اللهجة المغربية وإكراهات التعتيم...

بين الفينة والأخرى أشاهد برنامج arabe's got talent في محاولة لرصد المواهب المغربية،وتقييم أدائها،وتفعيل الحس النقدي لديّ وصقله عبر سلسلة من الإنتقادات للجنة التحكيم التي لم تكن على مستوى الحدث،ولم يتم تأطيرها بشكل موضوعي أو عقلاني،فمعظم قراراتها وأرائها ذاتية الطابع وذات صبغة انطباعية تتلاءم مع تركيباتهم النفسية المختلفة،ولم يتم مراعاة أي معيار أو هيكل انتقائي مضبوط لتقييم تلك المواهب الفذة،وأرى شخصيا أن هناك أحكاما جزافا يتم كيلها على حساب بعض المواهب بسبب بعض التشنجات في صفوف اللجنة-من خلال متابعتي المتواضعة للبرنامج-
وحتى معيار إختيار أعضاء اللجنة كان منحازا-وربما عشوائي-ولم يكن بشكل سليم حسب التمثيل الجغرافي -الإقليمي- لكل عضو:
نجوى :لبنان
عمرو:مصر
علي:سوريا
ولم يكن هناك أي عضو يمثل المغرب العربي وهذا يعاب على الخلفية الإيديلوجيا للمشروع...
والشيء الذي استفزني في أكثر من مناسبة هو رضوخ بعض المشاركين المغاربة أو الجزائريين للسلطوية اللغوية-الضمنية- التي يمارسها عليهم أعضاء اللجنة، فتراهم يتواصلون باللهجات المشرقية-خصوصا المصرية أو اللبنانية-رغم أنهم مغاربة أو جزائريين يتكبدون المشقة للتحدث بلهجات مصرية أو لبنانية أو سورية،الشيء الذي أثار اشمئزازي بشكل هستيري، رغم أنهم لا يتقنونها ولكن تراهم يدأبون على تعلمها في فترة وجيزة أو تعلم بعض الكلمات من هنا أو هناك لحشرها في المقام التواصلي مع اللجنة أو الطاقم الإعلامي-وهذا أضعف الإيمان-
أليس أحرى بهم التواصل بكل سجية أي التواصل بلهجاتهم الأصلية ؟
ما العيب إن كنت مغربيا أو جزائريا أتواصل في جميع المحافل "الإقليمية"باللهجة المغربية وأنا في أسمى تجليات الزهو والفخر ؟
أليست كل اللهجات على مستوى واحد من شروط الإدراك والإستيعاب والتكوين ؟
أسئلة وأسئلة تنخر حقلي المفاهيمي جعلتني أتنكر لبعض المشاركات المغربية بالبرنامج رغم مستواها الإحترافي،بصراحة أنا صارم جدا في الحكم على مثل هاته السلوكيات الشاذة،فالإنسان هو من يشرف لغته أو لهجته، فما دمت قد خرجت من حدود البلاد فقد تم ترقيتك-بشكل غير مباشر وغير رسمي-لمستوى السفير،أسّوق لهجتي ولغتي ومعماري الفني والسوسيوثقافي ومجدي التاريخي..
إلى متى ستبقى اللهجة المغربية شاذة مقصية من المشهد الإعلامي العربي ؟
إنه إفراز لغوي من النسق العام للتردي والإنتكاس الذي تعيشه بلادنا-المغرب الحبيب-وثمرة من ثمار هذه السياسات الفاشلة، ففي المشهد الإعلامي المغربي غياب سياسة ثقافية جادة ترنو إلى تسويق الثقافة المغربية الغنية والمتنوعة وتحصين التراث الثقافي لبلد متجذر في التاريخ كالمغرب الحبيب،
إنها سياسات أفقرت الإنسان المغربي اعتزازه بلهجته "اللطيفة" وبمكون ثقافته وتاريخه الحافل،المسؤولية في هذه الورطة"المعرفية والتاريخية' مسؤولية مشتركة يتقاسمها الأفراد والأنظمة المؤسساتية فلا يمكن رفع اللوم عن الأفراد،ولأنقل جانب بسيط من صرامتي مع هؤلاء أصفهم ب"جيل الهزيمة"أو"الشباب الغفل" ربما تماديت قليلا لكن التهاون المتراكم تاريخيا أعقب لنا هذا الجيل"ولا أتعال عليهم"الذي صار لقمة سائغة للإستلاب اللغوي وانبهروا أمام الإعلام المشرقي-وكأنهم من عالم آخر-جيل يعاني من التسطيح وفقر معرفي وضبابية في الرؤية وإضطراب نفسي..
ما الضير في أن أقف أمام نجوى كرم وأتحدث باللهجة المغربية بكل عفوية وسجية ؟؟ إن فهمتني أم لم تفهمني تبقى مشكلتها الخاصة، فلتتحمل مسؤوليتها في عدم الإنفتاح على المغرب العربي هذه الرقعة الجغرافية التي لطالما أُقصيت وهمشت من الخطاب الحضاري والفعل الإنساني العربي..
الإشكال والعقدة النفسية التي يعاني منها المغاربة-مع دقة التشخيص-هي الشعور بالدونية ومركب النقص، لكن تبقى اللهجات الأمازيغية والدارجة المغربية إمتدادا تاريخيا للخصوصية المغربية والمغاربية...

سيدتي شكرا لمرورك اللطيف ولحضورك المورق ..
أود أن أشرح وأصحح مغالطة "مفاهيمية وابستمولوجية" وقعت فيها سيدتي "عن غير قصد" وهي أني لست عربيا ثم المغرب وبلدان شمال إفريقيا ليست بلدان عربية هي بلدان أمازيغية ...
أنا أمازيغي الهوية، وقومي الأمازيغ مستقلين لغويا لنا لغة تدعى الأمازيغية حروفها "تيفيناغ" متجذرة في التاريخ الموغل...
لكننا تعرضنا لغزو عربي ديكتاتوري غاشم فتم استلابنا ثقافيا ولغويا وهوياتيا...
المغرب الأقصى أو الكبير أو شمال إفريقيا بلدان أمازيغية تاريخيا وانثروبولوجيا...حقيقة تاريخية لا ينكرها مجنون...
شكرا لك سيدتي بحجم الحرية .... كانت مداخلة من أجل ضبط المفاهيم ...

جميل منكم هذا الطرح الغني معرفيا ولكم شرف السبق، ويبدو أنكم لم تطلعوا بشكل يغني طموحاتكم ويبدو أن مراجعكم الفكرية قديمة نوعا ما لأن مثل هاته الإشكالات التاريخية والإبستمولوجية تجاوزها التاريخ إلى مراحل متقدمة من تنظير للحرف الأمازيغي وتطويره كإمتداد للخصوصية المغربية عن البلدان العربية، لكن لابأس بقليل من التوضيح مادام البعض يعتبر المغرب بلدا عربيا وهذه من قبيل "النكت" الفكرية ... يجب فض بكارة الفكر وننتفض ضد هاته المحدودية الفكرية ... لذا أقول :
المكون الأمازيغي سابق تاريخيا عن المكونات الإثنوغرافية الأخرى للساكنة المغاربية ، لهذا فمن المنطق والبديهي الاعتراف بلغته وثقافته وتاريخه باعتبار ذلك حقا أساسيا لشعوب المنطقة المغاربية بأمازيغها وعربها وعبرييها وأفارقتها وموريسكييها ومتوسطيها، وما يؤسف له أن التاريخ الرسمي الذي يدرس في مؤسساتنا التعليمية يبدأ مع الفتح/الغزو العربي للمنطقة ويلغي ما قبل ذلك باستثناء ما يرتبط بغزو الرومان والفنيقيين والوندال ... أما التاريخ -الآخر- فلا حضور له قي المقررات التعليمية ما عدا الإشارة إلى أن -السكان الأصليين في المغرب هم البربر (لاحظوا الدلالة العنصرية للكلمة : البربر = الهمج غير المتحضرين بالمفهوم الروماني)-، والاعتراف بل إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي هو مجرد إحقاق لحق مهضوم وإعادة الأمور إلى نصابها، والبحث عن حقيقة هذا الشعب الموضوعية تقتضي استبعاد كل الأفكار النمطية والتعاريف المسبقة التي صاغها الأغيار عنه، الرامية إلى تدجينه وإفراغه وتحنيطه من أي إحساس بذاته، خدمة لأهداف استعمارية وسياسية واقتصادية، فإذا ما تعاملنا بموضوعية وحياد مع وقائعه التاريخية والإجتماعية والجغرافية وغيرها من المعطيات فستكون حقيقته كالتالي :
أنه الشعب الذي اتخذ من أرض شمال إفريقيا وطنا له قبل أن كان يتواصل بالإشارات، أي قبل توليده في نفس هذه الأرض لغته الأمازيغية التي تميزه عن باقي شعوب العالم "فعن أي يمن تتحدث يا سيدي العربي؟؟؟؟؟"....
وعراقته هذه التي تمتد لمئات السنين في أغوار ماقبل التاريخ تحسم الأمر في أصله الحقيقي تجعل كل محاولة لربط جذوره بمكان آخر خارج شمال إفريقيا تدخل في باب التخمينات والأساطير والخرافات ...
ومن أجل ضبط المفاهيم أشير لمسألة جوهرية وهي تلك الثنائية في سكان شمال إفريقيا بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالعربية "العامية/الدارجة" لا يعني بتاتا وجود ثنائية عرقية بل مجرد ثنائية لغوية، فالناطقون بالعربية هم نفسهم أمازيغ الذين كانوا ضحية لسياسة الإستعراب الفاشلة التي نهجها ملوكهم فالدارجة مجرد تجسيد للفشل المزدوج الذي وقع فيه الأمازيغ حين أرادوا تحويل أنفسهم عربا وماهم بعرب...
ثم أحيلك على حقيقة تاريخية لا ينكرها مجنون وهي ملف إنضمام المغرب إلى الجامعة العربية تم قبوله بكثير من التحفظ على أساس أن المغاربة أمازيغ وليسوا عرب ...تاريخنا يا أحبابي متجذر وإن كان دمويا فلأجل الذوذ عن وطنه ومسلماته : القائد الأمازيغي شيشونغ احتل أرض مصر وأسس بها الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين كما غزا أجداننا الأمازيغ اسبانيا وجزءا من قارة اوربا كما فعلوا في العصر الوسيط حين إكتسحت جحافل جيوشه أرض مصر وبعض دول الشرق الأوسط موطدة فيها دولتهم الفاطمية ...
ولكم أن تستعينوا بمؤلفات الصافي مومن علي والحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب الحبيب ولمزيد من الموضوعية استعينوا بالغربين ..

لا تكن حساسا لهاته الدرجة يا سيدي وإعذر وقاحتي لكن إلتمس لي العذر فقد مللت مثل هاته النقاشات أحبذ أن نتطور ونمضي قدما في النقاش ثم ما أثار حفيضتي هو تكرارك "المغرب العربي" في أكثر من مناسبة وهذا لم يكن بشكل مجاني، والمسألة الآخرى هي إصرارك على تنظير تاريخنا ونحن الأحق به فأية جرأة هاته ؟؟؟؟
ثم تسمينا بربر أليست وقاحة وجرأة "فكرية" ؟؟؟؟ من حقي سيدي أن أدافع عن ممتلكات قومي الفكرية والثقافية ولست مسؤولا إن كنت حساسا أو لا لكن أمعن النظر في خطابك "الضمني" مع كامل إحتراماتي ...
نحن أمازيغ وسأقول لك كلاما قد يبكيك سيدي لكن سيرمم فراغك الداخلي : لا تحاول أن تنّظر لتاريخ قوم وأنت بعيد عنهم كل البعد "جغرافيا/تاريخيا/فكريا/سوسيوثقافيا..."
ودمت بقلب شادي سيدي العربي ....وبلغتنا الأمازيغية 'تانميرت نك" يعني شكرا لك عزيزي...