بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
مُـحَـمـَّـد شـُكري وتحـويل الـتـشـَرُّد إلى نـَـصّ د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
مُـحَـمـَّـد شـُكري وتحـويل الـتـشـَرُّد إلى نـَـصّ د. عبد القادر حسين ياسين
مُـحَـمـَّـد شـُكري وتحـويل الـتـشـَرُّد إلى نـَـصّ
د. عبد القادر حسين ياسين
04/12/2018
د. عبد القادر حسين ياسين
04/12/2018
عـدتُ الى قـراءة "الخبز الحافي"،
فالعودة إلى قراءة كتاب تشبه زيارة صديق قـديم...
زيارة واحدة لا تكفي، كما ان قـراءة واحدة لا تكفي.
فالكتاب حقـل من التداعـيات والاحتمالات.
وإعادة القـراءة تسمح لـنا بأن نكـتـشـف مستويات جديدة للنص،
الذي يحمل احتمالات تأويل متعـددة.
دخلت هذه السيرة الذاتية التي كتبها محمد شكري الأدب العربي في شكل موارب.
صدرت بالانجليزية في البداية بترجمة بول بولز،
قبل ان تصدر بالفـرنسية بترجمة الطاهر بن جلون وبالعربية.
وعلى الرغم من أن الكتاب كتب بلغة الضاد،
فان حكاية نشره توازي في أهميتها حكاية كتابته.
إذ اضطر المؤلف إلى نشر الكتاب العربي على نفقته الخاصة،
قبل أن تلتفت إليه دور النشر العربية.
صار محمد شكري كاتباً باللغات الأجنبية قبل أن يصير كاتباً بلغته الأم!
ولم يكن معروفاً إلا في الأوساط المغـربية،
التي جهـدت كثيراً كي تـُعـرف الأدباء العـرب إلى زميلهم المغربي.
كان شكري ابن الريـف المغـربي المهاجر ،
ريـف الـفـقـر والجوع والعـنف، لكنه كان أيضاً ابن طنجة وكاتبها.
أخيرا عـثرت المدينة المغـربية على كاتبها الأمّي.
كان شكري أمـِّـياً لا يعـرف القـراءة والكتابة،
لكنه اكـتـشـف الحـرف في السجـن،
واحترف الكتابة كجزء من تـشـرده الطويل.
يكمن إبداع شكري في قـدرته على تحويل التشرد إلى نـصّ،
وفي رؤيته المضمرة للعلاقة بين الكـتابة والحـياة.
فهـو لا يحيا ليكتب، مثلما قال غابرئيل غارسيا ماركيز،
ولا يكـتـب ليحيا، مثلما عـلـمـتـنا شهـرزاد،
بل يجعـل من الحياة والكتابة خطين متوازيين: يحـيا ليحـيا ويكتب ليكتب،
ولا تشبه العلاقة بين الكتابة والحياة، سوى العلاقة بين الباطن والظاهـر.
الباطن هو الحياة، والظاهـر هو الكتابة.
لكن الحياة أكثر غـنى وتـنـوعـا ووحـشية من قـدرة الكتابة على التعـبـيـر...
الحياة تخترع لغـتها، وما عـلى الكتابة سوى اللحاق بها،
ومحاولة القـبـض على أجزاء منها.
وهذا ما فعـله شكري في سيرته الناقـصة،
والتي بقـيـت كذلك حتى بعـد إصداره جزءا ثانيا من "الخبز الحافي"، بعـنوان "الشطّار".
المدهـش في كتاب شكري هو قـدرته على اللعب،
على أكثر من مستوى في الوقـت نفـسه.
بطل الحكاية الطفـل القادم من الريف البربري، يحاول ان يعـيش.
تعـقـيـدات الحياة تأتي من غـريزة البقاء نفـسها.
غـريزة البقاء هي حـضيض المشاعـر،
الأب الذي يقـتل ابنه ويضرب زوجته،
ويمارس سلطته الوحشية على الابن الباقي.
والأم الخاضعة بلا حول، والعالم الحقـيـقي الشرس،
الذي لا يترك لبطل الحكاية أي هامش للطفولة أو البراءة أو العواطف.
من قعـر هذا العالم الموحش والمتوحش تأتي الكتابة،
فالنـص الذي كتبه شكري لا يشبه السير الذاتية في شيء.
