بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الشعر و التلفزيون مسابقة " أمير الشعراء " أنموذجا
صفحة 1 من اصل 1
الشعر و التلفزيون مسابقة " أمير الشعراء " أنموذجا
المقدمة
في عصر الصورة، حيث تكتسي وسائل الإعلام السمعية البصرية أهمية قصوى في تشكيل و تثقيف الرأي العام، أضحى التلفزيون، باعتباره وسيلة إعلامية جماهيرية، يحتضن الشعر في إطار المسابقات التلفزيونية التي اعتدناها في مجالات الغناء و أيضا كرة القدم .
و في العالم العربي، حيث الشعر هو عصب الثقافة و عمادها، فان مسابقة تلفزيونية شعرية لا بد لها أن تثير الاهتمام و الأسئلة.
فالتنافس الشعري في فضاء تلفزيوني جماهيري، يكرس حقيقة ثقافية و تاريخية و اجتماعية عند العرب مفادها هوسهم بالشعر.
و لكن مسابقة ك"أمير الشعراء" و إن كانت تمكن الشعر من اختراق وسط و فضاء جديد هو الإعلام الجماهيري يتبارى فيه في قول الشعر و إجادته، حتى أمكننا أن نقول: إن التلفزيون أضحى "عكاظ العصر"، فإنها، بشكلها و أسلوبها، تثير أسئلة عميقة عن القيمة الإبداعية لما يقدم من أشعار، و عن التقييم و التصويت من طرف الجمهور.
مكانة الشعر في الثقافة العربية
"الشعر ديوان العرب" (عمر بن الخطاب) بهذه المقولة يختصر العرب مكانة الشعر في ثقافتهم و ارثهم و حاضرهم الثقافي و الاجتماعي كذلك.
فمنذ عصر الجاهلية، كان الشعر أس الحضارة العربية، فمن خلاله تتجلى تجربة الوجود و الحياة، سواء كانت تتغنى بالذات و الوجدان عاكسة بأنوار الشعر أسئلة الإنسان الفرد و أشواقه و ألامه و أحلامه، أو كانت تعبر عن التجربة الجماعية التي ترتبط بالقبيلة (الجاهلية) أو الأمة (الإسلام) أو الحزب و المذهب و الفرقة (الأمويون و العباسيون).
و لطالما كان الشعر صوت الذات و الجماعة، و كانت القبيلة العربية تفاخر بشاعرها او شعرائها ، و كانوا هم أصواتها "الناطقة باسمها" و "إعلامها" ، ينافحون عن تاريخها و مجدها و قيمها ، و يدخلون في "معارك" الهجاء مع شعراء القبائل المنافسة.
و كان الشاعر ، على امتداد تاريخ العرب ( و الإنسانية عموما) إنسانا "استثنائيا و خارقا" ، انه لا يشبه باقي البشر بما يمتلكه من موهبة إبداعية (ترتبط أحيانا بالمافوق الطبيعي و الخرافي : استمداد الإلهام من الشيطان و الجن) ، و لهذا كان الشاعر يحظى بمنزلة اجتماعية مرموقة، فكان قريبا من القصور و الحكام يحظى بكرمهم.
و يستعير الدكتور عبد الملك مرتاض الناقد الأدبي مقولة المستشرقة الألمانية "زغريد هونكه" التي مفادها "العرب شعب من الشعراء" ليتحدث عن مكانة الشعر عند العرب حيث " ينصرف الذهن بها -المقولة- إلى قدرة العرب على قرض الشعر و ارتجاله، و حسن الاستماع إليه و التفنن في تذوقه إلى حد إصدار هتافات الإعجاب و صيحات الاستمتاع". و الفكرة نفسها يدافع عنها الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل، حيث يؤكد ان "الشعر يسري في الدم العربي سريانا عميقا ، و يسري في الوجدان العربي و لدى الانسان العربي".
و لئن كان الشعر، في عصور ما سمي ب"الانحطاط" منذ سقوط الأندلس، قد عرف تراجعا في إبداعيته و تدني مستوى الشعراء و مكانتهم ، و حتى و إن ارجع العصر الحديث للشعر بريقه من حيث الإبداع و قيمة الشعراء، و لكنه لم يعرف ما عرفته العصور السالفة من احتفاء بالشعر و الشعراء و اهتمام به و بهم، فان ما استقر في نفوس العرب من حب الشعر و تذوقه ، لم يتبدل و لم تتزحزح قيمة الشعر في نفوسهم كثيرا.
فضاءات قول الشعر و التنافس في إجادته قديما:
لولع العرب بالشعر ، فقد كانت له عندهم فضاءات و منتديات و تجمعات يحتفى به فيها و تنظم المباريات و المنافسات في قول الشعر و إجادته.
و هذا ما عرفت به أسواق عربية، كانت إلى جانب وظيفتها الاجتماعية و التجارية، فضاءات ثقافية و أدبية و شعرية، يلتقي فيها الشعراء فينظمون القصائد و يتبارون في الإتقان و الإجادة الشعرية.
فسوق "عكاظ" (الحجاز_الطائف) كان يعج بالشعراء و متذوقي الشعر من جمهور الناس في الجاهلية شانه شان سوق المربد بالبصرة في العصر الأموي.
التلفزيون .. "عكاظ العصر"
نظرا للمكانة التي يحتلها الشعر في الثقافة العربية، فانه حظي منذ الجاهلية باهتمام كبير، و تجلى ذلك، ضمن عدة تجليات، في تخصيص منتديات و ملتقيات شعرية .
و مع تطور الحياة و ظهور وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فان هذه الوسائط الثقافية أصبحت تعنى بالشعر من خلال ما يسمى ب"تلفزيون الواقع".
و بعد أن انحصر هذا النمط من البرامج التلفزيونية في مجالات فنية كالغناء (ستار أكاديمي، ستوديو دوزيم) و كرة القدم (القدم الذهبي) و تجويد القران (مسابقة القناة الثانية لتجويد القران الكريم) و مجالات أخرى، فقد ولج اهتمام تلفزيون الواقع في العالم العربي فضاء الشعر في شكل و أسلوب لا يختلف عن مجالات التنافس الأخرى، و لكنه، طبعا، يختلف من حيث انه يهتم بنوع آخر من الإبداع ألا و هو الأدب و الشعر خاصة.
و قد شكلت مسابقة "أمير الشعراء" التي تنظمها هيئة أبي ظبي للثقافة و التراث، و تبثها قناة أبي ظبي التلفزيونية الإماراتية منذ العام 2007 ، حدثا ثقافيا مهما. و ذلك راجع إلى فرادة المسابقة و تميزها بحكم الاهتمام بالشعر كموضوع للتنافس و الذي هو عصب الثقافة العربية.
و تهدف الهيئة المنظمة من خلال مهرجان "أمير الشعراء" إلى:
1)- النهوض بشعر العربية الفصحى والارتقاء به وبشعرائه، والترويج له في الأوساط العربية.
2)- إحياء الدور الإيجابي للشعر العربي في الثقافة العربية والإنسانية وإبرازه رسالة محبة وبشير سلام.
3)- عمل قاعدة بيانات واسعة لشعر الفصحى وشعرائه ونقّاده والعاملين في مجاله ونتاجاتهم في جميع المجالات والوسائط في الوطن العربي.
"أمير الشعراء" في ميزان النقد .. مواقف و مواقف مضادة
المواقف المؤيدة
أثارت المسابقة منذ بدايتها عدة أسئلة مهمة، و جعلت البعض يتحمس لها و يشجعها و البعض الآخر يتحفظ عليها و ينتقدها.
و نورد، هنا، فيما يتعلق بالمدافعين عن المسابقة، موقفي كل من عضوي لجنة تحكيم المسابقة الناقدين الأدبيين صلاح فضل و عبد الملك مرتاض.
و يرى الأول أن المسابقة " نجحت(...) في ثلاثة أشياء في غاية الأهمية، أولها أن النبرة السائدة في الحياة الثقافية النقدية العربية بأنه قد انتهى عصر الشعر، و أننا قد دخلنا في عصور أخرى، بعضهم يقول انه عصر الرواية، و البعض الأخر يقول انه عصر الصورة والسينما و الانترنت و الأشياء الرقمية ، و ذهبوا إلى أن الحس العربي فقد اهتمامه بالشعر، و جاءت المسابقة التي أطلقتها هيئة أبي ظبي للثقافة و التراث لتثبت أن الشعر يسري في الدم العربي سريانا عميقا، و يسري في الوجدان العربي و لدى الإنسان العربي، و أكدت أن المبدعين من الشعراء و خاصة من الشباب يعدون بالآلاف و ليس كما يتصور بأنهم يعدون بالعشرات، و ليس هذا فحسب بل إن فيهم مواهب و عبقريات حقيقية تحتاج إلى الفرصة التي يبرزون فيها إعلاميا، و يتنافسون فيها شعريا و يثبتون حضورهم . و أرى أن هذا الحضور الشعري يعود الفضل فيه لمسابقة أمير الشعراء(...) و هذا الأمر الأول.
أما الأمر الثاني، فيتمثل في انه كان هناك قدر من القناعة بأنه لم يعد هنالك جمهور يطيق أن يسمع شيئا ثقافيا جادا أو عملا إبداعيا حقيقيا أو يصير على سماع قصيدة شعرية ، لكن و عندما عرفنا مثلا أن الحلقات الأخيرة في مسابقة أمير الشعراء قد حققت مشاهدة و فتح عليها طبقا للأقمار الصناعية و الإحصاءات الرسمية 80 مليون مشاهد(...) و الحقيقة أن هذا الرقم أذهلني لأنه لم يحدث في تاريخ الآداب العالمية، و ليس الأدب العربي، أن اجتمع .. أن توافق .. أن تعاصر على سماع نص شعري مثل هذا العدد الضخم(...)، فهذا الانتشار الجماهيري المذهل كان يلغي تماما و يدحض دحضا حقيقيا ما كان يزعمه بعض الناشرين من أنهم ينشرون الديوان فلا يبيعون منه إلا بضع نسخ، تبين انه ما زال هناك شعراء و من غير المشهورين، من غير الكبار، و هم من الشباب، ما زالوا يستطيعون استقطاب جمهور يصل تعداده إلى الملايين و هذه حقيقة عظيمة جدا.
الأمر الثالث .. أن البرنامج اثبت أن التنافس بين الشباب و التنظيم الجيد يمكن أن يسفر، في مجموعة من الحلقات، عن خمسة شعراء، منهم على الأقل، يحتلون الذروة، لا يجادل احد أنهم شعراء حقيقيون و إن لهم مستقبلا حقيقيا في عالم الشعر".
و يؤكد عبد الملك مرتاض مسابقة أمير الشعراء " تمثل اكبر مهرجان للشعر العربي الفصيح في التاريخ".
و هكذا، يؤكد الناقدان الأدبيان أن المسابقة حققت النجاح، و قد تصدى الدكتور فضل في موقفه إلى أسئلة عميقة انتقدت المسابقة بخصوصها ، ذلك انه يؤمن أن المتنافسين هم شعراء حقيقيون لهم من الموهبة ما يضفي على قصائدهم قيمة إبداعية معتبرة.
المواقف المضادة
و لمقاربة هذه المواقف، نرتئي أن نستحضر الآراء الأولية للدكتور صلاح فضل التي كانت تراوده قبل خوض التجربة، و هي نفسها الأفكار القوية البارزة عند من ينتقدون المسابقة.
_ عن التسمية
كان صلاح فضل يرى اسم المسابقة "أمير الشعراء" فيه تجن على الشعراء الكبار و خاصة منهم الشاعر المصري الذي يحمل لقب أمير الشعراء "احمد شوقي" .
و يبدو أن هذا التحفظ كان يعتقد أهله أن لقبا مثل هذا لا يصلح لتقييم شاعر شاب، خاصة أن الفائز بالمسابقة يطلق عليه هذا اللقب.
_ عن مشاركة الجمهور في التقييم و التصويت
يعتمد التقييم في المسابقة على صوت اللجنة و صوت الجمهور، و يعتقد المنتقدون، و منهم فضل، أن
"الجمهور لا يملك ثقافة نقدية و أدبية تسمح له بالاشتراك في تقييم الشعراء".
و لا يخفى أن هذا الانتقاد له ما يبرره خاصة أن الجمهور ينزع في تقييمه و حكمه إلى انطباعاته و عاطفته القومية كان يصوت لمن هو من جنسيته.و في هذا خلل في التقييم الذي ينبغي أن يكون موضوعيا و منبنيا على قواعد لغوية و فنية و نقدية علمية.
عن الجوائز المالية
و هنالك انتقاد آخر يخص الجوائز المالية التي يفوز بها الشعراء المتأهلون إلى النهاية، و يقول أهل هذا الرأي أن "المال ليس مطلوبا للشعراء".
و عن الجوائز المالية، فهي على الشكل التالي:
- المركز الأول: لقب (أمير الشعراء) + مليون درهم إماراتي + ميدالية ذهبية + وشاح بشعار المهرجان + شهادة فوز، إضافة إلى طبع ديوان له مسموع ومقروء.
- المركز الثاني: (500) خمسمائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية فضية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الثالث: (300) ثلاثمائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الرابع: (200) مائتا ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الخامس: (100) مائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
إلا أن كل هذه التحفظات، حسب رأي صلاح فضل، قد أثبتت التجربة أن لا وزن كبيرا لها.
فبخصوص الاسم، يقول فضل " إننا نتعامل مع الشعراء الشباب و ليس مع الشعراء الكبار، إذا فإننا لسنا في مقام أمراء لكبار الشعراء، فكل منهم أمير، لكننا في مقام تشجيع الشباب".
و أما عن مشاركة الجمهور، فقد تبين لفضل أن " الجمهور يمتلك الثقافة النقدية من تعليقات النقاد و يتابعها و يتفهمها، و بالتالي تؤثر عليه هذه التعليقات أثناء اختياراته و تصويته. و هذه ميزة عظيمة، فإلى جانب التذوق الشعري، اكتسب الجمهور ثقافة نقدية من خلال البرنامج".
و أما الجوائز المالية، فقد علق فضل على المنتقدين قائلا " لماذا نستكثر ذلك على الشعراء، بينما ينالها لاعبو كرة القدم".
خاتمة
مهما يكن من أمر الاختلاف في تقييم تجربة مسابقة "أمير الشعراء"، فإنها من حيث فلسفتها و مضمونها و شكلها تظل مبادرة خلاقة.
إنها تؤشر إلى أن الأشكال الإبداعية كالشعر يمكن أن تخترق الإعلام السمعي البصري و أن تجد موطئ قدم لها في برامج المسابقات الإبداعية.
و قد أثبتت التجربة أن الشعر بإمكانه أن يخترق الإعلام السمعي البصري، هو الذي ظل حبيس الذاكرة و الكتب و الرفوف، و أن التنافس الشعري يمكن أن يتكيف مع مفهوم تلفزيون الواقع، و أن يخرج من فضاءاته التقليدية و أن يرتاد فضاء جديدا عليه هو التلفزيون .. "عكاظ العصر".
و لئن كان الشعر ديوان العرب، فان إشكاليات الإبداع و أسئلة القراءة جعلت من الشعر ترفا ثقافيا ينحصر في الصالونات الأدبية و الأوساط الشعرية .. و غاب الشعر عن الجمهور..
و قد نجحت مسابقة أمير الشعراء في أعادة الشعر إلى الجمهور الواسع عبر التلفزيون كوسيط إعلامي جماهيري، فعانق الجمهور الشعر و الشعراء بحماس و تشجيع و تصويت و حب و إنصات.
و بهذا، يكون الشعر هو المستفيد الأكبر من مسابقة كهذه، لأنه يستعيد بعضا من بريقه و وهجه و تأثيره في النفوس.
في عصر الصورة، حيث تكتسي وسائل الإعلام السمعية البصرية أهمية قصوى في تشكيل و تثقيف الرأي العام، أضحى التلفزيون، باعتباره وسيلة إعلامية جماهيرية، يحتضن الشعر في إطار المسابقات التلفزيونية التي اعتدناها في مجالات الغناء و أيضا كرة القدم .
و في العالم العربي، حيث الشعر هو عصب الثقافة و عمادها، فان مسابقة تلفزيونية شعرية لا بد لها أن تثير الاهتمام و الأسئلة.
فالتنافس الشعري في فضاء تلفزيوني جماهيري، يكرس حقيقة ثقافية و تاريخية و اجتماعية عند العرب مفادها هوسهم بالشعر.
و لكن مسابقة ك"أمير الشعراء" و إن كانت تمكن الشعر من اختراق وسط و فضاء جديد هو الإعلام الجماهيري يتبارى فيه في قول الشعر و إجادته، حتى أمكننا أن نقول: إن التلفزيون أضحى "عكاظ العصر"، فإنها، بشكلها و أسلوبها، تثير أسئلة عميقة عن القيمة الإبداعية لما يقدم من أشعار، و عن التقييم و التصويت من طرف الجمهور.
مكانة الشعر في الثقافة العربية
"الشعر ديوان العرب" (عمر بن الخطاب) بهذه المقولة يختصر العرب مكانة الشعر في ثقافتهم و ارثهم و حاضرهم الثقافي و الاجتماعي كذلك.
فمنذ عصر الجاهلية، كان الشعر أس الحضارة العربية، فمن خلاله تتجلى تجربة الوجود و الحياة، سواء كانت تتغنى بالذات و الوجدان عاكسة بأنوار الشعر أسئلة الإنسان الفرد و أشواقه و ألامه و أحلامه، أو كانت تعبر عن التجربة الجماعية التي ترتبط بالقبيلة (الجاهلية) أو الأمة (الإسلام) أو الحزب و المذهب و الفرقة (الأمويون و العباسيون).
و لطالما كان الشعر صوت الذات و الجماعة، و كانت القبيلة العربية تفاخر بشاعرها او شعرائها ، و كانوا هم أصواتها "الناطقة باسمها" و "إعلامها" ، ينافحون عن تاريخها و مجدها و قيمها ، و يدخلون في "معارك" الهجاء مع شعراء القبائل المنافسة.
و كان الشاعر ، على امتداد تاريخ العرب ( و الإنسانية عموما) إنسانا "استثنائيا و خارقا" ، انه لا يشبه باقي البشر بما يمتلكه من موهبة إبداعية (ترتبط أحيانا بالمافوق الطبيعي و الخرافي : استمداد الإلهام من الشيطان و الجن) ، و لهذا كان الشاعر يحظى بمنزلة اجتماعية مرموقة، فكان قريبا من القصور و الحكام يحظى بكرمهم.
و يستعير الدكتور عبد الملك مرتاض الناقد الأدبي مقولة المستشرقة الألمانية "زغريد هونكه" التي مفادها "العرب شعب من الشعراء" ليتحدث عن مكانة الشعر عند العرب حيث " ينصرف الذهن بها -المقولة- إلى قدرة العرب على قرض الشعر و ارتجاله، و حسن الاستماع إليه و التفنن في تذوقه إلى حد إصدار هتافات الإعجاب و صيحات الاستمتاع". و الفكرة نفسها يدافع عنها الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل، حيث يؤكد ان "الشعر يسري في الدم العربي سريانا عميقا ، و يسري في الوجدان العربي و لدى الانسان العربي".
و لئن كان الشعر، في عصور ما سمي ب"الانحطاط" منذ سقوط الأندلس، قد عرف تراجعا في إبداعيته و تدني مستوى الشعراء و مكانتهم ، و حتى و إن ارجع العصر الحديث للشعر بريقه من حيث الإبداع و قيمة الشعراء، و لكنه لم يعرف ما عرفته العصور السالفة من احتفاء بالشعر و الشعراء و اهتمام به و بهم، فان ما استقر في نفوس العرب من حب الشعر و تذوقه ، لم يتبدل و لم تتزحزح قيمة الشعر في نفوسهم كثيرا.
فضاءات قول الشعر و التنافس في إجادته قديما:
لولع العرب بالشعر ، فقد كانت له عندهم فضاءات و منتديات و تجمعات يحتفى به فيها و تنظم المباريات و المنافسات في قول الشعر و إجادته.
و هذا ما عرفت به أسواق عربية، كانت إلى جانب وظيفتها الاجتماعية و التجارية، فضاءات ثقافية و أدبية و شعرية، يلتقي فيها الشعراء فينظمون القصائد و يتبارون في الإتقان و الإجادة الشعرية.
فسوق "عكاظ" (الحجاز_الطائف) كان يعج بالشعراء و متذوقي الشعر من جمهور الناس في الجاهلية شانه شان سوق المربد بالبصرة في العصر الأموي.
التلفزيون .. "عكاظ العصر"
نظرا للمكانة التي يحتلها الشعر في الثقافة العربية، فانه حظي منذ الجاهلية باهتمام كبير، و تجلى ذلك، ضمن عدة تجليات، في تخصيص منتديات و ملتقيات شعرية .
و مع تطور الحياة و ظهور وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فان هذه الوسائط الثقافية أصبحت تعنى بالشعر من خلال ما يسمى ب"تلفزيون الواقع".
و بعد أن انحصر هذا النمط من البرامج التلفزيونية في مجالات فنية كالغناء (ستار أكاديمي، ستوديو دوزيم) و كرة القدم (القدم الذهبي) و تجويد القران (مسابقة القناة الثانية لتجويد القران الكريم) و مجالات أخرى، فقد ولج اهتمام تلفزيون الواقع في العالم العربي فضاء الشعر في شكل و أسلوب لا يختلف عن مجالات التنافس الأخرى، و لكنه، طبعا، يختلف من حيث انه يهتم بنوع آخر من الإبداع ألا و هو الأدب و الشعر خاصة.
و قد شكلت مسابقة "أمير الشعراء" التي تنظمها هيئة أبي ظبي للثقافة و التراث، و تبثها قناة أبي ظبي التلفزيونية الإماراتية منذ العام 2007 ، حدثا ثقافيا مهما. و ذلك راجع إلى فرادة المسابقة و تميزها بحكم الاهتمام بالشعر كموضوع للتنافس و الذي هو عصب الثقافة العربية.
و تهدف الهيئة المنظمة من خلال مهرجان "أمير الشعراء" إلى:
1)- النهوض بشعر العربية الفصحى والارتقاء به وبشعرائه، والترويج له في الأوساط العربية.
2)- إحياء الدور الإيجابي للشعر العربي في الثقافة العربية والإنسانية وإبرازه رسالة محبة وبشير سلام.
3)- عمل قاعدة بيانات واسعة لشعر الفصحى وشعرائه ونقّاده والعاملين في مجاله ونتاجاتهم في جميع المجالات والوسائط في الوطن العربي.
"أمير الشعراء" في ميزان النقد .. مواقف و مواقف مضادة
المواقف المؤيدة
أثارت المسابقة منذ بدايتها عدة أسئلة مهمة، و جعلت البعض يتحمس لها و يشجعها و البعض الآخر يتحفظ عليها و ينتقدها.
و نورد، هنا، فيما يتعلق بالمدافعين عن المسابقة، موقفي كل من عضوي لجنة تحكيم المسابقة الناقدين الأدبيين صلاح فضل و عبد الملك مرتاض.
و يرى الأول أن المسابقة " نجحت(...) في ثلاثة أشياء في غاية الأهمية، أولها أن النبرة السائدة في الحياة الثقافية النقدية العربية بأنه قد انتهى عصر الشعر، و أننا قد دخلنا في عصور أخرى، بعضهم يقول انه عصر الرواية، و البعض الأخر يقول انه عصر الصورة والسينما و الانترنت و الأشياء الرقمية ، و ذهبوا إلى أن الحس العربي فقد اهتمامه بالشعر، و جاءت المسابقة التي أطلقتها هيئة أبي ظبي للثقافة و التراث لتثبت أن الشعر يسري في الدم العربي سريانا عميقا، و يسري في الوجدان العربي و لدى الإنسان العربي، و أكدت أن المبدعين من الشعراء و خاصة من الشباب يعدون بالآلاف و ليس كما يتصور بأنهم يعدون بالعشرات، و ليس هذا فحسب بل إن فيهم مواهب و عبقريات حقيقية تحتاج إلى الفرصة التي يبرزون فيها إعلاميا، و يتنافسون فيها شعريا و يثبتون حضورهم . و أرى أن هذا الحضور الشعري يعود الفضل فيه لمسابقة أمير الشعراء(...) و هذا الأمر الأول.
أما الأمر الثاني، فيتمثل في انه كان هناك قدر من القناعة بأنه لم يعد هنالك جمهور يطيق أن يسمع شيئا ثقافيا جادا أو عملا إبداعيا حقيقيا أو يصير على سماع قصيدة شعرية ، لكن و عندما عرفنا مثلا أن الحلقات الأخيرة في مسابقة أمير الشعراء قد حققت مشاهدة و فتح عليها طبقا للأقمار الصناعية و الإحصاءات الرسمية 80 مليون مشاهد(...) و الحقيقة أن هذا الرقم أذهلني لأنه لم يحدث في تاريخ الآداب العالمية، و ليس الأدب العربي، أن اجتمع .. أن توافق .. أن تعاصر على سماع نص شعري مثل هذا العدد الضخم(...)، فهذا الانتشار الجماهيري المذهل كان يلغي تماما و يدحض دحضا حقيقيا ما كان يزعمه بعض الناشرين من أنهم ينشرون الديوان فلا يبيعون منه إلا بضع نسخ، تبين انه ما زال هناك شعراء و من غير المشهورين، من غير الكبار، و هم من الشباب، ما زالوا يستطيعون استقطاب جمهور يصل تعداده إلى الملايين و هذه حقيقة عظيمة جدا.
الأمر الثالث .. أن البرنامج اثبت أن التنافس بين الشباب و التنظيم الجيد يمكن أن يسفر، في مجموعة من الحلقات، عن خمسة شعراء، منهم على الأقل، يحتلون الذروة، لا يجادل احد أنهم شعراء حقيقيون و إن لهم مستقبلا حقيقيا في عالم الشعر".
و يؤكد عبد الملك مرتاض مسابقة أمير الشعراء " تمثل اكبر مهرجان للشعر العربي الفصيح في التاريخ".
و هكذا، يؤكد الناقدان الأدبيان أن المسابقة حققت النجاح، و قد تصدى الدكتور فضل في موقفه إلى أسئلة عميقة انتقدت المسابقة بخصوصها ، ذلك انه يؤمن أن المتنافسين هم شعراء حقيقيون لهم من الموهبة ما يضفي على قصائدهم قيمة إبداعية معتبرة.
المواقف المضادة
و لمقاربة هذه المواقف، نرتئي أن نستحضر الآراء الأولية للدكتور صلاح فضل التي كانت تراوده قبل خوض التجربة، و هي نفسها الأفكار القوية البارزة عند من ينتقدون المسابقة.
_ عن التسمية
كان صلاح فضل يرى اسم المسابقة "أمير الشعراء" فيه تجن على الشعراء الكبار و خاصة منهم الشاعر المصري الذي يحمل لقب أمير الشعراء "احمد شوقي" .
و يبدو أن هذا التحفظ كان يعتقد أهله أن لقبا مثل هذا لا يصلح لتقييم شاعر شاب، خاصة أن الفائز بالمسابقة يطلق عليه هذا اللقب.
_ عن مشاركة الجمهور في التقييم و التصويت
يعتمد التقييم في المسابقة على صوت اللجنة و صوت الجمهور، و يعتقد المنتقدون، و منهم فضل، أن
"الجمهور لا يملك ثقافة نقدية و أدبية تسمح له بالاشتراك في تقييم الشعراء".
و لا يخفى أن هذا الانتقاد له ما يبرره خاصة أن الجمهور ينزع في تقييمه و حكمه إلى انطباعاته و عاطفته القومية كان يصوت لمن هو من جنسيته.و في هذا خلل في التقييم الذي ينبغي أن يكون موضوعيا و منبنيا على قواعد لغوية و فنية و نقدية علمية.
عن الجوائز المالية
و هنالك انتقاد آخر يخص الجوائز المالية التي يفوز بها الشعراء المتأهلون إلى النهاية، و يقول أهل هذا الرأي أن "المال ليس مطلوبا للشعراء".
و عن الجوائز المالية، فهي على الشكل التالي:
- المركز الأول: لقب (أمير الشعراء) + مليون درهم إماراتي + ميدالية ذهبية + وشاح بشعار المهرجان + شهادة فوز، إضافة إلى طبع ديوان له مسموع ومقروء.
- المركز الثاني: (500) خمسمائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية فضية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الثالث: (300) ثلاثمائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الرابع: (200) مائتا ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
- المركز الخامس: (100) مائة ألف درهم إماراتي + وشاح بشعار المهرجان + ميدالية برونزية + شهادة فوز + طبع ديوان له مقروء ومسموع.
إلا أن كل هذه التحفظات، حسب رأي صلاح فضل، قد أثبتت التجربة أن لا وزن كبيرا لها.
فبخصوص الاسم، يقول فضل " إننا نتعامل مع الشعراء الشباب و ليس مع الشعراء الكبار، إذا فإننا لسنا في مقام أمراء لكبار الشعراء، فكل منهم أمير، لكننا في مقام تشجيع الشباب".
و أما عن مشاركة الجمهور، فقد تبين لفضل أن " الجمهور يمتلك الثقافة النقدية من تعليقات النقاد و يتابعها و يتفهمها، و بالتالي تؤثر عليه هذه التعليقات أثناء اختياراته و تصويته. و هذه ميزة عظيمة، فإلى جانب التذوق الشعري، اكتسب الجمهور ثقافة نقدية من خلال البرنامج".
و أما الجوائز المالية، فقد علق فضل على المنتقدين قائلا " لماذا نستكثر ذلك على الشعراء، بينما ينالها لاعبو كرة القدم".
خاتمة
مهما يكن من أمر الاختلاف في تقييم تجربة مسابقة "أمير الشعراء"، فإنها من حيث فلسفتها و مضمونها و شكلها تظل مبادرة خلاقة.
إنها تؤشر إلى أن الأشكال الإبداعية كالشعر يمكن أن تخترق الإعلام السمعي البصري و أن تجد موطئ قدم لها في برامج المسابقات الإبداعية.
و قد أثبتت التجربة أن الشعر بإمكانه أن يخترق الإعلام السمعي البصري، هو الذي ظل حبيس الذاكرة و الكتب و الرفوف، و أن التنافس الشعري يمكن أن يتكيف مع مفهوم تلفزيون الواقع، و أن يخرج من فضاءاته التقليدية و أن يرتاد فضاء جديدا عليه هو التلفزيون .. "عكاظ العصر".
و لئن كان الشعر ديوان العرب، فان إشكاليات الإبداع و أسئلة القراءة جعلت من الشعر ترفا ثقافيا ينحصر في الصالونات الأدبية و الأوساط الشعرية .. و غاب الشعر عن الجمهور..
و قد نجحت مسابقة أمير الشعراء في أعادة الشعر إلى الجمهور الواسع عبر التلفزيون كوسيط إعلامي جماهيري، فعانق الجمهور الشعر و الشعراء بحماس و تشجيع و تصويت و حب و إنصات.
و بهذا، يكون الشعر هو المستفيد الأكبر من مسابقة كهذه، لأنه يستعيد بعضا من بريقه و وهجه و تأثيره في النفوس.
خالد المغربي- عضو جديد
- الأبراج الصينية :
عدد المساهمات : 113
تاريخ الميلاد : 18/12/1989
تاريخ التسجيل : 17/06/2010
العمر : 34
الموقع : الرباط_ المغرب
مواضيع مماثلة
» الشعر
» رحل آخر الشعراء يا فلسطين .. رحل سميح القاسم
» مسابقة بريطانية تطرد طالبة فلسطينية لحديثها عن النكبة
» اجمل ما قرات من الشعر الفصيح
» رحل آخر الشعراء يا فلسطين .. رحل سميح القاسم
» مسابقة بريطانية تطرد طالبة فلسطينية لحديثها عن النكبة
» اجمل ما قرات من الشعر الفصيح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال