بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
صفحة 4 من اصل 7
صفحة 4 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
خاطرتي"حروفي اللاجئة" في عرب كندا العدد 58 صفحة رقم 17
أتمنى لكم قراءة ممتعة أحبتي على هذا الرابط
https://arabcanadanews.ca/storage/magazine/thumbnail/magazine_58/index.html?fbclid=IwAR1CEseyOKclH2EnciAiuoV-oX7OQg6eOa12_uZakIDtBPIJxgOh1zA9m74
شكرا #عرب_كندا_محمد_زهير
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
حديث خاص
عندما دعاني صديقي قبل ألف دهر من الزمن لمشاركته قهوته الصباحية فرحت جدًا؛ لأن هناك من يشاطرني عشق القهوة ومواقيت القهوة، سألته بدلال: أي قهوة تفضل؟ أجابني بنبرة لا تخلو من السخرية والحسرة بذات الوقت: أنا لا تهمني القهوة، ما يهمني هو: أي مشروب ساخن يدفئ الروح بهذا الصقيع القاتل! استغربت جوابه هذا... لكني اليوم، بعد ألف دهر بالضبط من ذلك اللقاء، وأنا أعدُّ قهوة الصباح، شعرت بأن ما أريده فقط هو أي مشروب ساخن يدفئ الروح بهذا الصقيع القاتل... مع أن درجة الحرارة بلغت الخمسين!
صديقي كان يعود مكتئبًا بعد كل زيارة يقوم بها إلى دياره وأهله، ويأخذ وقتًا لا بأس به وهو معكتف؛ يحاول أن يعود إلى نفسه... هكذا كان حالي أنا بالضبط ولكني لم أخبره؛ لأنني أصلًا لم أكن أدرك ماهية هذا الشعور وقتها، لكن بعد أن أصبحت عجوزًا كصديقي بدأت أفهم ما الذي يدخلني في حالة الكآبة تلك!
فيما مضى كنت أقوم بزيارة دورية للديار، والأهل، والأحبة، أمكث قدرًا من الزمن ثم أعود إلى صومعتي؛ لأعتكف فيها فترة من الزمن؛ أتخلص فيها من كآبتي وحزني على مفارقة الأهل، والديار، وأنا! نعم أنا، فلقد أكتشفت أنني في كل زيارة أذهب لأرى نفسي التي تركتها هناك بين الأهل، والأحبة، وفي أرض الديار، وعندما أودع أودع نفسي، وأتركها بينهم دون أن يلحظوا أنها هناك. ولكن مع مرور الزمن كبرنا، وتغيرنا، ونسينا كثيرًا من التفاصيل، وتجاوزنا عن الكثير... إلا نفسي فلقد بقيت كماهي مشرقة، محبة للحياة، عاطفية، تقتات على مخزون كبير من الذكريات، لا تزال تبكي كلما سمعت نشيد الصباح المدرسي، وتنتظر مسلسل الساعة الثامنة مساء بفارغ الصبر قبل أن تخلد للنوم ولاستقبال الأحلام. نفسي هذه صعبت عليَّ كثيرًا، يوجعني فراقها جدًا، ويوجعني أكثر لقائي بها؛ فقررت أن أتركها هناك... ولا أذهب لزيارتها!
هل أصبحت كصديقي العجوز الذي لم يعد يكترث لمذاق القهوة، والذي اعتكف منذ آخر كآبة حلت به بعد عودته من الديار، والذي أصبح يعيش في درجة حرارة دون الخمسين ولا يشكو أو يتألم أو يحس بالصقيع؟
هل آخذ صديقي العجوز ونذهب بزيارة خاطفة إلى الديار نجلب فيها أنفسنا من هناك، ربما استطعنا أن نجد في مذاق القهوة ذلك العشق المنسي خلف تلال الذكريات.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
إلى ذلك المحترق
إلى ذلك المحترق بنار البعد قبل أن تبرد نارك وتستعر نيراني، قبل أن تصبح هذه الحروف كالرماد؛ دعني أرسل إليك بعضًا من جمرها... قد تصّدقُ هذا الجمر أكثر مني؛ فالجمر أصدق أنباء الحب .
إليك، إلى أول من غرس بتلة من بتلات الحب في حدائق قلبي، أول من علمني نطق حروف الحب وترجمتها إلى لغة مقروءة على شفتي!
إلى ذلك المحترق بنار البعد قبل أن تبرد نارك وتستعر نيراني، قبل أن تصبح هذه الحروف كالرماد؛ دعني أرسل إليك بعضًا من جمرها... قد تصّدقُ هذا الجمر أكثر مني؛ فالجمر أصدق أنباء الحب .
إليك، إلى أول من غرس بتلة من بتلات الحب في حدائق قلبي، أول من علمني نطق حروف الحب وترجمتها إلى لغة مقروءة على شفتي!
أول من شخبط على كراستي بأنامله ورسم لي قلب حب حين كنتُ لا أجيد من الرسم سوى شطر تفاحة، قشرة برتقالة، رأس قطة تموء.
أول من قال لي بأنني امرأة خُلقت للحب، أميرة توجت على عرش الحب حين كنت أظن نفسي امرأة خلقت للوطن، أميرة توجت على عرش النضال، امرأة وهبت قلبها، عقلها، فكرها، وقتها لتلك الخيام المهجورة على بوابات الوطن.
أول من قال لي: اكتبيني في حروفك ثورة، علقيني برأس الدفتر عنوانا، ازرعيني في الهوامش، الزوايا، بين السطور، ارسميني في ذيل الصفحة، وأنا ما كنت أكتب إلا اسم الوطن، ما كنت أكتب حروفي إلا عن الوطن، و للوطن، وفداء الوطن.
ترددت، ارتعشت، تلعثمت، ثم نظرت إلى الحروف باستهجان؛ هل هي ذات الحروف تُكتبُ لغير الوطن؟
أمسكت القلم... وكتبت.
كان اسمك تاج هذه الحروف، كان بردها ولهيبها، كان صيفها وشتاءها، كان أيلولها، كان صباحها ومساءها، كان قطرات المطر ، وبلورات الثلج، وغيوم أيلول، وكان رذاذ الندى يغفو على أوراق الزهر في نيسان.
وكان أيلول ثالثنا ، يجمعنا ويفرقنا، يلملمنا ويبعثرنا، يحضن خطانا ثم ينشرها مع الريح، يضم إليه رسائلنا ثم يسقط عليها زخات المطر فيغرقها، إلى إن استعرت جمرات البعد فاحترقت أنت فيها... وأنا بقي لي اسمك! اسمك الذي فيه وبه أنا اليوم أحترق.
أول من قال لي: اكتبيني في حروفك ثورة، علقيني برأس الدفتر عنوانا، ازرعيني في الهوامش، الزوايا، بين السطور، ارسميني في ذيل الصفحة، وأنا ما كنت أكتب إلا اسم الوطن، ما كنت أكتب حروفي إلا عن الوطن، و للوطن، وفداء الوطن.
ترددت، ارتعشت، تلعثمت، ثم نظرت إلى الحروف باستهجان؛ هل هي ذات الحروف تُكتبُ لغير الوطن؟
أمسكت القلم... وكتبت.
كان اسمك تاج هذه الحروف، كان بردها ولهيبها، كان صيفها وشتاءها، كان أيلولها، كان صباحها ومساءها، كان قطرات المطر ، وبلورات الثلج، وغيوم أيلول، وكان رذاذ الندى يغفو على أوراق الزهر في نيسان.
وكان أيلول ثالثنا ، يجمعنا ويفرقنا، يلملمنا ويبعثرنا، يحضن خطانا ثم ينشرها مع الريح، يضم إليه رسائلنا ثم يسقط عليها زخات المطر فيغرقها، إلى إن استعرت جمرات البعد فاحترقت أنت فيها... وأنا بقي لي اسمك! اسمك الذي فيه وبه أنا اليوم أحترق.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
خاطرتي إلى ذلك المحترق في المكرمة عرب كندا
في العدد رقم 61 صفحة 17
للمتابعة على هذا الرابط مع كل الشكر لعرب كندا والقائمين عليها
https://arabcanadanews.ca/storage/magazine/thumbnail/magazine_61/index.html?fbclid=IwAR1PN_BiSx2NQ0-yTIRjI71fKrA3cB45W0piJJc_nQUHx_XTicPOrvK-hAg
في العدد رقم 61 صفحة 17
للمتابعة على هذا الرابط مع كل الشكر لعرب كندا والقائمين عليها
https://arabcanadanews.ca/storage/magazine/thumbnail/magazine_61/index.html?fbclid=IwAR1PN_BiSx2NQ0-yTIRjI71fKrA3cB45W0piJJc_nQUHx_XTicPOrvK-hAg
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
من يد الوطن
إلى أبي في ذكرى رحيله السابعة
توالت السنين على رحيلك يا أبي وأنا في مثل هذا اليوم من كل عام أتجرع مرارة اليتم من جديد!
أتصفح ملامح وجهك في المنام فأراها جميلة؛ لم أكن أجد الوقت لأتصفحها وأنت حيًا بينما أنا أتجول على أرصفة الشتات.
أحاول أن أقترب أكثر لأسمع بحة صوتك عن قرب... لكنها تأتي سريعة؛ لا أستطيع أن أضمها إلى قلبي وأعانقها بشوق وحنين طال عمره لسنوات.
أشرب قهوة الصباح وأتذكر فناجين القهوة التي كنت تعدها إلينا حينما كان يشرق الفجر علينا وأنت بيننا،كانت حلوة كثيرًا؛ لم أكن أدري أنك تمنحنا السكر بزيادة لنذيب مرارة هذه الحياة.
لا أحب التذمر والشكوى؛ فقد أصبحت عادة متأصلة في الجميع، وأنا لا أحب أن أكون واحدة من هذا الجميع!
أطلت عليك يا أبي وأحضرتك من مكانك وزمانك إلى مكاني وزماني ليس لأقول: كم اشتقت إليك يا أبي؟! بل لأقول: من ليس له أب ليس له وطن يا أبي!
بعد رحيلك رحل الوطن.
كنتَ أنتَ الوطن، القدس، قبة الصخرة، ساحات الحرم، الياسمينة التي تسلقت الجدار، دالية العنب، بئر الماء... كنت نسيم ذلك الوطن؛ فالوطن بعدك مات مخنوقًا يا أبي.
بعد رحيلك أغلقت المذياع؛ لا أريد أن أسمع أنهم خنقوا ياسمينتك، مزقوا دالية العنب، جففوا بئر الماء، جلسوا في أرض الديار وتناولوا عشاءنا الأخير!
لم يعودوا يخشون شيئًا، لم يعودوا يهابون أحدًا؛ كنتَ أنتَ من يخشون، من يهابون حضوره، وجوده، فكره، لسانه، حديثه، حتى صمته كان يرعبهم!
أما اليوم فلم يبقَ شيئًا إلا ودنسوه، سلبوه، أطاحوا به... إلا صورتك في قلبي، لن يصلوا إليها، وستبقى ترعبهم، ويخافونها، ويخشون منها الاقتراب.
سأبقى ابنتك يا أبي، سأبقى ابنة وطني، قدسي؛ فبيننا مشوار طويل سأكمله عنك يا أبي؛ كي نعود نكمل عشاءنا في أرض الديار، ويشرق علينا فجر القدس من جديد؛ فتُصَّب في فناجين الصباح قهوة حلوة من يد الوطن.
إلى رحمة الله يا أبي
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
طائر الخريف
نجا أيلول من براثن الخريف وتغامز الفصول ومناورات الشمس والمطر وتهامس النساء على الشرفات وسخط الشعراء على أرصفة المقاهي والطرقات! حط بسلام ورحل بسلام مخلفًا في الأفق غيمًا وارف الظلال.
لا أقرأ الصحف ولا أتابع نشرات الأخبار، لا أريد أن أعرف ماذا نبت في حدائق الجوار: الياسمين أم الصبار؟ لم تعد تستهويني أخبار الآخرين؛ فسمائي ملبدة، وشمسي غائمة، وقمري محتجب خلف الظلال، والغيوم القادمة من كل الاتجاهات مثقلة بالحزن، مكفهرة الملامح، يسيل من أردانها الغضب، وتتراشق النظرات الحادة وسط الضباب.
أنا لا أبرر عدم انتظاري لك على قارعة الطريق، وأنني لم أقطع بخطواتي شوارع الانتظار ككل خريف، ولم أقلِّب مفكرة الأيام وأمزق أوراقها حتى تأتيني أسرع من كل عام، ولكنني يا أيلول حلَّ بيَّ ما حلَّ بهذه الديار من وبال؛ فلم نعد ننتظر سنابل الصيف أو نغتسل بالمطر أو نرتعد من سماء الخريف أو نبتهج لاخضرار الربيع! فكيف سأخبر قومي بأنني لا أزال على عشقي لأيلول؟ وأنني أراه خلسة في فنجان الصباح، وأكتبه قصيدة بألف عنوان، وأنه إن كان هو بخير فلا يهمني ماذا يعصف بالديار من خراب!
وحدك من يعلم أنني في هذه الديار غريبة عن قومي؛ فأنا خريفية الملامح والأطوار وهم من دعاة الربيع، من أنصار الشمس المتواطئة، والمطر الممنهج، وكل أنواع التطرف في النظرات والمعتقدات. وأنا لا أنفك أحاول أن أقنع غيمة شاردة بالعبور ولو سهوًا فوق حقولي، وأغري الشمس وهي في لحظة تثاؤب بالمرور خلسة عن العيون، ولكنهم متفقون بأنني غريبة في الولاء والانتماء لأيلول مثقل بالسواد!
وها أنت رحلت يا أيلول: زاهيًا كبنفسجة، حالمًا كفراشة، سخيًا كغيمة، دافئًا كخبز التنور، شهيًا، بهيًا، نقيًا، تحمل في قلبك ألف رسالة حب، لكن قومي لك كارهون! فتمهل يا طائر الخريف، وخذ مني وعدًا: بأنني كنت ولا أزال لأيلول، ودع قومي في غيِّهم يعمهون.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
قصيدة بعرض البحر
آن لهذا الحرف أن يحزن، أن تترجل القصيدة عن جوادها وتعتكف، أن تلتزم الصمت في زمن أصبحت الثرثرة فيه زادًا لكل فقيه وحجَّةً على الكَلَمِ.
يفتش في أوراق القصيد عن قافية أخرى للشتات، عن بحرٍ لا يأكل لحم مرتاديه، عن خيمة لجوء لا يأوي إليها كلُّ منتحر!
زجروك وقالوا لا تكتب عن الحزن؛ فتَهُبَّ شياطينه من حولنا وتنتشر! أمروك ثم أمروك ثم أجبروك أن تنحني لظلالهم، أن تستجدي غيومهم الفارغة، أن تغازل دبيب خطواتهم بابتسامة عريضة الشفتين أو قصيدة عصماء أو إحدى المعلقات السبع.
أن تستحسن كل ما تَلفَظه عيناك من رؤاهم، وأن تغضَّ البصَرَ عن عقائدهم، مذاهبهم، تضاريس خرائطهم، وأن تُجَمِّل في أذنيك عذِبَ وكذِبَ كلامهم فتنظمه قصيدة ألفية، أو ديوان شعرٍ، أو فابقَ كما أنتَ قصيدةً عرجاء، نكرة الهوية والمولد والنسب!
لقد حضرتَ كثيرًا في زمن الغياب، أشهرت سيف خالد بن الوليد، وما جاد به ابن الرومي من فضائل وحكم، رفعت يدًا بالعدل ويدًا بالحق فصفعوك، كم صفعوك فأوجعوك ثم قاموا إلى حروفك ودفنوها في لحد.
