على أنغام النُّباح

محاطة المدينة بدخان يحجب نور الشمس ،نهارها مظلم كليلها ،وتنتظر الشمس أن يسمح لها بدخول المدينة فلا يستجاب لها ...ربما عادت أدراجها تبحث عن مكان آخر تنبت فيها الأزهار ، لترسل شعاعها الصباحي يعانق الورود وهي تتثاءب ، وتخلع عن نفسها رداء بلله الندى ، أو ربما قتلت الشمس على أبواب المدينة .والكلاب السوداء التي كانت تتجه دائما بنباحها جنوبا ، لم تعد تستسيغ طعم فريستها ، أو ربما لم تعد قادرة على اصطيادها ، أو أن نباحها كان تمويها للايقاع بفريستها الحقيقية بعد أن تركن للهدوء ، كل الكلاب السوداء تنبح نحو المدينة ، تفتك بسكون الليل المظلم الذي يقلق المدينة ،كلها تتحين الفرصة أن تترنح الفريسة كي تنقض عليها ، وهي تنثر سمها ليختلط بالدخان الذي حجب نجوم السماء ، وتلهث بعد أن أصابها السعار ،فلطالما دهنت تلك الكلاب سمها بالشهد ، ولطالما مارست النباح ضد فريسة ترابط قريبة منها دون خوف ، كلاب تتلذذ وهي تمارس الرذيلة دون وجل ، وتتلذذ في اصطياد فريسة آمنة ، ضعيفة ، مسالمة ، رائحة الدماء في أزقة المدينة تستهويها ، وبقايا اللحم على الجدران يطلق العنان لشهيتها ، وخارج حدود المدينة الكل يمارس اللطم ، منهم من يمارس اللطم خزنا على مدينة يجهل حجم الدماء في أزقتها ، ومنهم من يمارس اللطم فرحا كلما ازداد نزيف الدم تحت ركامهاووسط هذا الزحام ، ووسط هذا التيه ، تموت الأزهار والورود وقد مزقت أوراقها وانكشفت عورتها في العراء ، يصرخ فيها الجوع فيجيبه العناء.وكل العيون شاخصة ترقب غضب السماء