منتدى عصفورة الشجن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

من أنا ؟


حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية


المواضيع الأخيرة
» رسائل في الهواء
المتسول  Emptyأمس في 12:30 من طرف ميساء البشيتي

» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
المتسول  Emptyالخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة

» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
المتسول  Emptyالسبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد

» سلسلة حلقات جاهلية .
المتسول  Emptyالثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي

» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
المتسول  Emptyالثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:09 من طرف ميساء البشيتي

» لمن يهمه الأمر
المتسول  Emptyالثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي

» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
المتسول  Emptyالسبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة

» شجرة التين بقلم نور دكرلي
المتسول  Emptyالسبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة

» عيد ميلاد سعيد يا فرح
المتسول  Emptyالأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي

» مطر أسود
المتسول  Emptyالإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي

»  بـــ أحس الآن ــــــــ
المتسول  Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد

» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
المتسول  Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد

» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
المتسول  Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة

» ثورة صامتة
المتسول  Emptyالإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم

» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
المتسول  Emptyالثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري

» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
المتسول  Emptyالإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي

» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
المتسول  Emptyالأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي

» ليلاي ومعتصمها
المتسول  Emptyالأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة

» غزلك حلو
المتسول  Emptyالأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال

» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
المتسول  Emptyالأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي

» تحركوا أيها الدمى
المتسول  Emptyالأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي

» لوحة
المتسول  Emptyالسبت 22 يونيو 2024 - 12:04 من طرف ريما مجد الكيال

» كنتَ مني وكنتُ منك !
المتسول  Emptyالسبت 22 يونيو 2024 - 12:02 من طرف ريما مجد الكيال

» في مولد الهادي
المتسول  Emptyالثلاثاء 18 يونيو 2024 - 12:21 من طرف هدى ياسين

» أحلم بالعيد
المتسول  Emptyالأحد 16 يونيو 2024 - 12:06 من طرف اميرة

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
خيمة العودة
المتسول  Poll_rightالمتسول  Poll_centerالمتسول  Poll_left 
ميساء البشيتي
المتسول  Poll_rightالمتسول  Poll_centerالمتسول  Poll_left 


المتسول

+2
سميرة عبد العليم
ميساء البشيتي
6 مشترك

اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty المتسول

مُساهمة من طرف ميساء البشيتي الخميس 20 سبتمبر 2012 - 15:47

المتسول

داهمني الوقت وأنا أتسوق بعض الحاجيات .. أوشكت الشمس على المغيب .. لملمت حاجياتي وانطلقت نحو سيارتي التي كنت أصفها في شارع شبه خالٍ من المارة أو السيارات ..
فتحت باب السيارة والنافذة المجاورة لي وألقيت كل ما كان في يدي من أكياس إلى الكرسي الخلفي والتفت للقيادة .
ما أن رفعت ناظري حتى فوجئت به .. رجل مسن يحمل صندوقاً خشبياً فارغاً يرفعه فوق رأسه ويتمتم ببعض الكلمات .. مظهره كان مخيفاً للغاية .. ارتعدت مفاصلي لرؤيته وخيل لي أنه سيهوي بهذا الصندوق على رأسي ويأخذ مني مفتاح السيارة كما كان يتناهى دائماً إلى مسامعي عن حوادث من هذا القبيل فما كان مني إلا أن أغلقت النافذة والأبواب وانطلقت بسرعة الصاروخ من أمامه وأنا انظر إليه من المرآة وقد أنزل صندوقه الخشبي من فوق رأسه ووضعه جانباً وما زال يتمتم .
لم تهدأ أعصابي حتى تجاوزت أول شارة مرور وعندها سمعت آذان المغرب فأسرعت كي لا أتأخر عن موعد الصلاة .
صورته لم تغب من بالي .. ماذا كان يريد ؟
هل كان ينوي قتلي أم فقط سرقتي ؟
مظهره الرث الكئيب لا يوحي بذلك .. لكن هذه التحذيرات التي تملأ البلد عن حوادث السرقة والقتل المنتشرة منذ فترة قريبة ما هو مصدرها ؟ لا يمكن أن تكون مجرد شائعات .
لكنه رجل مسن .. فقير الحال .. لا يقوى على المشي فكيف سيضربني بهذا الصندوق ؟
إذاً لماذا يرفعه عالياً إن لم يكن قصده الإجرام ؟
وصلت بيتي وأنا لم أصل لأي إجابة عن كل تلك الأسئلة والتساؤلات .. رآني الجميع مكدرة تماماً .. سألني زوجي عن السبب فقصصت عليه الحكاية .. هدأ من روعي وقال إن تصرفي كان صحيحاً فحوادث السرقة والقتل منتشرة بكثرة في هذه الأيام ولا أحد يمكنه أن يضمن نوايا أحد حتى لو كان رجلاً مسناً .
مع هذا ظل ضميري يؤنبني وبقيت الحكاية تلازمني كل الوقت فصرت أجوب ذلك الشارع والشوارع المحيطة به .. أذهب إليهم في ساعات متفرقة وحتى في بعض ساعات المساء رغم خوفي الشديد منها .. كنت أرغب برؤيته .. كنت أريد التأكد من أنه مجرد متسول وليس قاتل أو سارق أو مجرم .. ولكن عبث .
لقد أصبح هاجسي وبت أفكر فيه كثيراً وأفكر كيف يتركه أولاده لقمة سائغة للتشرد والتسول ؟
ربما ليس لديه أولاد .. لكن أليس لديه أقارب ؟
ربما ليس لديه أقارب .. أهل .. جيران .. لكن أليس لديه دولة ينتمي إليها ؟
أليس هو مواطن منتمٍ لدولة يرفع علمها ويردد شعارها ( بلادي ... أولا ) بمناسبة ودون مناسبة .. ألا يدلي هذا المتسول بصوته في الانتخابات التشريعية والبلدية ؟
ألا يمسك طرف حلقة من حلقات " الدبكة" في عيد الاستقلال .. و كل هذا مقابل ماذا .. مقابل صندوق خشبي مهشم ويد ممدودة تدعو بتضرع إلى الله
(حسنة لله ) ؟
حاصرتني الأسئلة وتأنيب الضمير وفظاعة ما قمت به تجاه هذا المتسول العجوز .. واستمريت على هذا الحال المضطرب شهوراً عدة حتى هلَّ علي شهر الخير والبركة شهر رمضان الفضيل فأخذت في ليلة القدر أدعو الله وألح عليه بالدعاء أن ألتقي هذا المتسول الذي أشغل فكري منذ مدة ليست بالبسيطة .. وظهرت لي صورته فشعرت بفظاعة ما عملت وتأنيب الضمير وأخذت أجهش في البكاء حتى اجتمعت عليَّ أسرتي وعرفوا أنها المشكلة ذاتها التي تؤرقني وتأثروا جداً لحالتي وبدأنا جميعاً بالدعاء لهذا المتسول الذي لا أعرفه ودعوت ربي أن أعثر عليه .. ونمت ليلتي ودموعي لا تفارقني .
بعد يوم أو أكثر لا أذكر بالضبط ذهبت إلى ذلك الشارع في طريقي إلى مكتب البريد .. هناك وجدته يجلس على درجات مكتب البريد يضع صندوقه الخشبي أسفل منه ويتمتم .. كما رأيته أول مرة .
هل فرحت في لقاءه ؟
لا أعلم .. ربما طرت من فرحتي ..
ركضت إليه كأنني عثرت على ضآلتي المنشودة .. ناولته قطعة من النقود ..
أخذها وشكرني ..
ودعا لي ..
كنت أنظر إليه بفرحة كبيرة وقد ارتسمت الابتسامة العريضة على وجهي .. لكن هو لم يعرفني .. لم يذكرني .. أنا فقط من أذكره ولا يفارق خيالي أبداً ..
لم أشأ أن أكلمه بأي شيء أو أستفسر منه عن أي شيء فأنا قد عرفت مكانه .. وسأراه في كل يوم .
عدت في اليوم التالي متفائلة جداً لأخوض معه وأسأله عما أرق فكري ... لكني لم أجده ..
وفي اليوم الذي تلاه واليوم الذي بعده .. ولكني لم أجده .. بعد ذلك اليوم لم ألتقِة أبداً.
سافرت وقطعت من السنوات الكثير وهو لا يغيب عن بالي لا هو ولا سؤال واحد فقط من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني .. سؤال واحد يقض مضجعي .. أليس هو مواطن منتمٍ لدولة مسؤولة عنه .. إذاً لماذا لا يملك سوى صندوقه المهشم ويد ممدودة لا تنفك عن الدعاء إلى الله ..
( حسنة لله ) ؟

--------------------------------
المتسول  Aooo_o11

الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
ميساء البشيتي
ميساء البشيتي
مديرة المنتدى
مديرة المنتدى

العذراء الأبراج الصينية : القط
عدد المساهمات : 6514
تاريخ الميلاد : 17/09/1963
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
العمر : 60
الموقع الموقع : مدونتي عصفورة الشجن

http://mayssa-albashitti.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty أختي الحبيبة ميساء

مُساهمة من طرف سميرة عبد العليم الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 20:56

أحيانا ميساء ينتابنا هذا الشعور ..وتسوقنا العاطفة إلي احداث موقف
لكن لا تنسي أننا أصبحنا في زمن أصبح فيه التسول مهنة ومطمح للكثير وأيضا سوق اجرام
ثقافات فرضت علينا وخصوصا مع زيادة الفجوة بين المواطن والدولة التي أصبحت لا تعترف بالفقراء ولا يوجد ضوابط ونظم للعلاقة بأفرادها
تحياتي لنصك الواقعي أختي ودمت بخير
سميرة عبد العليم
سميرة عبد العليم
عضو متميز
عضو متميز

السرطان الأبراج الصينية : الثور
عدد المساهمات : 1340
تاريخ الميلاد : 01/07/1973
تاريخ التسجيل : 10/01/2011
العمر : 51

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف ميساء البشيتي السبت 22 سبتمبر 2012 - 20:55

نعم سميرة اليوم الأمور أصبحت مدعاة للحذر أكثر مما سلف ولكن المشكلة يبقى هناك فعلا بعض منهم قد يكون محتاجاً حقيقياً وأخشى أن نظلمه .. اختلط الحابل بالنابل يا سميرة وما عدنا ندري .. ربنا يجيرنا من الآت .. ألف شكر يا غالية على مرورك الذي يثلج الصدر ويبهج النفس .

--------------------------------
المتسول  Aooo_o11

الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
ميساء البشيتي
ميساء البشيتي
مديرة المنتدى
مديرة المنتدى

العذراء الأبراج الصينية : القط
عدد المساهمات : 6514
تاريخ الميلاد : 17/09/1963
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
العمر : 60
الموقع الموقع : مدونتي عصفورة الشجن

http://mayssa-albashitti.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف اماني مهدية الرغاي الإثنين 1 أكتوبر 2012 - 17:23

العزيزة ميساء مساؤك فل
وعذرا عن تاخير الرد
راقتني كثيرا قصتك واكثر واقعيتها
ورقة قلبك ورهافة احساسك
فنحن في حاجة لن يفكر فينا
ويسأل عن احوالنا ..
بوركت وبورك النبض
ع فيض المودة
اختك اماني

اماني مهدية الرغاي
اماني مهدية الرغاي
عضو جديد
عضو جديد

القوس الأبراج الصينية : الماعز
عدد المساهمات : 74
تاريخ الميلاد : 01/12/1955
تاريخ التسجيل : 29/07/2012
العمر : 68

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف اميرة الإثنين 1 أكتوبر 2012 - 19:59

الحذر واجب أ. ميساء ربما كان هذا المتسول مختلفا لكن بشكل عام الحذر واجب وشكرا على السرد الجميل .
اميرة
اميرة
عضو متميز
عضو متميز

عدد المساهمات : 388
تاريخ التسجيل : 12/03/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف رجب قرنفل السبت 6 أكتوبر 2012 - 21:57

سـيدة الكلمـة الذهبيـة
( ميسـاء البشـيتي )

***
( المتسول )

قصة أدبية غاية في الروعة .. في معناها و مبناها و مفرداتها
الأدبية والقصصية , التي تؤشر على أنَّنا أمام براعة في القصّ

من حيث المعنى :
===============

لاحظنا .. كيف أنَّك قـد التقطتِ مادتـك القصصية الأولية من
أرض الواقع , وعالجتِها بطريقة حرفية , عندما صادفك ذلـك
المتسول العجوز بهيئته الرثَّة التي تشيع الريبة و الرعب فـي
النفس ,, الأمر الذي ما لبث أن انتهى بك المطاف إلى التأمـل
في شأن ذلك المسكين , الذي قست عليه الأيام , و أدارت لـه
ظهر المجنّ , و وضعته بين فكيّ الفاقة و الحاجة و الاستعطاء
, من منطلق إنساني و الإحساس بآلام الناس و هموم الآخرين
, و هذه هي رسالة الكاتب الحضارية في الحياة

من حيث المبنى :
===============

حـطَّ الجمال رحاله في هذه القصة بين أناملك , التي لا تعرف
إلا السمو , و ذاب السحر في مـداد كلماتك , الـتي لا تعرف
حروفها إلا التحليق في سماء الإبداع ....... فكنتِ فارسة من
فارسات القصة , لا تقلين مهارة عن باقي الفنون الأدبية

حيَّـاكِ وبيَّـاكِ , و سـدَّد الله على طريـق الخـير خطـاكِ

مودتي / رجب
رجب قرنفل
رجب قرنفل
عضو جديد
عضو جديد

عدد المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 27/09/2012
الموقع الموقع : سوريا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف ميساء البشيتي الإثنين 8 أكتوبر 2012 - 11:22


0030
أخي العزيز أ. رجب قرنفل
مساء الورد أخي والله يسعد أوقاتك
تعليق رائع جدا ولو أننا في مكان آخر لكنت نقلت منه نسخة لأجمل الردود لكن هنا نضغط على "شكرا" مع أنها لا تفي بالغرض ..
أخي هذا القصة حدثت معي قبل عقد من الزمان وربما أكثر .. لم أنسها ولا أستطيع .. أنا أرى الدولة هي الأم وحق رعاية الأبناء مطلوب ومكفول منها فكم تكون هذه الأم بارة بأبنائها وكم هي حنونة عليهم هنا السؤال .
شكرا لك أديبنا الرائع رجب قرنفل على المرور المميز وحياك الله وبياك أخي .


0021

--------------------------------
المتسول  Aooo_o11

الوجه الآخر لي
إصداري الورقي الثاني
ميساء البشيتي
ميساء البشيتي
مديرة المنتدى
مديرة المنتدى

العذراء الأبراج الصينية : القط
عدد المساهمات : 6514
تاريخ الميلاد : 17/09/1963
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
العمر : 60
الموقع الموقع : مدونتي عصفورة الشجن

http://mayssa-albashitti.blogspot.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المتسول  Empty رد: المتسول

مُساهمة من طرف رشيد أحمد محسن الجمعة 17 مارس 2023 - 12:53

ميساء البشيتي كتب:
المتسول

داهمني الوقت وأنا أتسوق بعض الحاجيات .. أوشكت الشمس على المغيب .. لملمت حاجياتي وانطلقت نحو سيارتي التي كنت أصفها في شارع شبه خالٍ من المارة أو السيارات ..
فتحت باب السيارة والنافذة المجاورة لي وألقيت كل ما كان في يدي من أكياس إلى الكرسي الخلفي  والتفت للقيادة .
ما أن رفعت ناظري حتى فوجئت به .. رجل مسن يحمل صندوقاً خشبياً  فارغاً  يرفعه فوق رأسه ويتمتم ببعض الكلمات .. مظهره كان مخيفاً  للغاية .. ارتعدت مفاصلي لرؤيته وخيل لي أنه سيهوي بهذا الصندوق على رأسي ويأخذ  مني مفتاح السيارة كما كان يتناهى دائماً إلى مسامعي عن حوادث من هذا القبيل فما كان مني إلا أن أغلقت النافذة والأبواب وانطلقت بسرعة الصاروخ من أمامه وأنا انظر إليه من المرآة وقد أنزل صندوقه الخشبي من فوق رأسه ووضعه جانباً وما زال يتمتم .
لم تهدأ أعصابي حتى تجاوزت أول شارة مرور وعندها سمعت آذان المغرب فأسرعت كي لا أتأخر عن موعد الصلاة .
صورته لم تغب من بالي .. ماذا كان يريد ؟
هل كان ينوي قتلي أم فقط  سرقتي ؟  
مظهره الرث الكئيب لا يوحي بذلك .. لكن هذه التحذيرات  التي تملأ البلد عن حوادث السرقة والقتل المنتشرة منذ فترة قريبة ما هو مصدرها ؟ لا يمكن أن  تكون مجرد شائعات .
لكنه رجل مسن .. فقير الحال .. لا يقوى على المشي فكيف سيضربني بهذا الصندوق ؟
 إذاً لماذا  يرفعه عالياً إن لم يكن قصده الإجرام ؟
وصلت بيتي وأنا لم أصل لأي إجابة عن كل تلك الأسئلة والتساؤلات .. رآني الجميع مكدرة تماماً .. سألني زوجي عن السبب فقصصت عليه الحكاية .. هدأ من روعي وقال إن تصرفي كان صحيحاً فحوادث السرقة والقتل  منتشرة بكثرة في هذه الأيام ولا أحد يمكنه أن يضمن نوايا أحد حتى لو كان رجلاً مسناً .
مع هذا ظل ضميري يؤنبني وبقيت الحكاية تلازمني كل الوقت  فصرت أجوب ذلك الشارع  والشوارع المحيطة به .. أذهب إليهم في ساعات متفرقة وحتى في بعض ساعات المساء رغم خوفي الشديد منها ..  كنت أرغب برؤيته .. كنت أريد التأكد من أنه مجرد متسول وليس قاتل أو سارق أو مجرم .. ولكن عبث .
لقد أصبح هاجسي وبت أفكر فيه كثيراً وأفكر كيف يتركه أولاده لقمة سائغة للتشرد والتسول ؟
ربما ليس لديه أولاد .. لكن أليس لديه أقارب ؟
ربما ليس لديه أقارب .. أهل .. جيران .. لكن أليس لديه دولة ينتمي إليها ؟
أليس هو مواطن منتمٍ لدولة يرفع علمها ويردد شعارها ( بلادي ... أولا )  بمناسبة ودون مناسبة ..  ألا يدلي هذا المتسول بصوته في الانتخابات التشريعية والبلدية ؟
ألا  يمسك طرف حلقة من حلقات " الدبكة" في عيد الاستقلال ..  و كل هذا مقابل ماذا .. مقابل صندوق خشبي  مهشم ويد ممدودة تدعو بتضرع  إلى الله
(حسنة لله ) ؟
حاصرتني الأسئلة وتأنيب الضمير وفظاعة ما  قمت به تجاه هذا المتسول العجوز .. واستمريت على هذا الحال المضطرب شهوراً عدة  حتى هلَّ علي شهر الخير والبركة  شهر رمضان الفضيل فأخذت في ليلة القدر أدعو الله وألح  عليه بالدعاء  أن ألتقي هذا المتسول الذي أشغل فكري منذ مدة ليست بالبسيطة .. وظهرت لي صورته فشعرت بفظاعة ما عملت  وتأنيب الضمير وأخذت أجهش في البكاء حتى اجتمعت عليَّ أسرتي وعرفوا أنها المشكلة ذاتها التي تؤرقني وتأثروا جداً لحالتي وبدأنا جميعاً بالدعاء لهذا المتسول الذي لا أعرفه ودعوت ربي أن أعثر عليه .. ونمت ليلتي ودموعي لا تفارقني .
بعد يوم أو أكثر لا أذكر بالضبط ذهبت إلى ذلك الشارع في طريقي إلى مكتب البريد .. هناك وجدته يجلس على درجات مكتب البريد يضع صندوقه الخشبي أسفل منه ويتمتم .. كما رأيته أول مرة .
هل فرحت في لقاءه  ؟
لا أعلم .. ربما طرت من فرحتي ..
ركضت إليه كأنني عثرت على ضآلتي المنشودة .. ناولته قطعة من النقود ..
أخذها وشكرني ..
ودعا لي ..
كنت أنظر إليه بفرحة كبيرة وقد ارتسمت الابتسامة العريضة على وجهي .. لكن هو لم يعرفني .. لم يذكرني ..  أنا فقط من أذكره ولا يفارق خيالي أبداً ..
لم أشأ أن أكلمه بأي شيء أو أستفسر منه عن أي شيء فأنا قد عرفت مكانه .. وسأراه في كل يوم .
عدت في اليوم التالي متفائلة جداً لأخوض معه وأسأله عما أرق فكري ... لكني لم أجده ..
وفي اليوم  الذي تلاه واليوم الذي بعده .. ولكني لم أجده .. بعد ذلك اليوم لم ألتقِة أبداً.
سافرت وقطعت من السنوات الكثير وهو لا يغيب عن بالي لا هو ولا سؤال واحد فقط من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني .. سؤال واحد يقض مضجعي .. أليس هو مواطن منتمٍ لدولة مسؤولة عنه .. إذاً لماذا لا يملك سوى صندوقه المهشم ويد ممدودة  لا تنفك عن الدعاء إلى الله ..
( حسنة لله ) ؟


0101
رشيد أحمد محسن
رشيد أحمد محسن
عضو جديد
عضو جديد

عدد المساهمات : 79
تاريخ التسجيل : 19/06/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى