دواء أسمه البشر

دواء أسمه .. البشر !

قال لي الطبيب في أخر زياراتي له : أنت لست بمريض ، وأنا لا أستطيع أن أصف لك الدواء ، دواؤك هو أن تفتح في ذاتك نافذة ينفذ منها ضوء الشمس الساطع إلى بشرتك الشاحبة فيضيئها ، وتطلق رئتيك للنسيم العليل ليتسلل إليها مع أنفاسك ،اذهب إلى البحر، دع أمواجه الهادرة تلاطم قلبك ، تدغدغه ، قد يتسلل الحب
إلى قلبك المتحجر فيعيد إليه الحياة ، وابحث في أعين الناس علك تجد ضآلتك المنشودة في أعين خضراء ، زرقاء ، أو حتى سوداء .
تحرر من صمتك ، من سكونك فأخرج إلى البشر خالطهم ، تحدث إليهم ،هذا هو دواؤك، ليس لك عندي دواء .
فتحت نافذة الأمل في ذاتي فإذا الشمس حارقة أدمت بشرتي وألهبت جروحي فقلت : اصبر علّ الدواء في النسيم ، انتظرت النسيم العليل فإذا به نسيم متحشرج الأنفاس قطع أنفاسي باللهاث خلفه فقلت : اصبر ، اذهب إلى البحر ،ذهبت ، فوجدت الحب في انتظاري ، كلام يقطر منه الشهد ، لم يستطع قلبي اليافع تحمل عذوبته ، فاضطربت دقات قلبي المسكين ولكنه لم يرحمني ، انقض علي كالسيل الجارف الذي يبتلع كل شيء في جوفه فهربت !
هربت إلى الناس ، إلى البشر أشكو لهم ضعفي وحيرتي وابحث فيهم عن دوائي ، صفقوا لرؤيتي وطربوا لحديثي وألفتهم وسكنت فيهم وقلت هم دوائي ! فإذ بهم يسنون مديّهم لتمزيقي والتهامي كقالب من الحلوى طاب لهم مذاقه !
عدت أدراجي إلى حبي ، إلى الفيض العذب من الكلام المعسول ، إلى العينين الصافيتين بصفاء السماء في أيام الربيع ، فإذ به يهدر كالبحر وأمواجه تتلاطم فتجرح في جبروتها كبرياء السماء لترشق قلبي اليافع بسهم الخيانة !
هذا دواؤك يا طبيبي ، هل شفيت الآن ؟