الأشـجـار تـمـوت واقــفــة...!! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين

"طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ
فـزعـتُ منه بآمالي إلى الـــــكـذب.."
أبو الـطـيـب الـمـتـنـبي

غـيـَّب الـمـوت  في الأسبوع الماضي ،
البـاحث والـمـنـاضـل الفـلـسـطيني سـمـيـح شـبـيـب ،
عن عمر يناهـز الـسـبـعـين عاماً .
ليس في مقـدور أي كلام يكتبه أي قلم ، مهما كان سَـيَّـالا،
أن يعبر عن الخسارة التي نزلت على شـعـبنا،
عندما غاب عن دنيانا ذلك المناضل الفلسـطيني الحقيقي والمتوهـج.


عندما وصلني نبأ رحيله، ظللت للحظات صامتاً في مكاني...
لم تصدر عـني حركة. حتى الأنفاس أحسستها متجمدة.
تذكرت بيت الشعر المأثور عن أبي الطيب المتنبي: ،
عندما جاءه نبأ وفاة صديق عـزيز :
"طـوى الجـزيرة حتى جاءني خـبـرٌ
فـزعـتُ منه بآمالي إلى الــكـذب.."


والمناضل الراحل من مواليد يافا في السادس عشـر من أيـارعـام 1948 ،
وعمل في مركز الابحاث الفـلـسـطيـني في بيروت عام 1976،
كما عمل استاذاً للثقافة العامة في جامعة بيرزيت.
وعمل رئيسا لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية" ،  
وله العديد من المؤلفات والكتب


غـفـا سـمـيـح شـبـيـب في نومه الأخير.
أدرك ـ بالطبع ـ أن إغفاءته، هي نهاية بالجملة،
لآلام تسللت إلى جسده، على مراحل،
وتمكنت منه، كأنها جمرة، نثرتها النارُ، رماداً بعـد أثر!

انتهت رحلة عُمرٍ خصب، تركت لنا، صفحات ثمينة،
من الرأي الحصيف، ومن الرؤية الثاقبة.
كان ملتزماً خلوقاً، لا يروق له كلام،
ولا يطيب له مجلس، إلا إذا كانت فلسطين، التي أحب وعشق،
هي محور الأحاديث والسجالات والتطلعات.
ذلك الفلسطيني الهائل، بانتمائه وبطموحه ...


ومثل كل المناضلين الحقيقيين، كان سـمـيـح شـبـيـب حريـصا ،
على أن تكون حياته اليومية صورة عن قـناعاته الفكرية...
وعلى النقيض من حياة البـذخ التي كان يـنـعـم بـها ،
"مناضلو الصالونات"  و "أمراء النضـال" ،
فـقـد كان يرفض بإصـرارأن يتمتع يوماً بأي من الإمتيازات،
التي يعـتبرها البعـض "حقـاً" من حقوق القيادة ،
كان يؤثر الحياة البسيطة البعـيدة على التكلّف والاستـعـراض.


كان مؤمنا بتفاعل الفكر الإنساني،
لصالح الإنسان في مواجهة العنصرية والاحتلال،
وسيطرة القوى الكبرى الغاشمة على مقدرات الشعوب ،
المناضلة من اجل الحرية والاستقلال.

كان معارضا صلبا لنهج التسوية السياسة وإفـرازات اوسلو،
وعلى الرغم من خـلافه الحـاد مع القيادة الفلسطينية  ،
فإنـه لم يلجـأ إلي دعم أي حركة تدعـو لشق الصف الفلسطيني،
فقد كان بطبعه وحدوياً وداعياً للائتلاف الوطني والحوار مع كل فصائل المقاومة،
وموقف كهذا جعله قريباً من كل فصائل العمل الفلسطيني، في الداخل والخارج.
كان عاشـقاً لفلسـطين، وكان ذا نزوع مثالي إليها.


مات أحد كبارنا المحترمين، من المناضلين  المثابرين.
ذهب الرجل على إيقاع الأيام المطفأة، عبر أنفاق السبات والذكرى.
لكن فلسطين، ستبقى في انتظاره، في دُغـشـة الصباحات الشاحبة،
وفي ليالي الوجد، كما في مواسم وأعياد عاشقيها.


مات أحد أعز المكافحين، بنبل وحيوية، صامتاً حيال أوجاع اللحظات الأخيرة.
ستظل آثاره، سراجاً يُشعـل ضوءاً أبدياً، بينه وبين وطنه،
لا تُطفئه دموع الغـيم، ولا أنواء البحر.


وداعاً ايها الرجل في زمن عـزَّ فيه الرجال ،
لك الغـار والـنـدى ... فالأشجار تموت واقـفـة.