لنظامها العـنصري في المحافل الدولية، اصبحت جنوب إفريقيا بعد تحرر مانديلا دولة من أكبر الـدول الداعية لتحرر الشعوب، وذلك بعد أن تحررت من ظلام حقبة الابارتهيد.
لم يكن نيلسون مانديلا ‘قـديساً’ لان الكلمة لها مدلولاتها الدينية وقد يتحول في مماته إلى كذلك ، لكنه في حياته كان إنساناً، حمل في داخله قـلباً يحب البشرية ويدافع عن الكرامة، وقـلباً قادراً على الصفـح والعفـو عمن أساء إليه وكان هذا ديدنه.
كان لي شرف التـعـرف الى هذا المناضل الفـذّ في ستوكهولم أثناء زيارته للسويد (وهي أول زيارة له لبلـد أجنبي بعـد الإفـراج عـنـه) لتقـديم الشكر للحزب الإشتراكي الديموقراطي على الدعم الذي قـدمه الحزب طوال سنوات النضال ضد نظام الفصل العنصري.
من الصعب الإحاطة بشخصية رجل مثل نيلسون مانديلا الذي جمع المجد من أطرافه ليستحق لقب “أبو الأمة”، فهو رجل أكثر من مخضرم شهدت حياته تحولات كانت أحياناً جذرية ومفصلية نقلته من مقاتل شرس يؤمن بالكفـاح المسلح وسيلة لتحرير بني قومه من ظلم العنصر الأبيض، الى إنسان رحيم لا يجد مضاضة في إحـتـسـاء الشاي مع زوجة ألد أعدائه من أجل أن يعمّ السلام وطنه. لعل نشأة مانديلا، في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كانت عاملاً أساسياً في أن يبدأ حياته السياسية قومياً إفريقياً يعمل على توحيد فصائل السود المضطهدين ضد البيض الحاكمين في البلاد.
لقد تشبّع مـانـديـلا بثقافات متنوعة، فـلم يكن عقائدياً بالمعنى المتحجر، ولا هو سار في سياق أيديولوجي يمنعه عـن استخدام عـقـله والعمل بما هو ملائم لكل مرحلة، بل منذ وصوله الى جوهانسبورغ في عام 1941 حين كان في الثانية والعشرين من عمره، كان يحلم بأن يلقي المستعمرين البيض في البحر، وانتهى به المطاف رئيساً للبلاد يدعو الى التعايش بين الأعراق.
لعل أجمل ما قيل في الرجل حين خروجه من السجن، جاء على لسان الأسقف الانغـليكاني ديسموند توتو، الحائز أيضاً جائزة نوبل للسلام، قائلاً “لقد خرج من السجن شخصاً أعظم بكثير مما كان لدى دخوله… شخصاً يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وكيف يكون أكثر سخاءً على الآخرين”.
ومن المحطات المهمة التي كرّست الرجل مناضلاً أممياً بامتياز، إعلان الأمم المتحدة يوم ميلاد مانديلا يوماً عالمياً، في العام 2009، وذلك في أول تكريم من نوعه لشخص. وكانت المنظمة الدولية نفسها قد اختارته سفيراً للنوايا الحسنة عام 2005.
مانديلا يتذكره كل شخص بطريقته، الساسة يرون فيه سياسياَ بارعاَ كان قادراَ على فهم الواقع ورمزية تصرفات السياسي وأقواله، والعامة يرون فيه إنساناً متواضعاً يبتسم للجميع ويتسع قلبه لهم، ورجال المقاومة يتذكروا الرجل الصلب القادر على الصمود، وفي السجن عندما اعتقل وحوكم عام 1962 حيث ألقى مرافعة في الجلسة الأخيرة استمرت ثلاث ساعات عـبـَّر فيها عن حلمه بجنوب أفريقيا تتسع للجميع وحرة. ويتذكره رفاق السجن بالصلب الذي كان دائم الكفاح حتى في داخل زنزانته في ‘روبن أيلاند’، ورفض في السبعينات والثمانينات عروضا من الطغمة العنصرية للإفراج عنه مقابل عـودته لقـريته وتخليه عن العنف، لكنه رفض وظل مصمماً على مواقفه الداعية للمساواة واحترام إرادة الغالبية.
وتنبع حكمة مانديلا من قدرته وفي مرحلة متقدمة لفهم حقيقة وتاريخ جنوب إفريقيا ‘فقد عرف أن الحرية حقيقة ولا يمكن وقفها، ولكن التاريخ وطريقة تحقيقها ليست محددة”. وترى مـجـلـة “در شبيغل” الألـمانيـة أنّ حكمة مـانديلا “نـابـعـة من السنوات الطويلـة التي أمضاهـا في السجن، فقد عاد للسياسة بفهم للحياة متجذر في أيديولوجية تغيرت وتشوشت أثناء سنوات السجن.”
عند خروجه من السجن يوم 11 شباط 1990 قال نيلسون مانديلا ما يلي: ‘أقف هنا أمامكم لا كرسول بل كخادم ذليل. أمامكم امام الشعب. إن تضحياتكم التاريخية هي التي جعلت من الممكن أن أقـف هنا اليوم. ولهذا أضع ما تبقى من سنوات عمري بين أيديكم”. وفي أول خطاب له كرئيس لجنوب افريقيا عام 1994 قال : “لـقـد حان الوقت لمداواة الجراح… حان وقت تخطي الهوَّة التي فرّقت بيننا. آن أوان البناء…” وفي مسيرته لتأسيس جنوب افريقيا لم يستنفر مانديلا أقرانه السود للانتقام من ثلاثة قرون ونصف من الظلم الذي عانوه بل بدأ يرسي أسس مجتمع عادل يحترم كرامة البشر ولا تسحق فيه الأكثرية الأقلية. مجتمع يقوم على تسوية تاريخية ومصالحة لأنه، كما قال، “لا يولد شخص وهو يكره شخصاً آخر”.
رحل الرجل الذي كان برمزيته وحضوره صديقاً لفلسطين، وكان الممثل الأخير لتلك السلسلة الممتدة على مدى القرن العشرين، من كوكبة نادرة وفريدة تضم رجالاً وقادة وأنبياء ومخلّصين، قادوا شعوبهم الى الخلاص في مواجهة الأقوياء…
في سيرته الذاتية Long Walk to Freedom”رحلتي الطويلة إلى الحرية” – التي كتب معظمها في زنزانته – يتذكر مانديلا مشاعر الوحدة والعزلة التي كانت تنتاب السجناء، وكتب يقول “كان سجن جزيرة روبن بلا شك أكثر المراكز قسوة وبطشا في نظام العقوبات في جنوب أفريقيا”. وأضاف أن “السفر إلى سجن جزيرة روبن كان مثل الذهاب إلى بلد آخر… كانت عزلته تجعله ليس مجرد سجن آخر بل عالم منفصل بذاته، بعيد كل البعد عن العالم الذي جئنا منه”.
مـانـديـلا ؛
سـلامـا وتحيـة ، فـفي التحيـة الحياة…
التحية هي المحافظة على وديعتك،
التي أودعـتـهـا لدى كل من لا يزال مؤمنـا بأن المقاومة هي كل ما نملـك ،
وبأن الوعي النقـدي هو الطريق.
فـلـسـفـتـك الراسـخـة في الثـبـات عـلى الـمـبـدأ ،
عـلـَّمت الكثيرين أن يواصلوا طريق المقاومة :
أبجدية من أعطوا للبشـرية ، عبر تاريخها الحضاري الطويل،
الذي يمـتـد عبر آلاف السنين ، ما تستحق به الاقـامة على الأرض .
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» “جـَمـَل المـَحامـِل” الـفـِلـِسـطـيني/ الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» الاتكاء المـُريح عـلى المـُسـَلــَّمات الغـيـْبـيـَّيـَّة..!! الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» وداعاً يا آخـر الأنـبـيـاء ...!!الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» وَلـَو نار نـَفـَختَ بِها أَضاءَت..." الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» "وَلـَو نار نـَفـَختَ بِها أَضاءَت..."الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين*
» الاتكاء المـُريح عـلى المـُسـَلــَّمات الغـيـْبـيـَّيـَّة..!! الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» وداعاً يا آخـر الأنـبـيـاء ...!!الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» وَلـَو نار نـَفـَختَ بِها أَضاءَت..." الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين
» "وَلـَو نار نـَفـَختَ بِها أَضاءَت..."الدكتور عبـد القـادر حسين ياسين*
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي