أيـلـول الـفـلـسـطـيـنـي // الدكتور عــبـد القادر حسين ياسين
2019-09-16


يـتـلـجـلـج اللسان في ندب مفترق الزمن الحزين،
وجنازة الترحال ، وصلاة الحاضر الغائب والتراتيل.
تـنـتـصـب الكلمات صارخة عارية كاشفة لحـظة الرحيل،
مسـتـفـسرة عن نساء وشيوخ وأطفال ،
كانت تنام على أمل الحياة، هادئة في المخيم.‏


حين تجاوز الحصار الكرامة صرخت الأم الفـلسطينية،
صرخت ولا من مغــيـث ، فقد كان الجميع نيام ،
والموت وحـده صاحياً قبل صياح الديك بقـليل.‏


من يذكر أيلول الفـلسطيني في 1970 ،
حين تسابقت الدبابات الأردنية لـدك المـخـيـمات الفـلـسـطينية حتّى الدمار؟
من يذكر أحراشاً نامت على تراتيل الرحيل،
ورددت في خضم المجزرة ،
أهـزوجة الحقـد العـشائري الجاهـلي المحبب؟
من يذكر أبا عـلي إيـاد الذي أسلم عـكازه للقـتـلة ،
وأودع روحه لعـهـر الوساطة العـربيـة؟.‏


في أيلـول الأسـود تجاوز الحصار النَفَسَ الإنساني ،
وأغـلـق بوابات الأمل، وأطبق على براءة الطفولة المنسية ...


من يعـيد للطفلة دميتها المذبوحة؟
من يواسي عروساً تغـنـت لتـوها ،
بحناء يد زوجها الشهيد؟


من يعيد للعجوز مصّلاتها قبل إدبار القبلة؟
من يعـزف لـصبرا وشاتيلا لحن الموت؟
من يحمل حجراً ويقف بجانب طفلٍ أربكته رجاءات أمه الثكلى بأخيه؟


خطفوك من أمك لتزغـرد لحظة الزفاف... الوداع،
لست وحدك غيّبت ...
فنحن أيضاً نعيش منذ زمن بعيد في عالم الغياب.‏


من يذكر من بين المجازر تلك المجزرة؟
صعـب علينا أن نتذكر أنّ أماً استغاثت بحاكم عـربي،
أصيب بالصمم فجأةً،
وانتفخت خصيتاه واستشاط غضباً،
وكاد لولا لطف الله أن يستقـيل من وساطته،
في تخفيف ألم الضحية المحكومة بالموت.


هل تذكرون تلك الإدانات التي كادت تفـتك بالجلاد؟
من يذكر ذلك الصمت الرائع في الرثاء،
والتسابق في نسج الثواب الأكثر سِتراً ،
للصبايا المهتوكات البراقع واللّفاع،
المغـتـصـبات والمذبوحات في شوارع وأزقة صبرا وشاتيلا؟


من يذكر طفلاً أيقـظه الموت على ثدي أمه؟
من يذكر فتاة غـفـت ليلتها على الحلم ،
بالعـرس مساء السبت،
واستفاقت صبيحة الأحد على عـواء الذئاب...؟
كانت تحلم بأنها تلبس أجمل حلتها، بزتها البيضاء،
وطرحتها المعـطرة بأنفاس حبيبها،
إكليلها المزين بأزهار الياسمين،
على هـودجها تواكب زفة العـريس على الفرس الأصيلة.


أيتها العروس الوديعة الفقيرة ،
المتدثرة بشمس الأمل المفـقـود،
قـتـلوا بداية نسغ الولادة من حياتك،
تئز الرصاصات تخترق الجسد الطري،
فيتوقف تدفق الدم في الشرايين،
ويستـكين القلب المحلق في سماء الحنين...  
بنوا لك صرحاً من الرثاء.


من يذكر أيلول الفلسطيني المحمل بالندى الأحمر؟
من يذكر أيلول المجـبول بالكرامة والرجولة ،
على أبواب المسجد الأقصى؟‏


قد ينسى الفلسطيني جرحه النازف في لحظة ،
ولكنه يبقى يتذكر وجه عـدوه الحاقد أبداً في ذات اللّحظة.‏