لا تلجأ إلى التاريخ، لا تستنهض شخوصه، لا تتلُ عليهم قصائد المتنبي، لا تجمع دموع الخنساء في كفيِّك، لا تذكرهم بذكاء بلقيس، ودهاء أخوة يوسف، لا تحدثهم عن مريم، والعصا التي فلقت البحر، والسفينة التي حملت من كل شيء زوجين، لا تتلُ عليهم مزاميرك؛ فقد يكفرونك ويقيمون عليك الحد.
لا ترحل، لا تسحب ظلالك من ساحات الشعر وتهجر عُكاظ * والمَجَنَّة * والمِربَد*، لا تقل كم ستصمد القصيدة العزلاء بوجه السيف، والروح المتعبة في يد الشانِق، وأن القصيدة هي قوافٍ حرةٌ، ليس لها أب، أم، أشقاء، ظلال تنام في أفيائهم وقت الشدة وفي الرخاء؛ فتعلن إليهم الولاء عن طيب خاطر وجهل، وإنها حروف طائرة تحلِّق في السماء كلما هاجت ريح غادرتها إلى السماء الأعلى.
إن كان لا بدَّ من الرحيل ولا مفر، إن كانت قافية من قوافي الشتات تلوح إليك أن تقترب، إن ضاقت عليك الأرض بما رحُبَت، وأثخنتك جراح الرفاق، وأعيتك مصائبهم، وفاضت بك قنوات الصبر، وتراءى لك البحر طوقَ نجاةٍ، وأمواجه سلالم أمل فارحل بسلام وابَحِر.
وأنت أيها البحر كُن على غير عادتك رحيمًا به؛ إنه يحمل في قلبه قصيدة لا تكفر، لا تكذب، لا تساوم، لا تستسلم، لا تموت وإن طُعنت في ألف مقتل، قصيدة تمخض عباب البحر، تصول وتجول في عرضه، على موعد مع شتات آخر، إن شئت يا بحر أم لم تشأ فلن تغرق.
* عُكاظ : في بلاد هوازن في الحجاز قرب الطائف، أشهر أسواق العرب الشعرية قاطبة، وهي عامة تجارية واجتماعية وأدبية، أثرت في لغة العرب وفي توحيد لهجاتها.
* المِربَد : ضاحية من ضواحي البصرة ، تشبه عكاظ : عامة تجارية وقومية وأدبية، حتى العصر العباسي .
* مَجَنَّة : في بلاد كنانة في تهامة قرب مكة، عامة تجارية واجتماعية وأدبية (مصغرة عن عكاظ) وهي استمرار لها، يحميها مكانها والشهر الحرام .
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
عَبس الوطن
لن تهدأ ثورتك، لن تفلت من هذا الضجر الذي يحاصرك من كل الجهات، سينال منك القاصي والداني، ويعلنوك على الملأ زنديقًا كفر بتعاويذ الأجداد، ورمى خلف ظهره صورة باهتة للوطن!
لم يبقَ فيها حيًا إلا الخراب! إنه يكبر ويمتد وينتشر مع الشمس وذرات الهواء؛ لأنهما لا يجيدان القراءة بين السطور وخلف الأفق، ولا يمتدان إلى الزوايا العميقة ومنتصف الفؤاد، لا يعرفان ماء المحبة الذي شح وانقطع؛ فتربع الخراب على كتفيهما، وهبط بنعليه ومشى.
