بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
في الذكرى الـثـانـيـة والسـبـعـيـن للنكبة الكبرى.. تـَغـــْيــيـب الـوعـْي الـعـَـرَبي/الدكتور عـبـد الـقـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
في الذكرى الـثـانـيـة والسـبـعـيـن للنكبة الكبرى.. تـَغـــْيــيـب الـوعـْي الـعـَـرَبي/الدكتور عـبـد الـقـادر حسين ياسين
في الذكرى الـثـانـيـة والسـبـعـيـن للنكبة الكبرى.. تـَغـــْيــيـب الـوعـْي الـعـَـرَبي/الدكتور عـبـد الـقـادر حسين ياسين
تحـلّ اليوم ، الخامس عشر من أيار ، الذكرى الثانيـة والسـبـعـون للنكبة، المتمثلة باغـتـصاب فـلسطين وتشريد شعـبها، وزرع الكيان الصهيوني في خاصرة الوطن العربي عام 1948. ويبدو أن “التقادم” قـد فـعـل فـعـله في إضعاف الاهـتـمام بهـذه الذكرى الأليمة التي صار الحديث عنها “مـُمـِلا” ، كأي حديث يـُعاد ويـُكرر مراراً، دون أن يتضمن أي عنصر جديد!!
ويبدو، أيضاً، أن تعـدد الذكريات المؤلمة في التاريخ العربي الحديث قد ساهم، مع “التقادم” ، في إبطال مفعـول هذه الذكرى حتى في نفوس الجماهير العربية التي كانت فـيما مضى، وبالتحديد قبل هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 (التي يـُصرّ البعض على تـسـمـيـتـها بـ “النكسة”!) ، تستقبل ذكرى النكبة بتأثير عميق وحماس ظاهر، واحتجاج صريح وبصوت شعـبي عال.
وكان ذلك يفرض على الأنظمة العربية أن تولي ذكرى النكبة قدراً من الاهتمام على المنابر الخطابية والإعلامية لتـُشعـِر الجماهير بأنها “لم تنسَ قـضية العرب الكبرى” و “لم تغـض النظر” عنها! على الرغم من إنشغالاتها “الوطنية” وهمومها “القومية” وواجباتها “الإقليمية” الكثيرة!!
النكبة الفلسـطينية والملفات الأخرى
والشيء الجديد الذي يتضمنه حديثنا عن نكبة فلسطين في ذكراها الثانيـة والسـبـعـيـن يتمثل في هذه الظاهرة المحزنة من التناسي ، وقـلة – كي لا أقول عـدم – الاهتمام بالذكرى التي صارت تمر بالعـرب ـ شعوباً وحكومات ـ دون أن تحظى حتى بمظاهر الإحياء العادية!
ولهذه الظاهرة المؤسفة أسباب عديدة يفرزها الواقع العربي الذي يزداد ضعـفـاً وتردياً وانقساماً أمام الهجمات المتتالية، والتحديات الخطيرة، والمستجدات المؤلمة، التي ألقت على ملف النكبة الفلسطينية ملفات جديدة حـجـبـتـه عن رؤية العـين والذاكرة، وجعـلـت الأنظار تتركز على الملفات المأساوية الأخرى (سـوريـا ، العراق، السودان، الـيـمـن) ذات الصلة الوثيقة بالملف الأساسي، وهو ملف النكبة التي حلـَّت بشعـبنا الفلسطيني عندما وقـف دافـيـد بن غـوريون ليعـلـن قـيام “دولة الشعـب اليهودي” في “أرض إسرائيل” في الخامس عشر من أيار عام 1948 .
وإذا كنا مطالبين بتوضيح وتأكيد ظاهرة اللامبالاة – رغم وضوحها رسمياً وشعـبياً – فإننا ندعـو إلى تذكر الذكريات المماثلة في أوار الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي، حيث كانت مرارة الخامس عشر من أيار تهز نفوس الجماهير العربية، وغالباً ما كانت تهز كراسي الأنظمة إذا ما بدت مستعـدة (أو حتى مهيأة) لتناسي قضية العرب الكبرى، وطيّ ملفها.
وجاءت النكبة الثانية في الخامس من حزيران عام 1967 ، لتحول الأنظار والاهتمامات عن النكبة الأولى، وتضع العرب – شعوباً وحكومات – أمام “الأمر الواقع الجديد”. وليس ثمة شك في أن العـدو الصهيوني قـد وضع في حساباته الاستفادة مرة أخرى من عامل “التقادم”، فضلا عن أسلوبه المعروف في خلق ملفات جديدة وأمر واقعFait accompli آخر يصرف النظر عما قبله.
في مقابلة أجرتها معه مجلة Der Spiegel “دير شبيغـل” الألمانية في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1971 يقول الجنرال موشيه دايان، وزير “الدفاع” الإسرائيلي آنذاك: ” في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم [الصادر عن الجمعـية العامة للأمم المتحدة]. وفي عام 1949 [بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة] عادوا إلى المطالبة بتنفيذه. وفي عام 1955 كانت جميع الدول العربية المعـنية ترفض اتفاقيات [الهدنة]. وبعد حرب الأيام الستة [في حزيران عام 1967] عادوا الى المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران… ولن أفاجأ – والكلام لدايان – بعد حرب أخرى تسيطر فيها إسرائيل على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سوريا، إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية” [كـذا…!!!]
وكان هذا، في الواقع، أحد الدوافع الرئيسة لغزو لبنان في حزيران عام 1982. ومن غير المستبعد أن يكون العـدو قد أعـدَّ مخططا لاستحداث ملفات أخرى جديدة وفرض أمر واقع جديد.
وانطلاق مما تقدم، نقول بأن أخطر ما يلوح في الأفق العربي من ظواهر السلبية والإحباط هو هذا المقدار المحزن من التناسي واللامبالاة الذي يميز استقبالنا للذكرى، والذي يتزايد عاما بعد عام.
وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، فإن عمليات “غـسيل الدماغ” الجماعي التي تجري في العالم العربي بأساليب متنوعة ستنجح، خلال السنوات القليلة المقبلة، في بلوغ أهدافها.
الذاكرة العـربـيـة والوعـي
وحين تـُجرد الجماهير العربية من ذاكرتها ووعـيها، يسهـل تجريدهـا من كل سلاح مادي ومعـنوي، وتصبح بذلك مـهـيـئـة للسقوط في شراك العـدو الصهيوني والولايات المتـحدة الأمريكية، فاقدة بذلك القدرة والإرادة على الصمود والتصدي للأخطار ، والتحديات المتلاحقة التي تهدد وجودهـا بكافة أبعاده ومقوماته.
إن إنـفـراد الشعـب الفلسطيني بإحياء ذكرى النكبة التي ألـمـّـت به أمرٌ بالغ الخطورة، وأبسط ما يتضمنه من المعاني الخطيرة هو نجاح العـدو في “أقـلـمـة” القضية القومية الأولى، وإشاعة الـنـفـَس الإقليمي في المنطقة ضمن محاولات العـزل والحصار. وهذا ، بالطبع، ينسجم مع المساعي الأمريكية الهادفة، منذ أزمة الخليج الثانية والاحتلال الأمريكي للعراق، إلى تجزئة القـضية القومية الواحدة، وتفـتيتها إلى أجزاء إقليمية متناثرة ، وملفـات عـديدة ( الملف الفلسطيني ، الملف اللبناني ، الملف السـوري ، الى آخـره) لتسهل عملية تصفـيتها ملف ملف، وخطوة خطوة.
إن الفصل بين ما حدث عام 1948 ، وما حدث عام 1967 ، مضافاً إلى ذلك كله كافة الجزيئات والتفاصيل التي تؤكد ، بما لا يدع مجالا للشك ، النزعة العدوانية، والأطماع التوسعية للعدو، إن الفصل بين هذه الملفات ، أو هذه الأحداث المترابطة ترابط حلقات السلسلة الواحدة ، من شأنه أن يذهب بالبقية الباقية من وعي العـرب بأبعاد قضيتهم وطبيعة عدوهم.
والوعي العربي المطلوب تصفـيـتـه ومحوه من الذاكرة هو أن قضية فلسطين ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل هي ، كما أكدت الوقائع والتطورات ، قضية المصير العـربي كله. فاحتلال فلسطين بكاملها وإقامة الكيان الصيهوني لم ينتج عـنـه تشريد الشعب الفلسطيني فقط، بل نتج عنه، إلى جانب ذلك، زرع شوكة مسمومة ذات طبيعة سرطانية في جسم الأمة العربية.
