فداك وطني..

تتهافت الأصوات، وتتراكم العبارات... تجري النفوس لتبحث عنه. يرى الكل يرسل سهام مقلتيه إليه. العرق من على جبينه يتصبب، ارتفعت حرارة جسمه، بدأ يتلعثم في الكلام...."يا إلهي ما هذا الموقف؟؟؟".
يجول بنظره يمنة ويسرة، يحاول "قراءة العيون"؛ و كيف يقدر على ذلك و عينه ملؤها العمش و الضباب، لا يكاد يلمح حتى قدميه.
تقدم إلى مكبر الصوت و دقات قلبه تزداد مع مرور الثواني، اعتدل في وقفته و رفع رأسه، و أبعد الخجل و طرد التوتر.
بدأ العد التنازلي... فتح فمه و استعدت شفتاه للنطق، و لسانه على أتم الاستعداد للتصريح و البوح:
"موضوع نقاشنا لهذا اليوم أخطر مما نتوقع، فكلنا به معنيون، كبارا كنا أم صغارا، مثقفون أم أميون...الكل مدعو للنقاش و الإدلاء بأفكاره... و السؤال المطروح: ما هي القضية الكبرى لكل واحد منا؟ أتختلف أم هي واحدة؟".
تنفس الصعداء و حملق طويلا في الحضور، أتتحرك الكراسي فرحا؟ أم سيؤول طرحه إلى ما آل إليه من سبقه، فكر الهنيهة في حاله حين ينتهي به الأمر إلى الإقصاء... و هو في شروده، إذ فاجأته أياد تسللت بين الحشد و قد رسمت قبولا و تقبلا للموضوع على محيا أصحابها. انشرح وجهه، و البسمة احتلت ثغره، ثم نشأ يوزع المداخلات، حسب التوقيت بالعدل و القسط بين المتدخلين.
أشرقت ملامحه، و أحس بشعور غريب يلج كيانه؛ حين أصغت أذناه لعبارات الحضور، فكلهم صرخوا بصوت واحد: "القضية واحدة... و الألم واحد... و نحن ضد معارضيها رجل واحد...فدااااك و طنيييييي."
تحولت بسمته إلى ضحكة افتخار و نشوة، أحس بالإنتماء لهذا الوطن، و استشعر استقراره في أفئدة الحضور، وما إن جمع أوراقه، حتى سمع دوي تصفيق قوي، بهتافات عز، تحمل كل معاني الوطنية و الحب لهذا الوطن. فانسلتت حينها دمعة من عينيه، لتخط دبيبها على وجنتيه؛ فقد استطاع بكلماته القليلة تهييج رقعة غطتها و عكرتها الفوضى و التملق الحربائي، و تناقضات الواقع التي تستحق منا كل عبارات الرثاء.فمن بوحه الصارم، فاحت عبارات الأسى و الانكسار،فانسلتت إلى الجوانح همسات اليقظة و الإذُكار، تاه التلعثم في خضم هذه المشاعر الجياشة، و طرد التوتر إلى غير رجعة، و ظل اللسان يرسل شعورا بدسم المعرفة، و كبرياء الإبداع، و هزيمة الذبول.
قدم انحناءة الشكر، ثم عاد إلى مكانه، فرأى الكل و قد تأثر، بما فيهم لجنة التحكيم و بقية المشاركين. جلس على كرسيه و نظرته مليئة ثقة، ثم تنهد لسماع حكم اللجنة. لم يكن ينصت ليستمع إلى الحكم بحد ذاته، إنما فقط يحاول سماع تقييم لمشاركته.
تسلم ممثل لجنة التحكيم مكبر الصوت و بعدها نطق بلا تردد:
"كل المشاركات كانت في المستوى، و كل المشاركين يستحقون لقب "الخطابة و الإقناع"، لكن قانون المسابقة يحتم علينا عنصر الإختيار، و بعد المداولة ارتأينا إلى اختيار الشخص الأبرز و الأكثر تميزا... و بلا تأخير سنعلمكم بالفائز في هذه المسابقة... و الفائز هو..........."
و قف المشاركون و أمسكوا بأيدي بعضهم البعض، و كلهم آذان صاغية، ينتظرون الحكم.
كان يحس بفرحة عارمة، لكأن النتيجة قد حسمت،و بالنسبة له قد حسمت بالفعل؛ سواء أفاز أو لم يفز ففي نظره قد فاز حقا: ألم يكن قبل دقائق يتردد في الكلام، و يختنق صدره من شدة التوتر؟ ألم يتلعثم قبل قليل من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه؟ و بعد نطقه بعباراته القليلة ثار الجمهور و هاج و تفاعل معه كأنه حدثهم ساعة من الزمن، أليس هذا هو الفوز الحقيقي؟
" الفائز هو: السيد: **أحمد رائد إسماعيل** ".
كسر هذا الإسم تفكيره، فنظر نظرة استغراب و تعجب: " أ أنا من نودي باسمه؟؟".
أعيد الإسم مرة أخرى، حينها لم يكن للشك أو الريبة أي مكان.
تقدم فاستلم جائزته، و عقله لا زال عاجزا عن استيعاب الموقف فكل ما يتردد داخله: "أ أنا من نودي باسمه؟ أ أنا من يستلم الجائزة الآن؟؟ لا لا هذا محال."
مرت المسابقة، فعاد إلى منزله، و ترك الجائزة على المنضدة دون أن يفتحها.
مر اليومان المواليان، فتذكرها، و مد يده ليفتحها....فتحها....لكن ما هذه التعابير على وجهه؟؟؟ ليست بفرحة و لا غبطة... لكن ما هذا؟؟....شهادة مرفقة بورقة؟؟؟ نعم إنها ورقة كتب عليها:
"وطنك، وطننا
فلا تؤذيه، و لا تعذبنا
عباراتك، رصاصة لنا
فاحذر منها، و منا"
بعد دهشة امتزجت بقلق، عادت إليه البسمة بل أطلق قهقهة استهزاء مرددا:
"فعلتها... استفززتهم...علموا أن فينا حماة لهذا الوطن... نحن الشباب له الدرعُ... ضد التهديد نحن السند."
لكن متى ينطلق الشباب و تتحول ردودهم من "عبارات" إلى "أفعال"؟
كلنا في انتظار خباياهم.

الوطن يحتاج الشرفاء وكذلك يحتاج الأقوياء والأوفياء والشجعان
حب الوطن بذل وخنوع لن يجدي
الحب يجب أن يكون مقرونا بالبسالة والشجاعة والتضحية
إنه الوطن لا يستهان به يا غاليتي .
تكلمت فأبدعت أيتها الأميرة الجميلة .
انتظر المزيد من هذا الإبداع .
:004:

ميساء البشيتي كتب:الوطن يحتاج الشرفاء وكذلك يحتاج الأقوياء والأوفياء والشجعان
حب الوطن بذل وخنوع لن يجدي
الحب يجب أن يكون مقرونا بالبسالة والشجاعة والتضحية
إنه الوطن لا يستهان به يا غاليتي .
تكلمت فأبدعت أيتها الأميرة الجميلة .
انتظر المزيد من هذا الإبداع .
:004:

كل كلامك صحيح و هذا المقصود فالقول بلا عمل لا يساوي شيئا... أشكر لك قراءتك و أعدك بالجديد إن شاء الله

استسمح في مقاطعة هذا الحوار المتناغم ..

ساقدم تصحيحا لخطإ تاريخي ورد في رد "اسير الامل" حتى لا تنتقل المعلومة الخاطئة عن غير قصد ،طبعا، الى الاخوان العرب ..
ان تاريخ 11 يناير( كانون الثاني ) ليس تاريخ استقلال المغرب ، بل استقلال المغرب كان في 18 من نونبر (تشرين الاول) 1956 ..
اما الحادي عشر من يناير فهو التاريخ الذي قدمت فيه الحركة الوطنية المناضلة من اجل الاستقلال انذاك وثيقة الى السلطة الاستعمارية الفرنسية تسمى "وثيقة المطالبة بالاستقلال" ، و كان ذلك في 1944 ، و قد خلد المغرب الذكرى الواحدة و الستين لهذا الحدث قبل ايام .