في العادة يكون كاتب السيرة الذاتية قد وصل إلى حيز من الشهرة،
لـذا تقوم سيرته بإعادة كتابة حياته، على ضوء موقعه الحالي.
فإذا كان كاتب السيرة كاتباً، فان مهمة السيرة القـيـام بتأويل حياة كاتبها،
في وصفها مسيرة متصلة نحو الكتابة.
أما هنا فكاتب السيرة لا شيء.
عـندما كتب شكري كتابه الأول لم يكن شيئا.
كان مجرد مـتـبـطـل في رفـقة مـتـبـطـلـيـن ،
وكتاب يعيشون في هامـش طنجة.
هذا سرّ علاقته بجان جينيه التي صارت كتاباً في ما بعـد.
في نهاية سيرته يشير شكري إلى اكتشاف الحـرف ،
وقراره أن يتعـلم القـراءة والكـتابة، بعد مغامرة مشاركته في التهـريب.
بالطبع ، لم يكن هذا الكتاب ممكناً لو لم يتعلم شكري الكتابة،
لكنه ،عـكس الكتاب الآخرين، كتبَ سيرته كي يبدأ بها حياته الأدبية.
لذا تصير السيرة هـنا وكأنها رواية، أي أن دخول عالم القـاع،
يصير شكلا لتهـجـئة جديدة لمعنى الكتابة.
كتابة عارية، وحشية، غريزية،
كتابة تأخذ شكلها من تفاصيل الحياة، تلغي المحظورات،
وتقول الأشياء بوضوح حسيّ، ولغة مسنونة.
لم يسبق للمتشردين في مدن العالم العربي أن دخلوا إلى النـص الأدبي.
وشكري لا يكتب عنهم، انه واحد منهم،
يدخل العالم الأدبي بتجربـتـه الشخـصية،
ويأخذنا إلى الخبز المبلل بالأسى وغـريزة البقاء،
والى حياة مراهق متشرد في العالم السفـلي،
حيث تمتزج الرغـبات بالـعـنـف والدعـارة،
وحيث لا شيء سوى محاولة التحايل على الحياة بفـتات الحياة.
كتاب مفـتـوح على الدنيا، ومفتوح على الأسى والخيبة.
كيف كتب شكري كتابه؟
هل جاءت الكتابة بتحريض من آخرين؟
أم كانت طلقة في العـتمة؟
وماذا يهم؟ المهم أننا أمام نص قابل لأن يفتح أبواب نصوص جديدة.
غير أن حكاية هذا الكتاب تحمل دلالة على واقع الثقافة العربية.
هل صحيح أن الأسباب التي حالت دون نشر الكتاب زالت،
آو لم يعد احد يجرؤ على الإشارة إليها،
بسبب المكانة الأدبية الرفيعة التي احتلها "الخبز الحافي" في العالم؟
وهل يشير ذلك إلى عدم قدرة الثقافة العربية،
على ان تكون مرجعاً أساسيا لنفسها؟
والدليل على ذلك هو الأزمة التي أثارها تدريس هذا الكتاب،
في الجامعة الأمريكية في القاهرة، منذ أعوام قليلة.
اذ قام حـُرَّاس القيم البائدة بمحاولة منع تدريس الكتاب،
تحت حجة "الدفاع عن الأخلاق"...
الدفاع عن الأخلاق لا يكون بحجب الحقيقة، بل بحل المشكلة،
أطلق محمد شكري صرخة الحرية والحياة في كتابه،
وقدم إحدى روائع الأدب العربي المعاصر،
وفتح الباب أمام الهامش بأن يحتل المتن.
وهذا ما تحتاجه الثقافة كي تبقى حية وفاعلة ومبدعة.
د. عبد القادر حسين ياسين
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 486
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» مــهــنـة الـريـاء د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» مــهــنـة الـريـاء د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 20 يناير 2025 - 12:02 من طرف خيمة العودة
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 ديسمبر 2024 - 11:31 من طرف ميساء البشيتي
» غزتي حبيبتي بقلم الأستاذ م. زهير الشاعر
الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 12:05 من طرف ميساء البشيتي
» لروحك السلام أخي الحبيب جواد البشيتي
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 11:30 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي