أكـبـر إحـتـيـاطي من " المـُـنـظـرين" و"الـمـحـلـلــيـن الـسـيـاسـيـيـن!
الدكتور عبد القادر حسين ياسين

لو سـُئلت :
عـرِّف بما لا يزيد عـن السطرين "الوطن العـربي" تعـريفاً جامعاً مانعـاً ،
لأجبت دون تردد :
الوطن العـربي هو وطن الحيطة والاحتياط والاحتياطات ...
وهذا التعـريف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،
لا من فـوقه ولا من تحـته .
يـٌولد المواطن  على الأرض العـربية مسلحا بالحيطة والحذر ،
واليقـظة الثورية تجاه مؤتمرات الاستعمار والإمبريالية والصهيونية ...
يتعـلم المشي محتاطا حتى لا يـقـع في حـفـرة أو في مـَطـَب ،
أو في شرك نصبته له الـقـوى المعادية لمسيرة أمتنا ،
نحو الغـد المشرق العـزيز .
لا يمشي الإنسان الذي كرمه الله فخلقه عـربياً،
كبقية مخلوقات الله ، وإنما يمشي واثق الخطوة ،
"من الحيط إلى الحيط" وهو يسأل الله العـفـو والعافـية .
"الحيطة "من شـيـم العـرب...
إذا تكلم العربي في المقهى فهو لا يتكلم إلا بحيطة وحذر ،
وإذا نظـر فهو ينظـر بقـدر ،
وإذا سمع إنما يسمع مستنفرا جميع حواسه الخمس ،
إضافة إلى حاسته السادسة أيضا ...
ففي ظروف المعركة التي تخوضها أمتنا منذ خمسة عشر قرنا ضد التخلف ،
وفي سبيل مزيد من التنمية ، لا بـُدَّ من اليقظة الثورية ...
واليقظة الثورية هي التسمية اليسارية للحيطة .
الوطن العربي هو أيضا وطن الاحتياط...
وقيل في تفسير الاحتياط أنه يعني ، من جملة ما يعنيه،
أن كل مواطن أدى الخدمة العسكرية الإلزامية ،
هو "احتياط" للمعركة القادمة دون شك ولا ريب .
سـأل أحد الثـقـلاء جاره عن سبب ارتدائه البيجاما تحت البدلة التي يرتديها فقال :
"ذلك على سبيل الاحـتـياط ...
فقد ترتئي الحكومة فجأة ،
ولغرض قومي يجل عن إفهامنا ،
أن ترسلني إلى السجن في مهمة قومية" ،
وبما أن كل فرد من هـذه الأمة العربية الواحـدة ذات الرسالة الخـالـدة  ،
هو مواطن صالح يفتدي الحكومة والحكام بالنفس والروح ،
فمن الضروري أن يبقى مرتديا البيجاما ،
حتى لا يضطر إلى النوم في الزنزانة بلباسه الرسمي.
جميع الكتاب والصحفيين والشعـراء العـرب ،
يحملون جوازات سفرهم أينما حلوا وحيثما ارتحلوا ،
فلا أحد منهم يعـرف متى تغـضب عـليه الدولة ،
فـيـضـطـر إلى أن يطلق ساقيه للريح ،
أليس في شرايينا تجري دماء البدو الرُّحـَل ؟!
كبار المسؤولين العـرب يفتحون حسابات "صغيرة" في سويسرة،
يضعون فيها مبالغ بسيطة لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات،
احتياطاً ، لـ "ساعة الغـفـلـة" ...
أما التجار والمقاولون فـلـديهم حسابات احتياطية،
في أكثر من بلد أوروبي على سبيل الاحتياط ...
والمواطن العـربي " العادي" يـُـكـَدّس في بيته مؤونة عام كامل،
على سبيل "الاحتياط من غـدرات الزمان" .
أما أن الوطن العـربي هو وطن الاحتياطات الكبرى ،
فذلك واضح لكل من لا يزال يحتفظ بعينيه،
ولم يصب بالـعـمى رغم كل ما رآه ...
لدينا أكبر احتياطي من النفط ،
وأكبر احتياطي من الرعـب ،
وأكبر احتياطي من الخطابات القومية عن تحرير فلسطين ،
وأكبر احتياطي من رجال الأمن ،
وأكبر احتياطي من المسيرات الشعبية ،
وأكبر احتياطي من المهربين ،
وأكبر احتياطي من القـوَّادين ،
وأكبر احتياطي في العالم من " المنظرين" و"المحللين السياسيين" .

الفرنسي يراك صباحاً فيقول لك : “Bon Jour…Cava”
(نهارك سعـيد! هل أنت على ما يرام ؟ ( ...
البريطاني يبدأ تحيته لك :  “Good Morning…How do you do?”
(صباح الخير! كيف حالك؟" )..
الألماني يحييك قـائلا: Guten Tag!...Wie Geht’s?  
"أسعـدت صباحا!...كيف تسير الأمور معـك؟
الروسي والفيـتنامي  والصيني والبرازيلي والكوبي والبوليفي،
وجميع شعـوب الأرض غـير العـربية ،
يتمـنـون لك يوماً جميلا ، وربما يسألوك عن الصحة ...
العـربي يقول لك :
"صباح الخير ... شو في ما في؟ شو الأخبار ؟!"
ولا يتركك قبل أن يحلل لك ما حدث في بـوركـيـنـا فـاسـو ورواندا ،
معـرجا على غـزة ولبنان والعـراق ،
فـتـتـركه وقد فهمت أسباب هزائم العرب أو نكساتهم،
منذ معركة صفين ، وحتى لحظة كتابة هذه السطور ...
ولكنك لا تفهم أن وطنا فيه 400 مليون "محلل سياسي"،  
وكلهم من خيار ذكور النحل (اليعاسيب) ،
يـتـقـلـص يوما عن يوم "ويكش" وتقتطع أواصره ،
ولا تزال الحياة فيه عادية وكأن شيئا لم يكن،
وبراءة الأطفال في عـيون جميع صحافييه وجلاديه ؟.
وبـعــد ؛
تـَيـَمـُنا بتقاليدنا العربية الأصيلة  في "الكرم" و"إغاثة الملهوف"،
أقترح إنشاء وزارة لتصدير ما ينتجه الوطن العربي،
من "محللين سياسيين" إلى جميع دول العالم الثالث،
الفقيرة في هذا النوع من المخلوقات...
وأظن ـ و "بعض الظن إثم" ، وليس كـلـه!! ـ  
أن تصـدير هـذه الملايين سيضرب عـصفورين بحجر واحد :
حل أزمة السكن ، وتوفير العملات الصعبـة  النادرة،
لاحتياجات الوطن العـربي من السيارات والهمبرجر ،
والله أعلم .