نكبة… ونكبات
إن هذا الشوكة المزروعة في خاصرة العالم العربي، وفي مفصل حساس منه ( ذلك المفصل الذي يربط المشرق والمغرب) تمثل خطراً زاحفاً ومستمراً ومتصاعداً يستهدف الأمة العربية كلها. وهذه حقيقة لا أعـتـقـد (بعد72 عـامـاً) أنها بحاجة إلى تأكيد نظري . فالغـزوات الإسرائيلية المتلاحقة ( 1956 ، 1967 ، 1973، 1982) والتهديدات المستمرة للدول العربية المجاورة لفلسطين تؤكد ذلك.
لقد كنا حتى منتصف الستينات ، نستقبل ذكرى نكبة واحدة هي نكبة أيار عام 1948 . ثم صرنا في عام 1968 نستقبل ذكر نكبة ثانية هي عدوان الخامس من حزيران ، واحتلال ما تبقى من فلسطين. وما لبثت هذه النكبة المستجدة أن استقطبت الأضواء وصارت وكأنها القضية كلها . وفي مطلع الثمانينات اضطر العـرب إلى تركيز اهتمامهم على نكبة ثالثة هي الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
وفي ضوء هذا التركيز صارت ذكرى النكبة ، وذكرى “النكسة” تمران بنا كـطـيـفـيـن باهـتـيـن وحـدثـيـن قـديمين عابرين، وكأننا لم نعـد نعي أن حزيران عام 1982 هو امتداد لحزيران عام 1967، وهذا بدوره امتداد لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في أيار عام 1948.
ولا تقف مخططات التوسع والتصفية عـنـد هذا الحـد، بل إنها تحاول تبديد التركيز وتفتيت محور الاهتمام وجعله محاور عديدة ، حيث صارت المخططات الإسرائيلية – الأمريكية تطرح علينا القضية الواحدة في صورة قضايا عديدة ومنفصلة (الأسرى، المستوطنات ، اللاجئين، الحدود، التطبيع، الجدار العازل، الممر الآمن،.. الخ).
وليست عـمـلية الكسر والاختراق هي الهدف الوحـيـد لسياسة تـفـتـيـت القضية وتمزيق الصفّ والموقف ، بل ثمة هدف آخر لا يقل خطورة ، بل هو أشد خطورة من الأول . ويتمثل هذا الهدف في محاولة دقّ أسافين الخلاف بين العرب والـفـلـسـطـيـنـيـيـن .
أضف إلى ذلك مجموعة من الأسافين غـيـر المرئية ، والتي يـُراد من ورائها تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وضرب فـلسطينيي الداخل بفـلسطينيي الخارج، وضرب حركة المقـاومة الاسـلامية “حمـاس” بالسلطة الفلسطينية ، والـتصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين ، وإصرارهم على شق الصف الفلسطيني تدخل ضمن إطار هذا الهدف الإسرائيلي – الأمريكي.
وبعـد؛
إذا كانت “النكبة” قد حلـَّت بشـعـبنـا، فهذا لا يعني القبول بالهزيمة كـقـدر أبدي محـتـوم… إنَّ عـمـلية طمس ذكرى النكبـة الفلسـطينية في الذاكرة العربية تـعـني، أولاً وقبل كل شيء، تغـيـيـب الوعي العـربي بهدف تمرير المخططات الصهيونية الأمريكية في العالم العربي التي تهدف إلى إقامة دويلات الطوائف، والسيطرة على الموارد الطبيعية . إنّ استمرارية النكبة ليست في “إسرائيل”، بل في هـَوان وتردي 400 مليون عـربي، وهنا تكمن النكبة .
فـاذا لم نكن قـادرين عـلى أن نـجـعـل مـن ذكرى الـنـكـبــة حافـزاً عـلى إسـتـعـادة ما ضاع، فـلـنـجـعـل مـنـها ، عـلى أقـل تـقـديـر، مـصدر وعـي للمحافظة على ما تبقى!!!…
تحـلّ اليوم ، الخامس عشر من أيار ، الذكرى الثانيـة والسـبـعـون للنكبة، المتمثلة باغـتـصاب فـلسطين وتشريد شعـبها، وزرع الكيان الصهيوني في خاصرة الوطن العربي عام 1948. ويبدو أن “التقادم” قـد فـعـل فـعـله في إضعاف الاهـتـمام بهـذه الذكرى الأليمة التي صار الحديث عنها “مـُمـِلا” ، كأي حديث يـُعاد ويـُكرر مراراً، دون أن يتضمن أي عنصر جديد!!
ويبدو، أيضاً، أن تعـدد الذكريات المؤلمة في التاريخ العربي الحديث قد ساهم، مع “التقادم” ، في إبطال مفعـول هذه الذكرى حتى في نفوس الجماهير العربية التي كانت فـيما مضى، وبالتحديد قبل هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 (التي يـُصرّ البعض على تـسـمـيـتـها بـ “النكسة”!) ، تستقبل ذكرى النكبة بتأثير عميق وحماس ظاهر، واحتجاج صريح وبصوت شعـبي عال.
وكان ذلك يفرض على الأنظمة العربية أن تولي ذكرى النكبة قدراً من الاهتمام على المنابر الخطابية والإعلامية لتـُشعـِر الجماهير بأنها “لم تنسَ قـضية العرب الكبرى” و “لم تغـض النظر” عنها! على الرغم من إنشغالاتها “الوطنية” وهمومها “القومية” وواجباتها “الإقليمية” الكثيرة!!
النكبة الفلسـطينية والملفات الأخرى
والشيء الجديد الذي يتضمنه حديثنا عن نكبة فلسطين في ذكراها الثانيـة والسـبـعـيـن يتمثل في هذه الظاهرة المحزنة من التناسي ، وقـلة – كي لا أقول عـدم – الاهتمام بالذكرى التي صارت تمر بالعـرب ـ شعوباً وحكومات ـ دون أن تحظى حتى بمظاهر الإحياء العادية!
ولهذه الظاهرة المؤسفة أسباب عديدة يفرزها الواقع العربي الذي يزداد ضعـفـاً وتردياً وانقساماً أمام الهجمات المتتالية، والتحديات الخطيرة، والمستجدات المؤلمة، التي ألقت على ملف النكبة الفلسطينية ملفات جديدة حـجـبـتـه عن رؤية العـين والذاكرة، وجعـلـت الأنظار تتركز على الملفات المأساوية الأخرى (سـوريـا ، العراق، السودان، الـيـمـن) ذات الصلة الوثيقة بالملف الأساسي، وهو ملف النكبة التي حلـَّت بشعـبنا الفلسطيني عندما وقـف دافـيـد بن غـوريون ليعـلـن قـيام “دولة الشعـب اليهودي” في “أرض إسرائيل” في الخامس عشر من أيار عام 1948 .
وإذا كنا مطالبين بتوضيح وتأكيد ظاهرة اللامبالاة – رغم وضوحها رسمياً وشعـبياً – فإننا ندعـو إلى تذكر الذكريات المماثلة في أوار الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي، حيث كانت مرارة الخامس عشر من أيار تهز نفوس الجماهير العربية، وغالباً ما كانت تهز كراسي الأنظمة إذا ما بدت مستعـدة (أو حتى مهيأة) لتناسي قضية العرب الكبرى، وطيّ ملفها.
وجاءت النكبة الثانية في الخامس من حزيران عام 1967 ، لتحول الأنظار والاهتمامات عن النكبة الأولى، وتضع العرب – شعوباً وحكومات – أمام “الأمر الواقع الجديد”. وليس ثمة شك في أن العـدو الصهيوني قـد وضع في حساباته الاستفادة مرة أخرى من عامل “التقادم”، فضلا عن أسلوبه المعروف في خلق ملفات جديدة وأمر واقعFait accompli آخر يصرف النظر عما قبله.
في مقابلة أجرتها معه مجلة Der Spiegel “دير شبيغـل” الألمانية في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1971 يقول الجنرال موشيه دايان، وزير “الدفاع” الإسرائيلي آنذاك: ” في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم [الصادر عن الجمعـية العامة للأمم المتحدة]. وفي عام 1949 [بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة] عادوا إلى المطالبة بتنفيذه. وفي عام 1955 كانت جميع الدول العربية المعـنية ترفض اتفاقيات [الهدنة]. وبعد حرب الأيام الستة [في حزيران عام 1967] عادوا الى المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران… ولن أفاجأ – والكلام لدايان – بعد حرب أخرى تسيطر فيها إسرائيل على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سوريا، إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية” [كـذا…!!!]
وكان هذا، في الواقع، أحد الدوافع الرئيسة لغزو لبنان في حزيران عام 1982. ومن غير المستبعد أن يكون العـدو قد أعـدَّ مخططا لاستحداث ملفات أخرى جديدة وفرض أمر واقع جديد.
وانطلاق مما تقدم، نقول بأن أخطر ما يلوح في الأفق العربي من ظواهر السلبية والإحباط هو هذا المقدار المحزن من التناسي واللامبالاة الذي يميز استقبالنا للذكرى، والذي يتزايد عاما بعد عام.
وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال، فإن عمليات “غـسيل الدماغ” الجماعي التي تجري في العالم العربي بأساليب متنوعة ستنجح، خلال السنوات القليلة المقبلة، في بلوغ أهدافها.
الذاكرة العـربـيـة والوعـي
وحين تـُجرد الجماهير العربية من ذاكرتها ووعـيها، يسهـل تجريدهـا من كل سلاح مادي ومعـنوي، وتصبح بذلك مـهـيـئـة للسقوط في شراك العـدو الصهيوني والولايات المتـحدة الأمريكية، فاقدة بذلك القدرة والإرادة على الصمود والتصدي للأخطار ، والتحديات المتلاحقة التي تهدد وجودهـا بكافة أبعاده ومقوماته.
إن إنـفـراد الشعـب الفلسطيني بإحياء ذكرى النكبة التي ألـمـّـت به أمرٌ بالغ الخطورة، وأبسط ما يتضمنه من المعاني الخطيرة هو نجاح العـدو في “أقـلـمـة” القضية القومية الأولى، وإشاعة الـنـفـَس الإقليمي في المنطقة ضمن محاولات العـزل والحصار. وهذا ، بالطبع، ينسجم مع المساعي الأمريكية الهادفة، منذ أزمة الخليج الثانية والاحتلال الأمريكي للعراق، إلى تجزئة القـضية القومية الواحدة، وتفـتيتها إلى أجزاء إقليمية متناثرة ، وملفـات عـديدة ( الملف الفلسطيني ، الملف اللبناني ، الملف السـوري ، الى آخـره) لتسهل عملية تصفـيتها ملف ملف، وخطوة خطوة.
إن الفصل بين ما حدث عام 1948 ، وما حدث عام 1967 ، مضافاً إلى ذلك كله كافة الجزيئات والتفاصيل التي تؤكد ، بما لا يدع مجالا للشك ، النزعة العدوانية، والأطماع التوسعية للعدو، إن الفصل بين هذه الملفات ، أو هذه الأحداث المترابطة ترابط حلقات السلسلة الواحدة ، من شأنه أن يذهب بالبقية الباقية من وعي العـرب بأبعاد قضيتهم وطبيعة عدوهم.
والوعي العربي المطلوب تصفـيـتـه ومحوه من الذاكرة هو أن قضية فلسطين ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل هي ، كما أكدت الوقائع والتطورات ، قضية المصير العـربي كله. فاحتلال فلسطين بكاملها وإقامة الكيان الصيهوني لم ينتج عـنـه تشريد الشعب الفلسطيني فقط، بل نتج عنه، إلى جانب ذلك، زرع شوكة مسمومة ذات طبيعة سرطانية في جسم الأمة العربية.
نكبة… ونكبات
إن هذا الشوكة المزروعة في خاصرة العالم العربي، وفي مفصل حساس منه ( ذلك المفصل الذي يربط المشرق والمغرب) تمثل خطراً زاحفاً ومستمراً ومتصاعداً يستهدف الأمة العربية كلها. وهذه حقيقة لا أعـتـقـد (بعد72 عـامـاً) أنها بحاجة إلى تأكيد نظري . فالغـزوات الإسرائيلية المتلاحقة ( 1956 ، 1967 ، 1973، 1982) والتهديدات المستمرة للدول العربية المجاورة لفلسطين تؤكد ذلك.
لقد كنا حتى منتصف الستينات ، نستقبل ذكرى نكبة واحدة هي نكبة أيار عام 1948 . ثم صرنا في عام 1968 نستقبل ذكر نكبة ثانية هي عدوان الخامس من حزيران ، واحتلال ما تبقى من فلسطين. وما لبثت هذه النكبة المستجدة أن استقطبت الأضواء وصارت وكأنها القضية كلها . وفي مطلع الثمانينات اضطر العـرب إلى تركيز اهتمامهم على نكبة ثالثة هي الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
وفي ضوء هذا التركيز صارت ذكرى النكبة ، وذكرى “النكسة” تمران بنا كـطـيـفـيـن باهـتـيـن وحـدثـيـن قـديمين عابرين، وكأننا لم نعـد نعي أن حزيران عام 1982 هو امتداد لحزيران عام 1967، وهذا بدوره امتداد لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في أيار عام 1948.
ولا تقف مخططات التوسع والتصفية عـنـد هذا الحـد، بل إنها تحاول تبديد التركيز وتفتيت محور الاهتمام وجعله محاور عديدة ، حيث صارت المخططات الإسرائيلية – الأمريكية تطرح علينا القضية الواحدة في صورة قضايا عديدة ومنفصلة (الأسرى، المستوطنات ، اللاجئين، الحدود، التطبيع، الجدار العازل، الممر الآمن،.. الخ).
وليست عـمـلية الكسر والاختراق هي الهدف الوحـيـد لسياسة تـفـتـيـت القضية وتمزيق الصفّ والموقف ، بل ثمة هدف آخر لا يقل خطورة ، بل هو أشد خطورة من الأول . ويتمثل هذا الهدف في محاولة دقّ أسافين الخلاف بين العرب والـفـلـسـطـيـنـيـيـن .
أضف إلى ذلك مجموعة من الأسافين غـيـر المرئية ، والتي يـُراد من ورائها تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وضرب فـلسطينيي الداخل بفـلسطينيي الخارج، وضرب حركة المقـاومة الاسـلامية “حمـاس” بالسلطة الفلسطينية ، والـتصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين ، وإصرارهم على شق الصف الفلسطيني تدخل ضمن إطار هذا الهدف الإسرائيلي – الأمريكي.
وبعـد؛
إذا كانت “النكبة” قد حلـَّت بشـعـبنـا، فهذا لا يعني القبول بالهزيمة كـقـدر أبدي محـتـوم… إنَّ عـمـلية طمس ذكرى النكبـة الفلسـطينية في الذاكرة العربية تـعـني، أولاً وقبل كل شيء، تغـيـيـب الوعي العـربي بهدف تمرير المخططات الصهيونية الأمريكية في العالم العربي التي تهدف إلى إقامة دويلات الطوائف، والسيطرة على الموارد الطبيعية . إنّ استمرارية النكبة ليست في “إسرائيل”، بل في هـَوان وتردي 400 مليون عـربي، وهنا تكمن النكبة .
فـاذا لم نكن قـادرين عـلى أن نـجـعـل مـن ذكرى الـنـكـبــة حافـزاً عـلى إسـتـعـادة ما ضاع، فـلـنـجـعـل مـنـها ، عـلى أقـل تـقـديـر، مـصدر وعـي للمحافظة على ما تبقى!!!…
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» في الذكرى السـادسـة والستين للنكبة الكبرى حَـقٌ يـَأبـى الـنـِسـْـيـان بقلم : الدكتور عـبـد الـقـادر حسين ياسين*
» في الذكرى الثامـنـة والستين للنكبة الكبرى..تجـريد الـفـلـسطـيـنيـيـن من ذاكرتهم ووعـيهم/الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» في الذكرى التاسـعــة والـسـتـيـن للنكبة الكبرى إسـتـريـحـوا... كي لا تـَـضـيع الـبَــقـيـِّـة..!! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» الـكـتـاب فـي عـصـر الإنـتـرنـت/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» في الذكرى الثامـنـة والستين للنكبة الكبرى..تجـريد الـفـلـسطـيـنيـيـن من ذاكرتهم ووعـيهم/الدكتور عبد القادر حسين ياسين
» في الذكرى التاسـعــة والـسـتـيـن للنكبة الكبرى إسـتـريـحـوا... كي لا تـَـضـيع الـبَــقـيـِّـة..!! الدكتور عـبد القادر حسين ياسين
» “ما أنا بقارئ…!!”/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
» الـكـتـاب فـي عـصـر الإنـتـرنـت/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
أمس في 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي