بحـث
من أنا ؟
حقوقية، كاتبة، ناشطة في شؤون بلادي وشؤون المرأة، لي عدة منشورات ورقية وإلكترونية
المواضيع الأخيرة
كتب ميساء البشيتي الإلكترونية
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
الشهداء يشربون القهوة/خيري حمدان
صفحة 1 من اصل 1
الشهداء يشربون القهوة/خيري حمدان
الشهداء يشربون القهوة/خيري حمدان
غرقت في التفكير مطولا والطيران الإسرائيليّ يحلّق فوق سماء الشجاعية "سأتوقف عن الصيام صباح يوم غد، لا أقدر على الاستمرار في هذه المعاناة، على أيّة حال يوم غد هو عيد الفطر السعيد، ولا أدري لماذا يسمّونه سعيدًا في هذه الأنحاء".
بقي على الإفطار ساعات، مجرد ساعات تمرّ وتمضي ثمّ أعبّ فنجان القهوة، بل كأسًا كبيرة من القهوة أتبعها بسيجارة وأخرى حتىّ آتي على نصف علبة السجائر تمامًا. اسمي بالمناسبة زياد شعبان، أحد الذين شاءت الظروف أن لا يغادروا القطاع ولو ليوم واحد، باستثناء بضعة زيارات لرفح المصرية. أنا مدرّس وعاطل عن العمل في الوقت الراهن، مؤقّتًا بالطبع لأنّ المدارس تغلق أبوابها خلال فصل الصيف، وقد أصبح رسميًا عاطلا عن العمل إلى أجلٍ غير مسمّى، بسبب تدمير المدارس واستهداف المرافق الحيوية في هذا القطاع.
بقي على الإفطار ساعة ونصف الساعة يا عالم، لا أريد طعامًا، لا أريد حتّى أن أشتمّ رائحة الأطعمة، فقط سجائر والكثير من القهوة. غادر الشجاعية الكثيرون، غادر كلّ أهل هذه المنطقة، لم يبق سوى القليل من المجانين أمثالي. هناك بعض التفاصيل التي يجب أن تعرفوها جيّدًا، طعم القهوة مرتبط عضويًا بالمكان، وعندما يحين موعد الإفطار، سأصعد كالعادة إلى السطح، سطح بيتي وتابوتي ومقبرتي، سأصعد إلى سقف الدنيا، وأغيب عن الوعي مرتشفًا قهوتي، سأملأ المكان بدخان سيجارتي، لاعنًا المقاتلات التي لا تتركني وشأني لحظة واحدة - أنا الرقم الوطني. هذه سيجارة غزّيّة يا عالم، لُفّت بالألم وبكثير من التأمّل والترقّب والتوقّع، سأدخنها وأتبعها بأخرى يتخلّل ذلك الكثير من القهوة، دلّة قهوة، ركوة وقصائد، هل يمكن قراءة الشعر في هذا الجحيم!
رائحة الشواء في الجوار، عائلة الحاج إبراهيم غادرت للتوّ إلى السماء، أكاد أرى أرواح أفراد العائلة ترتقي إلى العلى بعد انهيار البيت فوق رؤوسهم. وداعًا يا حاج صبري، وداعًا لبكرك إبراهيم وعبدالله وسعيد وكمال والصغيرات مريم وفاطمة وسميرة، وداعًا يا أم إبراهيم. الأغنام تشعر بالحرج، لحمها نجا من الشيّ مقابل شواء لحوم بشريّة، لحومٍ غزّيّة، وليمة موت جماعية تحترفها المقاتلات الإسرائيلية ليل نهار.
بقي نصف ساعة فقط، وتعلن سماء غزّة انتهاء يوم الصيام، انتهاء شهر رمضان المبارك على الأرجح، ذهبت إلى المطبخ وحدي على غير العادة، يئس من عنادي أفراد العائلة، نزحوا جميعهم، ورفضتُ الابتعاد عن البيت قيد أنملة.
وجدت بعض الحساء، شعرت بالتقيّؤ، أشعلت النار ببقايا الغاز وانتشرت رائحة القهوة في المكان، ارتفعت في السماء فوقي، للقهوة رائحة نافذة قويّة تصل لارتفاعات كبيرة، وقد تكون المقاتلات قد استشعرت رائحة قهوتي، لم يعد هذا مهم على أيّة حال.
صعدت إلى السطح وأشعلت سيجارتي، سماء غزّة الحمراء أعلنت انتهاء الصيام، دلقت القهوة في جوفي، وسرعان ما احترقت لفافة التبغ، أشعلت أخرى على عجل، ليس بعيدًا عن البيت هناك من يلوّح ويصرخ طالبًا منّي المغادرة على الفور. ولكن كيف يمكن مقاومة غواية فنجان القهوة. نظرت إلى سماء غزّة الحنون، الإضاءة شديدة، شيء ما يقترب بسرعة من بيت العائلة، القذيفة كانت موجّهة بعناية فائقة لتنال من فنجان قهوتي ومن سجائري، ولكنّكم لن تنالوا من عزيمتي، شربت ما تبقّى من قهوتي على عجل، لكن الوقت لم يسعفني لأصبّ فنجانًا آخر، لقد قطعت القذيفة المسافة ما بين السماء وبيتي بسرعة ونهم.
غرقت في التفكير مطولا والطيران الإسرائيليّ يحلّق فوق سماء الشجاعية "سأتوقف عن الصيام صباح يوم غد، لا أقدر على الاستمرار في هذه المعاناة، على أيّة حال يوم غد هو عيد الفطر السعيد، ولا أدري لماذا يسمّونه سعيدًا في هذه الأنحاء".
بقي على الإفطار ساعات، مجرد ساعات تمرّ وتمضي ثمّ أعبّ فنجان القهوة، بل كأسًا كبيرة من القهوة أتبعها بسيجارة وأخرى حتىّ آتي على نصف علبة السجائر تمامًا. اسمي بالمناسبة زياد شعبان، أحد الذين شاءت الظروف أن لا يغادروا القطاع ولو ليوم واحد، باستثناء بضعة زيارات لرفح المصرية. أنا مدرّس وعاطل عن العمل في الوقت الراهن، مؤقّتًا بالطبع لأنّ المدارس تغلق أبوابها خلال فصل الصيف، وقد أصبح رسميًا عاطلا عن العمل إلى أجلٍ غير مسمّى، بسبب تدمير المدارس واستهداف المرافق الحيوية في هذا القطاع.
بقي على الإفطار ساعة ونصف الساعة يا عالم، لا أريد طعامًا، لا أريد حتّى أن أشتمّ رائحة الأطعمة، فقط سجائر والكثير من القهوة. غادر الشجاعية الكثيرون، غادر كلّ أهل هذه المنطقة، لم يبق سوى القليل من المجانين أمثالي. هناك بعض التفاصيل التي يجب أن تعرفوها جيّدًا، طعم القهوة مرتبط عضويًا بالمكان، وعندما يحين موعد الإفطار، سأصعد كالعادة إلى السطح، سطح بيتي وتابوتي ومقبرتي، سأصعد إلى سقف الدنيا، وأغيب عن الوعي مرتشفًا قهوتي، سأملأ المكان بدخان سيجارتي، لاعنًا المقاتلات التي لا تتركني وشأني لحظة واحدة - أنا الرقم الوطني. هذه سيجارة غزّيّة يا عالم، لُفّت بالألم وبكثير من التأمّل والترقّب والتوقّع، سأدخنها وأتبعها بأخرى يتخلّل ذلك الكثير من القهوة، دلّة قهوة، ركوة وقصائد، هل يمكن قراءة الشعر في هذا الجحيم!
رائحة الشواء في الجوار، عائلة الحاج إبراهيم غادرت للتوّ إلى السماء، أكاد أرى أرواح أفراد العائلة ترتقي إلى العلى بعد انهيار البيت فوق رؤوسهم. وداعًا يا حاج صبري، وداعًا لبكرك إبراهيم وعبدالله وسعيد وكمال والصغيرات مريم وفاطمة وسميرة، وداعًا يا أم إبراهيم. الأغنام تشعر بالحرج، لحمها نجا من الشيّ مقابل شواء لحوم بشريّة، لحومٍ غزّيّة، وليمة موت جماعية تحترفها المقاتلات الإسرائيلية ليل نهار.
بقي نصف ساعة فقط، وتعلن سماء غزّة انتهاء يوم الصيام، انتهاء شهر رمضان المبارك على الأرجح، ذهبت إلى المطبخ وحدي على غير العادة، يئس من عنادي أفراد العائلة، نزحوا جميعهم، ورفضتُ الابتعاد عن البيت قيد أنملة.
وجدت بعض الحساء، شعرت بالتقيّؤ، أشعلت النار ببقايا الغاز وانتشرت رائحة القهوة في المكان، ارتفعت في السماء فوقي، للقهوة رائحة نافذة قويّة تصل لارتفاعات كبيرة، وقد تكون المقاتلات قد استشعرت رائحة قهوتي، لم يعد هذا مهم على أيّة حال.
صعدت إلى السطح وأشعلت سيجارتي، سماء غزّة الحمراء أعلنت انتهاء الصيام، دلقت القهوة في جوفي، وسرعان ما احترقت لفافة التبغ، أشعلت أخرى على عجل، ليس بعيدًا عن البيت هناك من يلوّح ويصرخ طالبًا منّي المغادرة على الفور. ولكن كيف يمكن مقاومة غواية فنجان القهوة. نظرت إلى سماء غزّة الحنون، الإضاءة شديدة، شيء ما يقترب بسرعة من بيت العائلة، القذيفة كانت موجّهة بعناية فائقة لتنال من فنجان قهوتي ومن سجائري، ولكنّكم لن تنالوا من عزيمتي، شربت ما تبقّى من قهوتي على عجل، لكن الوقت لم يسعفني لأصبّ فنجانًا آخر، لقد قطعت القذيفة المسافة ما بين السماء وبيتي بسرعة ونهم.
خيمة العودة- عضو متميز
- عدد المساهمات : 485
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
مواضيع مماثلة
» حديث الأصدقاء مع خيري حمدان
» قلبي المشاكس بقلم: خيري حمدان
» حالة انتظار بقلم الأديب خيري حمدان
» دعوة على فنجان من القهوة .
» التماثيل لا تشرب القهوة بقلم : منذر أبو حلتم
» قلبي المشاكس بقلم: خيري حمدان
» حالة انتظار بقلم الأديب خيري حمدان
» دعوة على فنجان من القهوة .
» التماثيل لا تشرب القهوة بقلم : منذر أبو حلتم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» بعد إذن الغضب في الذكرى الثالثة عشر لوفاة امي
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 11:53 من طرف ميساء البشيتي
» من روائع الأدب الروسي أمي لأنطون تشيخوف
الخميس 17 أكتوبر 2024 - 11:18 من طرف هبة الله فرغلي
» مشوار الصمت ... إلى روح أبي الطاهرة في ذكرى رحيله الثالثة عشر
الخميس 3 أكتوبر 2024 - 12:13 من طرف ميساء البشيتي
» في الذكرى الثانية لرحيل الوالد عام مرَّ .
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 12:15 من طرف ميساء البشيتي
» عيد ميلاد ابنتي دينا
الثلاثاء 1 أكتوبر 2024 - 11:13 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل إلى أمي
السبت 28 سبتمبر 2024 - 13:05 من طرف ميساء البشيتي
» رسائل في الهواء
السبت 7 سبتمبر 2024 - 12:30 من طرف ميساء البشيتي
» أن تملك مكتبة - أن تخسر مكتبة ..شجاع الصفدي
الخميس 5 سبتمبر 2024 - 11:27 من طرف خيمة العودة
» طباق إلى إدوارد سعيد ..محمود درويش
السبت 31 أغسطس 2024 - 12:05 من طرف حاتم أبو زيد
» سلسلة حلقات جاهلية .
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 12:10 من طرف ميساء البشيتي
» لمن يهمه الأمر
الثلاثاء 27 أغسطس 2024 - 11:52 من طرف هبة الله فرغلي
» عندما تنتهي الحرب بقلم شجاع الصفدي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:17 من طرف خيمة العودة
» شجرة التين بقلم نور دكرلي
السبت 24 أغسطس 2024 - 12:11 من طرف خيمة العودة
» عيد ميلاد سعيد يا فرح
الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 12:49 من طرف ميساء البشيتي
» مطر أسود
الإثنين 12 أغسطس 2024 - 10:29 من طرف ميساء البشيتي
» بـــ أحس الآن ــــــــ
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» أنا .. أنت .. نحن كلمة ( مشاركة عامة )
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:27 من طرف حاتم أبو زيد
» فقلْ يا رب للشاعر الفلسطيني صبحي ياسين
الأربعاء 31 يوليو 2024 - 10:24 من طرف خيمة العودة
» ثورة صامتة
الإثنين 29 يوليو 2024 - 10:53 من طرف مؤيد السالم
» فضل شهر الله المحرّم وصيام عاشوراء
الثلاثاء 16 يوليو 2024 - 11:14 من طرف فاطمة شكري
» "عيون جاهلية" إصدار ميساء البشيتي الإلكتروني السادس
الإثنين 15 يوليو 2024 - 17:53 من طرف ميساء البشيتي
» سيد الصمت .. إلى أبي في ذكرى رحيله السادسة
الأحد 7 يوليو 2024 - 14:45 من طرف ميساء البشيتي
» ليلاي ومعتصمها
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:24 من طرف مريومة
» غزلك حلو
الأربعاء 3 يوليو 2024 - 11:21 من طرف ريما مجد الكيال