في الماضي القريب كنتُ أعتبر صمتك داءً خبيثًا يجب أن يُجتث من جذوره، أن تُجفف مآقيه وسواقيه ونوابعه؛ فركضت أبحث عن الدواء، هرولت إلى الكتب القريبة والبعيدة، أفتش فيها كيف أداويك؟ كيف أصنع لك رفاقًا من الورق؟ كيف أرسم وطنًا على باطن الكف تشتهيه كل صباح وأنت ترتشف قهوتك؟ كيف أرسم ضحكاتهم الغائبة على جدار بارد كي لا تنساهم وتنسى كيف يكون الضحك؟
كانت الشمس أحيانًا لا تكرهني، تحنُّ عليَّ فجأة فتشرق في أعماقي، وكنتُ لا أكذب خبرًا؛ فأنفض الخريف عن قلبي، وأميط الضجر عن عينيِّ وأمضي في حقول الصباح؛ أقطف من كل حديقة بنفسجة وياسمينة، أذيبهم مع رحيق الزعتر، أرتشفهم على الريق ثلاث مرات متوالية؛ فينتعش الوطن في قلبي، وأكتب إليه قصيدة من ألف بيت، تذوب أحرفها على الجسور والمعابر، وتتشتت قوافيها، ويلملمها الرفاق ويعلقونها على قبة الصخرة؛ فيبتسم المسجد الأقصى ويضحك كل "الحَرَم"؛ فيُجبَر خاطري الذي كُسر، وعمري الذي تصدع على بوابات الشمس.
لا ياسمينة حرَّة في حدائق الجوار، لا بنفسجة بِكرٌ، لا بقايا زعتر في أرجاء القلب، كل شيء فارغ حتى من الصور! والمطر هنا يأتي على استحياء، وفي آخر مرسوم صدر عن والي المدينة حرِّم فيه وجرِّم قطف حبات المطر؛ فلم أعد أستطيع أن أخبئ إليك بين كفيِّ حبات المطر، ولم أعد أستطيع أن أزرعهما حدائقَ لترى الوطن فيهما، وتشتهيه كل صباح وعند الغسق، ولم يعد الوطن قابلًا كي أرسمه، أو أصوره لك؛ كي تحتسيه نبيذًا معتقًا عند كل مساء وقبل أن تهاجم عينيك براثن النَعَس.
الوطن أصبح بعيدًا، والمطر شحيحًا، والشمس أعلنت كراهيتها بالمطلق، وتواطأت مع الأكسجين على الفتك بكل قصيدة، وملاحقة الشعراء، والزج بهم إلى كهوف بعيدة؛ فالخيام أصبحت مبعث قلقٍ وأرقٍ، ونزفها ولو كان عشقًا خالصًا لوجه عفراء أو مادونا سيبقى مرفوضًا بلا سبب.
وأنا بين كل هذا الظلام أخرج في الصباح كعادة قديمة، أفتش في الحدائق الباردة عن نرجسة يابسة، أو ضلع ياسمينة مهجورة؛ فاتخذها صديقة!
لم يبقَ منهم أحد، فلنعلن الصمت معًا؛ فهذا الوطن مثخن بجراحه، محترق حتى أصابع قدمه، لن تشفيه صلاة، لن يرثيه دعاء.
عَبس الوطن، ولن يبتسم لقصيدة.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
عبس الوطن في المكرمة عرب كندا
الصفحة رقم 15 من هذا العدد
https://arabcanadanews.ca/storage/magazine/thumbnail/magazine_65/index.html
أتمنى لكم قراءة ممتعة أحبتي
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
رد: منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
على شرفات الذبول
تمرُّ الأعوام إثر الأعوام خالية من علامات الربيع، يقفز فيها القحط والجدب فيحتل كل العناوين! وأنا وردة ذابلة في أصيص تراود عينيِّها المثقلتين بالنعاس: أن ترفع رأسها قليلًا نحو السماء الحبلى بالأشعار، وأناشيد الفرج، والأمل البعيد.
أفتح الحروف؛ أحاول أن أستنشق منها هواءً نقيًا، أحاول أن أعبرَّ دهاليزها، أن أصل قلب الذكريات...أعود إلى حيث تركت مرابع الطفولة قبل ألف عام، أبحث عن ورقة قديمة تركت فيها عنواني للريح، أبحث عن قلمي المكسور... هل هو مع صديقتي في الدرج المقابل؟!
أفتح خزنتي وما تحتويه من أسرار فأجد لعبة قديمة جدًا كنتُ أتسلى بها في أوقات الصبا... كان اسمها يتردد دائماً على طرف لساني... أما الآن فلم أعد أذكره؛ فالنسيان قد يزحف مبكرًا على أوراق الورد فيكسوها برذاذ الندى ليصبح الماضي ليس بعيدًا... لكنه ليس صافيًا كالمرآة!
أمدُّ رأسي قدر المستطاع في بئر الماء: هل ما يزال يحتفظ لنا ببعض الماء؟ أم أنه قد جف ماؤه بعد أن هاجمه صيف قائظ وحط رحاله عند الباب؛ فهربت العصافير التي كانت تتعلم فنَّ مغازلة عيون النهار.
وأشجار الورد، كم قالوا أنها لا تنفك تسألهم عني، ولا يزال يتفتح وردها كل يوم بألوان الزهو، يبحث عني في حديقة البيت، يسأل ورد الجوار... وأنا أسافر في غربة طويلة: أقضي فيها نهاري مع الملل، ألمع أصيصًا فارغًا، وآخر يحوي نبتة ذابلة وزهرة برية تراود نفسها على الانتحار!
هل يكفي أن أمنحهم بعض أنفاسي كي يبقوا على قيد الحياة؟ ولمن يعيش الورد؟ لمن يبقى يرفرف على الغصون؟
اقتلعته بأنانية مفرطة من الجذور، أخذته من أحضان تربته ، أنزلته عن أكتاف أمه وحملته معي؛ كي يؤنسني في غربتي؛ فذبلَّ معي... ولم نعد أنا وهو قادرين على الغناء من جديد.
قدمت له قهوة الصباح فرفضها بأدبٍ خجول؛ قال الورد: لا أشرب القهوة... أعيش فقط على قطرات الحب، فهل لديك منها المزيد؟
حتى العصافير في الخارج أصبحت شرسة؛ ربما لأنها تستمع إلى نشرات الأخبار المتسربة من مذياعي العتيق، لم أشأ أن أمنعها؛ فهذا السرُّ لم يعد خافيًا على أحد! وما أخفيه اليوم من أخبار الوطن تفضحه إذاعات الجوار، وتفشيه بين الأحبة، والأعداء، وقطاع الطريق.
وأنا وردة ذابلة في أصيص أراود نفسي الممتلئة بالهزائم، والمثخنة بالانكسارات، على فرصة أخيرة في البقاء؛ فأبحث في عيون الغد عن بصيص أمل أكمل فيه الطريق، أنظر في عيون الأطفال فأراها مبهمة، غير مقروءة؛ فأدرك أن الحليب كان مغشوشًا، وأن الطفولة ضاعت بين جشع التجار وفقر ذات الحال.
شوك الصبار نبت وتنامى على الشرفات، أقطف منه كل صباح، أقرأ عليه تعويذات حارة، أدعو له بطول البقاء؛ فالورد في الأصيص ذابل، وعلى الشرفات يتأرجح بين الجفاف وبين الذبول.
ونشرة الأخبار تجذبُ إليها العصافير الغِرّةّ فتصبح غريبة، شرسة، تدقُّ بمناقير الغلِّ زجاج الأيام؛ أخشى أن أفتح إليها النوافذ فتكون هي الأخرى قد أصبحت من رفاق السوء... لا تنعق إلا بالخراب، ولا تأتي إلا بالدمار؛ فأعود وأحتضن الصبَّار بين ذراعيَّ وأدعوه كي يبقى إلى جانبي إلى أن أتجاوز هذا الذبول، وألج ربيعًا آخر ليس فيه إلا الورد، والبلابل، ورفاق الدحنون.
--------------------------------
الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
صفحة 4 من اصل 7 • 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7
مواضيع مماثلة
» منشورات ميساء البشيتي في الصحيفة الورقية " الصراحة " كندا
» إصدارات ميساء البشيتي
» ميساء البشيتي .. قصيدة .
» قصيده للعدوان علي غزه ساعة طلوع الفجر
» إلى صديقة
» إصدارات ميساء البشيتي
» ميساء البشيتي .. قصيدة .
» قصيده للعدوان علي غزه ساعة طلوع الفجر
» إلى صديقة
صفحة 4 من اصل 7
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
أمس في 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي