بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الـتـَفـسـيـر الـخـُرافـي لـلـتـاريـخ/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
الـتـَفـسـيـر الـخـُرافـي لـلـتـاريـخ/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
الـتـَفـسـيـر الـخـُرافـي لـلـتـاريـخ/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
بدأ الإنسان كتابة التاريخ منذ تعلم أن يخط بيده،
وربما كانت رغـبته في تدوين ذكرياته عن نفسه وتسجيل خواطره،
هي الدافع الأساسي له لاختراع الكتابة.
التاريخ يتناول كل شىء..
من أخبار الدول والملوك والعظماء والقادة،
إلى أخبار الثوار والمتمردين والمصلحين.
ومن أهم الأحداث ونظم الحياة في كل عصر،
إلى كل ما استعمله ويستعمله الإنسان في حياته اليومية.
فهو وعاء الخبرة البشرية، والعلم الخاص بجهودها،
والمحاولة التي تستهدف الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بجهدها في الماضي،
واستشراف آفاق مستقبلها وتقدمها.
وهناك فرق بين التاريخ والتأريخ..
فالتاريخ أو التدوين التاريخي هو مجرد نقل الأحداث والأخبار من الذاكرة إلى التسجيل،
وهو مادة التاريخ.
أما التأريخ ، بهـمـز الألـف، فهو سرد للأحداث وتبويب لها،
وتفـسير لطبيعـتها وتسلسلها، وتبيان لأسبابها.
ولقد تـعـددت التفسيرات للتاريخ:
فهناك التفسير الخرافي للتاريخ، وهناك التفسير الديني،
والتفسير العرقي، والتفسير النفسي والاجتماعي، والتفسير الاقتصادي،
والتفسير الحضاري، بل إن هناك تفسيراً صهيونياً للتاريخ.
وتحري الدقة التاريخية يتطلب ثقافة متميزة ،
وتحرراً من الشهوات القومية التي تـُلون الحقائق التاريخية وتعبث بها.
والكتاب الذي نعرض له اليوم، اختار أن ينظر للتاريخ من ناحية التشاؤم والتفاؤل،
عن طريق سرد الأحداث المشئومة التي مرت بالبشرية في جزء أول،
ثم سرد الأحداث المبهجة التي دفعت بالإنسانية للأمام في جزء ثان.
وقد أعـد الجزء الأول الذي يحمل عـنوان “دليل المتشائم للتاريخ” ،
الأمريكيان ستيوارت فـليكسنر ودوريس فليكسنر .
وأعـدَّت الجزء الثاني ، “دليل المتفائل للتاريخ” ، الباحثة دوريس فليكسنر.
والغريب أن ستيوارت المشارك في تحرير الجزء الأول متشائم بطبعه،
ويرى أن التاريخ البشري ما هو إلا مأساة ،
ويتجه إلى كارثة كبرى تصيب الجنس البشري،
بينما دوريس متفائلة تماما.
وهذا ما دفعها لكتابة الجزء الثاني من الدليل.
عالم من التناقض
يرى ستيوارت المتشائم أننا نعيش في عالم من التعاسة والبؤس،
وأن هناك من الألم والشرّ في هذا العالم، أكثر مما هناك من الخير والسعادة،
وأن معظم الأحداث في تاريخ البشرية تؤيد وجهة نظره،
ومن لا يصدقه فعليه أن يقرأ عدة صفحات من أي كتاب للتاريخ،
فسيواجه على الفور بالصراع والموت والخراب ،
والحروب التي تستمر لسنوات، وبسقوط دول وإمبراطوريات.
عاشت البشرية في فوضى، فمنذ ظهر الإنسان العاقل على الأرض ،
كان جل تفكيره في معظم الأحيان كيف يسيطر على إنسان من بني جنسه أو يقتله،
ومنذ قـتل قابيل هابيل لم يستغرق الأمر طويلا كي يعرف البشر،
أن القوة هي المحور الرئيسي للعبة…
وقـادت هذه المعلومة الصغيرة إلى مواجهات أكبر وأكبر،
وحتى اليوم كانت الحرب هي الطريقة لحل مظلمتنا إذا كانت لنا مظلمة،
أو طغياننا ـ وهو الأصح في الغالب…
واستمر الإنسان في اختراع أسلحة جديدة لمحاربة إخوته في الإنسانية،
من الحراب والسهام حتى القنابل الذرية والصواريخ.
شعوب تهزم شعوبا، وعدو الأمس يصبح حليف اليوم ،
ما دمنا نتبع أصول اللعبة.
ويبدو أننا لم نستطع كبح الغـضب داخلنا بعد،
أو نقمع ذلك الجزء من طبيعتنا البشرية الذي يرغـب القوة لنا والاستسلام لأعدائنا،
وكأن الحرب تشكل لنا توقاً فطرياً للإثارة،
وكأن ذكاءنا ليس قوياً بما فيه الكفاية لكي نتحكم في عواطفنا.
فأمام كل اكتشاف رائع في التاريخ كان هناك مائة وباء مهلك،
ومقابل كل حاكم عادل كان هناك ألف طاغـية.
وبجانب الحروب والكوارث الطبيعية،
اكتسحت المجاعة الجنس البشري عدة مرات،
وأخذ المرض ـ من طاعون وأوبئة ـ دوره في طحن الجنس البشري.
ابتدعنا الوسائل العلمية والزراعية لننتج ما يكفي لإطعام العالم،
ومع ذلك ما زالت المجاعة متفشية،
هزمنا بعض الأمراض الخطيرة، لكن هناك الكثير لم نتمكن من السيطرة عليها.
ولقد سهـَّلنا أمور موتنا باختراعاتنا الحديثة،
فقد اخترعـنا العجلة والعربات والقطارات والسفن والطائرات والصواريخ،
فمكننا كل ذلك من أن نحرق وندمر ونقـتـل ونُـقـتـل بسهولة أكثر،
حروب وحوادث وإنفجارات، كل اختراع له مزاياه، ولكن أيضا له عيوبه.
وهكذا جاء الجزء الأول ،”دليل المتشائم للتاريخ”، يضم في ترتيب زمني ،
منذ بدأ الإنسان حياته على الأرض حتى الوقت الحاضر ،
كل ما هو مُحـزن وشرّير ومأساوي في تاريخنا ،
من الكوارث الطبيعية كالسيول والأمطار المسببة لها، والزلازل والبراكين،
والعواصف والفيضانات والأوبئة والمجاعات،
إلى الكوارث التي تسبب فيها الإنسان من حرائق ،
ومذابح وقـتل جماعي وإعدام وحشي وكوارث ،
وحروب واغتيالات وتمرد وثورات.. الخ.
وأضاف المؤلفان في نهاية الكتاب مسرداً لكل هذه الأحداث.
اختراعات مدهـشة
أما الجزء الثاني من الكتاب ،”دليل المتفائل للتاريخ”،
فإن مؤلفته المتفائلة ترى أنه برغم قصر حياة الجنس البشري العاقـل بالنسبة لعمر الأرض،
فإن ما حـقـَّـقـه الإنـسـان كان مدهـشاً ورائعاً.
فـقـد إخترع أدوات الصيد والزراعة،
وتعلم صنع الخبز وبناء المساكن ونسج الملابس،
وكوَّن القبائل ثم الشعوب والدول ،
واخترع القوانين لتنظيم حياتـه…
وتـعـرَّف الـنـاس على التجارة ،
فابتدعـوا الأرقام والحروف ومن ثم الحساب والكتابة،
وتعلموا عـزف الموسيقى والغناء والرقص والرسم والنحت ،
وبناء أماكن العبادة والقصور والمدن الكبرى …
كما دفع حـُبّ الاستطلاع النـاس لكي يكون منهم الفلكيون،
والرياضيون والفلاسفة والعلماء،
طـاف الإنـسـان حـول العالم واستكشفـه، وتطلع إلى الفضاء يـحاول غـزوه،
وغـطت اختراعاتـه كل المجالات : من الأقلام البسيطة إلى أجهزة الكمبيوتر،
من الترمومتر إلى سماعة الطبيب وآلات الفحص الإلكترونية،
من العجلة إلى العربة فالقطار والطائرة.
إنجازات المهندسين مدهشة،
من الأهـرام إلى الـجـسـور والأنفاق ودور العبادة والقصور ،
إلى المدن الضخمة وناطحات السحاب.
هزمنا الطاعـون والكثير من الأمراض، واكتشفنا علاجا للعدوى،
ابتدعـنا الألعاب وطوَّرنا المسرح والفنون،
واخترعنا الآلات الموسيقية وأمتعنا أنفسنا…
لا نهاية لما اخترعناه ونخترعه،
وحين تضربـنا كارثة طبيعية كالزلازل والبراكين،
أو تدهمنا حـرب أو غـزو مـُدمـّر،
نتجمع لننهض ثانية من الرماد كالعـنقاء،
نُصلح الأرض ونعيد بناء المدن والمصانع والمنشآت بعزم وتصميم.
ونبغـت عقول عـظيمة في تاريخنا،
من كونفوشيوس وأفلاطون حتى آينشتاين ،
مروراً بشكسبير على سبيل المثال.
كما ظهر عظام في مسيرتنا هـدوا البشرية إلى الخير ،
وشكلوا عالمنا وثقافتنا وألهمونا الكثير من أفكارهم،
فـسمت مداركنا وتقـدمت معارفنا.
لسنا كاملين بالطبع، فلنا أخطاؤنا الكبيرة والصغيرة،
ولم نستطع أن نرى بعـد، كيف يمكن أن نتعايش جميعا في سلام،
ومازال بعض منا جوعى للقوة، شرهين للشر.
مازال هناك مرض وجوع، وهناك من لا يجد مأوى،
هناك حروب وغـزو وقسوة ووحشية، اغتيالات وانفجارات،
لكننا حـقـقـنـا الكثير والكثير،
لـقـد قـمـنا بالمستحيل.
وسردت المؤلفة كل ما شكل الحضارة الراهنة عبر العصور بترتيب زمني،
مع إضافة مسرد ألفبائي في نهاية الكتاب،
من الأعمال الهندسية والزراعية الفذة إلى ما حققه الإنسان من تقدم ،
في الفنون والتعليم والاقتصاد ومعدات الحياة اليومية.
من الاكتشافات المختلفة وغـزو الفضاء إلى الطعام والشراب والملابس،
من الاختراعات والتكنولوجيا المتقدمة إلى وسائل التسلية واللهو ،والرياضة والألعاب ،
من وضع القوانين وحقوق الإنسان إلى الإنجازات البشرية ،
في الطب والرياضة والفلك والعلوم الأخرى،
من الوسائل السياسية المختلفة والمعاهدات ،
إلى المؤسسات التي ترعى الثقافة والعلوم والتربية وغيرها.
إن الذي قام به المؤلفان هو جمع لمادة تاريخية،
فلم يكن هدفهما أن يحللا ويربطا ويستنتجا أو أن يبينا الأسباب والدلالات،
لقد قـدَّما مادة تاريخية مهمة ومفيدة وطريفة أيضا،
ولم يكن مطلوبا منهما في حدود منهجهما وحجم دليلهما أكثر مما قـدَّماه.
لكن تبقى ملاحظة : لقد قـدَّما مادة تاريخية…
لكن هل فعلا ذلك بحياد وتحرر من شهواتهما،
التي قد تلون الحقائق التاريخية أو تعبث بها أو تتجاهل بعضها؟
إذا كنا نتفـق معهما في معظم ما جاء في دليلهما،
خاصة فيما يتعلق بالتقدم العلمي أو الفني أو الاقتصادي،
أو حتى الكوارث والفواجع التي حلت بالبشرية ،
وفي معظم ما سرداه عن الأمور السياسية ،
والحوادث المأساوية التي تسبب فيها البشر،
إلا أن الهوى الأمـريكي تغـلب عـليهما في بعـض ما سرداه أو لم يسرداه.
وإن كان لهما بعض العذر ، فالإنسان يظل إنساناً يغلبه هواه أحيانا ،
مهما تحلى بالموضوعية،
كما أن بعض الأحداث قد تكون شؤماً عند فـئة معينة، وفألا لفئة أخرى،
مهما كانت نتائجها على مسيرة البشرية سواء بالخير أو بالشر ،
إلا أن الأمر إذا زاد عن حدّه انقـلب إلى ضده.
ليس ثـمـة إشـارة واحـدة في الـدلـيـل إلى حرب 1948 ،
وإقـامـة دولة إسرائيل في قلب الأمة العربية،
والكوارث التي حلت بالمنطقة من جراء ذلك،
أو حرب 1967 التي مازالت الأمـة العربية تعاني آثارها حتى الآن،
على الرغم من ذكر حروب في مناطق عـدة في العالم أقـل منهما أهمية وخطرا وتأثيرا.
ذكر الدليل عـشرات المذابح التي مرَّت بالبشرية،
بينما لم يأت بإشارة إلى المذابح العـديدة التي قام بها الصهاينة،
من دير ياسين حتى عـشرات المذابح خلال أكثر من ستين عاما،
وأرى أن ذكر المؤلفـين لمذبحة صبرا وشاتيلا،
لم يكن إلا لإلقاء تبعـتها على حزب الكتائب ،
كما جاء ذلك صراحة عـند سردهما لتفاصيل المذبحة.
كثير من الأحداث المعاصرة التي وردت في الدليل ملونة بالهوى الأمريكي،
ولم تؤخذ بشكل موضوعي أو حيادي،
وربما هذه هي نقطة الضعف الوحيدة في هذا الدليل الطريف.
و “آفـة الـرأي الـهـَوى”.
بدأ الإنسان كتابة التاريخ منذ تعلم أن يخط بيده،
وربما كانت رغـبته في تدوين ذكرياته عن نفسه وتسجيل خواطره،
هي الدافع الأساسي له لاختراع الكتابة.
التاريخ يتناول كل شىء..
من أخبار الدول والملوك والعظماء والقادة،
إلى أخبار الثوار والمتمردين والمصلحين.
ومن أهم الأحداث ونظم الحياة في كل عصر،
إلى كل ما استعمله ويستعمله الإنسان في حياته اليومية.
فهو وعاء الخبرة البشرية، والعلم الخاص بجهودها،
والمحاولة التي تستهدف الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بجهدها في الماضي،
واستشراف آفاق مستقبلها وتقدمها.
وهناك فرق بين التاريخ والتأريخ..
فالتاريخ أو التدوين التاريخي هو مجرد نقل الأحداث والأخبار من الذاكرة إلى التسجيل،
وهو مادة التاريخ.
أما التأريخ ، بهـمـز الألـف، فهو سرد للأحداث وتبويب لها،
وتفـسير لطبيعـتها وتسلسلها، وتبيان لأسبابها.
ولقد تـعـددت التفسيرات للتاريخ:
فهناك التفسير الخرافي للتاريخ، وهناك التفسير الديني،
والتفسير العرقي، والتفسير النفسي والاجتماعي، والتفسير الاقتصادي،
والتفسير الحضاري، بل إن هناك تفسيراً صهيونياً للتاريخ.
وتحري الدقة التاريخية يتطلب ثقافة متميزة ،
وتحرراً من الشهوات القومية التي تـُلون الحقائق التاريخية وتعبث بها.
والكتاب الذي نعرض له اليوم، اختار أن ينظر للتاريخ من ناحية التشاؤم والتفاؤل،
عن طريق سرد الأحداث المشئومة التي مرت بالبشرية في جزء أول،
ثم سرد الأحداث المبهجة التي دفعت بالإنسانية للأمام في جزء ثان.
وقد أعـد الجزء الأول الذي يحمل عـنوان “دليل المتشائم للتاريخ” ،
الأمريكيان ستيوارت فـليكسنر ودوريس فليكسنر .
وأعـدَّت الجزء الثاني ، “دليل المتفائل للتاريخ” ، الباحثة دوريس فليكسنر.
والغريب أن ستيوارت المشارك في تحرير الجزء الأول متشائم بطبعه،
ويرى أن التاريخ البشري ما هو إلا مأساة ،
ويتجه إلى كارثة كبرى تصيب الجنس البشري،
بينما دوريس متفائلة تماما.
وهذا ما دفعها لكتابة الجزء الثاني من الدليل.
عالم من التناقض
يرى ستيوارت المتشائم أننا نعيش في عالم من التعاسة والبؤس،
وأن هناك من الألم والشرّ في هذا العالم، أكثر مما هناك من الخير والسعادة،
وأن معظم الأحداث في تاريخ البشرية تؤيد وجهة نظره،
ومن لا يصدقه فعليه أن يقرأ عدة صفحات من أي كتاب للتاريخ،
فسيواجه على الفور بالصراع والموت والخراب ،
والحروب التي تستمر لسنوات، وبسقوط دول وإمبراطوريات.
عاشت البشرية في فوضى، فمنذ ظهر الإنسان العاقل على الأرض ،
كان جل تفكيره في معظم الأحيان كيف يسيطر على إنسان من بني جنسه أو يقتله،
ومنذ قـتل قابيل هابيل لم يستغرق الأمر طويلا كي يعرف البشر،
أن القوة هي المحور الرئيسي للعبة…
وقـادت هذه المعلومة الصغيرة إلى مواجهات أكبر وأكبر،
وحتى اليوم كانت الحرب هي الطريقة لحل مظلمتنا إذا كانت لنا مظلمة،
أو طغياننا ـ وهو الأصح في الغالب…
واستمر الإنسان في اختراع أسلحة جديدة لمحاربة إخوته في الإنسانية،
من الحراب والسهام حتى القنابل الذرية والصواريخ.
شعوب تهزم شعوبا، وعدو الأمس يصبح حليف اليوم ،
ما دمنا نتبع أصول اللعبة.
ويبدو أننا لم نستطع كبح الغـضب داخلنا بعد،
أو نقمع ذلك الجزء من طبيعتنا البشرية الذي يرغـب القوة لنا والاستسلام لأعدائنا،
وكأن الحرب تشكل لنا توقاً فطرياً للإثارة،
وكأن ذكاءنا ليس قوياً بما فيه الكفاية لكي نتحكم في عواطفنا.
فأمام كل اكتشاف رائع في التاريخ كان هناك مائة وباء مهلك،
ومقابل كل حاكم عادل كان هناك ألف طاغـية.
وبجانب الحروب والكوارث الطبيعية،
اكتسحت المجاعة الجنس البشري عدة مرات،
وأخذ المرض ـ من طاعون وأوبئة ـ دوره في طحن الجنس البشري.
ابتدعنا الوسائل العلمية والزراعية لننتج ما يكفي لإطعام العالم،
ومع ذلك ما زالت المجاعة متفشية،
هزمنا بعض الأمراض الخطيرة، لكن هناك الكثير لم نتمكن من السيطرة عليها.
ولقد سهـَّلنا أمور موتنا باختراعاتنا الحديثة،
فقد اخترعـنا العجلة والعربات والقطارات والسفن والطائرات والصواريخ،
فمكننا كل ذلك من أن نحرق وندمر ونقـتـل ونُـقـتـل بسهولة أكثر،
حروب وحوادث وإنفجارات، كل اختراع له مزاياه، ولكن أيضا له عيوبه.
وهكذا جاء الجزء الأول ،”دليل المتشائم للتاريخ”، يضم في ترتيب زمني ،
منذ بدأ الإنسان حياته على الأرض حتى الوقت الحاضر ،
كل ما هو مُحـزن وشرّير ومأساوي في تاريخنا ،
من الكوارث الطبيعية كالسيول والأمطار المسببة لها، والزلازل والبراكين،
والعواصف والفيضانات والأوبئة والمجاعات،
إلى الكوارث التي تسبب فيها الإنسان من حرائق ،
ومذابح وقـتل جماعي وإعدام وحشي وكوارث ،
وحروب واغتيالات وتمرد وثورات.. الخ.
وأضاف المؤلفان في نهاية الكتاب مسرداً لكل هذه الأحداث.
اختراعات مدهـشة
أما الجزء الثاني من الكتاب ،”دليل المتفائل للتاريخ”،
فإن مؤلفته المتفائلة ترى أنه برغم قصر حياة الجنس البشري العاقـل بالنسبة لعمر الأرض،
فإن ما حـقـَّـقـه الإنـسـان كان مدهـشاً ورائعاً.
فـقـد إخترع أدوات الصيد والزراعة،
وتعلم صنع الخبز وبناء المساكن ونسج الملابس،
وكوَّن القبائل ثم الشعوب والدول ،
واخترع القوانين لتنظيم حياتـه…
وتـعـرَّف الـنـاس على التجارة ،
فابتدعـوا الأرقام والحروف ومن ثم الحساب والكتابة،
وتعلموا عـزف الموسيقى والغناء والرقص والرسم والنحت ،
وبناء أماكن العبادة والقصور والمدن الكبرى …
كما دفع حـُبّ الاستطلاع النـاس لكي يكون منهم الفلكيون،
والرياضيون والفلاسفة والعلماء،
طـاف الإنـسـان حـول العالم واستكشفـه، وتطلع إلى الفضاء يـحاول غـزوه،
وغـطت اختراعاتـه كل المجالات : من الأقلام البسيطة إلى أجهزة الكمبيوتر،
من الترمومتر إلى سماعة الطبيب وآلات الفحص الإلكترونية،
من العجلة إلى العربة فالقطار والطائرة.
إنجازات المهندسين مدهشة،
من الأهـرام إلى الـجـسـور والأنفاق ودور العبادة والقصور ،
إلى المدن الضخمة وناطحات السحاب.
هزمنا الطاعـون والكثير من الأمراض، واكتشفنا علاجا للعدوى،
ابتدعـنا الألعاب وطوَّرنا المسرح والفنون،
واخترعنا الآلات الموسيقية وأمتعنا أنفسنا…
لا نهاية لما اخترعناه ونخترعه،
وحين تضربـنا كارثة طبيعية كالزلازل والبراكين،
أو تدهمنا حـرب أو غـزو مـُدمـّر،
نتجمع لننهض ثانية من الرماد كالعـنقاء،
نُصلح الأرض ونعيد بناء المدن والمصانع والمنشآت بعزم وتصميم.
ونبغـت عقول عـظيمة في تاريخنا،
من كونفوشيوس وأفلاطون حتى آينشتاين ،
مروراً بشكسبير على سبيل المثال.
كما ظهر عظام في مسيرتنا هـدوا البشرية إلى الخير ،
وشكلوا عالمنا وثقافتنا وألهمونا الكثير من أفكارهم،
فـسمت مداركنا وتقـدمت معارفنا.
لسنا كاملين بالطبع، فلنا أخطاؤنا الكبيرة والصغيرة،
ولم نستطع أن نرى بعـد، كيف يمكن أن نتعايش جميعا في سلام،
ومازال بعض منا جوعى للقوة، شرهين للشر.
مازال هناك مرض وجوع، وهناك من لا يجد مأوى،
هناك حروب وغـزو وقسوة ووحشية، اغتيالات وانفجارات،
لكننا حـقـقـنـا الكثير والكثير،
لـقـد قـمـنا بالمستحيل.
وسردت المؤلفة كل ما شكل الحضارة الراهنة عبر العصور بترتيب زمني،
مع إضافة مسرد ألفبائي في نهاية الكتاب،
من الأعمال الهندسية والزراعية الفذة إلى ما حققه الإنسان من تقدم ،
في الفنون والتعليم والاقتصاد ومعدات الحياة اليومية.
من الاكتشافات المختلفة وغـزو الفضاء إلى الطعام والشراب والملابس،
من الاختراعات والتكنولوجيا المتقدمة إلى وسائل التسلية واللهو ،والرياضة والألعاب ،
من وضع القوانين وحقوق الإنسان إلى الإنجازات البشرية ،
في الطب والرياضة والفلك والعلوم الأخرى،
من الوسائل السياسية المختلفة والمعاهدات ،
إلى المؤسسات التي ترعى الثقافة والعلوم والتربية وغيرها.
إن الذي قام به المؤلفان هو جمع لمادة تاريخية،
فلم يكن هدفهما أن يحللا ويربطا ويستنتجا أو أن يبينا الأسباب والدلالات،
لقد قـدَّما مادة تاريخية مهمة ومفيدة وطريفة أيضا،
ولم يكن مطلوبا منهما في حدود منهجهما وحجم دليلهما أكثر مما قـدَّماه.
لكن تبقى ملاحظة : لقد قـدَّما مادة تاريخية…
لكن هل فعلا ذلك بحياد وتحرر من شهواتهما،
التي قد تلون الحقائق التاريخية أو تعبث بها أو تتجاهل بعضها؟
إذا كنا نتفـق معهما في معظم ما جاء في دليلهما،
خاصة فيما يتعلق بالتقدم العلمي أو الفني أو الاقتصادي،
أو حتى الكوارث والفواجع التي حلت بالبشرية ،
وفي معظم ما سرداه عن الأمور السياسية ،
والحوادث المأساوية التي تسبب فيها البشر،
إلا أن الهوى الأمـريكي تغـلب عـليهما في بعـض ما سرداه أو لم يسرداه.
وإن كان لهما بعض العذر ، فالإنسان يظل إنساناً يغلبه هواه أحيانا ،
مهما تحلى بالموضوعية،
كما أن بعض الأحداث قد تكون شؤماً عند فـئة معينة، وفألا لفئة أخرى،
مهما كانت نتائجها على مسيرة البشرية سواء بالخير أو بالشر ،
إلا أن الأمر إذا زاد عن حدّه انقـلب إلى ضده.
ليس ثـمـة إشـارة واحـدة في الـدلـيـل إلى حرب 1948 ،
وإقـامـة دولة إسرائيل في قلب الأمة العربية،
والكوارث التي حلت بالمنطقة من جراء ذلك،
أو حرب 1967 التي مازالت الأمـة العربية تعاني آثارها حتى الآن،
على الرغم من ذكر حروب في مناطق عـدة في العالم أقـل منهما أهمية وخطرا وتأثيرا.
ذكر الدليل عـشرات المذابح التي مرَّت بالبشرية،
بينما لم يأت بإشارة إلى المذابح العـديدة التي قام بها الصهاينة،
من دير ياسين حتى عـشرات المذابح خلال أكثر من ستين عاما،
وأرى أن ذكر المؤلفـين لمذبحة صبرا وشاتيلا،
لم يكن إلا لإلقاء تبعـتها على حزب الكتائب ،
كما جاء ذلك صراحة عـند سردهما لتفاصيل المذبحة.
كثير من الأحداث المعاصرة التي وردت في الدليل ملونة بالهوى الأمريكي،
ولم تؤخذ بشكل موضوعي أو حيادي،
وربما هذه هي نقطة الضعف الوحيدة في هذا الدليل الطريف.
و “آفـة الـرأي الـهـَوى”.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» “أدرَكـَـتـْهُ حـِرفـة الأدب..!”/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» الفـاشـيـة الجـديـدة في أوروبـا/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» الـتـِجـارة الـحـُرَّة بالاعـْضاء الـبَـشَـريـَّة/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» العـرب بـيـن وعـي الـتـخـلـّـف وتـخـلـّـف الـوعي بقلم :الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» العامل الأمـّي البـسيـط الـذي عـلـَّمني أبجـدية الفـلسفة/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» الفـاشـيـة الجـديـدة في أوروبـا/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» الـتـِجـارة الـحـُرَّة بالاعـْضاء الـبَـشَـريـَّة/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» العـرب بـيـن وعـي الـتـخـلـّـف وتـخـلـّـف الـوعي بقلم :الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
» العامل الأمـّي البـسيـط الـذي عـلـَّمني أبجـدية الفـلسفة/ الدكتور عـبد القـادر حسين ياسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» منشورات ميساء البشيتي في جريدة عرب كندا
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:06 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال
» أنت َ عنواني .. أنتِ عنواني
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:18 من طرف لبيبة الدسوقي
» تحركوا أيها الدمى
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:14 من طرف لبيبة الدسوقي