بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
تـَجارب قـاسية تـغـور بـنـا حتى مـَكامن الـوَجـَع د. عبد القادر حسين ياسين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تـَجارب قـاسية تـغـور بـنـا حتى مـَكامن الـوَجـَع د. عبد القادر حسين ياسين
تـَجارب قـاسية تـغـور بـنـا حتى مـَكامن الـوَجـَع
د. عبد القادر حسين ياسين
تـُعـتـبـر روايـة "تـلـك العـتـمة الباهـرة" ،
للروائي المـغـربي الطـاهـر بن جـلـون،
إحدى أجمل روايات أدب السجون وأكثرها اختراقا للنفس ،
ومساسا بشغاف القلب،
وقدرة على توصيف واستبطان خـفـايـا النفس البشرية،
عندما تتعرض لتجربة الانحباس داخل قضبان السجن واستلاب الحرية،
ودخولها مرغمة في عـزلة إجبارية ، تتعرض فيها إلى مواجهة دائمة مع النفس،
مع كل ما يتجاذبها من مدّ وجزر ،وأمل ويأس، ورجاء وقـنوط.
وعلى الرغم من أن الإنسان يجد نفسه دائـمـاً سجـيـنـاً ،
داخل حدود جـسـده وداخل حدود الزمان والمكان ،
تبقى قـضبان الزنازين وغـياهـب السجون أكثر ضيقـاً ،
وأشد قـتامة وظلمة من سجن الجـسـد والزمان والمكان،
الواقـفـيـن أبداً في وجه رغـبة الانسان في الانعـتاق والتحرر.
فمن ظلمات عـتـمة مدلهمة بهيمة ،
اختزلها الطاهر بن جلون في عـبـارة باهـرة ،
كتب روايته المستوحاة من قـصة حقـيـقـية ،
لأحد سجناء المـعـتـقـل الرهـيب تـازمـامـرت،
الذي أقـامـه "أمـيـر الـمـؤمنين" الحـسـن الثاني في عـمـق الـصـحـراء ،
حيث أمضى ذلك السجين عـشرين عاماً في ظلام دامس تحت الأرض،
في أوضاع أقـل ما توصف به أنها بعـيدة كل البعـد،
عن أدنى ما تستطيع النفس البشرية أن تتحمله!!
وبلغة قادرة على الوصول إلى خـفـايـا النـفـس البشرية ،
وقـدرة مذهلة على فـك شفراتها ،
يصف لنا الطاهر حال ذلك السجين،
الذي كان يرى رفاقه يتساقـطون واحداً إثر الآخر ،
بعد أن فـقـدوا القـدرة على المقاومة والاستمرار في العـيش،
داخل الكهف وفي غياهـب سجن العزلة ،
والبقاء وجها لوجه أمام مرآة الذات.
ولا يـمـلـك الـمـرء إلا أن يـتعجب من إرادة الإنسان ،
وقـدرته على التشبث بالحياة والانـتـصار لها،
رغم القسوة والألم والعـذاب الذي يحدق به من كل جانب،
ولا يملـك إلا أن يـتعجب من قدرة هذا الكائن الساحر ،
على ابتكار الحـيـل واخـتـراع الوسائل،
التي يستطيع أن يقاوم بها البشاعـة والظلم والألم والقـسوة،
وكيف يحاول إجـتـراح طرق تمكنه من المقـاومة والاستمرار في البـقـاء،
محاولا عـزل نفسه من ماضيه ،
فهو يدرك أن الذكريات أمضى الأسلحة ،
التي تقضي على الارادة والقـدرة على المقاومة.
ينظر السجين في ذلك الـمـعـتـقـل الصـحراوي الرهـيب ،
إلى حياته الماضية كأنما هو ينظر إلى حياة شخص آخر،
فهو يتعرف على تلك الحياة ولكنه لا يعرفها ،
وكأنه لم يكن طرفاً فيها ، حتى لا يهتف به الحنين ، ويجرفه إلى هوة اليأس.
ويستعين بالصلاة حتى تستطيع روحه أن تنسل من داخل جسده ،
وتبتعد عن آلامـه وعذاباته ،
فيتم له الانفصال التام عن الجسد المنهك بالأمراض ، فيتحرر من تلك الآلام ،
فالتخلي عن الارتباط بالماضي ، أو التعلق بالأمل ،
يجعلانه قادراًعلى تجرع الصبر.
يأتي خلاص سجناء تـازمامرت الذين هـلـك منهم قـرابة الثلاثين،
عبر تسرب خبر السجن والممارسات اللاإنسانية فيه ،
إلى منظمة حقوق الإنسان في فـرنسا!
وحينها فـقـط تسعى الحكومة المغربية لاطلاق سراحهم ،
ومن ثم ردم السجن وانشاء حديقة فـوق أرضه،
تخفي تماماً معالم الجرائم اللاإنسانية ،
التي كانت ترتكبها السـلطـات المـغـربية في داخله.
يبدو أن الهاجس الذي يعـربد داخل كل سجين،
هو محاولة الاحتفاظ بقـواه العـقـلية ، وعـدم فـقـدان السيطرة على وعـيه،
فـيجترح كل منهم وسيلة تمكنه من السيطرة على عـقـله ،
ومنعه من الدخول في متاهات الهـذيان والجـنون...
فـالـدكـتـور عـبـد الرحـمن الفاسي كان يشغـل عـقـله بمراقبة النمل،
والتعـرف على المتغيرات في سلوكياته ،
ويمرن ملكاته بالأنماط التي تحقـقـت في خيط مسيرة النمل،
الذي يمر من خلال فتحة الزنزانة!!
وفي مـذكراتـهـا تـقـول المناضـلـة اللبنانيـة سـُهى بشارة ،
التي قـضت عـشر سنوات كاملة في معـتـقـل الخـَيـَّـام ،
بعد أن حاولت اغـتـيال الـعـميل انطوان لحد،
أنـهـا كانت تمارس الرياضة حتى وهي في الزنزانة الانفـرادية،
حتى تقـوي جسدها المنهك من التعذيب ،
ومن جرعات الكهرباء التي تـنـفـث فيه،
كما كانت ورفيقاتها في السجن يحاولن ممارسة بعض الهوايات الـفـنية،
بطرق بدائية جدا كصنع المسابح من نوى الزيتون.
وتتفجر في السجون كثير من المواهب الأدبية والشعرية والفنية،
والتي يبدو أن تفجرها يأتي كوسيلة لمقاومة الوحـدة والعـزلة،
التي يجد السجين نـفـسه يغرق في ظلماتها.
جـاءت فضائح مـعـتـقـل تـازمـامـرت ،
لتؤكد أن الوحش الكامن داخل الإنسان،
يظهر عندما تتاح له الفرصة، ليمارس التعـذيب الوحشي ،
وانتهاك الكرامة الإنسانية والبشاعة ، بكافة أشكالها وصورها !!
ولكن تبقى الديموقراطية قادرة على تصحيح ذاتها ،
وكشف النقاب عن الفضائح التي تتم في السجون الـعـربيـة .
وبـعــد ؛
أن العـتمة الحقـيـقـية تكون دائماً بين ثنايا الـنـفـس ،
وليس بين قـضبان السجـون ...
تجارب قاسية تغـور بـنـا حتى مكامن الوجع ،
ولكنها جـديرة بالتعـلم منها وتطرح سؤالا مـُـلحاً:
أيهما أشد قـسوة وأكثر إيلاماً ،
ظلمة النفس أم عـتـمـة السجـون الباهـرة؟
د. عبد القادر حسين ياسين
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
رد: تـَجارب قـاسية تـغـور بـنـا حتى مـَكامن الـوَجـَع د. عبد القادر حسين ياسين
الذي كان يرى رفاقه يتساقـطون واحداً إثر الآخر ،
بعد أن فـقـدوا القـدرة على المقاومة والاستمرار في العـيش،
داخل الكهف وفي غياهـب سجن العزلة ،
والبقاء وجها لوجه أمام مرآة الذات.
هدى ياسين- عضو جديد
- عدد المساهمات : 102
تاريخ التسجيل : 31/01/2012
مواضيع مماثلة
» عــنـدمـا يـَـفـتـِـكُ بـنـا الـحَـنـيـن..! / الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» العــَذاب الـفـِلـِسـطـيـنـي د. عبد القادر حسين ياسين
» عـولـيـــس الـفـِلــِســـْطـيـني د. عبد القادر حسين ياسين
» غـيـابٌ في الغـيـاب...! د. عبد القادر حسين ياسين
» أقـَلّ من كـَلـب...! د. عبد القادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 - 11:30 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة